1 - ميلاد المرأة
2 - المرأة في الميزان
3 - وصف المرأة
4 - الأم
5 - المرأة في أمثال الشعوب والأمم
6 - طرائف المرأة في حياة الأدباء والشعراء
7 - المرأة في حياة ديوجينيس
8 - نساء العرب وطرائفهن
9 - طرائف النساء والممثلات
10 - هل تعلم عن المرأة؟
1 - ميلاد المرأة
2 - المرأة في الميزان
3 - وصف المرأة
4 - الأم
5 - المرأة في أمثال الشعوب والأمم
6 - طرائف المرأة في حياة الأدباء والشعراء
7 - المرأة في حياة ديوجينيس
8 - نساء العرب وطرائفهن
9 - طرائف النساء والممثلات
10 - هل تعلم عن المرأة؟
المرأة في الميزان
المرأة في الميزان
تأليف
أمين سلامة
الباب الأول
ميلاد المرأة
عند الكلام عن ميلاد المرأة الأولى، أو أول امرأة وجدت في العالم، نجد أنفسنا مضطرين إلى الكلام عن قصة بدء الخليقة.
ومن أشهر قصص بدء الخليقة ما جاء في التوراة، وفيه إيضاح كاف عن ميلاد أول امرأة، فضلا عن ميلاد أول رجل جاء إلى المعمورة واستوطنها وملكها وحده بادئ ذي بدء.
أما القصة الأخرى، فقد وردت لنا فيما كتبه شعراء الأغارقة وكتابهم، وهي تروي لنا في شيء من التفصيل والإسهاب بدء الخليقة وميلاد أول امرأة، والدور الذي لعبته في تعمير الكون وبناء المسكونة.
وإليك بيان قصة بدء الخليقة وميلاد المرأة الأولى، كما أوردتها التوراة في سفر التكوين: «وفي البدء خلق الله السماوات والأرض، وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه القمر ظلمة، وروح الله يرف على وجه المياه، وقال الله ليكن نور، فكان نور، ورأى الله النور أنه حسن، وفصل الله بين النور والظلمة، ودعا الله النور نهارا، والظلمة دعاها ليلا، وكان مساء وكان صباح يوما واحدا، وقال الله: ليكن جلد في وسط المياه، وليكن فاصلا بين مياه ومياه، فعمل الله الجلد، وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد، وكان كذلك، ودعا الله الجلد سماء، وكان مساء وكان صباح يوما ثانيا، وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء إلى مكان واحد، ولتظهر اليابسة، وكان كذلك، ودعا الله اليابسة أرضا، ومجتمع المياه دعاه بحارا، ورأى الله ذلك أنه حسن.
وقال الله: لتنبت الأرض عشبا وبقلا يبزر بزرا وشجرا ذا ثمر يعمل ثمرا كجنسه، بزره فيه على الأرض، وكان كذلك، فأخرجت الأرض عشبا وبقلا يبزر بزرا كجنسه، وشجرا يعمل ثمرا بزره فيه كجنسه، ورأى الله ذلك أنه حسن، وكان مساء وكان صباح يوما ثالثا.
وقال الله لتكن أنوار في جلد السماء لتفصل بين النهار والليل، وتكون لآيات وأوقات وأيام وسنين، وتكون أنوارا في جلد السماء لتنير على الأرض، وكان كذلك، فعمل الله النورين العظيمين؛ النور الأكبر لحكم النهار، والنور الأصغر لحكم الليل، والنجوم وجعلها الله في جلد السماء لتنير الأرض، ولتحكم على النهار والليل، ولتفصل بين النور والظلمة، ورأى الله ذلك أنه حسن، وكان مساء وكان صباح يوما رابعا.
وقال الله: لتفض المياه زحافات ذات نفس حية، وليطر طير فوق الأرض على وجه جلد السماء، فخلق الله التنانين العظام وكل ذوات الأنفس الحية الدبابة التي فاضت بها المياه كأجناسها، وكل طائر ذي جناح كجنسه، ورأى الله ذلك أنه حسن، وباركها الله قائلا: أثمري وأكثري واملئي المياه في البحار، وليكثر الطير على الأرض، وكان مساء وكان صباح يوما خامسا.
وقال الله: لتخرج الأرض ذوات أنفس حية كجنسها، بهائم ودبابات ووحوش أرض كأجناسها، وكان كذلك، فعمل الله وحوش الأرض كأجناسها، والبهائم كأجناسها، وجميع دبابات الأرض كأجناسها، ورأى الله ذلك أنه حسن.
وقال الله نعمل الإنسان، فيتسلط على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم، وعلى كل الأرض، وعلى جميع الدبابات التي تدب على الأرض، فخلق الله الإنسان على صورته، خلقه ذكرا وأنثى، خلقهم وباركهم الله وقال لهم:
أثمروا واكثروا واملئوا الأرض، وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر، وعلى طير السماء، وعلى كل حيوان يدب على الأرض.
وقال الله قد أعطيتكم كل بقل يبزر بزرا على وجه كل الأرض، وكل شجر فيه ثمر، شجر يبزر بزرا، لكم يكون طعاما، ولكل حيوان الأرض وكل طير السماء، وكل دبابة على الأرض فيها نفس حية أعطيت كل عشب أخضر طعاما، وكان كذلك.
ورأى الله كل ما عمله، فإذا هو حسن جدا، وكان مساء وكان صباح يوما سادسا.
فأكملت السموات والأرض وكل جندها، وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل ... وبارك الله اليوم السابع وقدسه.
هذه مبادئ السموات والأرض حين خلقت، يوم عمل الرب الإله الأرض والسموات. كل شجر البرية لم يكن بعد في الأرض، وكل عشب البرية لم ينبت بعد، لأن الرب الإله لم يكن قد أمطر على الأرض، ولا كان إنسان ليعمل الأرض ... وجبل الرب الإله آدم ترابا في الأرض، ونفخ فيه نسمة حياة، فصار آدم نفسا حية.
وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقا، ووضع هناك آدم الذي جبله، وأنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل، وشجرة الحياة في وسط الجنة وشجرة معرفة الخير والشر، وكان نهر يخرج من عدن ليسقي الجنة، ومن هناك ينقسم فيصير أربعة رءوس، اسم الواحد فيشون، وهو المحيط بجميع أرض الحويلة حيث الذهب، وذهب تلك الأرض جيد، هناك المقل وحجر الجزع، واسم النهر الثاني جيحون، وهو المحيط بجميع أرض كوش، واسم النهر الثالث حداقل، وهو الجاري شرق آشور، والنهر الرابع الفرات، وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها، وأوصى الرب الإله آدم قائلا: من جميع شجر الجنة تأكل أكلا، وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتا تموت، وقال الرب الإله: ليس جيدا أن يكون آدم وحده، فأصنع له معينا نظيره، وجبل الرب الإله من الأرض كل حيوانات البرية وكل طيور السماء، فأحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها، وكل ما دعا به آدم ذات نفس حية هو اسمها، فدعا آدم بأسماء جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيوانات البرية، وأما لنفسه فلم يجد معينا نظيره، فأوقع الرب الإله سباتا على آدم فنام، فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحما، وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة ... لأنها من امرئ أخذت، لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدا واحدا، وكان كلاهما عريانا، آدم وامرأته وهما لا يخجلان.
وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الإله، فقالت للمرأة: أحقا قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة؟ فقالت المرأة للحية: من ثمر شجر الجنة نأكل، وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا، فقالت الحية للمرأة: لن تموتا، بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر، فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر، فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضا معها فأكل، فانفتحت أعينهما، وعلما أنهما عريانان، فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر.
وسمعا صوت الرب الإله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة، فنادى الرب الإله آدم وقال له: أين أنت؟ فقال: سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت، فقال: من أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألا تأكل منها؟ فقال آدم: المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت، فقال الرب الإله للمرأة: ما هذا الذي فعلت؟ فقالت المرأة: الحية غرتني فأكلت. فقال الرب الإله للحية: لأنك فعلت هذا، ملعونة أنت من جميع البهائم، ومن جميع وحوش البرية، على بطنك تسعين، وترابا تأكلين كل أيام حياتك، وأضع عداوة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها، هو يسحق رأسك، وأنت تسحقين عقبه. وقال للمرأة: تكثيرا أكثر أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولادا، وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك. وقال لآدم: لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلا لا تأكل منها، ملعونة الأرض بسببك، بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك، وشوكا وحسكا تنبت لك، وتأكل عشب الحقل، بعرق وجهك تأكل خبزا حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها، لأنك تراب وإلى تراب تعود.
ودعا آدم اسم امرأته حواء، لأنها أم كل حي، وصنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما. وقال الرب الإله: هو ذا الإنسان قد صار عارفا ... الخير والشر، والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضا ويأكل ويحيا إلى الأبد، فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التي أخذ منها، فطرد الإنسان وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة.»
هذه هي القصة الدينية لميلاد حواء وبدء الخليقة، وهذا هو الدور الذي لعبته المرأة في بدء ميلادها، مما يستخلص منه أن المرأة هي سبب نكبة آدم، وهي التي حرمته جنة عدن حيث أراد الله له دوام الإقامة، كما هي بالتالي سبب نكبتنا أجمعين، ففرضت علينا الإقامة في الأرض حيث التعب والشقاء، وحيث الجهاد والكد والكفاح.
أما القصة الأخرى، فهي فضلا عن كونها قصة خرافية، لا تمت إلى أي دين من الأديان المعروفة لنا اليوم بأية صلة، ولا سيما الأديان السماوية، إلا أنها كانت تدخل ضمن عقيدة قدامى الأغارقة في الزمان الحالي، وتحتل في ديانتهم الإلحادية نفس المكانة التي تحتلها قصة بدء الخليقة في عقيدتنا الدينية اليوم.
والعجب العجاب، أن قصة بدء الخليقة وميلاد المرأة الأولى كما وردت على لسان الإغريق، وكما ابتكرها هؤلاء القدامى، تتفق مع القصة الدينية في نسبة نكبة البشر إلى المرأة بالذات، فكما أن المرأة هي التي أخرجت آدم من الجنة، كذلك المرأة في الأسطورة الإغريقية، هي التي ملأت الدنيا بجميع الشرور والآثام، والأحزان والآلام، والأمراض والسقام، فلم تقتصر نكبتها على فرد بالذات، بل عمت الجميع في سائر أنحاء المسكونة، وهذا أيضا ما ترمي إليه القصة الدينية، فما آدم إلا أبونا كلنا، وما حواء إلا أمنا أجمعين، وليس أمامنا إلا أن نذوق نفس العقاب الذي أنزله الرب الإله بآدم وحواء، جزاء وفاقا على فعلتهما النكراء ومخالفتهما أمر الله سبحانه وتعالى.
ولا يخفى على القارئ أن شعوب العصور الأولى، كانوا يذكرون قصة ميلاد المرأة عند بدء الخليقة، كل على طريقته الخاصة، ومع ذلك فالقصة الإغريقية بنوع خاص، تمتاز بحسن السبك والمنطق، وهي أقرب إلى التفكير البشري السليم منها إلى أي قصة أخرى من قصص الشعوب الأولى.
وإليك أسطورة بدء الخليقة، وقصة ميلاد المرأة الأولى، كما وردتا على ألسنة شعراء وكتاب قدامى الأغارقة: «قبل أن تخلق الأرض والبحر والسماء، كانت جميع الأشياء مكسوة برداء واحد يسمى «هيولى»، وهي كتلة عديمة الشكل والهيكل، يمكن تصويرها بثقل لا حركة فيه، ترقد فيه بذور الأشياء.
وكانت الأرض والبحر والهواء في مزيج تام، ولذلك لم تكن الأرض صلبة، ولا البحر سائلا، ولا الهواء شفافا، ثم تدخلت الطبيعة وتدخل الله أيضا، فوضعا حدا لهذه الفوضى، بأن فصل الأرض عن البحر، والسماء عنهما، ولما كان الجزء الناري أخف الأجزاء جميعا، فقد ارتفع إلى أعلى مكونا السماوات، واحتل الهواء الطبقة الثانية، لأنه كان أثقل قليلا، أما الأرض فهبطت إلى أسفل، لأنها كانت أثقل الجميع، واحتلت المياه أسفل الطبقات فطفت بذلك الأرض وسط الماء.
بعد ذلك تطوع أحد الآلهة - ولا نستطيع ذكر اسمه لأننا لا نعرفه - فقدم خدمات جليلة في سبيل تنظيم الأرض وترتيبها، فحدد للأنهار والخلجان أماكنها، وشيد الجبال، وحفر الوديان، ووزع الأحراش والغابات والينابيع، والحقول الخصبة، والبطاح الصخرية الصلبة، فأصبح الهواء نقيا، وبدأت الكواكب تظهر، واحتلت الأسماك المياه، والطيور الفضاء، أما الأرض الصلبة فقد احتكرتها كل دابة من ذوات الأربع.
غير أن الحاجة كانت ماسة إلى حيوان أكثر رقيا، خلق الإنسان، وليس من المعروف إن كان الخالق قد خلقه من مواد مقدسة، أو أنه عندما انفصلت الأرض عن السماء ظلت هناك بعض البذور السماوية عالقة بالأرض، فأخذ «بروميثيوس» بعضا منها ومزجها بقليل من الماء، وخلق منها الإنسان في صورة الآلهة، وجعله منتصب القامة على خلاف باقي الحيوانات الأخرى، كما جعله قادرا على رفع وجهه إلى السماء، يحملق في النجوم، بعكس الحيوانات الأخرى التي كانت تنظر دائما إلى أسفل، ولا ترى غير وجه الأرض.
كان بروميثيوس هذا أحد التيتان، وهم عمالقة سكنوا الأرض قبل أن يخلق الإنسان، وتعزى إليه وإلى أخيه «إبيميثيوس» فكرة خلق الإنسان وإمداده هو وجميع الحيوانات الأخرى، بالملكات اللازمة للبقاء.
أخذ إبيميثيوس على عاتقه إنجاز هذا الأمر، أما بروميثيوس فكان عليه أن يفحص عمل أخيه بعد أن يتم إنجازه، وبناء على ذلك أخذ إبيميثيوس يمن على الحيوانات بشتى أنواع الهبات من شجاعة وقوة، وسرعة وجسارة، فيعطي هذا جناحا، وذاك مخلبا، والآخر ورقة صدفية، وهكذا.
وما إن جاء دور الإنسان، وكان مفهوما أنه أرفع سائر الحيوانات مكانة، حتى وجد إبيميثيوس أنه لا يستطيع أن يعطيه شيئا، فقد أسرف كثيرا في منح ما كان عنده من الهبات، فلما ضاق به الأمر، وعظمت حيرته، طلب معونة أخيه بروميثيوس، فصعد هذا، بمساعدة «مينيرفا» ربة الحكمة، إلى السماء، وأوقد مشعله من قرص الشمس، وجاء بالنار إلى البشر، فتفوق الإنسان بها على جميع الحيوانات الأخرى لأنها منحته القدرة على صنع الأسلحة التي تمكن باستخدامها من إخضاع الحيوانات إلى مشيئته، كما صنع الآلات التي تمكن بواسطتها من زراعة الأرض، وتدفئة مسكنه، وبذا أصبح مستقلا تمام الاستقلال عن تقلبات الجو، كما مهدت له الطريق إلى الفنون وصك النقود التي يسرت وسائل التجارة والصناعة وشتى الأعمال الأخرى.
ولكن زوس، كبير الآلهة وجامع الغيوم، خاطب بروميثيوس عقب سرقته النار، في حمية شديدة من الغضب فقال: «أي بروميثيوس: يا من تفوقت على الجميع في الدهاء وسعة الحيلة، أراك مسرورا من نجاحك في خداعي، وفي اختلاس النار مني، فليحل بك بلاء عظيم، وبمن يخلفك في القوم، أتظن أنك وفرت سبل الراحة للبشر؟ سوف أهب الناس في مقابل النار شرا مستطيرا، به يعم الفرح قلوبهم أجمعين، وهم لا يدركون أنهم لا يحتضنون غير هلاكهم.»
هكذا تكلم أبو البشر والآلهة، وقهقه ملء شدقيه، ثم أمر هيفايستوس الشهير، رب النار العظيم، أن يمزج التراب بالماء بأقصى سرعة، ثم يضع في المزيج صوت وقوة الجنس البشري، ليصير هيكل فتاة جميلة فاتنة، تشبه الربات الخالدات وجها، ثم أمر أثينا أن تعلمها أشغال الإبرة، لتخيط مختلف أنواع الأنسجة، وكذا أمر أفروديت ربة الحسن والجمال، أن تضع العقد على رأسها، وكذا الشوق المتيم، والهموم التي تنهك الأعضاء وتبلبل الأفكار، وأمر القائد هرميس، رسول الآلهة، أن يضع في رأسها عقلا يخلو من كل معاني الحياء، وطبيعة تحوي جميع أنواع الخداع .
هكذا أمر السيد زوس، فأطاع الجميع أمره، وفي لمح البصر صنع الإله الأعرج الذائع الصيت، هيكل فتاة محتشمة من الطين، كما أراد زوس ثم زينتها الآلهة، أثينا ذات العيون النجلاء كستها بفاخر الثياب التي جعلتها فتنة للناظرين، أما صاحبة الجلالة المقدسة ربة الجمال والطاعة أفروديت الحسناء فقد ألبستها قلائد من العقيان، وتوجت حارسات أبواب السماء ذوات الشعور المرسلة الجميلة رأس الفتاة بأزهار الربيع الباسمة، ثم جاءت بعد ذلك أثينا، فزينت قوامها بكل أنواع الترف والعظمة والفخفخة، وحشا رسول الآلهة جوفها بالأكاذيب والنفاق، والألفاظ المعسولة الخداعة، والطبيعة الماكرة، محققا بذلك رغبة زوس صاحب الصواعق الصارخة والبروق المتلألئة، وبث الصوت فيها، ثم أطلق عليها اسم «باندورا» لأن كل من يقيم فوق بابل أوليمبوس قد حباها بهدية من عنده، فأصبحت بذلك نكبة وبلاء على بني الإنسان الذين يأكلون طعامهم بعرق جبينهم.
ما كاد زوس ينتهي من أحبولته المتينة التي يتعذر مقاومة فتنتها وإغرائها، حتى بعث رسول الآلهة السريع، يحمل الفتاة هدية إلى إبيميثيوس، فلم يتذكر هذا وقتئذ ما كان قد حذره منه بروميثيوس، إذ عرفه ألا يتقبل أي هدية من زوس الأوليمبي، وأمره أن يعيد الهدية من حيث أتت، مخافة أن تثبت الأيام ضررها وأذاها لبني البشر، ولكنه لم يعلم أن هذه الفتاة الفاتنة وراءها بلاء ما بعده بلاء إلا بعد أن قبل الهدية، وأصبحت في حوزته.
كان بمنزل إبيميثيوس صندوق به بعض المواد الضارة، فدفع الفضول باندورا ذات يوم إلى معرفة ما بداخل الصندوق، ففتحته، وعندئذ انطلقت من داخله بلايا جمة سببت شقاء الإنسان، فقد تسرب من الصندوق النقرس والروماتيزم والقضاع، وهذه تسبب مرض الجسم، كما تسرب الحسد والحقد والبغضاء والانتقام، وهذه تسبب سقم العقل.
انتشرت هذه العلل والأوبئة انتشار النار في الهشيم يوم ريح صرصر عاتية، حتى امتلأت الأرض بالآثام واكتظ البحر بالشرور، ها هي الأمراض لا تنفك تصيب البشر من تلقاء نفسها ليلا ونهارا، فتجر في أذيالها البلاء والشقاء لبني الإنسان في هدوء وسكون، إذ قد جردها زوس العاقل من النطق، فلم يكن هناك مهرب من إرادة زوس.
لما رأت باندورا مغبة العمل الذي أقدمت عليه، وعاقبة فضولها الأثيم، أغلقت الصندوق، ولكن متى أغلقته؟ يا للأسف والحسرة! لقد أغلقته بعد أن ولت جميع محتوياته هاربة، ما عدا «الأمل» الذي ظل باقيا في قاع الصندوق.»
لهذا السبب نرى اليوم أننا - رغم ما يحيط بنا من مصائب وآلام وبلايا وسقام - لا نزال نتمسك بذيل الأمل فلا تستطيع الشرور مهما بلغت أن تسبب تعاسة نفوسنا تعاسة تامة أبدية.
وهناك رواية أخرى، تقول إن باندورا قد أرسلت بأمر من زوس، لتبارك البشر، وإنها كانت تحمل صندوقا به هدايا زواجها، والبركات التي وهبتها إياها الآلهة، فلما فتحت الصندوق، عن غير قصد، هربت جميع البركات ما عدا الأمل، وهناك من يميل إلى تصديق الرواية الثانية، وحجتهم في ذلك أن الأمل، ذلك الدرة الثمينة، جدير بأن يوضع مع البركات والدرر، وليس من المعقول أن يوضع بين الشرور والآثام.
عندما امتلأ الكون بالبشر عقب ذلك، كان العصر الأول عصر طهارة وسعادة، ويسمى «العصر الذهبي» وقد ساد فيه الحق والعدل، ولم تكن الغابات قد قطعت أشجارها لتمدهم بالأخشاب لصنع السفن، ولم يكن القوم بعد قد أقاموا الحصون حول مدنهم، ولم تكن هناك معدات أو أسلحة، من سيوف أو رماح أو خوذات، بل كانوا يعيشون كالآلهة بعيدا عن هموم الحياة وأحزانها دون القيام بأي عمل شاق أو بذل أي مجهود، فلم تحل بهم الشيخوخة العابسة، بل كانت حياتهم كلها فرحا ومرحا وسرورا وولائم.
ولما طواهم الثرى، كانوا كمن أخذتهم سنة من النوم، وكان لهم كل ما هو جميل، إذ كانت الأرض الطيبة تخرج لهم من تلقاء نفسها ثمارا كثيرة وقطوفا دانية، دون حقد أو ضغينة، وكانوا يقيمون في بطاحهم قانعين سالمين، متمتعين بالنعم والرخاء، والسعادة والهناء، يملكون الأغنام الوافرة، والخيرات العديدة، ويحبون آلهتهم المباركين حبا جما.
ما إن اندثر هذا الجيل - وكان يطلق عليه اسم «جيل الأرواح النقية الرحيمة القاطنة على الأرض الطاهرة الخالية من الآثام» - حتى قاموا بحراسة البشر ، فقد كانوا يجوسون خلال مناكب الأرض في حلل من الرذاذ، لمراقبة الأحكام وأعمال القسوة، وعلاوة على ذلك، كانوا يسمون «واهبي الثروة» إذ كانوا قد منحوا ذلك الشرف العظيم الملكي.
عاد القائمون فوق أوليمبوس، بعد ذلك، فصنعوا جيلا ثانية من الفضة، أقل نبلا من الجيل الذهبي، غير مطابق له من حيث الجسد والروح، في ذلك العصر جعل زوس الربيع قصيرا، وقسم السنة إلى فصول، وصار على الناس أن يتحملوا الحر اللافح والبرد القارس، وأصبحت المنازل ذات قيمة عظيمة، إذ كانت الكهوف والمغارات والأكواخ مساكن العصر الأول، ولم تعد المحاصيل والثمار تنمو دون أن يزرعها الإنسان أو يحرث لها الأرض، بل صار لزاما على الفلاح أن يحرث ويبذر ويزرع، وصار على الثور القوي أن يجر المحراث ويتعب مع الإنسان.
كان هذا الجيل الفضي طفلا ترعرع في كنف أمه مائة عام؛ وكان عاجزا كل العجز عن النطق، يلهو في بيته لهو الأطفال، بيد أنهم لما بلغوا عنفوان الشباب واقتربوا من سن الشيخوخة الناضجة عاشوا مدة وجيزة جدا مملوءة بالآثام التي سببتها حماقتهم، إذ لم يستطيعوا كبح جماح أنفسهم عن اقتراف الخطايا، وتضليل بعضهم بعضا، كما أنهم لم يرغبوا في خدمة الآلهة الخالدين، أو تقديم المحرقات فوق مذابح الآلهة المباركين، كما هو الواجب في كل مكان يقيم فيه البشر، فقام زوس في سورة غضبه، فمحا آثارهم عن بكرة أبيهم، لأنهم لم يوفوا الآلهة المباركين الساكنين فوق جبل أوليمبوس حقهم من الاحترام والتعظيم والتبجيل.
عندما لحق هذا الجيل سابقيه من الأجيال المندثرة - وكان يسمى «جيل أرواح العالم السفلي المباركين» ورغم كون أناسه في المرتبة الثانية، فقد لازمهم الشرف أيضا - صنع الأب زوس جيلا بشريا ثالثا من أشجار الدردار، جيلا نحاسيا لا يمت إلى الجيل الفضي بأية صلة، بل كان جيلا ضخما قويا، أعظم وحشية في الطباع، وأكثر استعدادا للنزاع بالعدة والعتاد، فما كانوا يرضون إلا بأعمال الحرب والقتال، وأعمال العنف والنزاع، وكانوا لا يستسيغون الخبز، وكانت لقلوبهم صلابة الصخر، ولذا كانوا مهيبين مرهوبين.
وكانوا عظيمي القوة مفتولي السواعد، وكانت أسلحتهم ومنازلهم من النحاس وكذا باقي معداتهم.
لم يكن للحديد الأسود وجود في ذلك العصر، ولكنهم ما إن دمروا هذه المعدات بأيديهم حتى انتقلوا إلى زمهرير الجحيم في دارها الرطبة دون أن يتركوا وراءهم أي شيء يخلد ذكرهم، ورغم ما كانوا عليه من شدة وبأس، فقد أمسك الموت بتلابيبهم، حتى غابوا عن الشمس وعن شعاعها اللامع.
ما إن اندثر هذا الجيل أيضا، حتى عاد زوس، فصنع من جديد جيلا آخر، أكثر نبلا وعدلا من سابقه، ذلك هو الجيل الرابع على الأرض الخصبة، جيل يشبه أبطال الآلهة الذين يدعون «أنصاف الآلهة»، هو الجيل السابق لجيلنا من سكان الأرض الفسيحة الأرجاء، ولقد أهلك بعضهم البعض الآخر بالحرب الضروس في أرض كادموس قرب طيبة ذات الأبواب السبعة، وذلك عندما تقاتلوا من أجل قطيع أودييوس، والبعض الآخر عندما نقلتهم السفن عبر البحار الواسعة إلى مدينة طروادة من أجل هيلين الجميلة الفاتنة، ذات الشعور الذهبية الغزيرة والأنوثة الكاملة الجذابة.
حقا لقد هلك كثير منهم في تلك الحرب الشعواء الطاحنة، ولكن الأب زوس منح الحياة للبعض الآخر، كما وهبهم موطنا نائيا عن البشر، وأسكنهم عند نهاية الأرض في جزر المباركين قرب ساحل المحيط البعيد الغور، وكانت قلوبهم لا تعرف الهموم ولا الأحزان.
فعاشوا عيشة الأبطال السعداء، الذين كانت الأرض المثمرة تحمل فاكهتها الحلوة المذاق من أجلهم، وكانت الأرض تزهر ثلاث مرات في العام بعيدا عن الآلهة الخالدين.
وكان يدير شئونهم الرب كرونوس «الزمن» إذ أطلق أبو الآلهة سراحه وفك قيوده، وكان لهم شرف ومجد موزعان عليهم بالتساوي.
عاد زوس الثاقب النظر فصنع من جديد جيلا آخر هو الجيل الخامس من البشر، الذين يقيمون فوق الأرض الطيبة.
كان هذا العصر، هو عصر الحديد حقا، تدفقت فيه الجريمة كما تتدفق الفيضانات، أما العدالة والحق والشرف، فقد ولت الأدبار، وحل محلها الضغينة والحقد والخداع، والعنف ومحبة الربح الدنيء، لذا عمد البحارة إلى نشر أشرعة سفنهم للرياح، وقطعت الأشجار من الغابات لتصنع منها السفن التي تثير حنق سطح المحيط، أما الأرض - التي كانت حتى تلك الآونة تزرع وتفلح لمصلحة الجميع - فقد بدئ في تقسيمها إلى ممتلكات، ولم يعد الناس يقنعون بما تنبته لهم الأرض، فدفعتهم الضرورة إلى الوصول إلى باطنها حفرا وتنقيبا، ليخرجوا منها الجوهر والمعدن.
استخرج الإنسان الحديد الكثير الأذى، والذهب الذي يفوقه ضررا، ونشبت الحروب، واستخدموا هذه المواد فيها، ولم يعد الآباء يتفقون مع بنيهم، ولا الأبناء مع آبائهم، وكذلك الحال بين الضيف ومضيفه، والزميل وزميله، ولم يعد الأخ عزيزا على أخيه كسابق العهد، وما عاد الناس يحترمون والديهم إذا تقدمت بهم السن، بل صاروا يتأففون منهم وينهرونهم بجارح الألفاظ.
ولا يوفون آباءهم الشيوخ جميل ما أسدوه إليهم من رعاية وما لاقوه في تربيتهم صغارا.
لم يتورع المرء عن سلب ونهب مدينة غيره، ولم يشكر أو يمدح من يفي بوعده وعهده، أو من يصنع البر ويفعل الخير، وصار الناس يميلون إلى الثناء على الآثمين المجرمين وما يأتونه من الشرور والظلم.
وانعدم العدل والإنصاف إلا عن طريق القوة، وتلاشت دلائل الاحترام، كما أن الشرير لم يكن يتوانى في قذف ذوي المكانة الرفيعة بنابي الألفاظ وخسيس العبارات، ويحنث في يمينه، ومات حب الأسرة، وتضرجت الأرض بدماء القتلى، وهجرها الآلهة واحدا بعد واحد.
فلما أبصر زوس ما آلت إليه الأمور على الأرض، استشاط غضبا، واشتد غيظه، ونادى الآلهة فلبوا نداءه، وشق كل منهم طريقه إلى قصر السماء، فخاطب زوس المجتمعين وشرح لهم الموقف المحزن على الأرض.
وختم حديثه بقوله إنه ينوى القضاء على سكان الأرض، وإسكانها بعنصر آخر جديد، يخالف جميع العناصر السابقة، عنصر أكثر استحقاقا للحياة، يعيد الآلهة ويفعل الخير ولا يأتي الشرور.
قال زوس هذا، ثم تناول صاعقة وهم بإلقائها نحو الأرض ليهلكها حرقا، ولكنه فطن إلى أن حرق الأرض قد يتسبب في حرق السماء أيضا، فعدل خطته وعول على إغراقها، فحول مجرى الريح الشمالية التي تبدد السحب، وأطلق الريح الغربية من معاقلها، وسرعان ما غطى السماء برمتها ظلام دامس، وكانت السحب في تدفقها تدوي في الفضاء دويا، وأخذت سيول المطر تنهمر مدرارا، فجرفت المحاصيل أمامها، وتلاشى في ساعة واحدة مجهود الفلاح في عام بأكمله.
ولم يكتف زوس بسيوله وأمطاره، بل طلب مساعدة أخيه رب البحر، فأطلق هذا سراح مجاري الأنهار، ففاضت مياهها فوق الأرض، وأخذ زوس في الوقت نفسه يزلزل الأرض بشدة، ويجلب جزر المحيط فوق الشاطئ، أما الأغنام والبشر والمنازل فقد اكتسحت جميعها، كما انتهكت حرمات المعابد، وما من بناء شامخ إلا وغرق، وأخذت الأمواج تلعب فوق قمته، وانقلب كل شيء وقتئذ إلى بحر متلاطم الأمواج لا شاطئ له، ولم يبق هنا أو هناك إلا نفر قليل فوق قمة أحد التلال، وكذا نفر آخر يجدف في بعض الزوارق، وكانوا حتى آخر لحظة يحرثون الأرض.
أخذت الأسماك تسبح بين قمم الأشجار، وكانت الأمواج العاتية ترتفع حيث كانت الحملان الوديعة تلعب منذ وقت قصير، وكانت الذئاب تسبح في الماء بين الأغنام، وتتشاجر السباع الصفراء مع النمور في المياه، ولم تعد قوة الخنزير البري تفيده في شيء، ولا سرعة الغزال الرشيق تجديه نفعا.
وكانت الطيور المتعبة تسقط بأجنحتها المكدودة إلى المياه بعد فقدها كل أمل في العثور على أرض يابسة تستريح فوقها، أما المخلوقات التي نجت من وابل الأمطار فقد خرت فريسة الجوع المهلك.
غطت الأمواج قمم الجبال جميعها ما خلا قمة جبل «بارناسوس»، حيث اتخذ «ديوكاليون» وزوجته «بورا» - وهما من نسل بروميثيوس - مسكنهما ومأواهما.
وكان ديوكاليون هذا رجلا عادلا محبا للخير وأهله، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكانت زوجته سيدة تقية ورعة.
فلما شاهدها زوس، تذكر حياتهما الخالية من الآثام، ومسلكها المجيد، فأمر الرياح الشمالية أن تقشع السحب وتكشف السماء للأرض، والأرض للسماء، كما حث رب البحر أحد أعوانه أن ينفخ في بوقه الصدفي ويأمر المياه أن تنحسر، فأطاعت المياه أمره، وعاد البحر إلى شواطئه، والأنهار إلى مجاريها.
عندئذ خاطب ديوكاليون زوجته بورا قائلا: «أيتها الزوجة، أيتها المرأة الوحيدة القائمة فوق الأرض، لقد جمعني بك في بادئ الأمر رباط القرابة والزيجة، والآن يجمعني بك هذا الخطر الجسيم، يا ليت لنا قوة جدنا بروميثيوس، فنستطيع أن نجدد الجنس البشري كما خلقه هو أولا.
هلمي إذن نسع إلى هذا المعبد القائم هناك، ونسأل الآلهة ماذا يمكننا فعله في هذا الصدد.»
ولج ديوكاليون وزوجته باب المعبد، وكان ملطخا بالأوحال، وتقدما من المذبح، ولم تكن هناك نار مستعرة، فانبطحا أرضا وراحا يصليان بدموع حارة لربة المعبد، لعلها تطلعهما على سبيل الخلاص من الصعاب التي أمامهما.
أجابت الربة على سؤالهما وقالت: «فلترحلا من المعبد برأسين متدثرين، وحلل مفككة، ولتلقيا خلفكما برفات أمكما.»
أثارت كلمات الربة دهشة ديوكاليون وزوجته.
فقالت بورا: «أظن ما أمرتنا به الربة متعذر التنفيذ؛ إذ كيف نجرؤ على إلحاق الدنس برفات آبائنا؟»
ثم أخذا يبحثان عن أ كثر مناطق الغابة ظلا، وهما يرددان في أذهانهما كلمات الربة، وأخيرا قال ديوكاليون: «هناك أحد أمرين، إما أن ذكائي يخونني، وإما أن الأمر لا بد لنا من طاعته دون أن يتطرق الكفر وعدم الإيمان إلى نفسينا إن الأرض هي أم الجميع، والأحجار عظامها، فيمكننا أن نلقي بها خلف ظهورنا، وأظن أن هذا هو ما تعنيه الربة، وعلى أية حال، فلو حاولنا ذلك لما أصابنا مكروه.»
حجب ديوكاليون وبورا وجهيهما، وجردا جسدهما من الملابس وأخذا يلتقطان الأحجار ويلقيانها خلف ظهريهما، فأخذت الأحجار للعجب تنمو وتتخذ لنفسها أشكالا، وتصبح رويدا رويدا ذات هياكل بشرية، كما لو كانت كتلا خشبية في يد نحات لم ينته من تشكيلها وإتمامها، وصارت الأجزاء الطينية لحما وشحما، أما الأجزاء الحجرية فصارت عظاما، وظلت الفروق كما هي، أي إنها احتفظت بالاسم دون الوظيفة، وانقلبت الأحجار التي ألقاها ديوكاليون رجالا والتي ألقتها بورا نساء، وكان جيلا جديدا قويا، قادرا على القيام بجلائل الأعمال، كما نعطي اليوم عن أنفسنا دلالة صارخة عما كان عليه منبتنا وأصلنا!
هذه هي الأسطورة الإغريقية في شيء من الإسهاب والتفصيل وهي تروي الدور الذي لعبته المرأة في بدء الخليقة، فالمرأة الأولى التي خلقت من الطين والماء، والتي أطلقوا عليها اسم باندورا، فضلا عن كونها مصدر جميع الشرور والآثام التي ملأت الأرض والبحر، فإنها كانت أيضا حواء أجيال من البشر أغضبوا الآلهة، فلم يجد زوس بدا من القضاء على نسلها، فلجأ إلى الطوفان يبيد به جميع البشر.
ولكن زوس أبقى على امرأة واحدة هي بورا، لأنها كانت امرأة صالحة تقية، ومنها خلق جنس النساء بالطريقة المذكورة بالأسطورة، فكان الأغارقة يؤمنون بخليقتين، إحداهما على يد باندورا، والأخرى على يد بورا، إحداهما تمثل الشر والأخرى تمثل الخير.
الباب الثاني
المرأة في الميزان
المرأة لغز جميل، قد يبدو لك سهلا فإذا هو صعب، وقد يبدو لك عسيرا فإذا هو بسيط سهل.
والمرأة في نظر بلزاك شيء لا يفهم، فيقول: «هناك ثلاثة أشياء أحببتها مدة حياتي دون أن أفهم كنهها: الموسيقى، والرسم، والنساء.»
والمرأة قد تغضب لكلمة تسمعها، ولا تغضب لصفعة على وجنتها، وهذا مظهر من مظاهر غموضها تحير الرجال في فهمه.
سئل الشاعر الإيطالي «دانتزيو» عن سر توفيقه في غزو قلوب الجنس اللطيف، رغم أنه لم يكن حسن الطلعة فأجاب: «لقد وفقت في عالم المرأة لأنني أكتشف سرها، فإن كانت أميرة، عاملتها كما لو كانت خادمة، ولو كانت خادمة عاملتها كما لو كانت أميرة.»
وقد نصحنا بعضهم لكي نفهم المرأة على حقيقتها فقال: «إذا أردت أن تفهم المرأة، فانظر إلى ثغرها عندما تبتسم، وإن أردت إدراك طوية الرجل، فانظر إلى بياض عينيه عند ما يغضب.»
ويقول كبلنج: «المرأة وحدها هي التي علمتني ما هي المرأة.»
وهكذا جعل لغز المرأة سرا لا تقف عليه إلا امرأة مثلها.
إذن، فما هي المرأة؟ وما هذا المخلوق الذي حير الألباب، ولعب بالقلوب، وسخر من الرجال؟
سئل أحد الحكماء عن المرأة فقال: «حرب لا هدنة فيها.»
وسئل ألفريد موسيه فقال: «هي الطريق الوحيد لارتكاب الأخطاء.»
وترى مدام ينكر أن المرأة خلقت لتملأ الفراغات الصغيرة في الحياة، مثلها في ذلك مثل القش الذي يوضع بين الأواني الزجاجية في الصناديق، فإنه لا يساوي شروى نقير، ولكنه يحميها من الكسر!
والمرأة عند ماريشال كتاب مفكك الأوراق، غلافه خير منه، فلا عجب إذا فضل الرجل قراءته ليلا!
وهناك من يرى أن المرأة مخلوق عظيم كامل، فيقول جلادستون: «أعظم مخلوق هو المرأة، لو عرفت قدر نفسها.» ويقول كونفوشيوس: «المرأة أكمل المخلوقات.» ويناقض كونفوشيوس أدينوس إذ يقول: «المرأة هي العمل الوحيد غير الكامل، الذي ترك الله أمر إتمامه للرجل.»
ويعتقد سوفوكليس أن المرأة خلقت لتشاهد وليس لتسمع، وهي في نظر دانتي «مخلوقة ساعة» ويقول فولتير: «خلقت المرأة لتعلمنا الظرف والأدب.» بينما يقول أوسكار وايلد: «خلقت المرأة لتثير فينا الرغبة في تحقيق الروائع، وإن كانت هي نفسها التي تحول دائما بيننا وبين ذلك.»
وإذا كان شوبنهاور يصف المرأة بأنها حيوان طويل الشعر قصير الفكر، فإن أناتول فرانس يصفها بأنها أنشودة مطربة من أناشيد السماء، ويصفها لاينباي بأنها زهرة لا يفوح أريجها إلا في الظل فقط، ويصفها آخرون بأنها كوكب يستضيء به الرجل، وبدونه يبيت في ظلام دامس.
ولقد سئل سقراط عن أي بهيمة أجمل البهائم، فقال: «المرأة.»
كما سئل سيافيدس عن المرأة فكتب: «هم الرجل شر لا يوصف، فهو سبع يعاشر لبؤة، فتكون حياته حربا لا سلم فيها.»
والمرأة في نظر ألن بو سلسلة من الانفعالات النفسية فيقول: «إنها الحياة عندما تغضب، والبحر عندما يثور، والنار عندما تضطرم، والنحلة المسكينة عندما تعمل، إنها تعمل ولا تجني عسلا، هذه هي المرأة، سلسلة من الانفعالات النفسية.»
وسئل تباكوس ذات مرة عن أي الأشياء أكثر تغيرا؟ فقال: «مجاري المياه وأعراض النساء.»
والمرأة على حد قول البعض: ريحانة وشيطان، فيقول الشاعر:
إن النساء كأشجار نبتن لنا
منها المرار وبعض المر مأكول
وروي أنه جاءت سيدة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت: «إن النساء رياحين خلقن لكم، وكلكم يهوى شم الرياحين.» فأجابها عمر:
إن النساء شياطين خلقن لنا
نعوذ بالله من شر الشياطين
والنساء عند إسكندر ديماس: «حور هربن من رضوان، وهجرن حدائق الجنان لتلطيف شقاء بني الإنسان.» وهن عند بيكنسفيلد: «كاهنات القضاء والقدر.» وهن كما يقول ويلز: «موجودات في كل شيء.»
وهناك من يرى المرأة طفلا صغيرا، إن دللته بش كثيرا وأحبك، ورحب بلقائك، وإن أغضبته بكى غزيرا ثم كرهك وتحاشاك.
وتحدثنا الأسطورة الهندية عن المرأة فتقول: «وأخذ الله خفة الورق، ونظرة الظبي، وإشراق الشمس، ورطوبة الندى، وتقلب الرياح، ووداعة الأرنب، وصلابة الجوهر، وقسوة الفهد، وحلاوة العسل، وحرارة النار، وبرودة الثلج، ثم مزج كل هذه الأشياء مع بعضها، وخلق منها المرأة.»
ولا شك أننا نشعر بأهمية المرأة في الحياة العامة، وفي عمران الكون، وما من شك في أنه ليس لتأثير المرأة في حياتنا نهاية؛ فهي أصل كل ما يحدث لنا.
ولقد صدق أفلاطون حين قال: «لو أن الحقيقة صيغت امرأة لأحبها جميع الناس.» فهي إذن مخلوق عظيم الأهمية لأن الجميع يحبه، ويقول أوسكار وايلد: «إن النساء وجدن لكي نحبهن.»
ولا ريب أن قيمة المرأة في كل أمة ميزان نهضتها، كما أن معاشرتها أكبر مهذب للأخلاق.
قيل لسقراط: «لم اخترت أسفه امرأة؟» فقال: «لكي أضع فيها نفسي، فيصلح خلقي الخاص والعام.»
ومما يثبت عظم المرأة الحقيقية أنها الأم، والأم هي المعلم.
ولم تحي إلا بالمعلم أمة
ولا ساد إلا بالمعلم معشر
ومن ثم فما أروع جوته حين يقول: «إني لا أعيش يا سيدي في هذه الحياة، إني أموت كل يوم وكل ليلة، إني أحس بالبرودة تتسرب إلى كياني وإلى قلبي، إني أعيش بدون امرأة، أي امرأة.»
ويعظم هوجو من أهمية المرأة فيقول: «إذا صغر العالم كله، المرأة تبقى كبيرة.»
وتظهر أهمية المرأة في كيان الأسرة في كلمات إميل حين يقول: «المرأة إما خلاص أو هلاك للعائلة، لأنها تحمل في ثنيات ثوبها مصير كل فرد من أفرادها.»
والقول المأثور: «المرأة سلاح النعمة، أو سلاح النقمة.»
لذا يخطئ من يقول إن المرأة جنس ضعيف، فهذا هراء في هراء؛ ذلك لأن الطبيعة أغدقت على المرأة قدرا من القوة خوف القوانين من بطشها، فحدت من قوتها، وصدق من قال: «لقد أخرجت المرأة آدم من الفردوس بقوة إرادتها، وضعفه هو.»
وصدق روسو إذ قال: «المرأة التي تهز المهد بيمينها ، تزلزل العالم بيسارها.» أيتها المرأة، إنك سبب الثورة، وأنت أعظم مهيج للبشر، ولا أدل على ذلك من أنه إذا عجزت الشرطة عن استجلاء حادثة قتل غامضة، لجئوا إلى الحكمة الخالدة: «فتش عن المرأة.»
ولا جدال في أنه ما من أحد أقدر من المرأة على فهم قوانين المد والجزر، والكر والفر، ولقد مكنها الرجال من إجادة هذا الفن بارتمائهم في أحضانها، وفي هذا ينصح أناتول فرانس الرجال قائلا: «خير لكم أن تكونوا ألعوبة في يمين القدر، من أن تكونوا لعبة في يسار المرأة.»
أما أن المرأة قوة لا تعرف الضعف، فلله در من كتب: «أواه، ما كان هذا يدرى أو يتصور أن أمة قد نكبتها امرأة، فلو أنه كان ممن يؤمنون بذلك لآمن أن في إمكان امرأة أن تهدم شخصيته، قد كان دولة في نفسه، وأمة في فهمه، وعالما في خياله، كانت له سماء خاصة، وقمرا وشمسا دونهما قمر السماء وشمسها، وكانت له أنهارا مياهها ذهبية، وأشجارا ثمارها فضية، وأزهارا أوراقها عاجية، ونعاجا قرونها مرمرية، كان يعيش في دنياه هانئا راضيا، تهبه النعاج لبنها الدسم الشهي، وتطل عليه الشمس من طرفها فتكسبه رداء بهيا جميلا، ويهديه القمر ابتساماته السخية، والنجوم تلتف حواليه في حلقات وردية، وكأنها قلائد في أعناق الحور ولكن وا حسرتاه، إن مثله اليوم مثل من ملك خاتم سليمان فتمتع به حينا من الدهر، ثم انتزعته منه فتاة شيطانية، أو قل: كمثل من وضع على السجاد الطيار فحمله حينا إلى حيث لا يعرف، فتمتع بهناء عظيم، ثم سلبته من هذا النعيم عروس رقيقة الطرف، فتبا لك أيتها المرأة.»
وتختلف الآراء في المرأة وتتضارب، فهناك من يرى أن الله قد خلقها من أجل عذاب الرجل وشقائه، وأن الرجل هو الذي يمكنه النجاة من عذاب المرأة لينال الحياة الأبدية.
إذن، ما العلاقة بين الرجل والمرأة؟ وعلى أي أساس تقوم؟ وما نظرة الرجل إلى المرأة؟ وما نظرة المرأة إلى الرجل؟ وما الفرق بين هذين المخلوقين؟ وهل صحيح أن الرجل قوة الرأس واليد ، أما القلب فهبة المرأة؟
هناك حكمة غربية تقول: «إن الله تعالى حين أراد أن يخلق حواء من آدم، لم يشأ أن يخلقها من عظام قدميه، كيلا يطأها، ولا من عظام رأسه حتى لا تسوده أو تسيطر عليه، وإنما خلقها من أحد ضلوعه لتكون مساوية له قريبة إلى قلبه.»
فهل المرأة مساوية للرجل؟ يقول جبران خليل جبران: «تسلك المرأة طريق العبيد لتسود الرجل، ويسلك الرجل طريق الأسياد لتستعبده المرأة.»
ويقول موباسان: «يظل الرجل منا يتحكم في امرأته كما يشاء، مقابل أن تتحكم فيه هي كما تشاء.»
ويقول غوردون: «خلق الرجل للقيادة والمرأة للإرشاد والمعاضدة في قيادته، ما كل رجل بقائد، وكثيرا ما أبدت المرأة كمالا نادرا في القيادة، ولا سيما في بعض المواقف الحرجة، التي لم يكشف ضوء نبراس الفيلسوف عن وجود رجل فرد فيها، بيد أن هذه شواذ وحالات نادرة، والنادر لا حكم له، فلا كمال في أعمال الحياة إلا باتحاد الرجل والمرأة معا، وسيرهما في طريق الحياة جنبا إلى جنب.»
ويضع هنري جيمس الرجل قبل المرأة فيقول: «سبق الرجل المرأة في الخليقة، ولا يزال يتقدمها منذ ذلك الحين حتى اليوم.»
ويحلل لنا إبسن وجه الخلاف بين الرجل والمرأة فيقول: «في هذه الحياة قانونان روحيان، أو نوعان من الضمير، يختلف كل منهما عن الآخر تمام الاختلاف، أحدهما موضوع في جسد الرجل، والآخر في جسد المرأة، لذا يسيء الرجل تفسير أهداف المرأة، لأنه يحكم عليها حسب قوانينه هو وبضميره هو، وكأنها رجل لا امرأة.»
ويفرق يونج بين غرائز الرجل والمرأة فيقول: «المرأة بحكم غريزتها، تريد أن تقبض على الرجل، بينما الرجل بغريزته يريد أن يصيد أكبر عدد من النساء، ولذلك تراه يهرب من شباك المرأة التي تتعقبه ما وسعة الهرب، والمرأة تفضل الفريسة التي تستعصي على غيرها من النساء، ولا تشعر بلذة الظفر إذا أمسكت برجل في متناول أي امرأة، ولكنها تتمسك به حتى لا يخرج من قبضتها، لأن الرجل بطبيعته يهرب من أي ثغرة إذا استطاع الهرب.»
أما من جهة العفة، فلا مراء في أن المرأة أعف من الرجال، لأنها ترى الخيانة انكسارا، بينما يراها الرجل فخرا.
ويخطئ من يعتقد أن المرأة أقل خجلا من الرجل، فقد جاء في إحصاء أجراه معهد فرنسي، أن الرجل أكثر خجلا من المرأة، فإن 70٪ من الرجال يخجلون إذا سخر منهم، في حين أن هذه النسبة بين النساء لا تزيد على 25٪، وأن 67٪ من الرجال يخجلون إذا اتهموا بالكذب، وأن 19٪ منهم يخجلون إذا ظهر عيب في ملابسهم، وقد ثبت أن أشد ما يخجل المرأة هو الغضب والغيظ ونسبة ذلك بينهن 60٪.
وقد يؤكد هذا الإحصاء قول أوسكار وايلد: «إذا أراد الرجل مغازلة امرأة، فإنه يغازلها خفية عن الأنظار، وهو يحسب حسابا لتقول الألسنة، أما المرأة فلن تقدم على مغازلة الرجل إلا إذا تأكدت من أن هناك من يراها ويرقب حركاتها.»
ويختلف الرجل والمرأة في نظرتهما إلى بعض مظاهر الحياة، فالرجل يهوى الحرية أكثر من حبه للقوة، بينما تحب المرأة القوة أكثر من تعطشها للحرية، والرجل يتصور السعد، ولكن المرأة هي التي تقوده إليه، ويهم الرجل أن تتحدث عنه المرأة، ولكن المرأة يهمها أن تتحدث عنها امرأة أخرى، للرجل إرادته، وللمرأة طريقها، الرجل يعيش وكأن كل يوم هو آخر أيامه، أما المرأة فتعيش وكأنها ملكت الخافقين، وحوبيت بالخلد، الرجل يحن إلى ذكرى المرأة التي أبت أن تتزوجه، بينما تحن المرأة إلى ذكرى الرجل الذي أراد أن يتزوجها، يقول الرجال ما يحلو لهم عن النساء، بينما تفعل النساء ما يحلو لهن بالرجال.
روح الرجل يجعله يقول: «سأكون عظيما.» ولكن عطف المرأة يجعله عظيما بالفعل، غالبا.
والنساء أحكم من الرجال، لأن معرفتهن أقل منهن، بينما فهمهن أكثر، يقول جيمس ستيفنز: «النساء أحكم من الرجال لأنهن أقل منهم علما، وأعظم فهما.» ويقول فان هرست: «إذا علمت رجلا، فإنك تعلم فردا، وإذا علمت امرأة فإنك تعلم أسرة.»
ويرى دوماس الكبير أنه لو ظن الرجل نفسه نبيا، لخول للمرأة فرصة أن تخال نفسها إلها، ويقول ميشليه: «تدرك النساء تمام الإدراك، أنه كلما زاد تظاهرهن بالامتثال لأوامر الرجال، كلما زاد في الحقيقة تسلطهن عليهم.»
وعلى أية حال، فمهما اجتهدت المرأة في أن تقلد الرجل، فجل ما تصل إليه، أنها لا تصير رجلا، ولا تعود امرأة.
والاستهتار للمرأة كالبطالة للرجل، كلاهما مرذول، فالأول: استهتار بالكرامة، والثاني: استهتار بالعمل.
والرجل المرأة هو الذي يحارب المرأة بسلاحها، لافتقاره إلى سلاح الرجولة، أما المرأة الرجل فهي التي تتشبه بالرجال، فتسوق سيارة أو تدخن، ظانة بذلك أنها تكسب ميل الرجل، كلاهما مكروه، لأن الرجل الرجل هو من كانت الرجولة سلاحه، والمرأة المرأة هي التي تتذرع بالأنوثة.
ويصدق أرسطو حين يقول: «لا تصنع الطبيعة النساء إلا عندما تعجز عن صنع الرجال.»
والرجل الذي يغيره تبرج النساء كالعصفور الذي تغره حبوب الفخاخ.
والقول بأنه لا يوجد رجال قساة ولكن هناك نساء طيبات يناقضه قول بعضهم: «المرأة إناء من المسلى، والرجل قطعة فحم متقدة، وليس من الحكمة وضع المسلى بجانب النار.» أو قول الحكماء: «المرأة كالكبريت والرجل جذوة نار، فإذا اقترب كلاهما من الآخر ساءت العاقبة.» أو قول لابروير: «النساء متطرفات، فإما أن تراهن أحسن من الرجال، وإما أن يكن أشر منهم بكثير» ويقول القدماء: «المرأة كالعقرب، تشق طريقها بلدغ من يصادفها.»
وتختلف المرأة عن الرجل من حيث مهمتها في المجتمع، والمفهوم طبعا أن مركز المرأة في المجتمع من أهم الأسس التي نستطيع بها أن نحكم على مقدار ما بلغه هذا المجتمع من مدنية وثقافة.
ولعل أول مهام المرأة في المجتمع، صيانتها للبيت، فما دام المنزل موجودا، وجب أن تظل المرأة مركز دائرته، وفي هذا الصدد قال بعض الحكماء: «ثلاثة لا تتم فائدتها إلا بثلاثة: البيت بالمرأة، والحارس بالسلاح، والجماعة بالرئيس.» وفي هذا المعنى أيضا يقول تنيسون: «الحقل للرجل والموقد للمرأة، السيف للرجل والإبرة للمرأة، الرأس للرجل والقلب للمرأة، الأمر للرجل والطاعة للمرأة، وكل ماعدا ذلك فهو فوضى.» والقول المأثور: «علموا أولادكم العوم والرماية، ومروهم فليثبوا على الخيل وثبا، ورووهم ما يجمل من الشعر، ونعم لهو المرأة في بيتها المغزل.»
ويرى جوته أن المرأة يجب أن تتعلم منذ نعومة أظفارها القيام بالدور الذي خلقت له، وهو دور الخادمة.
ويحدثنا لورد بايرون عن دور المرأة في الحياة والمجتمع فيقول: «لو تأملت أيها القارئ، فيما كانت عليه في عهد اليونان، لوجدتها في حالة يقبلها العقل ويستسيغها المنطق، ولعلمت أن الحالة الحاضرة ليست سوى بقية من همجية القرون الوسطى، حالة مصطبغة مخالفة للطبيعة، ولرأيت معي وجوب اشتغال المرأة بالأعمال المنزلية، مع تحسين غذائها وملبسها في البيت، ومنعها من الاختلاط بغيرها، وتعليمها الدين، وإبعادها عن الشعر والسياسة وقراءة الكتب التي تبحث في غير الدين والطهي، ثم لا بأس من قليل من الموسيقى والرسم والرقص وفلاحة البساتين من آن إلى آخر.»
ولئن كانت المرأة عمران البيت، فقد تكون كذلك خرابه، فالمرأة الفاضلة تعمر بيتها، والمرأة السفيهة تخربه.
ما موقف المرأة من الفضيلة والرذيلة؟ وهل هناك امرأة فاضلة ومن هي هذه المرأة الفاضلة؟
لا شك أن المرأة بلا فضيلة كالوردة بلا رائحة؛ لذا يقول روسو: «الرجال من صنع المرأة، فاذا أردتم رجالا عظاما أفاضل، فعلموا المرأة عظمة النفس والفضيلة.» ويقول الشاعر العربي:
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعبا طيب الأعراق
ويصيب زولا حين يقول: «قد يؤدي السوط بالمرأة إلى الرذيلة، ولكنه لا يمكن أن يدفعها نحو الفضيلة.»
وحدثنا كارتر عن موقف النساء من الفضيلة والرذيلة فيقول: «ليس للنساء حد أوسط، فإما أن يكن ملائكة الفضيلة والعفاف، وإما أن يكن شياطين الرذيلة والخبث، والباعث الذي يحدو بهن إلى أحد الجانبين هو الحب، فإذا كان الحب طاهرا شريفا، كن شريفات محصنات، وإذا كان محبوبهن شريرا فاسد الأخلاق، كن عاهرات ماجنات شريرات.»
وهناك من يرى أن عفاف المرأة يسلم إذا لم تتغرب، وكان وقتها تحت تصرف زوجها، وابتعدت عن الرجال.
ويشبه سرفنت المرأة الفاضلة بجوهرة نادرة، أما رد شفكول فيقول: «والمرأة التي تنأى بنفسها عما يعيب كنز دفين، ويجب على كل من يسعده الحظ بالعثور عليها ألا يفتخر بها لئلا ...»
وهناك من يعتقد أن المرأة الفاضلة لا وجود لها في العالم ، فقد قال أحد الحكماء: «هناك امرأتان فاضلتان في العالم، إحداهما ماتت، والثانية لم تخلق.»
ويؤكد كارتر، أن المرأة مهما كانت صالحة وشريفة، فهي تضحي بشرفها وفضيلتها وعفافها في سبيل إرضاء حبيبها.
وكلنا يؤمن أن البيوت بدون النساء الصالحات قبور مظلمة، وأن المرأة الجميلة قد تسر العين، بينما المرأة الشريفة تسر القلب، وأن أدب المرأة مذهبها لا ذهبها، وأن المرأة الفاضلة تختار رجلها بعقلها لا بعينها.
وهناك فرق بين المرأة الفاضلة وغيرها من النساء، فالمرأة الفاضلة تقول: لا، والعاطفية تقول: نعم، واللعوب تقول: نعم ولا في آن واحد، أما المستهترة فلا تنطق بنعم أو لا.
والمرأة الفاضلة تعرف فروض دينها من صوم وصلاة، وله ثوابها الطيب في الآخرة، وفي ذلك يقول النبي
صلى الله عليه وسلم : «إذا صلت المرأة خمسها وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها دخلت الجنة.»
ولله در من كتب يخاطب المرأة بقوله: «أيتها المرأة كوني ريحانة ولا تكوني شيطانة، كوني أنيسة ولا تكوني إبليسة، فإن الريحان والأنس من نعم الله وبركاته، أما الشيطان وإبليس فمن لعناته.
أيتها المرأة، كوني حمامة ولا تكوني نسرا، كوني بلبلا ولا تكوني حدأة، فالحمامة بشير السلام والوئام، أما النسر فدائم النزاع والخصام، والبلبل محبوب لتغريده، أما الحدأة فمكروهة لصراخها.»
ولئن صدق الحكيم الذي يقول: «ثلاثة تقر بها العيون: المرأة الفاضلة، والولد الأريب، والأخ الودود.» فما أجمل قول الرسول عليه السلام: «الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة.»
ويمثل لنا أعرابي المرأة الفاضلة فيقول: «أفضل النساء أطولهن إذا قامت، وأعظمهن إذا قعدت، وأصدقهن إذا قالت، التي إذا غضبت حلمت، وإذا ضحكت تبسمت، وإذا صنعت شيئا جودت، التي تطيع زوجها، وتلزم بيتها، العزيزة في قومها، الذليلة في نفسها، الودود الولود التي كل أمرها محمود.»
ويقول أحد أدباء الصين: «المرأة الفاضلة هي التي تخرج من البيت مرتين: الأولى عندما تذهب إلى دار الزوجية، والثانية عندما تحمل جثة على آلة حدباء.» أما أبو حنيفة فيقول: «المرأة الصالحة تشبه الوالدة والأخت والصديق.»
قيل لعائشة رضي الله عنها: أي النساء أفضل ؟ فقالت: «التي لا تعرف عيب المقال، ولا تهتدي لمكر الرجال، فارغة القلب إلا من الزينة لزوجها، والإبقاء في الصيانة على أهلها.»
وتخالف المرأة الفاضلة المرأة المجردة من الفضائل، الغارقة في خضم من الخيانة والغدر.
يقول ملتون: «لن تطهر جميع عطور الأرض أنامل امرأة خائنة.»
ويقول هسيود، الشاعر الإغريقي: «لا تدع امرأة مترهلة في ثوبها الفضفاض تتملق إليك أو تخدعك أو تغشك؛ فإنها لا تسعى إلا وراء مذودك. ومثل من يثق في عنصر النساء، كمثل من يثق في ثلة من المنافقين.»
ولله در ذلك الشاعر العربي الحكيم، الذي قال:
إن النساء وإن أظهرن مرحمة
لم يخل من جورهن الدهر إنسان
إن هن أبغضن إنسانا فتكن به
وحبهن لمن أحببن خسران
ألكل ألكل لا تستثن واحدة
ألكل ألكل للأزواج خوان
وهناك من يعتقد أن المرأة الخائنة هي من فقدت عاطفة الحب، ولا شك أن الرجل الذي لا يعرف كيف يسعد من كانت تنتظر منه الهناء، يؤثر أن يراها جثة هامدة، على ألا تظل مخلصة له.
ويحدثنا إثيان راي عن أمثال هذه المرأة، فيصورها لنا بقوله: «إنك لتهجر امرأة تحبها، وبعد قليل تفكر في حزنها ودموعها، فتخجل من أنك كنت قاسيا، فتعود مشفقا لتراها، وتفاجئها، فإذا هي تغرق في الضحك وإلى جانبها رجل.»
وترى ماري كورلي أن لا دواء للمرأة الخائنة غير الطلاق إذا كانت متزوجة فتقول: «يعاقب القانون اللص والقاتل، أما المرأة الخائنة فينصح بطلاقها، فإن هذا أفضل دواء لأشنع داء.»
ويجرنا الكلام عن خيانة المرأة، إلى الحديث عن علاقة الحب بتلك التي يقول عنها ملتون: «أجمل رذائل الطبيعة.»
تقول أليصابات: «تحتقر المرأة من يحبها من الرجال وهي تعرض عنه.»
بيد أن هناك من يعتقد: «أن سعادة المرأة ليست بمجد الرجل وسؤدده، ولا بكرمه وحلمه، بل هي بالحب الذي يضم روحها إلى روحه، ويسكب عواطفها في كبده، وجعلها عضوا واحدا في جسم الحياة الواحد، وكلمة واحدة على شفتي الإله الواحد.»
وليس أصعب من حياة المرأة التي تجد نفسها واقفة بين رجل يحبها وآخر تحبه، يقول لابروير: «المرأة المترددة هي التي لا تعرف إن كانت تحب أو لا تحب ولا تعرف حبيبها.»
وهناك من يرى أن المرأة ملاك إذا أحبت، شيطان إذا كرهت، ولذلك هناك من ينصح قائلا: «خذ من حب المرأة ما يأخذ الزاهد من الخمر، ولكن لا تثق به أبدا.»
والحقيقة التي لا مراء فيها، أن في قلب المرأة بئرا عميقة من الحب يتعذر على الأجيال أن تجمد ماءها، وأن المرأة لا تلعن قط من أخلصت له الحب الصادق من الرجال، بل تصفح عن كل أخطائه، وتستمر في حبه إذا أرغمه الزمان مكرها على تركها.
ولكن هناك من يتبرم بحب المرأة، فيقول برنارد شو: «إن تقلب المرأة التي أحبها لا يعادله في النكد سوى بؤس ثبات النساء اللواتي يحببني.»
أما جونسون فيقول: «أن تجد امرأة لم يكن لها حبيب قط أسهل بكثير من أن تجد امرأة كان لها حبيب واحد فقط.»
والمفهوم طبعا، أن المرأة إما أن تحب وإما أن تكره، ولا ثالث لها، ولن يكون بغضها بأية حال أشد من بغضها لغريمتها المرأة.
وللأديب الصيني لين يونانج رأيه الخاص في حب المرأة، فقد سئل ذات مرة: «من هو أعظم رجل في العالم؟» فقال: «هو الرجل الذي يستطيع أن يعيش بدون حب.» ثم سئل: «من هي أعظم امرأة في العالم؟» فأجاب: «هي المرأة التي تعيش على الحب.»
ويرى كامل الشناوي أن المرأة لا تحب إلا الأطفال، فهي تحب ابنها إذا كان طفلا، وتحب زوجها إذا كان طفلا كذلك.
وطبيعي أن المرأة تظل ميالة إلى الحب، أي إلى خدمة أمانيها، ما دامت لم تلد، فاذا أنجبت خلفا شعرت بمعنى المسئولية والتضحية، وقدرت السعادة الزوجية حق قدرها، ولكن هناك من النساء من تظل تبحث عن الحب حتى بعد الأمومة.
وتتغير نظرة المرأة إلى الحب كلما تقدم بها العمر، فالفتاة في سن العشرين، تحب لتتزوج، وفي الثلاثين لتسعد، وفي الأربعين لتثبت أنها ما زالت جميلة، أما إذا أحبت بعد ذلك، فلكيلا تفكر في الشيخوخة ، فما أعجب المرأة! وما أعجب السر الذي يطويه قلبها!
إنك مهما قرأت عن المرأة، ومهما عرفت من النساء، وعن النساء، فلا تستطيع أن تعرف طبيعة المرأة.
كيف تحب؟ ولماذا تحب؟ وكيف تختار من تحب؟ هل هي تحب المال؟ أم تعبد الجمال، أم تعشق القوة؟ أم تسعى إلى الشهرة والعظمة؟
لا أحد يستطيع أن يجيب على هذه الأسئلة إجابة صحيحة، فالمرأة مجموعة من المتناقضات، وبحر من الأسرار.
نجد المرأة أحيانا تعرض عن رجل واسع الثراء عريض الغنى، يتحدث عن ثرائه، وطورا تنأى عن رجل كله حياة وقوة وجمال، وتارة أخرى تفر من عالم ذاع صيته في الآفاق وأصبح أستاذا عالميا.
بل قد يلفت نظرك وأنت سائر في الطريق، امرأة رائعة الفتنة والجمال، كاملة الأنوثة، يجري في وجهها ماء الشباب الناضر، تتأبط ذراع رجل ليس من الجمال في شيء، بل قد يكون أقرب إلى دمامة الخلقة وبشاعة المنظر منه إلى أي شيء آخر، ويبدو من مظهره رقة الحال وبساطة مركزه الاجتماعي، فيدهشك كيف تترك المرأة المال والجمال، لتقبل على الدمامة ورقة الحال؟
تعشقها شمطاء شاب وليدها
وللناس فيما يعشقون مذاهب
وكلما بحثت عن السبب تزداد حيرة ...
ولكن هكذا المرأة في الحب، تحب وهي لا تدري كيف تحب؟ أو حتى، لماذا تحب؟
ولعل أصدق ما يعبر عن نفسية المرأة ما كتبته الكاتبة الفرنسية جورج ساند، تقول: «أعطاني الأول عقدا من اللؤلؤ يعدل مدينة بأسرها، بمعابدها وعبيدها وقصورها، ونظم الثاني من أجلي ديوانا من الشعر قال فيه:
إن شعري أشد سوادا من الليل
وإن عيني أصفى زرقة من السماء
والثالث، كانت تحمر وجنتا أمه حياء عندما تقبله لفرط جماله، فكان هذا الجميل يجثو أمامي واضعا يده على ساقي، وشفتيه على قدمي!
أما أنت يا من أحبه، فلم تعطني شيئا، ولم تقل لي شيئا، ولست جميلا!
ولكنك أنت وحدك الذي أحب.»
ويعظم فولتير حب المرأة بقوله: «إذا اجتمعت عقول الرجال في كفة ميزان، فإنها لا تعادل حب امرأة واحدة في الكفة الأخرى.»
وتؤمن اليابانيات بأنه ليس لحياة المرأة طعم إذا لم تجد في حياتها من أحبها، ومن مقتها، ومن حسدها.
ومن أقوى ما قيل في حب المرأة، ما قاله هذا الأعرابي: «المرأة تكتم الحب أربعين سنة، ولا تكتم البغض والكراهية يوما واحدا.»
ويقول مارك ريد في هذا الصدد: «تتمسك المرأة بعروة الأخلاق الكريمة القويمة إذا لم تجد من تحب، فإن وجدته تراخت له وتهاونت، أما الرجل فعلى نقيضها، إذا لم يحب امرأة فإنه يحيد عن الطريق القويم وإذا ما أحبها، كان خليقا أن يسير على سنة من الأخلاق الفاضلة دونها جهد النساك والمتعبدين.»
والأمر الذي لا شك فيه، أن سعادة البشر إما تنبثق من قلب المرأة الحساس، ومن عواطف نفسها الشريفة تتولد عواطف نفوسهم، وأن أرق الألحان وأعذب الأنغام لا يعرفها إلا قلب المرأة المرحة، ولقد صدق من قال: «قلب المرأة شيء فوق التصور.»
يقول لونجفلو: «إذا مرت ريح الحب بقلوب النساء ارتعشت واهتزت كما تهتز أوراق الأشجار، ثم تعود فتسكن، وغيرهن لا تهتز قلوبهن، بل تضطرب وتهيج إلى حد يعز عليها فيه أن تعود إلى السكينة.»
ويقول جبران خليل جبران: «إن قلب المرأة لا يتغير مع الزمن، ولا يتحول مع الفصول، قلب المرأة ينازع طويلا، ولكنه لا يموت، قلب المرأة يشابه البرية التي يتخذها الإنسان ساحة لحروبه ومذابحه، فهو يقتلع أشجارها، ويحرق أعشابها، ويلطخ صخورها بالدماء، ويغرس تربتها بالعظام والجماجم، ولكنها تبقى هادئة ساكنة، مطمئنة، ويبقى فيها الربيع ربيعا والخريف خريفا إلى نهاية الدهور.»
أما لوثير فيقول: «لا تعرف السماء شيئا أرق من قلب المرأة الذي تسكنه الشفقة.»
ويتكلم صموئيل سمايلز عن النساء وقلوبهن فيقول: «لكي نحظى بمجتمع صالح، يجب على النساء تصفية ما بقلوبهن، وتجنب الأعمال التي تطغى على القلب والخلق والضمير، كما يتجنبن السم الزعاف، الذي إن تجرعه المرء مرة، تعذر عليه الخلاص منه، وظل ينغص عليه الحياة أبد الدهر، إن كثيرا أو قليلا.»
والدموع من مستلزمات المرأة، كالسلاح للجندي، تستخدمها دفاعا عن كيانها، كما يستخدم الجندي السلاح دفاعا عن حياته وحياة دولته.
ترى البارونة أوركزي أن حجة المرأة في دموعها، ويرى بوبليليوس سيرون أن دموع المرأة توابل للمكر والخبث والرياء، بينما يقول بيلي: «دموع المرأة ثروتها.» ويعتبر بعض الحكماء دموع المرأة سلاحها في المآزق والمواقف الحرجة.
ويقول كولن إليس: «تشعل المرأة النار بابتساماتها، وتحاول عبثا أن تطفئها بدموعها.»
وتضحك المرأة إن تمكنت من الضحك، ولكنها تبكي متى أرادت، فهي تتسلط بدموعها وضعفها، ولكنها أحيانا لا تبكي إلا إذا تعذر عليها الانتقام.
والمرأة إذا بكت، لا تستطيع الشمس أن تجفف دموعها، وهي إذا بكت أمام الرجل كانت موضع عطفه، أما إذا بكى الرجل أمامها كان هذا منه سببا في غرورها بنفسها، والبون شاسع بين بكاء المرأة وبكاء الرجل، فدموع النساء كدموع التماسيح، أما الرجل فلا يذرف الدمع إلا إذا فاض به الكيل من شدة ما يعانيه.
ولله در ثاكري حين يقول: «تبلل الدموع كتاب المنطق الأنثوي من كل موضع، أما العدالة في قضائهن، فتحكمها دائما سورة الهوى.»
ومع أن هذا هو رأي الأدباء والحكماء في دموع المرأة، فإنهم كذلك يحدثوننا عن عيونها بما يرضي وما لا يرضي، فيقول شكسبير: «أي شعر فوق عين المرأة في السحر؟» ويقول بلزاك: «إذا عدمت المرأة جمال الأسنان، ضحكت بعينها.» ويقول طاغور: «في ابتسامة المرأة عظمة الحياة وجمالها، وفي عينها دهاؤها وعمقها.» ويرى مور أنك تستطيع قراءة قصة المرأة في عينيها، ويرى غيره أن لعين المرأة بريقا يخترق حجب الخيال بأشعته تارة، ويتلقى إيحاءات الخلود المنتظرة تارة أخرى.
وللناس مشاربهم المختلفة في النساء، أما نظرتهم إلى جمالها، تكاد تكون واحدة.
قال حكيم: «ثلاثة لا تجدي فيهم النصيحة: مثقف مغرور، وامرأة جميلة، وشاب مراهق.»
قال تشارلز شواب: «الجمال للمرأة كالرحيق للزهرة.»
ويقول قاسم أمين: «كلما تخيلت السعادة تمثلت أمامي صورة امرأة جميلة لها عقل الرجل.»
ولا شك في أن حياة المرأة في جمالها ولذلك قيل: «المرأة الجميلة تموت مرتين.» ويعتقد ماكولي أن «أجمل منظر في العالم يؤثر في النفس، هو منظر امرأة جميلة تتألم.»
وما أسهل أن تتصور امرأة رائعة الجمال، عظيمة الذكاء.
ومع أن المرأة الجميلة ليست دائما طيبة، فهي أشبه شيء بالصورة الجميلة المعروضة للبيع لا يحصل عليها ولا يقتنيها إلا من يبالغ في ثمنها أكثر من غيره.
ولا جدال في أنه كما لا تجري المصيدة وراء الفأر، كذلك المرأة الحسناء لا تجري وراء الرجل.
ويشبه بايرون النساء بالنجوم، غير أنه يعتقد أن «روعة جمالهن لا تنير إلا في الليل»، وهناك من يشبههن بالورد جمالا وعطرا مع فارق واحد، ذلك هو أن الورد إن فصله المرء عن شجيراته عاش مدة قصيرة، ثم ذبل وطواه الردى، وهو عدو الحياة، أما المرأة إن فصلها الإنسان عن ذويها، عاشت طويلا وأينعت، وأنجبت أطفالا هم ذخر الحياة ونعيمها، «فما أحلاك، وما أذكاك، أيتها الورود!»
إذن فسلاح المرأة جمالها، وسلاح الرجل رجولته، كلاهما يطعن فيدمي، بيد أنه إن تعاون السلاحان وتآزرا نسيا ماهية التنكيل والفتك، وكانا عونا على الوفاق والوئام.
ولسينيكا الفيلسوف الروماني رأيه الخاص في المرأة الجميلة إذا يقول: «ليست الفتاة الجميلة والغادة الفاتنة، هي التي تطري فيها محاسن عقبها أو ذراعها، بل هي التي ينسيك جمال شكلها العام أن تتشدق بجمال أجزائها منفردة.»
كما أن لأكثم بن صيفي رأيه الخاص كذلك، فيقول: «ولا يفلتنكم جمال النساء عن صراحة النسب، فإن المناكح الكريمة مدرجة الشرف.»
ويحدثنا جبران خليل جبران في هذا الصدد فيقول: «إن المرأة التي يمنحها الله جمال النفس مشفوعا بجمال الجسد، هي حقيقة ظاهرة غامضة، نفهمها بالمحبة، ونلمسها بالطهارة، وعندما نحاول وصفها بالكلام تختفي عن بصائرنا وراء ضباب الحيرة والالتباس.»
وبالرغم من كل ذلك الذي ذكره الفلاسفة والأدباء والحكماء، فإنه من العسير تعريف جمال الأنثى، فإن «الجمال» يتوقف على نظرة الناظر إليه.
ووجهة نظر النساء في هذا الشأن أدق وأوفى، فإنهن يحببن الأناقة والرشاقة، ويعجبن بالشعر المصفف تصفيفا بديعا، وينظرن من المرأة إلى التفاصيل مفردة، على حين ترى الرجل يفتنه من المرأة أو يرده عنها ذلك الأثر الذي تتركه في نفسه جملة واحدة، فالرجال أكثر افتتانا برقعة المرأة ومفاتن جسدها وخفتها، ويحبون المظهر الطبيعي غير المتصنع فيها.
وثمة نوعان من النساء، يجذبن إليهن أنظار الرجال، الأول: المرأة ذات المظهر والأبهة التي تألقت فيها يد الصناع، هذه يعجب بها الرجال، ولكنهم لا يرتاحون إليها إذا ضمهم وإياها مجلس في خلوة أو سامر. والثاني: المرأة التي حباها الله الحسن مع الحنان والعطف، وهي التي تفيض على صاحبها المتعة والسعادة داخل البيت وخارجه.
وتناسق قسمات الوجه أمر لا بد منه للجمال، ولكنه أول المرحلة فحسب، فإن كثيرا من الفتيات - إذا حكمنا مقاييس الجمال - من أروع النساء جمالا وفتنة، غير أنه لا يكاد المرء يراهن حتى يعجل بغض الطرف عنهن، فمشيتهن مشية النوق العجال، وأصواتهن منكرة لا عذوبة فيها ولا رقة، وعقولهن قاع ضحضاح لا غور لها.
إن للمرأة الجميلة بهاء يشع من ذات نفسها، فالجمال الحق يفيض من داخل النفس، وقد يبدو هذا مبتذلا، ولكنه الحقيقة التي لا مراء فيها، وإلا فلماذا تكون المرأة أفتن ما تكون يوم عرسها؟
ولا يقل عقل المرأة عن جمالها مكانة، فهو منجل متين يهدم جميع أدمغة البشر، فيقول شبشرون: «لعقل المرأة ولجمالها من المزايا والعيوب، فهو خلاب ولكنه ضعيف، وإن خفة عقل المرأة لتثقل قلب الرجل.»
قال النبي
صلى الله عليه وسلم
ما معناه: «إنهن ناقصات دين وعقل.» فقيل: «وما نقصان دينهن وعقلهن؟» قال: «إن إحداهن تقعد نصف شهر لا تصلي، وأما نقصان عقولهن، فشهادة المرأتين تقوم مقام شهادة الرجل الواحد.»
وقال أعرابي: لا شيء أصيد للمرأة، ولا أذهب لعفتها من أن يحاط علمها بأن رجلا يحبها، فإذا رأت أنه أدمع عينه، ولو كانت أنسك ما يكون، ذهب عقلها.
وقال آخر: «قد عاقب الله النساء بعشر خصال: بشدة النفاس والحيض، وجعل ميراث اثنتين ميراث رجل، وشهادتهما بشهادة رجل واحد، وجعلها ناقصة الدين والعقل لا تصلي أيام حيضها ولا يسلم عليها، وليس عليها جمعة ولا جماعة، ولا يكون منهن نبي، ولا تسافر إلا بولي.»
قال النبي عليه السلام: «ما من ناقصة عقل ودين أغلب للرجال ذوي الأمر من النساء.»
وما أجدر أن نسجل هنا ما كتبه المستر سونبرن في صدد عقل المرأة وعقل الرجل حيث يقول: «يعتمد عقل الرجل على الاستدلال والابتكار، إلا عقل المرأة فيعتمد على الذاكرة والتقليد، فمن الرجال من عقله مثل عقل المرأة، ومن النساء من عقلها كعقل الرجل، الأول هو العقل الرجلي، والثاني هو العقل النسوي، ويمتاز العقل النسائي بأخذه بالمسلمات، واحترامه القديم، وتصديقه التعاليم والأحكام التي قال بها السلف، ولو لم يقم على صحتها دليل، أما الرجال ذوو العقول النسائية، فتراهم مقيدين بقيود التقليد، خاضعين لأحكام المسلمات، وتعاليم القدماء، بخلاف الرجال ذوي العقول الرجلية، فإنهم فكوا قيود التقليد، وخرجوا عن أحكام المسلمات، واختطوا لأنفسهم خططا جديدة، وهم الذين أوجدوا العمران الحديث، وبثوا فيه قوة النمو.» •••
والآن، ما الرأي فيما يقوله بوب: «ليس لمعظم النساء خلق على الإطلاق»؟
حقا، إن المرأة تفسد إذا تعاطت المسكر، وعاشرت الشريرات السادرات أو تغيبت عن زوجها، وأفرطت في النوم أو أكثرت من الإقامة في بيوت الجيران، وهي لا تسقط إلا إذا أعطيت استقلالا، أو قصدت محافل الأفراح، وشاركت الرجال في أعمالهم.
ولعل أصدق كلمة قيلت في أخلاق النساء، تلك التي قالها الإمام علي كرم الله وجهه: «في النساء ثلاث خصال من خصال اليهود: يحلفن وهن الكاذبات، ويتظلمن وهن الظالمات ويمتنعن وهن الراغبات، فاستعيذوا بالله من شرارهن، وكونوا من خيارهن على حذر.»
وعلى أية حال، فإن مجتمع النساء قد يهذب الطباع، ولكنه يضعف الأخلاق.
وأخبث ما في المرأة اتصافها بالكبرياء، قال بعض الحكماء: «ما أبشع المرأة المتكبرة، إنها تدفع الثمن غاليا بأن تبقى عانسا.»
ولا يحب أسعد رستم الوقاحة في المرأة، فيقول: «أحب الورد لأنه جميل، والتينة لو لم يلعنها المسيح، والسهول لأنها مبسوطة، والشتاء لاحتياجي فيه إلى الحرارة، وأكره في المرأة الوقاحة، وفي الرجل الجبانة.»
ومن أخلاق المرأة إيمانها بالصبر، إنها تتغلب على العذاب بقوة صبرها، تأمل حياة الممثلة، وما في دنياها من صخب، ومع ذلك فإنها تبدو فوق المسرح باسمة حينا، وضاحكة حينا آخر، فيا لصبرها.
ويقول فريدريك بروكوش في كتابه «المتآمرون»: «يخيل إلي أن الفارق الحقيقي الذي يفرق بين الرجال والنساء، هو الصبر على العذاب، فالمرأة تتعود احتمال تباريح العذاب، سواء أحاق بجسمها أو بنفسها، أما الرجل فيظل يناضل، فيضعفه النضال رويدا رويدا، حتى يغلب على أمره، ولكن العذاب لا يضعف المرأة ولا يغلبها على أمرها قط، بل يصير عنصرا من عناصر كيانها، ويدنيها من سر الحياة، أما الرجل فعلى نقيضها، فإن العذاب يدنيه من ظلمة الموت.»
والغضب من شيم بعض النساء، وهو أشد ما تهدد به أعداءها، وكذلك الاستبداد، فإن تاريخ المرأة أسوأ تواريخ ألوان الاستبداد، وهو استبداد الضعيف بالقوي، ولكنه الوحيد الذي يدوم.
قال لقمان لابنه: «كيف وجدت أهلك؟» قال: «خير النساء، إلا أنها امرأة سيئة الخلق.» فقال: «فارقها، فلا حيلة معها.»
ويروى أن النبي عليه السلام قال: «إياكم وخضراء الدمن: المرأة الحسنة في المنبت السوء.» وقال عليه الصلاة والسلام: «خير النساء التي إذا أعطيت شكرت، وإذا حرمت صبرت، تسرك إذا نظرت، وتطيعك إذا أمرت.»
أما محمد بن علي فيقول: «اللهم ارزقني امرأة تسرني إذا نظرت، وتطيعني إذا أمرت، وتحفظني إذا غبت.»
وقال أعرابي: «شر أخلاق الرجال الجبن والبخل، وهما خير أخلاق النساء.»
وقال الشاعر:
إن النساء متى ينهين عن خلق
وإن يكن واجبا لا بد مفعول
ويقول روسو: «قد تغفر المرأة القسوة والظلم، ولكنها لا تغفر عدم المبالاة بها.»
وهناك من ينصح المرأة - لكي تحظى برضاء الرجل - بأن تكون باشة ولا تقطب، لأن التقطيب علامة سيئة، وأن تكون جادة ولا تستهتر، لأن الاستهتار صفة رديئة، وأن تكون معتدلة ولا تعوج، لأن الاعوجاج عادة بذيئة لا تتفق والخلق الحميد.
ومن طباع المرأة أنها تنظر إلى السر على أنه سر تافه لا يستحق الكتمان، أو على أنه سر عظيم يجب أن يعرفه الجميع، وعلى أية حال فهي لا تستطيع مطلقا أن تكتم السر، وإن حدث أن كتمت سرا فإنما يكون سرها هي، وفي ذلك يقول شكسبير: «وما أصعب على المرأة أن تكتم أمرا .»
ويقول لا بروير: «يمكن للرجل أن يكتم سر غيره خيرا من سر نفسه، أما المرأة فتكتم أسرارها خيرا من أسرار غيرها.»
وقال أحد الحكماء: «حذار حذار أن تطلع صديقتك على أسرار قلبك، فمن ملكت سرك ملكت قلبك، وكان في يدها أول خنجر تهددك به إن لم تشبعك به طعنا.»
وإليك مجمل بعض طبائع المرأة:
يقول برنارد شو: «النساء يقلبن كل شيء رأسا على عقب، وعندما تدع المرأة تدخل في حياتك، سترى أنها تهدف إلى شيء، وأنت تهدف إلى شيء آخر.»
والمرأة ثرثارة، فقد سئل زعيم آسيوي عن رأيه في الخمر فقال: «أظن أنها رحيق مستمد من ألسنة النساء وقلوب الأسود، فما إن شربت كفايتي منها، حتى أصبحت قادرا على الكلام إلى الأبد، وعلى مقاتلة الشيطان.»
والأنانية كذلك أحد طباع المرأة، يقول كامبل: «لا تهتم المرأة إلا بزينتها وهندامها ليس غير، لأنها لا تستطيع أن تحب إلا شخصا واحد هو نفسها.»
والخجل حلية من حلى طباعها، كالشجرة زينة الحديقة، ومتى زادت أشجار الحديقة زاد جمالها، وتضاعف إقبال الناس عليها، كذلك المرأة إن كثر حياؤها زاد بهاؤها، وتضاعف إقبال الرجال عليها. تقول باحثة البادية:
إن الفتاة حديقة وحياؤها
كالماء موفورا عليه بقاؤها
ويقول أوسكار وايلد: «تفرح المرأة بالكلمة النابية، فهي فرصة تستطيع أن تظهر فيها قدرتها على الخجل.» ويقول غيره: «لا تصدق المرأة إذا أقسمت، وصدقها إن احمر وجها.»
ويحدثنا جون دي كاستين عن طبيعة المرأة فيقول: «متى بلغت المرأة الأربعين من عمرها، فهي تحن إلى الصبا، فتضحي بكل مرتخص وغال في سبيل إيجاد من يعيد على ذاكرتها صورة أيام الشباب، ويرجع إليها بعض اللذات التي أفقدتها إياها الأيام، نعم إنها تضحي بزوجها ومالها وأولادها في سبيل هذه الغاية.»
ومن طباع المرأة أنها لا تأسف على قلة ما عندها، بل على كثرة ما عند غيرها، وأنها لا تجد صعوبة في تقليد الرجل، ولكنها تجد كل صعوبة في تقليد الرجل المهذب.
وإنها لتقلق إذا لم تجد من يقلق من أجلها، كما أنها أقدر من الرجال على تصوير الوهم حقيقة، والخيال واقعا.
والمرأة هي التي توحي إلينا بالأشياء العظيمة التي تمنعنا هي نفسها من تحقيقها.
وإذا خفضت المرأة صوتها كان ذلك دليلا على أنها تريد شيئا، وإذا ما رفعت صوتها كان هذا دلالة على أنها لم تحصل عليه.
وللصينيين رأيهم الخاص في طباع المرأة وأخلاقها، ولذلك فهم يقولون: «اضرب امرأتك «علقة» من وقت لآخر، فأنت لا تعرف لماذا تضربها، ولكنها تعرف ما ارتكبته هي حتى تستحق من أجله ذلك الضرب.»
ومهما قيل عن طباع المرأة، فإن بلزاك يقول: لقد درست طبائع النساء طويلا، وإني لأفاخر بأني لم أضع وقتي سدى؛ فقد عرفت أني لا أعرف عنهن شيئا.
ولا شك في أن المرأة تحب أن ترى أباها غنيا وهي طفلة، وتحب أن ترى زوجها مليونيرا وهي متزوجة، وتحب أن ترى نفسها أغنى امرأة في العالم وهي مطلقة، ولن تسمح لك بأي حال من الأحوال أن تبطش بأعز صديقة لها، ولكنها تنتزعها من بين يديك لتقضي هي عليها.
ومن طباع المرأة حب الظهور، فقد تزينت فتاة وبرزت للنظارة، فقال لها الفيلسوف سقراط: «لقد برزت لتنظر المدينة إليك لا لتنظري إليها.»
والنساء أشكال وألوان، يقول أوسكار وايلد: «هناك نوعان فقط من النساء: الأول: سهل بسيط، أما الثاني فمعقد مطلي بالألوان الزاهية.»
حقا، إن وجوه بعض النساء تبدو في إشراقها وتألقها كالنبوءة الجميلة السارة، كما أن بعض الوجوه تبدو في كآبتها كمأساة تاريخية أليمة.
يحدثنا بونج عن بعض ألوان النساء فيقول: «كن حذرا من المرأة الهادئة، فإن وراءها شرا مستطيرا، وهي مليئة بالمفاجآت، ولا تحكم بالظواهر على المرأة الثرثارة لأنها في معظم الأحيان تثرثر لتهرب من الحديث فيها هو أهم.»
ويرى بتلر أن النساء كلهن سواسية «فهن صافيات كاللبن الحميم ما دمن عذارى، فإذا أصبحن زوجات أسندت الواحدة منهن ظهرها إلى وثيقة زواجها، وجلست تتحداك.»
ولذلك صدق من قال: «ما أقبح النسوة اللائي لا يعرفن حرمة الكمال، ولا يقدرن واجباتهن نحو خالقهن وأزواجهن.»
وينحى الراوي باللائمة على النساء الجاهلات فيقول: «المرأة الجاهلة آفة العائلة، وهي عضو ساقط في الهيئة يخشى أن تمتد عدواه إلى غيره من الأعضاء السليمة.»
غير أن يوريبيديس يمقت المرأة المتعلمة، فيقول: «إني أجاهر بمقتي للمرأة المتعلمة، ليت بيتي لا يأوي أبدا امرأة تعرف أكثر مما يجب عليها معرفته.»
ويرى جبران خليل جبران، أن السيدة العاقر مكروهة في كل مكان، لأن الأنانية تصور لأكثر الرجال دوام الحياة بأجساد الأبناء، فيطلبون النسل، ليظلوا خالدين على الأرض.
ويقسم دافيد إينزورث النساء إلى أنواع فيقول: «النساء كالقلاع بعضها يؤخذ عنوة بهجوم خاطف، وبعضها لا يقع إلا بعد حصار محكم طويل.»
ويفضل نابليون من النساء من أنجبن أكبر عدد ممكن من الأطفال.
وهناك نوع من النساء يميل إلى التحدث مع كثير من الرجال، كالنقود التي تتداولها الأيدي الكثيرة، فيعلوها الصدأ، ويلحقها السواد يشوه شكلها، وتعافها النفس، فيجب أن يتخلص منها بسرعة.
وهناك من تتحايل في سيرها كالحية التي تتلوى في زحفها، فإن كان غرض الأولى اقتناص البشر بإغرائها، فإن غرض الثانية صيد فريستها بسمها، فالإغراء ضرب من السم، وكلاهما فتاك.
يقول بشار بن برد:
إذا قامت لمشيتها تثنت
كأن عظامها من خيزران
ولقد قال معاوية لصعصعة: «أي النساء أشهى؟» قال: «المواتية لما تهوى، المجانبة لما لا ترضى.» وسئل آخر فقال: «التي تخرج من عندها كارها، وترجع إليها والها.»
وقال أعرابي: «النساء ثلاث: فهينة لينة، عفيفة مسلمة، تعين أهلها على العيش، ولا تعين العيش على أهلها، وأخرى وعاء للولد، وأخرى غل قمل يضعه الله في عنق من يشاء. والرجال ثلاثة: فهين لين عفيف مسلم يصدر الأمور مصادرها ويوردها مواردها، وآخر ينتهي إلى رأي ذي البت والمقدرة، فيؤخذ بقوله وينتهى إلى أمره، وآخر حار بائر لا يأتمر لرشد، ولا يطيع المرشد.»
ويحدثنا الشيخ نجيب الحداد عن ألوان أخرى من النساء فيقول: «لا أكره المرأة البغية تدفعها يد الفقر إلى البغاء، ولا ألوم الفتاة الساقطة تطرحها عوامل الاحتياج في مطارح الفحشاء، ولا أحتقر الغريبة النازحة تلجئها كف الضرورة إلى بيع العفة والحياء ، ولا أستهين باليتيمة الجائعة تبذل نفسها دون السؤال والاستعطاء، ولا أنفر من المرضع إذا ارتكبت منكرا لإطعام أطفالها، ولا أبغض الوحيدة المنقطعة إذا أخسرها الدهر سندها فتاجرت بجمالها، ولا أفند بنات الهوى يتخطفن الفتيان من قوارع الطرقات، ولا أذم بغايا الأسواق يجهرن بما يأتينه من المنكرات، فإنما هن مخلوقات أنزلها الشقاء في منازل الذلة والهوان، فلم تخف ما رمتها به يد الأقدار ولم تنكر ما أصابتها به طوارق الحدثان، بل هي قد استوفت من ذلها وانحطاطها بعض العقاب عن أعمالها، ونالت من قبح سمعتها جزاء واجبا عما بذلته من محاسن جمالها، ولا تلم المرأة الساقطة في مهاوي عارها وإذلالها، إنك لا تدري تحت أي حمل سقطت من أحمال الدنيا وأثقالها.
وإني لأكره المرأة الغنية ترفل في حلل الدمقس والديباج، وتسمع بالفقر والاحتياج سماعا ولم يذقها الدهر طعم الاحتياج، وهي ترى نفسها في القصور الشاهقة تعقد في العلا سببا، وترى ثيابها سراجا وهاجا بما حلاها الغني ذهبا، وتجد زوجها يوالي عليها أصناف الهدايا وأنواع النعم، وقد حفها من كرمه ووداده بجيش حافل من الوصائف والخدم، فهي لا تنقل قدما إلا في المركبات الفاخرة تجرها الخيل الجياد، ولا تنطق بكلمة من أوامرها إلا انحنت لأقوالها المناكب والأجياد، ولا تلقي رأسها إلا على وساد يتمنى كل فؤاد أن يكون ذلك الوساد، وقد أغنتها الأيام فما تجد فيها إلا الغبطة والهناء، وتجلت لها الأرض جنة الخلد حتى لو خيرت بينها لاختارت الأرض على السماء، أكره هذه المرأة حين تزاحم البغي في خيانتها وبغائها، وتجاري بنات الهوى في خلع الحياء، وهي متسترة وراء مجدها وعلائها، وتأتي منكرات الأعمال وهي غير محتاجة إلى إتيانها، وتبذل حسنها عفوا مجانا لقوم يحتاجون أحيانا إلى إحسانها، تلك التي تسير في مركبتها وأبصارها تنهب الوجوه انتهابا، أو تطل من شرفة قصرها وعينها تنتخب الفتيان انتخابا، والتي تواعد خليلها جانب البستان أو في أقصى المدينة مكانا قصيا، وتخون زوجها شر الخيانة وهو لم يسئ إليها ولم يأت شيئا فريا، تلك التي أكرهها ويجب أن تكرهها القلوب والأحداق، لأنه إذا كانت بغايا الأسواق شر العناء، فتلك شر من بغايا الأسواق.»
وقبل أن أختم هذا الباب، سأتعرض لأولئك الذين اعتبروا المرأة شرا لا بد من تجنبه.
فالمرأة كالأفعى، لين ملمسها، ولكن في أنيابها الخشونة والأسنة القاتلة.
وهناك مثل إفريقي يقول: «خلق الله السماء والأرض، واستراح، ثم خلق البحر والأسماك واستراح، ثم خلق الرجل والحصان والكلب وسائر الحيوان واستراح، واستراح الجميع، وأخيرا خلق المرأة، فلم يعد أحد يشعر براحة.»
ولقد صدق من قال: «مراقبة كيلة من البراغيث أهون من مراقبة امرأة واحدة.»
قال صموئيل بتلر: «سمعت رجلا يقول: إن قطاع الطرق يسألونك كيس نقودك أو حياتك ولكن النساء يطلبن الاثنين معا.»
وقال سليمان الحكيم: «وجدت أمر من الموت، المرأة التي هي شباك، وقلبها شراك، ويداها قيود بأشواك.» وقال سيبريان: «المرأة شيطان يدخلك الجحيم من باب الجنة.»
فعلى الرجل أن يحذر مخالطة النساء فإن لحاظ المرأة سهام، وألفاظها سموم، قال فيثاغورث لابنه: «أوصيك وصيتي فاحفظها تسلم: لا تكثر مجالسة النساء.»
وقال سقراط: «أبغض البغضاء عندي ثلاثة أشياء: كتاب النحو، والفقر، والمرأة، ولقد تغلبت على الأول بكثرة الدرس والحفظ، وعلى الثاني بالسعي والصبر، ولكني لم أجد حيلة في المرأة.»
ويقول هوميروس: «آه منك أيتها المرأة! فحينما ينزع عقلك إلى الشر، لا يكون في الجحيم شيطان أكثر خسة، ولا أعظم دناءة منك.»
أنت العتيقة في المكائد والأذى
والقبح فيك طبيعة وعلامة
ما الحية الرقطاء أبشع منظرا
منك وليس القرد أقبح قامة
الجان يهرب صارخا مسترحما
من سوء طبعك لا يريد إقامة
لو ترحلين إلى جهنم ساعة
لخلت من السكان دون ملامة
وقال جبران خليل جبران: «أحب الوحدة لكي لا ألتقي بالنساء الممدودات الأعناق، اللواتي يسرن غامزات العيون، وعلى ثغورهن ألف ابتسامة، وفي أعماق قلوبهن غرض واحد.»
ويحسم لنا ستيفن شرور المرأة فيقول: «إذا جمع ما أوقعته المرأة من الأذى على مر العصور، فإن الأرض لن تتسع له، والجو يضيق عنه، والشمس العظيمة لن تستطيع أن تنيره أو تهبه الحرارة.»
يقول شوبنهور: «لو كانت الحياة امرأة لهربت منها.» ويقول لقمان: «اتبع الأسود والأسد، ولا تتبع المرأة، ومن ترك المرأة ترك الحزن.»
ويعتقد هسيود أن من يثق في عنصر النساء، شبيه بمن يثق في ثلة من المنافقين، ولذلك فهو ينصح الشباب قائلا: «لا تدع امرأة ترفل في ثوبها الفضفاض، تتملق إليك أو تخدعك أو تغشك، فهي لا تسعى إلا وراء مذودك.»
وأما كون المرأة شرا مستطيرا، فيؤيده تولستوي بقوله: «وعندما أدخل إحدى قدمي في القبر، سأقول الحقيقة عن شر المرأة، ثم أقفز بعدئذ إلى لحدي، وأطبقه على نفسي، وأقول لها: افعلي الآن ما تشائين.»
ولعل تولستوي محق في تصرفه هذا، فان معاهد الإحصاء الأمريكية وجدت أن المرأة هي السر المختفي وراء 65٪ من جرائم القتل.
وتكاد تكون تلك النسبة عالية، غير قاصرة على الولايات المتحدة وحدها.
ولذلك فقد صدق أبو عبيد عبد الواحد حين قال: «ثلاثة أشياء القليل منها خير من الكثير: صحبة السلطان والنساء والمال.»
أو قول إخوان الصفا: «المرأة تفسد المرأة، كما أن الأفعى تأخذ السم من الأفعى.»
وقول فرانسوا فيون: «سواء أكانت شقراء أم سمراء، فإن السعيد السعيد من يبتعد عن هذه وتلك.»
ولم تخل حكم قدماء المصريين من التحذير من شر المرأة، فقد قال أحد عظمائهم: «إذا أردت لصداقتك دوام البقاء، فتجنب محادثة النساء في المنازل التي تزورها، فكم آلاف من الرجال جروا وراء هذه المخلوقات الجميلات الفاتنات، فعاد عليهم ذلك بالبوار، خدعتهم الأجسام الناعمة اللدنة، فإذا هم يصدمون أشياء أجفى من الصخر الجلمود.»
وقال إلياس أبو شبكة: «والعظيم العظيم تضعفه أنثى فينقاد كالحقير الحقير.»
وقد سأل النعمان طبيبه عن السوأة السوآء، والداء العياء، فقال: «المرأة.»
ونظر أبقراط إلى رجل يحدث امرأة، فقال له: «تنح عن هذا الفخ يا فتى لئلا تقع فيه.»
قال بعضهم: «ما دخل داري شر قط.» فقال له حكيم: «ومن أين دخلت امرأتك؟»
ورأى سقراط امرأة تحمل نارا فقال: «عجبت لنار تحمل نارا والحامل شر من المحمول.»
وقال أعرابي: «شر النساء النحيفة الجسم، القليلة اللحم، والممراض المصفرة، البطرة النفرة، تضحك من غير عجب، وتبكي من غير سبب، وتدعو على زوجها بالحرب، تدفن الحسنات وتفشي السيئات، تعين الزمان على بعلها ولا تعين بعلها على الزمان، ليس في قلبها عليه رأفة، ولا عليها منه مخافة، إن دخل خرجت وإن خرج دخلت، وإن ضحك بكت، وإن بكى ضحكت، كثيرة الدعاء قليلة الادعاء، ضيقة الباع مهتوكة القناع، صبيها مهزول وبيتها مزبول، إذا حدثت تشير بالأصابع وتبكي في المجامع، بادية من حجابها، نباحة عند بابها وهي ظالمة، وتشهد وهي غائبة، قد أدلى لسانها بالزور وسال دمعها بالفجور، ابتلاها الله بالويل والثبور وعظائم الأمور.»
قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: «إياك ومشورة النساء، فإن رأيهن إلى أفن وعزمهن إلى وهن، اكفف أبصارهن بالحجاب فإن شدة الحجاب خير لهن من الارتياب، وليس خروجهن بأضر من دخول من لا يوثق به عليهن، فإن استطعت ألا يعرفن غيرك، فافعل.»
وإن خير ما يمكننا أن نختم به هذا الباب هو ما ورد على لسان النبي
صلى الله عليه وسلم
عن المرأة الشريرة إذ قال: «كل عين زانية، والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي زانية.»
ثم قال: «أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية، كل عين زانية.»
وقال أيضا: «ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة ثم يغض بصره، إلا أحدث الله له عبادة يجد حلاوتها في قلبه.»
وقال: «لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له.»
وهو القائل كذلك: «ما من صباح إلا وملكان يناديان: ويل للرجال من النساء، وويل للنساء من الرجال.»
الباب الثالث
وصف المرأة
سأحاول في هذا الباب أن أنتقي خير ما ورد على لسان الفلاسفة والحكماء والأدباء في وصف المرأة بصفة عامة، ووصف بعض أجزاء جسمها بصفة خاصة، تاركا للقارئ حكمه على ما في الوصف من جمال ورقة، أو ما فيه من صحة ومغالاة.
وصف أعرابي امرأة فقال: «حسناء عربيدة، طويلة فارعة، سامقة القوام ، حلوة يجري ماء النضارة والشباب في محياها، تتهادى مستعلية برأسها في تيه ودلال، وتتمايل في رشاقة وزهو كأنها غصن بان يحركه النسيم العليل، ذات جسم رطب رخص، تغني فوقه الطيور، ووجه باسم صبوح، وعينين سوداوين تشعان سهاما تفتك بالقلوب، ووجنتين انتهبتا من الورد حمرته، وشفتين كالعناب الحلو المتبل بالرضاب، وأسنان كاللؤلؤ، وجيد أتلع، وصدر كعب ثدياه، فكانت ملتقى أشعة العيون وشركا لاقتناص القلوب والعقول.»
وقال آخر: «امرأة وضيئة قسيمة وذات شعر فاحم بسط، وعيون ساحرة ونظرات نفاذة آسرة، وجيد أتلع أغر، وصدر ناهد رطب، وقوام رخص بض.»
وقال أبو القاسم الشابي في وصف فتاة:
عذبة أنت، كالطفلة، كالأح
لام كاللحن، كالصباح الجديد
كالسماء الضحوك، كالليلة القم
راء كالورد، كابتسام الوليد
أنت، ما أنت؟ أنت رسم جميل
عبقري من فن هذا الوجود
فيك ما فيه من غموض وعمق
وجمال مقدس معبود
أنت روح الربيع، تختال في الدن
يا فتهتز رائعات الورود
وتهب الحياة سكرى من العط
ر، ويروي الوجود بالتغريد
أنت تحيين في فؤادي ما قد
مات في أمسي السعيد الفقيد
أنت أنشودة الأناشيد غناك
إله الغناء رب القصيد
يا ابنة النور إنني وحدي
من رأى فيك روعة المعبود
فدعيني أعيش في ظلك العذ
ب، وفي قرب حسنك المشهود
عيشة للجمال والفن، والإل
هام والطهر والسنا والسجود
وقال آخر:
خده وردي والعذار بنفسجي
والريق خمري واللواحظ نرجس
فكأنني من خده وعذاره
ورضابه ولحاظه في مجلس
وقال غيره:
رأتني فألقت شعرها فوق نحرها
فقلت لها زيحي اللثام عن الدر
فقالت وقد هاج الدلال بعطفها
أخاف على عينيك من بارق الثغر
وصف كاتب امرأة فقال: «يا لها من امرأة، لقد كانت أعجوبة الأعاجيب، بل قل ألعوبة الألاعيب، خفيفة كالطير سريعة كالخيل، قوتها في ساقيها وقدميها الدقيقتين، ولباقتها في لسانها اللولبي الذي لا يكل ولا يمل، صوتها جهوري، ثرثارة، جريئة في قحة تارة، وفي أدب تارة أخرى، مستهترة يجري الاستهتار في عروقها بسرعة جريان الدم في شرايينها، حتى ليخيل للمرء أن قد ورثته جدا عن جد، ولا سبيل لها إلى الخلاص منه.»
ووصف أعرابي امرأة فقال: كأن وجهها السقم لمن رآها، والبرء لمن ناجاها.
قيل لأعرابي: «أتحسن صفة النساء؟» قال: «نعم، إذا عذب ثناياها، وسهل خداها، ونهد ثدياها، وفعم ساعداها، والتف فخذاها وعرض وركاها، وجدل ساقاها، فتلك هم النفس ومناها.»
وذكر أعرابي امرأة فقال: «أرسل الحسن إلى خديها صفائح نور، ورشق السحر عن لحظها سهم حداد، ولقد تأملت فوجدت للبدر نورا من بعض نورها.»
ووصف آخر امرأة فقال: «هي شمس تباهي بها شمس سمائها، وليس لي شفيع إليها غيرها في اقتضائها، ولكنني كتوم لفيض النفس عند امتلائها.»
وقال غيره في وصف امرأة: «ما أحس من حبها نعاسا، ولا أنظر إليها إلا اختلاسا، وكل امرئ منها يرى ما أحب.»
وذكر أعرابي امرأة فقال: «لها جلد من لؤلؤ رطب مع رائحة المسك الأذفر، في كل عضو منها شمس طالعة.»
وقال آخر في وصفها: «هي السقم الذي لا برء منه، والبرء الذي لا سقم معه، أسهل من الماء وأبعد من السماء.»
فرعاء تسحب من قيام شعرها
وتغيب فيه وهو ليل أسخم
فكأنها فيه نهار مشرق
وكأنه ليل عليها مظلم
وقال آخر:
غراء مبسام كأن حديثها
در تحدر نظمه منشور
وقال النابغة الذبياني يصف المتجردة زوج النعمان بن المنذر ملك الحيرة بقصيدة طويلة منها:
في إثر غانية رمتك بسهمها
فأصاب قلبك غير أن لم تقصد
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه
فتناولته واتقتنا باليد
بمخضب رخص كأن بنانه
عنم على أغصانه لم يعقد
لو أنها عرضت لأشمط راهب
يخشى الإله صرورة متعبد
لرنا لبهجتها وحلو حديثها
ولخاله رشدا وإن لم يرشد
فاذا لمست لمست أختم جاثما
متحيزا بمكانه ملء اليد
وإذا طعنت طعنت في مستهدف
رابي المجسة للعبير مقرمد
وقال أبو نواس:
قامت بإبريقها والليل معتكر
فلاح من وجهها في البيت لألاء
وقال غيره:
أيام أبدت واضحا مفلجا
أغر براقا وطرفا أبرجا
ومقلة وحاجبا مزججا
وفاحما ومرسنا مسرجا
وقال أبو صخر:
ألا إنما هند عصا خيزرانة
إذا لمسوها بالأكف تلين
وقال غيره:
هي الشمس مسكنها في السماء
فعز الفؤاد عزاء جميلا
فلن تستطيع إليها الصعود
ولن تستطيع إليها النزولا
وقال آخر:
وجه لمصباح السماء مباهي
يبدو الشباب عليه رشح مياه
رقم العذار غلالتيه بأحرف
معنى الهوى في طيبها متناهي
نادى عليه الحسن حين لقيته
هذا المنمنم في طراز الله
وقال أبو الحسن:
خفرت بسيف اللحظ ذمة مغفري
وفرت برمح القد درع تصبري
وجلت لنا من تحت مسكة خالها
كافور فجر شق ليل العنبر
فزعت فضرست العقيق بلؤلؤ
سكنت فرائده غدير السكر
وتنهدت جزعا فأثر كفها
في صدرها فنظرت ما لم أنظر
أقلام مرجان كتبن بعنبر
بصحيفة البلور خمسة أسطر
يا حامل السيف الصقيل إذا رنت
إياك ضربة جفنها المتكسر
وتوق يا رب القناة الطعن إن
حملت عليك من القوام بأسمر
وقال آخر:
بدا فقالوا تبارك الله
جل الذي صاغه وسواه
في ريقه شهدة مذوبة
وانعقد الدر في ثناياه
مكملا بالجمال منفردا
كل الورى في جماله تاهوا
قد كتب الحسن فوق وجنته
أشهد أن لا مليح إلاه
وقال أديب:
ظبي ياقوت مراشفه الو
هاج تكلل بالجوهر
وسما لسما عرش الوجنات
إله الجمال لا ينكر
تحكي عن محكم قدرته
رسل الألحاظ لمن أنكر
وأقام دليل نبوته
في جامع خديه الأزهر
فنبي الحسن له صلى
وبلال الخال له كبر
قالت شفتاه لمرتشف
إنا أعطيناك الكوثر
وقال غيره:
قسما بوجنته وباسم ثغره
وبأسهم قد راشها من سحره
وبلين عطفيه، ومرهف لحظه
وبياض غرته وأسود شعره
وبحاجب حجب الكرى عن صبه
وسطا عليه بنهيه وبأمره
وبورد خديه وآس عذاره
وعقيق مبسمه ولؤلؤ ثغره
وبردفه المرتج في حركاته
وسكونه وبرقة في خصره
ما المسك إلا من فضالة خاله
والطيب يروي ريحه عن نشره
وكذلك الشمس المنيرة دونه
ورأى الهلال قلامة من ظفره
وقال آخر:
نشرت ثلاث ذوائب من شعرها
في ليلة فأرت ليالي أربعا
واستقبلت قمر السماء بوجهها
فأرتني القمرين في وقت معا
وقال غيره:
خذوا حذركم من طرفها فهو ساحر
وليس بناج من رمته المحاجر
ولا تخدعوا من رقة في كلامها
فإن الحميا للعقول تخامر
منعمة لو لامس الورد خدها
بكت وبدت من مقلتيها البواتر
فلو في الكرى شم النسيم بأرضها
سرى أبدا من أرضها وهو عاطر
وقال آخر:
إن أقبلت قتلت وإن هي أدبرت
جعلت جميع الناس من عشاقها
شمسية بدرية لكنها
ليس الجفا والصد من أخلاقها
جنات عدن تحت جيب قميصها
والبدر في فلك على أطرافها
وقال نحوي يصف محبوبته:
بيضاء مصقولة الخدين ناعمة
كأنها لؤلؤ في الحسن مكنون
كأن ألحاظها نبل وحاجبها
قوس على أنه بالموت مقرون
بالخد والقد إن تبدو فوجنتها
ورد وآس وريحان ونسرين
والغصن يعهد في البستان مغرسه
وغصن قدك كم فيه بساتين
وقال أحد الشعراء:
ما خاب من سماك أنس الوجود
يا جامعة بين أنس ووجود
يا طلعة البدر الذي وجهه
قد نور الكون وعم الوجود
ما أنت إلا فردة في الورى
سلطان ذي حسن وعندي شهود
حاجبك النون التي سطرت
ومقلتاك الصاد صنع الودود
وقدك الغصن الرطيب الذي
إذا دعي في كل شيء يجود
وقال آخر يصف زند محبوبته:
وسواعد تزهو بحسن أساور
كالنار تضرم فوق ماء جار
فكأنها والتبر محتاط بها
ماء تمنطق معجبا بالنار
ووصف أعرابي امرأة فقال: «كاد الغزال يكونها، لولا ما نقص منه وتم فيها.»
ووصفها آخر فقال: «يجب أن يكون في المرأة أربعة أشياء سود: شعر الرأس، والحاجبان، وأشفار العين، والحدقة، وأربعة بيض: اللون، وبياض العين، والأسنان، والساق، وأربعة حمر: اللسان، والشفتان والوجنتان، واللثة، وأربعة مدورة: الرأس، والعنق، والساعد، والعرقوب، وأربعة طوال: الظهر، والأصابع، والذراعان والساقان، وأربعة واسعة: الجبهة، والعين والصدر، والوركان، وأربعة دقيقة: الحاجبان، والأنف، والشفتان، والأصابع، وأربعة غليظة: العجز، والفخذان والعضلتان، والركبتان، وأربعة صغيرة: الأذنان، والثديان، واليدان، والرجلان، وأربعة طيبة الريح: الفم، والعرق، والأنف، والفرج، وأربعة عفيفة: الطرف، والبطن، واللسان واليد.»
وإليك بعض ما ورد على لسان الكتاب والأدباء في وصف المرأة:
هي غادة هيفاء، بديعة فريدة المثال، لها وجه يخجل الأقمار، وعليها من الملابس الثمينة التي لا تقدر بقيمة، ومن الحلي والجواهر الغوالي ما لا يثمن بمال.
هي أغنية عذبة النغم، نشوى القرار، في قدها الريان، وعذوبتها الخضاب، تمشي فتجر وراءها موكبا من عيون رصعها الإعجاب، وتنظر فتنقل عيناها السحر إلى قلوب أقلقها دبيب الغرام.
هي فتاة يشتهي ندى الصباح أن يستقي نقاوته منها، ترتدي ثوبا يبعث الحرارة في كل امرئ ما عداها، طويلة مشوقة، تمشي كأنها العلم، في وجهها هدوء، وفي عينها صفاء، ولصورتها رواء، هيفاء، متناسبة الطول والعرض، تسير في طريقها فلا تنحرف ولا تميل، ثيابها الغالية، وحليها الثمينة، وعطرها الزكي، كأنها فرقة موسيقية كاملة بارعة تعزف لحنا ساحرا.
هي روضة الحسن، ونضرة الشمس، وبدر الأرض، قد فرع عودها، وبرز نهداها، وترنح خصرها تحت الثوب الفضفاض الذي يخب فيه جسدها الفتي المتفجر أنوثة وحياة، كما استدار وجهها وأناره جبين مشرق كأنه الهلال الوليد يطل من الأفق على عينين سوداوين كأن أهدابها الطويلة الساجية غلائل ليل حالك السواد، لها ثغر عذب المراشف، وشفتان قانيتان كأنهما حول الثنايا الملتمعة جمرتان لا تخبو لها نار، وصدر عريض ناهد، وثدي نزق، كأنه في انطباعاته جذوة نار حامية، عيناها زرقاوان، وشعرها قد اختلطت فيه الفضة والذهب، وقوامها ممشوق، تمشي على خفر واستحياء.
هي فتاة بارعة الحسن، مليحة الدل، فينانة ريانة، وكانت إذا تقدمت ترنو وتبتسم وتتبرج وتهتز، وتشد هذا الثدي، وتثني هذه الذراع، وتميل برأسها الذي كله خدود، وعيون وأصداغ.
هي فتاة يزينها جمال فاتن، وطلعة مشرقة، هي شقراء أميل إلى الطول منها إلى القصر، معتدلة القد، خفيفة الروح والحركات، لها شعر ذهبي لماع، كأنه إكليل من نضار توجها به الجمال، وعينان زرقاوان فيهما السحر وفيهما الفتنة، وفيهما الوداعة وكرم الخلق وصفاء الضمير، لها جسم بض كأنه البلور المذاب، يكاد لصفائه تنعكس عليه الأشباح والصور.
هي فتاة وجهها جميل كالأماني، رقيق كأوراق الورد، مشرق كالضحى، وشعرها أسود ناعم، وأنفاسها كمطر تشتاقه الروح، وصوت كنغم من السماء، وبسمة يخشع لها القلب، نظراتها كوتر الجيتار الناعم الحنون، وصوتها كاللحن الهادئ الذي ينساب في خفوت، ساقها ملتفة عبلة، وجسمها ممشوق سمهري، وثديها مثمر يتحلب نعيما.
كأنها البدر المنير في حسنها وجمالها، وقدها واعتدالها، لها أعين تصيد قلوب العاشقين، وحاجبان مقرونان، ومبسم لطيف، وقد أهيف ظريف، وخصر نحيف وأسنان كاللؤلؤ والمرجان، وفم مثل خاتم سليمان، إذا رأيتها ملكت فؤادك وأسرت قلبك وقيادك، وأصبحت قتيل هواها، ولا عدت تطلب من الدنيا سواها.
كانت فتاة ماكرة، غزلة لعوبا، تعرف كيف تأسر في ثقة وتجذب في سكينة، وتفتن في صمت، وتستميل في إغراء هادئ مطمئن عميق لا يكشف سرها ولا يميط اللثام أبدا عن حقيقة شخصيتها.
كانت لغزا أنثويا حيا ممثلا في قامة مشوقة، وشعر أسود مجعد، وعينين واسعتين متقدتين، ونظرات ناعسة حادة تقترن فيها العذوبة والرقة بالإباء والغطرسة والشموخ.
امرأة تناثرت الدموع من عينها كما يتناثر اللؤلؤ من عقد انفصم سمطه، فكان منظرها من أعظم المناظر وأشهاها، وأظرفها وأحلاها.
كانت شفتاها كزورق وحيد تائه على صفحة الماء بين أوراق الأشجار الجافة المتساقطة، أما قوامها فكشعاع القمر عندما يتسلل من خلال أغصان الأشجار، لها وجه كالبدر في كامل استدارته، وأهداب كظلال الخلد كحيلة سوداء، وجيد مهتز ناضج، وفم شتيت حلو أودعت فيه السماء أسرارها، وصبغته عرائس الفنون بحمرة القبل، فهو دائما يبتسم، وكل ابتسامة منه تحيي وتميت.
إنها تتمايل تمايل الأغصان إذا حركها النسيم، بقدود مائسات، وعيون ناعسات، كأنها أشبه بالبدر المنير بين النجوم السواطع، لا يبدو وجهها إلا مليحا صبوحا واضحا، لا تعبس أبدا، وقد تبتسم.
هي تجتذب بظاهر فيها قلبا بعد قلب، وإذا هي تورد القلوب موارد المنون، طلقة المحيا، وادعة الأسارير، يستبين وجهها في إطار من خمار أسود قشيب، البشر في عينيها، والفرحة كأمواج النسيم تداعب عطفيها، فمها ينبوع ماء حي يود أن يعب منه كل ظمآن، أسنانها بيضاء كياسمين منضد، صقيلة لماعة كأندر وأغلى العاج، جبينها ناصع كالصراحة، ونظرتها باترة كالعزيمة، وضحكتها مدوية كالحرية، ولمعة تفكيرها العبقري تجثم في عمق عينيها كما يجثم سر الحياة الكبرى في مقدس بدنها الغض الجميل.
لها وجه كأنه إشراقة الصبح أو صفحة البدر، أو تبلج الحق بين ظلمات الشكوك، به عينان حوراوان امتزجت بهما صولة السحر بنشوة التمر، فكانتا شباك الفتنة لصيد القلوب، وأنف حسن الله تقويمه وأبدع تكوينه، فزاد وجهها جمالا، وثغر دري ياقوتي، تهيم به الشفاه، وتحوم حوله القلوب ظمأى، كما تحوم طيور الصحراء حول معين الماء العذب النمير.
كانت فتاة فارعة القد ممتلئة الجسم، جرى حديث جمالها الفاتن من فم إلى فم، وتنقل من دار إلى دار، حتى أصبحت مضرب المثل بين فتيات المدينة، ومقياس الجمال كلما عرض ذكر الجمال.
كانت فتاة جميلة فائقة الحسن، فاتكة اللحظات، رائعة القسمات، لم تطلع الشمس على أنضر منها وجها ولا أملد عودا، ولا أشد إغراء وفتنة، يصدق فيها قول الشاعر:
ومليح قال صفني
أنت في القول فصيح
قلت قولا باختصار
كل ما فيك مليح
ولعل أجمل ما قيل في وصف المرأة: «كلما تأملت الوردة المنتفخة، تمثلت فمك الساخر، حيث يضحك في رياء دم شرفك المطعون، وكلما تأملت الثمرة الناضجة، تمثلت صدرك الفاجر، حيث يمرح في دهاء سر قلبك المدفون، وكلما تأملت النجمة الساطعة، تمثلت بصرك الزائغ، حيث يلسع في هدوء خبث عقلك الملعون، أنت الشوكة لا الوردة، والدودة لا الثمرة، والسحابة لا النجمة، والشقوة لا النعيم.
لقد عرفتك، ومن عرف المرأة معرفتي بك آثر حرقة الزهد على وهم التمتع، ولوعة الوحدة على فرح الحياة، وكبرياء النفس على ذل الحب، حتى ولو كان في الزهد والوحدة والكبرياء فناء الجسم وموت القلب وعذاب السعير.
حقا، آه منك أيتها المرأة، لقد كنت الوردة والثمرة والنور، كنت وردة للروح، وثمرة للجسد، ونورا للعقل، كنت الجمال، وكنت الكمال، فكيف خدعتني يا أيتها المرأة وغدرت بي؟ وكيف استحال قلبك في مثل خطف البرق من هيكل للحب إلى مرعى للديدان؟»
الباب الرابع
الأم
الأم جوهرة ثمينة لا تقدر بمال.
الأم ركن هام في بيتها وفي بيت الأمة.
الأم سلاح قوي تنهض به الأمم.
الأم كل شيء في الوجود، إن لم تكن هي الوجود نفسه.
الأم رمز السلام والمحبة والطهر.
الأم هي المعلم الأول للجيل الجديد.
الأم أعظم قائد في معركة الحياة الخالدة.
يقول طومسون: «لا شيء في هذا الوجود يعدل حجر الأم رقة، ولا زهرة أجمل من ابتسامتها، وما من طريق أكثر أزهارا من ذلك الطريق الذي تمهده قدماها.»
ومما لا شك فيه، أن حب الأم هو أشرف أنواع الحب وأعمقه وأدعمه، إنه الحب الخالد الذي لا يموت ولا ينتهي، وللألمانيين مثل مشهور يقول: «حب الأم لا يهرم.»
ولعل جبران خليل جبران قد أصاب حينما كتب هذه العبارة الجميلة عن الأم، التي يقول فيها: «إن أعذب ما تحدثه البشرية في الشفاه هو لفظ «الأم»، وأجمل مناداة في الوجود هي: «يا أمي.» كلمة صغيرة كبيرة، مملوءة بالأمل والحب والانعطاف، وكل ما في القلب البشري من الرقة والحلاوة والعذوبة. الأم هي كل شيء في هذه الحياة، هي التعزية في الحزن، والرجاء في اليأس، والقوة في الضعف، هي ينبوع الحنو والرأفة والشفقة والغفران، فالذي يفقد أمه يفقد صدرا يسند إليه رأسه، ويدا تباركه، وعينا تحرسه.
كل شيء في الطبيعة يرمز ويتكلم عن الأمومة، فالشمس هي أم هذه الأرض، ترضعها حرارتها، وتحضنها بنورها، ولا تغادرها عند المساء إلا بعد أن تنام على نغمة أمواج البحر وترنيمة العصافير والسواقي، وهذه الأرض هي أم للأشجار والأزهار، تلدها وترضعها ثم تفطمها، والأشجار والأزهار تصير في وقتها أمهات حنونات للأثمار الشهية والبذور الحية.
وأم كل شيء في الكيان هي الروح الكلية الأزلية الأبدية المملوءة بالجمال والمحبة.»
إن لفظة الأم تختبئ في قلوبنا مثلما تختبئ النواة في قلب الأرض وتنشق من بين شفاهنا في ساعات الحزن والفرح، كما يتصاعد القطن من قلب الوردة في الفضاء الممطر الصافي.
إن قلب الأم زهرة لا تذبل، إنه مستودع لكل عاطفة نبيلة سامية، ومبعث لكل نور يضيء الحياة، ولذلك ما أصدق المثل الإستوني الذي يقول: «إذا ماتت الأم أصبح الأب أعمى.»
والأم في نظر الطفل كالخالق في نظر المخلوق، مصدر كل صلاح، وهي العناية والشريعة والكل في الكل ، ومن ثم يرى هنري فريدريك إميل أنه يجب على الأم أن تكون لطفلها كالشمس في الفلك، نجما ثابتا لا يتغير، ولا يحجب نوره عن ذلك المولود.
ولا أدل على حب الأم لأولادها مما كتبته إحدى الأمهات، من قدماء المصريين، على قبر ابنها: «من ينتهك حرمة هذا القبر، فليكن آخر من يموت ممن يحبهم.» لقد خرجت هذه الكلمة من نفس ذاقت آلام الحياة بجميع أنواعها ودرجاتها، وهي كلمة يفزع لهولها كل من فارق عزيزا محبوبا.
وإن كانت أليس هاوثرون تقول: «ما هو البيت بدون أم؟» فإن نابليون الأول يقول: «لا تحتاج فرنسا لكي تنهض لغير أم صالحة.» ولقد قال الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعبا طيب الأعراق
ولقد قال نابليون بونابرت لمدام كمبان: «إن نظم التعليم لتبدو لي عديمة الفائدة، فماذا ينقصنا حتى يصبح الشعب مهذبا بمعنى الكلمة؟» فأجابت مدام كمبان: «الأمهات.» فسر الإمبراطور من إجابتها وقال: «أصبت، فهذا نظام تربية يتلخص في كلمة واحدة، ليكن شغلك الشاغل منذ الآن أن تلقني الأمهات كيف يهذبن أطفالهن.»
والأم خير مثال في التضحية، فيؤكد ذلك لنا ما قالته «أجربينا» والدة «نيرون» عندما قيل لها إن ابنها سيقتلها عندما يصبح إمبراطورا، إذ قالت وعلى شفتيها ابتسامة الرضا: «يسرني أن أموت على يديه لو تحقق له أن يصبح إمبراطورا.»
فيا لها من تضحية أم!
ونستطيع تقدير أهمية الأم ومكانتها في المجتمع من أمثال الأمم الآتية:
يهجر البيت بلعنة الأب، ولكنه ينهار وينهدم بلعنة الأم (مثل بلغاري).
توجد أمهات وآباء يملأ الحنان قلوبهم، ولا يوجد أبناء وبنات عندهم حنان (مثل صيني)
يخرج الجسد من الأم سليما، وعلى الابن أن يعيده سليما (مثل صيني).
علمنا أبونا وأمنا الكلام، وعلمتنا الحياة الصمت (مثل تشيكي).
من يتناول الابن بيديه يتناول الأم بقلبه (مثل دنماركي).
قد يحظى الابن بفيض غزير من بركات أمه (مثل إنجليزي).
أطراف أنامل الطفل تؤلم قلب الأم (مثل إستوني)
يدوم حب الأب إلى اللحد، أما حب الأم فسرمدي (مثل إستوني).
من لا يعلمه أبوه وأمه تعلمه الحياة (مثل إستوني).
من لم يعلمه أبواه علمته الأيام والليالي (مثل مصري).
إن لحق أمك العار، لحق زوجة أبيك (مثل أوغندي).
إن أعطاك أحمق أمه فخذها ولا تخف (مثل أوغندي).
عندما تبرز أسنان الطفل، فعلى الأم أن تبيع قميصها لتشتري له خمرا (مثل ألماني).
من داعب أنف الطفل، قصد تقبيل خد الأم (مثل ألماني).
ليست الحقيقة كما ترويها الأم، بل كما يرويها الجيران (مثل هندي).
انظر الأم وتزوج الابنة (مثل هنغاري).
يحب المرء معشوقته أكثر الحب، وزوجته أفضل الحب، وأمه أطول الحب (مثل أيرلندي).
لا يحب الأب الطفل إلا عندما تمكث الأم معه (مثل كونفي).
أعظم حب هو حب الأم (مثل بولندي).
الأب والأم لا يعوضان، أما الزوجة فيمكن تعويضها (مثل روماني).
الأم النشيطة تعلم ابنتها الكسل (مثل برتغالي).
وخير ما نختم به هذا الباب ويعطينا فكرة صحيحة عن مكانة الأم، هو القصة الآتية:
سأل أعرابي رسول الله
صلى الله عليه وسلم
فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بصداقتي؟ قال: «أمك.» قال: ثم من؟ قال: «أمك.» قال: ثم من؟ قال: «أمك.» قال: ثم من؟ قال: «أبوك.»
الباب الخامس
المرأة في أمثال الشعوب والأمم
ما أكثر الأمثال الشائعة بين مختلف الأمم، والتي تتناول المرأة من شتى النواحي!
واليقين الذي لا شك فيه، أن أمثال الأمة تعبر تعبيرا صادقا عن وجهة نظرها تجاه الموضوع.
ومن ثم فهذه المجموعة من الأمثال تسجل - في شيء من الإيجاز - رأي كل أمة في المرأة حسب تقاليدها وعاداتها ودياناتها.
أمثال فرنسية
سلاح المرأة لسانها، فكيف تدعه يصدأ بعدم الاستعمال؟
خلقت المرأة لوفاض الرجل.
المرأة صابون الرجل.
ولو عرفت المرأة قيمة التفاحة لما أعطتها لأحد.
إذا فهمت الرجال فادرس النساء.
الدنيا كتاب المرأة.
أمثال إستونية
لا تثني المرأة على الرجل.
رأس المرأة والدجاجة سواء.
لا تفهم النساء ما يراه الرجل في الرجل.
البنت بغير إبرة كالقطة بغير مخلب.
حجر الأم آمن من فراش الورد.
أمثال روسية
الكلب أعقل من المرأة لأنه لا ينبح سيده.
ما تجهله الفتاة يزينها.
عندما تولد البنت، تبكي الجدران الأربعة.
الفتاة كالظل، اتبعها تفر، واهرب منها تتبعك.
لا تحب المرأة لصغرها، ولا تطردها لكبرها.
للمرأة سبعة وسبعون رأيا في آن واحد.
غالبا ما تشكو المرأة بدون سبب، وتكذب عمدا، وتضحك سرا.
كل رجل ابن امرأة.
أمثال بولندية
لسنا في بولندا حيث النساء أقوى من الرجال.
ابتلع الشيطان المرأة فلم يستطع هضمها.
امرأة واحدة في مدينة تحدث جلبة أكثر من مائة رجل.
لا تثق بالكلب النائم، ولا باليهودي إذا أقسم، ولا بالسكران الذي يصلي، ولا بالمرأة إذا بكت.
أمثال لاتينية
المرأة إما أن تحب، وإما أن تكره.
النساء الجريحات لا يرحمن عادة.
ثلاثة ملعونة في البيت: الشح، والمرأة الشريرة، والدخان.
المرأة شر لا بد منه.
متى تجهر المرأة بالسوء، فهي أمينة على الأقل.
عندما تفكر المرأة بعقلها، فإنها تفكر في الأذى.
عندما تستحي الشمطاء، تصبح لعبة الموت المفضلة.
أمثال ألمانية
تحمل الفتاة الجميلة مهرها في وجهها.
تستطيع المرأة ما لا يستطيعه الشيطان.
رجل بلا امرأة، رأس بلا جسد، وامرأة بلا رجل، جسد بلا رأس.
المرأة شيطان الرجال.
يخدع الشيطان رجلا واحدا في عشر ساعات، وتخدع المرأة عشرة رجال في ساعة واحدة.
امرأة بلا رجل، حديقة بلا سياج.
تحمل النساء سيوفهن في أفواههن.
أمثال إسبانية
ثلاث بنات وأم، أربعة شياطين للأب.
بالعينين تطلب المرأة، وتأخذ، وتكره، وتقتل.
من العبث أن تراقب امرأة سيئة.
المرأة كظلك، اتبعها تهرب، واهرب منها تتبعك.
لا تثق بالمرأة الصامتة، ولا بالكلب الذي لا ينبح.
النساء والزجاج دائما في خطر.
طبيعة النساء احتقار من يحبهن، وحب من يبغضهن.
أمثال هولندية
تستطيع المرأة بمئزرها أن تخرج من البيت أكثر ما يستطيع الرجل أن يجلب إليه بعربة الشعير.
المرأة تأكل الحنظل.
عندما يكون بالمنزل امرأة حسنة، يضحك المرح من النافذة.
متى تصنع النساء الخبز، ويقمن بالغسيل، فإن الشيطان يكمن في أجسامهن.
أمثال صينية
النساء كالحكام، قلما يجدن أصدقاء مخلصين.
يستطيع الرجل أن يحمي المرأة من كل رجل إلا نفسه.
المرأة الحقة هي التي لا تنصت ولا ترى ولا تسمع.
اضرب المرأة في الصباح، ولا تنس أن تعيد ضربها في منتصف النهار.
المرأة كالبساط، كلما ضربته بالعصا، تخلص من الغبار العالق به، ونظف.
إذا اجتمعت امرأتان، فلن يكف لهما حديث، وإن اجتمعت ثلاث، فلن ينقطع لهن شجار.
ما أرخص الدموع عند المرأة والتمساح.
إذا أخفق الشيطان في التسرب إلى مكان أوفد المرأة.
أمثال أيرلندية
لن يحطم أيرلندا سوى كبرياء النساء وكبرياء الكهنة.
من أهم الضروريات للإنسان ثلاثة أشياء: القطة والمدخنة وسيدة البيت.
اثنان يجلبان سوء الحظ في الدار: المرأة الشاحبة، والدجاجة الصائحة.
حيث البقرة تجد امرأة، وحيث المرأة تجد ضجرا.
أينما تذهب فاصحب معك امرأة.
تغلب المرأة الشيطان.
الخنزير أقل فطنة من العنزة، أما المرأة فتفوق الجميع.
سل المرأة مرة ومرتين، فإن لم تأخذ بوجهة نظرك، فاقتنع أنت بوجهة نظرها.
لا عذر للمرأة بدون طفل.
لا تباري الريح عقل المرأة عند الاختيار بين رجلين.
تتحسن النساء بعد التعنيف.
أينما توجد النساء يوجد كلام، وأينما يوجد الإوز توجد القوقاء.
ثلاثة أنواع من الرجال لا يفهمون النساء: الشبان والشيوخ والكهول.
أمثال يونانية
أدب المرأة مذهبها لا ذهبها.
إما أن تحب المرأة وإما أن تكره.
لا تثق بالمرأة حتى وإن ماتت.
المرأة إما أن تحكم أو تخدم.
لا شيء أسوأ من المرأة حتى ولو كانت خير النساء.
يجلب الصمت الحكم للنساء.
على المرأة أن تقف دائما إلى جوار المرأة.
خير ما يمتلك الرجل امرأة طيبة، وأسوأ ما يملكه امرأة شريرة.
تجلب المرأة للرجل أعظم بركة وأكبر هلاك.
المرأة بطبيعتها مبذرة عادة.
إنني أكتب وعود المرأة على صفحة الماء.
أمثال إنجليزية
احذر مقدم المرأة، ومؤخر البغل، وجميع أنحاء الكاهن.
ثق بكلبك على طول الخط، ولا تثق بالمرأة إلا في المرة الأولى.
المرأة للرجل إما إله، وأما ذئب.
تضحك المرأة في وجهك ثم تقطع زورك.
الحمقى حكماء في شئون النساء.
النساء والجسور تحتاج دائما إلى ترميم.
يجب ألا تؤرخ النسوة والموسيقى إطلاقا.
النساء شر لا بد منه.
النساء قديسات في الكنيسة، وملائكة في الطرقات، وشياطين في المطبخ، وقردة في المخادع.
قد تنسى النساء ويقسو الأطفال.
لا يستطيع الخير والنساء أن يطبخا، ولكن الشر والنساء يستطيعان.
تنمو النساء إلى جانب الحائط المشمس.
النساء أحكم من الرجال في وقت المحن.
إذا جلست امرأتان معا، أحدثتا طقسا باردا.
المرأة مفتاح كل بيت.
نذور الرجال خيانة النساء.
ثلاثة لا تسمن ولا تغني من جوع: النساء والكهنة والدجاج.
ثلاثة لا يعتمد عليها: صحة الجواد، وكلمة المرأة، وحب الصبي.
المرأة الجميلة، والعباءة الطويلة، تجدان دائما مسمارا ما في الطريق.
لا تخبئ المرأة إلا ما تجهله.
من ملك امرأة فقد ملك ثعبانا.
سلاح المرأة لسانها.
المرأة القبيحة مرض للمعدة، والمرأة الأنيقة وجع للرأس.
المرأة ملاك في العاشرة من عمرها، وقديسة في الخامسة عشرة، وشيطانة في الأربعين، ومنجمة في الثمانين.
من لا يحب امرأة فقد ابتلع خنزيرا.
تحمل المرأة القذرة دائما طلاسة في جيبها.
أمثال شرقية
اثنان في خطر: النساء والزجاج.
أنا لا أمدح إلا النساء.
لو تعلق قلبك بامرأة لذهبت بحياتك.
يختبر الذهب بالنار، وتختبر المرأة بالذهب.
لا تثق بالكلب إذا نام، ولا بالمرأة إذا بكت.
نساء الدنيا أحسن من الحور العين.
كل من كان أزهد، كان إلى النساء أشوق وأشبق.
لا تثق بالمرأة وإن اتقت، ولا تغتر بالمال وإن كثر.
النساء حبائل الشيطان.
لم تنه المرأة عن شيء قط إلا فعلته.
طاعة النساء دليل على اقتراب الساعة.
من أطاع عرسه فقد أضاع نفسه.
خالف النساء وهواك وافعل ما شئت.
المرأة سياج النعمة أو سلاح النقمة.
دموع المرأة دليل كذبها.
المرأة لعبتها الرجل.
النساء ناقصات عقل ودين.
جمال المرأة في عفتها ووداعتها.
إن النساء شقائق الأقوام.
عار النساء باق.
غيرة المرأة مفتاح طلاقها.
كالمرأة الثكلى، والحبة على المقلى.
المرأة من المرء، وكل أدماء من آدم.
المرأة فراش فاستوثروه.
المرأة الشريرة غل من حديد.
حلية الرجال الأدب، وحلية النساء ما يلبسونه.
حلي الرجال الأدب، وحلي النساء الذهب.
إياكم ومشورة النساء.
لا وفاء للمرأة.
المرأة لا يحسن بها الظن، وكل فن لا يؤخذ إلا من أهل ذلك الفن.
ثلاثة تكدر صفو العيش: جار السوء، والولد العاق والمرأة الخائنة.
خفة رأس المرأة تثقل قلب الرجل.
ما أشق على المرأة أن تكتم أمرا.
لأن يدير الرجل مملكة، أيسر من أن يدير امرأة.
رب حسناء مردودة، وخرقاء محسودة.
إنما الشؤم في ثلاثة: الفرس والمرأة والدار.
خير مساجد النساء عقر بيوتهن.
من يطلب الحسناء يعطي مهرها.
لا تخطب المرأة لحسنها، بل لحصنها.
اليسار مفسدة النساء.
المرأة عمران البيت وخرابه.
تتميز المرأة عن الرجل بعينها، ويتميز الرجل عن المرأة بعقله.
المرأة الحسناء، نعيم العيون، ومطهر الجيوب، وجحيم القلوب.
متى تكلمك امرأة، فاستمع إلى ما تقوله عيناها.
المرأة ريحانة وليست بقهرمانة.
ثلاث نساء ودجاجة يتألف منهن سوق.
من زهو المرأة أنها لا تدخن وهي وحدها.
المرأة كالحرباء تتلون كيفما شاءت.
لن تعدم الحسناء ذاما.
ذل من أسند أمره إلى امرأة.
العذر ومطاوعة النساء يؤديان إلى الغرم الثقيل.
المرأة السوء غل يلقيه الله تعالى في عنق من يشاء من عباده.
أمثال جماعة الباسك
أشبع نهم الكلب بعظمة، والمرأة بأكذوبة.
لا بد من اختيار الذهب والمرأة والكتان في وضح النهار.
حذار من النساء ذوات اللحى، والرجال عديمي اللحى.
ونضيف إلى هذه المجموعة، مجموعة أخرى لأمم شتى:
نصيحة المرأة قليلة الجدوى، والويل لمن لا يعمل بها (مثل ويلزي).
لا يبنى البيت على الأرض، بل على المرأة (مثل صربي).
امرأتان سوق، وثلاث مولد (مثل أوكراني).
يرى قلب المرأة أكثر مما تراه عيون عشرة رجال (مثل سويدي).
الشيطان نفسه لا يعرف أين تشحذ النساء سكاكينهن (مثل لاتفي).
أسلحة المرأة دموعها (مثل جورجي).
جمال السماء في نجومها، وجمال المرأة في شعرها (مثل إيطالي).
النساء والقطط، كلهن سود في الظلام (مثل بوسني).
سيدة البيت الحقيقية عبدة وسيدة في آن واحد (مثل بوسني).
بيت بلا امرأة، بئر بلا دلو (مثل بلغاري).
لا بيت حيث لا امرأة (مثل بلغاري)
لا تثق بشمس الشتاء ولا بقلب المرأة (مثل بلغاري).
هو ابني إلى أن يتزوج، وهي ابنتي طوال حياتها (مثل اسكتلندي).
لا يجب على أيدي المرأة أن تفعل شيئا أكثر من فم الحصان (مثل بلجيكي).
إذا أردت أن تخفي مالك، فلا تخفه تحت لسان المرأة (مثل تشيكي).
ابتسامات المرأة الجميلة دموع الوفاض (مثل إيطالي).
المرأة التي تحب اثنين، تخدع كلاهما (مثل برتغالي).
تتعلم النساء البكاء ليكذبن (مثل برتغالي).
المرأة الغنية في حاجة إلى زوج (مثل ألباني).
لا شجار بلا امرأة (مثل ألباني).
لا تكف المرأة عن الكلام إلا لتبكي (مثل هندي).
إذا أردت اختبار الذهب فحكه، أو قوة الثور فحمله، أو خلق الرجل فاستمع إليه، أما إذا شئت اختبار فكر المرأة، فلا سبيل إلى ذلك (مثل هندي).
تظل المرأة جنة ما دمت على أبوابها (مثل ياباني).
الشيطان أستاذ الرجل وتلميذ المرأة (مثل ياباني).
الباب السادس
طرائف المرأة في حياة الأدباء والشعراء
سنجمع في هذا الباب قليلا من طرائف المرأة في حياة الأدباء والشعراء الغربيين والشرقيين، وهي تبين على كل حال - بطريق غير مباشر - رأي هؤلاء الأدباء والشعراء في المرأة، إما بطريق النكتة أو النقد.
تزوج «ملتون» الشاعر الإنجليزي الذائع الصيت من امرأة تجيد فن «العكننة»، والمشاكسة، وذات يوم أراد لورد بكنجهام أن يجامله فشبهها بالوردة، فقال الشاعر الأعمى: «ولا أستطيع أن أتبين وجه الشبه من حيث اللون، ولكني أرى أن التشبيه صادق فيما أحسه من أشواكها.» •••
سئلت الكاتبة القديرة ماري كوريلي عن أي النساء جديرة بالاحترام فقالت: «أعتقد أن المرأة الجديرة بالاحترام هي القوية الشخصية، التي تكشف عن عقليتها الجبارة وقوة ذكائها، وليست التي تكشف عن قوة ساقيها، بيد أن الرجال يفضلون الساقين دائما.» •••
كان أديب يلقي محاضرة عن غرور الرجال فقال: إن الرجال أشد غرورا من النساء، فارتفعت أصوات الحاضرين بالاحتجاج، حتى إن الليدي «آستور» وجدت صعوبة بالغة في التغلب على أصوات الاحتجاج فراحت تقول: «يهتم الرجال العاديون بأناقتهم، بينما لا يعير عظماء الرجال ملبسهم اهتماما يذكر، فهنا يجلس رجل عظيم أرى رباط رقبته غير منتظم كما ينبغي.» عند ذلك ارتفعت أيدي الحاضرين جميعا تتحسس أربطة رقبتهم، لتصلح من وضعها! •••
عندما زار أندريه موروا، الكاتب الفرنسي المشهور، الولايات المتحدة الأمريكية من سنوات، ألقى سلسلة من المحاضرات باللغة الفرنسية في أحد أندية السيدات، وسره كثيرا ما لقيه من إقبال السيدات على محاضرته، وانتظام حضورهن، وعنايتهن بتسجيل مذكرات ضافية في دفاترهن.
وذات صباح، أقبلت السيدات على حجرة المحاضرة في الموعد المألوف، متأبطات دفاترهن وأقلامهن، فدهشن حين لم يجدن موروا، ولبثن ساعة ينتظرنه ولكنه لم يحضر، وأخيرا اتصلن بسكرتيره ...
فأجاب السكرتير مذهولا: «إن مسيو موروا لن يحاضر اليوم، وقد وضح ذلك في محاضرته الأخيرة.» •••
زعم الكاتب الفرنسي المشهور بلزاك أنه يستطيع التنبؤ بمستقبل الناس من دراسة خطوطهم، فتقدمت إليه إحدى السيدات بورقة مكتوب عليها عدة أسطر وأخبرته أنها خط صبي في العاشرة من عمره.
تمعن بلزاك في الورقة فترة ثم قال: «سيبقى صاحب هذا الحظ حمارا إلى ما شاء الله.» فضحكت السيدة وقالت له على الفور: «إن هذا الخط، يا أستاذ بلزاك، هو خطك أنت عندما كنت في سن العاشرة.» •••
جلس أحد مؤلفي المسرحيات يقرأ قصة على صاحبة مسرح، ثم التفت إليها فجأة وقال بدون تفكير: «ما عمرك؟»
فنظرت إليه السيدة ببرود وقالت: ولم هذا السؤال؟ فأسرع بالجواب قائلا: «لكي أعلم بالضبط السن التي تبلغ فيها المرأة أقصى درجات الفتنة.» •••
وضعت زوجة أحد الأدباء طفلا، ونشرت الصحف تقريظا عاطرا لكتاب كانت هذه الزوجة قد وضعته، وعندما ذهب الأديب إلى قاعة المحاضرات لإلقاء محاضرة في نفس ذلك اليوم، وجد مكتوبا على السبورة عبارة: «أجمل التهاني»، فظن الأستاذ أن تلاميذه يهنئونه على تقريظ الصحف لكتاب زوجته، بينما كان الطلاب يقصدون المولود الجديد.
فقال في تواضع: «أشكركم يا أولادي، وأؤكد لكم أنها وضعته بغير علمي ودون مساعدتي.»
فدوى البهو بالضحك، فارتبك الأستاذ وأردف قائلا: «ما زلت أؤكد لكم أنه لا علاقة لي به، وإذا كان هناك من ساعدها على وضعه، فهو الأستاذ جونز ...» •••
حدث مرة أن قضى برنارد شو بأن الرجل أصدق من المرأة رأيا، وأعلى، ثم التفت إلى زوجته لتؤيد قوله، فقالت: «لا جدال في ذلك يا عزيزي، ولا أدل على ذلك من أنك اخترتني زوجة، وأنني رضيت بك.» •••
يروى أحد أصدقاء برنارد شو قصة عن سهرة قضاها مع الكاتب وزوجته، فكان شو يسوق النوادر تترى وكانت زوجته تشتغل بحياكة الصوف، فسألها الضيف عما تحيكه، فأجابت هامسة: «لا شيء لا شيء، ولكني سمعت نوادره ألف مرة، فلا بد لي من عمل أؤديه بيدي، وإلا خنقته.» •••
كان جورج برنارد شو يدعو إلى حفلة خيرية، فرأى أن يقوم بما ينتظر منه، فدعا سيدة نبيلة كبيرة السن إلى الرقص، وفي أثناء الرقص سألته، وفي لهجتها مزيج من الدلال والفخر: قل لي يا مستر شو، ما الذي حملك على مراقصة سيدة مسكينة مثلي؟ فجاءها رده في الحال: «أليست هذه حفلة خيرية.» •••
قبل أن يرفع الستار عن مسرحية جديدة، جلست سارة برنار وأعضاء فرقتها وقد علا الوجوم وجوههم في الحجرة الخضراء، ثم إذا بالمارشال فرنسوا كانروبير يدخل عليهم، وكان المارشال بطل فرنسا في حرب القرم، ولم يكد يدخل الحجرة حتى لاحظ الوجوم السائد بين الممثلين، فقال قولا ردت عليه سارة برنار بقولها: «إننا نوشك أن نخوض غمار معركة كبيرة؛ لذا تجدنا خائفين.» فأجاب المارشال متعجبا: «خائفون؟» فقالت سارة: «معذرة يا سيدي المارشال.» ثم نادت على أحد رجال المسرح وقالت: «بيكار، هات قاموسا للمارشال!» •••
في عام 1879 زارت إحدى الصحفيات، توماس إديسون، في معمله، وكانت هذه السيدة في ذلك الوقت قد بدأت تنافس الرجل في العمل الصحفي، وطلبت منه أن يشرح لها اختراعاته لكي تكتبها بأسلوب سهل يفهمه الرجل العادي فأبدى إديسون إعجابه بفكرتها، وأثنى على صحيفتها النشيطة، وأخذ يشرح لها بعض اختراعاته ويقول في تعريف الكهرباء: «الكهرباء تيار، أو سيال، يجري من قطب موجب إلى قطب سالب ... الكهرباء ...» فقاطعته الصحفية قائلة: «ولماذا لا يجري من قطب سالب إلى قطب موجب ... لا ... لا، هذا كلام لا يستسيغه قرائي، بل هو طلاسم.»
فقال لها إديسون: «اذهبي اليوم، وغدا أرسل في طلبك لأشرح لك معنى الكهرباء شرحا سأكتبه بنفسي لك.»
شكرته الصحفية وانصرفت، وفي الصباح جاءته في المعمل بناء على دعوته، فأشار إلى كرسي بعيد وقال: «استريحي على هذا المقعد من عناء الطريق.»
فجلست .. ووضع إديسون يده على ضاغط كهربي، فإذا بالصحفية النشيطة تصرخ، وتنهض منطلقة كالقذيفة وهي تولول ذعرا، ولما عادت إلى وعيها قال لها إديسون: «ألا يمكنك الآن أن تفهمي معنى الكهرباء؟ الكهرباء شيء لا يتحرك، ولكنه يحدث الحركة.»
ففهمت السيدة وأحسنت الكتابة عن الكهرباء، ولكنها لم تعلم أن ذلك الكرسي الكهربي سيلعب أكبر دور في إزهاق أرواح المجرمين والسفاكين، وأن الفضل في اختراعاته راجع إلى مداعبة إديسون الشاذة.
الباب السابع
المرأة في حياة ديوجينيس
ولد ديوجينيس في مدينة سينوبي ببلاد بونطس، عام 412 قبل الميلاد تقريبا، وهو من كبار الفلاسفة الكلبيين، الذين أمضوا شبابهم في التهور والإسراف، فلما ذهب إلى أثينا، جذبته شخصية أنتستينيس، زعيم الفلاسفة الكلبيين، واشتهر صيته بالخشونة والفظاظة، كان يرتدي الملابس الخشنة، ويعيش على أبسط الأطعمة، وينام في الطرقات، كما يفعل المتقشفون.
وهناك رواية تقول إنه كان يعيش في وعاء ضخم «ناجود» يمت إلى معبد الربة كوبيلي، أو محراب أم الآلهة.
وقد أسره بعض القراصنة في أثناء رحلته بحرا إلى أيجينا، وحملوه إلى كريت ليباع هناك في سوق الرقيق، فاشتراه رجل من كورنثة وأعتقه وجعل في عنقه تربية أبنائه.
وإبان إقامته بكورنثة التقى بالإسكندر الأكبر فدار بينهما الحديث الآتي:
الإسكندر :
أنا الإسكندر الأكبر.
الفيلسوف :
وأنا ديوجينيس الكلبي.
الإسكندر :
ألك طلب مني أجيبك إليه؟
الفيلسوف :
نعم، أرجو أن تبتعد عن طريق أشعة الشمس.
ولقد قيل إن الإسكندر أعجب بديوجينيس حتى إنه قال: «لو لم أكن الإسكندر لتمنيت أن أكون ديوجينيس.»
هذا هو الفيلسوف الكبير ديوجينيس، الذي سنحاول في هذا الباب، أن نسرد بعض طرائفه عن المرأة، وكلها جدير بالتسجيل.
رأى ديوجينيس سيدة تجلد وتستغيث به فقال: «ما تهرب منه أنفع لها مما تستغيث إليه.» •••
رأى ديوجينيس قوما يدفنون امرأة، فقال: «نعم الصهر ما صاهرتم.» •••
رأى ديوجينيس امرأة تتعلق بشجرة ثم تختفي فقال: «ليت الشجرة كله زكا هذا الزكا.» •••
رأى ديوجينيس سيدة يجرفها السيل أمامه فقال: «زادته كدرا على كدر، والشر بالشر يهلك.» •••
شاهد ديوجينيس امرأة تحمل نارا فقال: «نار على نار، وحامل شر من محمول.» •••
أبصر ديوجينيس سيدة عوراء تزين نفسها، فقال: «نصف الشر شر أيضا.» •••
نظر ديوجينيس إلى امرأة ببعض المعارك تحب الشراب فقال لها: «ضعوا لها على رأس خابية الشراب قطعة قطن حتى لا تدنو منها.» •••
شاهد ديوجينيس شابا يعظ امرأة رديئة، فقال له: «ماذا تصنع؟» قال: «أعظ هذه السيدة.» فقال: «اغسل حبشيا لعله يبيض.» •••
رأى ديوجينيس سيدة تستشير امرأة أخرى، فقال: «ثعبان يقترض سما من أفعى.» •••
أبصر ديوجينيس امرأة صغيرة القد جميلة الوجه فقال: «خير صغير وشر عظيم.» •••
شاهد ديوجينيس عجوزا تتزين فقال لها: «إن كنت تتزينين للأحياء فما صنعت شيئا، وإن كنت تتزينين للموتى فبادري.» •••
رأي ديوجينيس جارية تتعلم وهي حدثة جميلة، فقال: «سيف يشحذ للشر.» •••
أبصر ديوجينيس رجلا يعلم جارية فقال: «لا تزد الشر شرا.» •••
شاهد ديوجينيس أسود يأكل الجواري فقال: «ليل يأكل النهار.» •••
سئل ديوجينيس وهو خارج من الحمام: أو في الحمام كثير من الرجال يغتسلون؟ فقال: لا، فقيل له: أفيه ازدحام عظيم؟ فقال: نعم. •••
بينما كان ديوجينيس يتنزه ذات يوم رأى محفة جميلة ظريفة بها امرأة فقال: «أيليق أن يكون مثل هذا قفصا لمثل هذا الحيوان القبيح.» •••
أتى رجل إلى ديوجينيس وسأله عن السن التي يستحق الإنسان فيها الزواج، فقال: «ما دام الإنسان صغيرا فإن وقت زواجه لم يحن بعد، ومتى صار كبيرا فقد فات وقته.» •••
عندما رجع ديوجينيس من مدينة إسبرطة إلى أثينا سئل: من أين أتى، فأجاب: «من مدينة الرجال إلى مدينة النساء.»
الباب الثامن
نساء العرب وطرائفهن
تكشف لنا هذه الطرائف جانبا هاما من تفكير نساء العرب وما كن يتصفن به من رجاحة العقل، وسمو الفكرة، وسداد الرأي. •••
تنازع أبو الأسود الدؤلي وزوجته في ابن لهما، فكان كل منهما يقول أنا أولى به آخذه، فقال أبو الأسود: «حملته قبل أن حملته، ووضعته قبل أن وضعته.» فقالت امرأته: «حملته حتفا وحملته ثقلا، ووضعته شهوة ووضعته كرها، وكان حجري فناءه، وبطني وعاءه، وثديي سقاءه.» فدفع الولد إلى أمه. •••
افتقر يحيى بن طلحة بعد ثراء ولم يجد من يعينه وقت شدته، فقالت له امرأته: «أما ترى أصحابك إذا أيسرت لزموك، وإذا أعسرت تركوك؟» فأجابها بقوله: «هذا من كرمهم، يأتوننا في حال القوة منا على الإحسان إليهم، ويتركوننا في الضعف عنهم.» •••
رغب عربي في أن يتزوج سيدة ذكية، وكان مفلسا، فاجتمعا يوما في طريق فرأته يفكر، فقالت له: «لا تفكر، لها مدبر، إذا أجريت العقد وقدمت الصداق، وأركبتني الخيل العتاق، في ليلة ليست بمحاق، فيحصل لنا التلاق، ويكثر بيننا العناق، ويكون لك أخذ الساق، وصلت إلى جزيرة واق واق بلا كلفة ولا مشاق، ولا تعب أو إرهاق.» •••
ولدت أعرابية توأمين متشابهين، فسمت أحدهما خالدا والثاني جابرا، فمات أحدهما في أسبوعه الأول، فبكته وهي تقول: «أبكي لأنه يحزنني ألا أعرف من مات منها، أهو خالد أم جابر؟» فأجاب، زوجها: «إذا فلنبكهما معا!» •••
لما تزوج الحسن بن علي من خولة بنت منظور، أقامت عنده حولا، لا تكتحل ولا تتزين حتى ولدت له ولدا، فدخل عليها وقد تزينت فقال: «ما هذا؟» فأجابت: «خفت أن أتزين وأتصنع فتقول النساء: تجملت فلم تر عنده شيئا، فأما وقد جاء هذا - وأشارت إلى الولد - فلا أبالي.» •••
قال الحجاج لامرأة من الخوارج: «والله لأعذبنكم عذابا ولأحصدنكم حصدا.»
فأجابته: «أنت تحصد والله يزرع، فانظر أين قدرة المخلوق من قدرة الخالق!» •••
مر أحمق على عربية جالسة إلى قبر تبكي، فرق لها قلبه وسألها: من الميت؟
قالت: «زوجي.»
قال: «رحمه الله، وماذا كان عمله؟»
قالت: «حفار قبور.»
فقال: «لا، بل لعنه الله! أما علم أن من حفر لأخيه حفرة وقع فيها؟» •••
سئلت أعرابية متقدمة في السن، وقد احتفظت بنضارة شبابها وروعة جمالها وبهاء منظرها: «أي مواد التجميل تستعملين؟» فأجابت: «أستخدم لشفتي الحق، ولصوتي الصلاة، ولعيني الرحمة والشفقة، وليدي الإحسان، ولقوامي الاستقامة، ولقلبي الحب.» •••
قال ابن السماك لجارية له ، كانت تصغي إلى كلامه: «كيف تجدين كلامي؟»
قالت: «ما أحسنه! إلا أنك تكثر ترداده.»
قال: «إنما أردده ليفهمه من لم يفهمه.»
قالت: «إلى أن يفهمه من لم يفهمه، مله من قد فهمه.» •••
قال رجل لأعرابية: «أنا والله أحبك غاية الحب.»
قالت: «وما حجتك؟»
قال: «تدفعين لي قفيز دقيق فأعجنه بدمع عيني.»
قالت: «فالخبز لمن؟»
قال: «في حرام عشق لا يساوي أرغفة.»
فضحكت منه وواصلته. •••
سأل سائل رجلا تزوج: «كيف المرأة التي تزوجتها؟»
قال: «نصف.» قال: «شر نصفها حصل في يدك.» •••
سئل الأوزاعي في رجل اطلع على امرأته بالزنا.
أيصلح له إمساكها؟ قال: لا يحرم إمساكها.
وقال أبو قلابة إذا اطلع الرجل من امرأته بالزنا أيصلح إمساكها على فاحشة؟ قال: لا بأس أن يضارها ويشق عليها حتى تختلع عنه. •••
زوج حكيم ثلاثة بنين: فلما كان رأس الحول سأل الأول عن امرأته، فقال: هي امرأة من خير النساء إلا أنها خرقاء لا تعمل شيئا، فقال: أنزلها من بني فلان فإن نساءهم صناع لتتعلم، وسأل الثاني فقال: إنها لا تدفع يد لامس، فقال: أنزلها من بني فلان فإن نساءهم عفيفات، وسأل الثالث فقال: سيئة الخلق، فقال: طلقها، فهذا شيء لا حيلة له. •••
وقفت عجوز على قيس بن سعد فقالت: أشكو إليك قلة الجرذان، فقال: ما أحسن هذه الكناية! املئوا بيتها خبزا وسمنا وتمرا. •••
قال رجل لامرأة: إنك قد أخذت بمجامع قلبي، واستوليت على فؤادي وجناني فلست أستحسن سواك، فقالت: إن لي أختا هي أحسن مني، وها هي واقفة خلفي، فالتفت الرجل، فقالت له: «يا كذاب، تدعي هوانا، وفيك فضل لسوانا؟» •••
نظرت السيدة عائشة رضي الله عنها إلى رجل كاد يموت تخافتا، فقالت: «ما لهذا؟» قالوا: «أحد القراء.» فقالت: «كان عمر بن الخطاب سيد القراء، فكان إذا قال أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع.» •••
نظر الحسن إلى صبية في جنازة أبيها تقول: يا أبت! مثل يومك لم أره، فضمها الحسن وقال: أي بنية، وأبوك مثل هذا اليوم لم يره، فبكى الناس. •••
قيل لرجل : أي النساء أشهى؟ قال: التي تخرج من عندها كارها وترجع إليها والها. •••
تزوج شريح امرأة من بني تميم اسمها زينب، فنقم عليها شيئا فضربها، ثم ندم فقال:
رأيت رجالا يضربون نساءهم
فشلت يميني يوم أضرب زينبا
أأضربها من غير ذنب أتت به
فما العدل مني ضرب من ليس مذنبا
فزينب شمس والنساء كواكب
إذا طلعت لم تبق منهن كوكبا •••
دخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ابنته عائشة، فقال: من هذه يا أمير المؤمنين؟ قال: هذه تفاحة القلب، قال: انبذها عنك، قال: ولم؟ قال: لأنهن يلدن الأعداء، ويقربن البعداء، ويورثن الضغائن، فقال: لا تقل ذاك يا عمرو، فوالله ما مرض المرضى، ولا ندب الموتى، ولا أعان على الأحزان مثلهن، وإنك لواجد خالا قد نفعه بنو أخته، فقال عمرو: ما عليك إلا حببتهن إلي. •••
قال قيس: «ما ولدت لي ابنة إلا وأدتها، سوى بنية ولدتها أمها وأنا في سفر، فلما عدت ذكرت لي أنها ولدت ابنة ميتة، فأودعتها أخوالها حتى كبرت، فأدخلتها منزلي متزينة، فاستحسنتها، فقلت: من هذه؟ فقالت: هذه ابنتك وهي التي أخبرتك أنني ولدتها ميتة، فأخذتها ودفنتها حية، وهي تصيح وتقول: «أتتركني هكذا؟» فلم أعرج عليها، قال
صلى الله عليه وسلم : «من لا يرحم لا يرحم».» •••
جيء إلى زياد والي الكوفة بامرأة من الخوارج تسمى الشيماء؛ فقال لها: ما تقولين في أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه؟ قالت: ماذا أقول في رجل أنت خطيئة من خطاياه؟ فقال بعض جلسائه: احرقها بالنار يا أيها الأمير، وقال البعض الآخر: اقطع يديها ورجليها وقال آخرون: اسمل عينيها، فضحكت ملء شدقيها وقالت: عليكم لعنة الله، فقال لها زياد: ممن تضحكين؟ قالت: كان جلساء فرعون خيرا من هؤلاء، فقال لها: ولم؟ قالت: استشارهم في موسى فقالوا أرجه وأخاه، وهؤلاء يقولون: اقطع يديها، ورجليها، واقتلها. فضحك منها وخلى سبيلها. •••
نظر رجل إلى امرأة بالبصرة وكانت نضرة الوجه، فقال: ما رأيت مثل هذه النضارة، وما ذاك إلا من قلة الحزن، فقالت: يا عبد الله إني لفي حزن ما يشاركني فيه أحد، قال: فكيف؟ قالت: إن زوجي ذبح شاة في يوم عيد الأضحى، وكان لي ولدان مليحان يلعبان، فقال أكبرهما للآخر: أتريد أن أريك كيف ذبح أبي الشاة؟ قال: نعم، فأخذه وذبحه، وما شعرنا به إلا متشحطا في دمه، فلما ارتفع الصراخ هرب الغلام، فلجأ إلى جبل فأدركه ذئب فأكله، وخرج أبوه يبحث عنه فمات عطشا من شدة الحر، قالت: فنكبني الدهر، فصرت كما ترى. •••
نزل عبد الله بن جعفر إلى خيمة أعرابية ولها دجاجة وقد دجنت عندها فذبحتها، وجاءت بها إليه وقالت: «يا أبا جعفر، هذه دجاجة لي كنت أدجنها وأعلفها من قوتي، وألمسها في آناء الليل فكأنني ألمس بنتي، فنذرت لله أن أدفنها في أكرم بقعة، فلم أجد تلك البقعة المباركة إلا بطنك، فأردت أن أدفنها فيه.» فضحك عبد الله بن جعفر، وأمر لها بخمسمائة درهم. •••
كانت صدوف امرأة تأبد الكلام وتسجع في المنطق، وكانت واسعة الثراء ذات مال كثير، فأتاها قوم كثير يخطبونها، فردتهم، وكانت تتعنت خطابها في المسألة وتقول: «لا أتزوج إلا من يعلم ما أسأله عنه ويجيبني على حده لا يعدوه.» فلما انتهى إليها حمران بن الأقرع، قام قائما لا يجلس، وكان لا يأتيها خاطب إلا جلس قبل إذنها، فقالت: ما يمنعك من الجلوس؟ قال: حتى يؤذن لي، قالت وهل عليك أمير؟ قال: رب المنزل أحق بفنائه، ورب الماء أحق بسقائه، وكل له ما في وعائه.
فقالت: اجلس، فجلس. قالت له: ما أردت؟
قال: حاجة، ولم آتك لحاجة.
قالت: تسرها أم تعلنها؟
قال: تسر وتعلن.
قالت: فما حاجتك؟
قال: قضاؤها هين، وأمرها بين، وأنت بها أخبر، وبنجمها أبصر.
قالت: فأخبرني بها.
قال: قد عرضت، وإن شئت بينت.
قالت: من أنت؟
قال: أنا بشر ولدت صغيرا، ونشأت كبيرا، ورأيت كثيرا.
قالت: فما اسمك؟
قال: من شاء أحدث اسما، وقال ظلما، ولم يكن الاسم عليه حتما.
قالت: فمن أبوك؟
قال: والدي الذي ولدني، ووالده جدي.
قالت: فما مالك؟
قال: بعضه ورثته، وأكثره اكتسبته.
قالت : فممن أنت؟
قال: من بشر كثير عدده، معروف ولده.
قالت: ما ورثك أبوك؟
قال: حسن الهمم.
قالت: فأين تنزل؟
قال: على بساط واسع، في بلد شاسع، قريبه بعيد، وبعيده قريب.
قالت: فمن قومك؟
قال: الذين أنتمي إليهم، وأجني عليهم، وولدت لديهم.
قالت: فهل لك امرأة؟
قال: لو كانت لي، لم أطلب غيرها، ولم أضيع خيرها؟
قالت: كأنك ليست لك حاجة.
قال: لو لم تكن لي حاجة، لم أنخ ببابك، ولم أتعرض لجوابك، وأتعلق بأسبابك.
قالت: إنك لحمران بن الأقرع الجعدي.
قال: إن ذلك ليقال.
فزوجته نفسها، وفوضت إليه أمرها. •••
قال أنس رضي الله عنه: «كنت عند الحسين عليه السلام، فدخلت عليه جارية بيدها طاقة ريحان فحيته بها فقال لها: أنت حرة لوجه الله تعالى. فقلت: تحييك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها؟ قال: كذا أدبنا الله تعالى فقال:
وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ، وكان أحسن منها عتقها.»
الباب التاسع
طرائف النساء والممثلات
التقت ممثلة بخطيب سابق لها، فقررت أن تتجاهله، فلما قدمته إليها مضيفتها قالت: «إنني آسفة، فلم أكد ألتقط اسمك.» فرد عليها خطيبها: «أعلم ذلك، ولكنك حتما بذلت غاية الجهد.» •••
كان غلام وفتاة صغيرة يسكنان منزلا بجوار محلة للعراة، فوجدا ذات يوم ثقبا في الجدار، فتقدمت الفتاة واسترقت النظر، فسألها الغلام: «أرجال هم أم نساء؟» فأجابته الفتاة: «لست أدري، فليس عليهم ثياب.» •••
في إحدى الحفلات الفخمة بمدينة واشنطن، تحدثت أرملة إلى شاب، وفي خلال الحديث طلبت منه أن يقدر عمرها، فتردد قليلا وأخذ يفكر، فقالت له: «لا بد أن تكون قدرته تقديرا ما.» فأجاب مبتسما: «لقد قدرته على غير وجه واحد، وإنني لحائر بين أن أخفضه عشر سنوات لما أرى من شبابك الناضر، وبين أن أزيده عشر سنوات لما أرى من ذكائك النادر.» •••
روى بلوتارك أن رجلا رومانيا طلق امرأته، فأخذ أصدقاؤه يلومونه على ذلك قائلين: «ألم تكن جميلة؟ ألم تكن عفيفة محصنة؟» فتناول الروماني حذاءه ورفعه أمامهم ليروه وقال: «ألا ترونه حسن المنظر، جيد الصنع ؟ ومع ذلك فلا يدري أحد منكم في أي موضع يضيق ويؤلمني.» •••
كانت مدام دوستايل الفرنسية من أذكى نساء عصرها، ولكنها لم تكن على شيء ما من الحسن، بل كانت دميمة الوجه، وكان كبار زمانها يفدون إلى منزلها للتشاور في شتى الأمور.
وذات يوم دخلت غرفة الاستقبال بمنزل مدام دوستايل سيدة حسناء رائعة الجمال عظيمة الفتنة، فهجر جميع الرجال مدام دوستايل ما عدا واحدا ظل معها، وخفوا لاستقبال السيدة الفاتنة فالتفتت مدام دوستايل إلى الرجل الذي بقي يجالسها وقالت وعلى شفتيها ابتسامة ساخرة: «قل لي بربك أيها الأمير، ولا تخش الصراحة، لو كنت أنا وأنت وهذه الغادة في زورق، وهبت عاصفة هوجاء قلبت الزورق، فأينا تنقذ؟ أتنقذ الحسناء أم تنقذني؟»
فانحنى الأمير وقال: «سيدتي، إنك تحسنين السباحة!» •••
تعرف شاب من سكان الجبال ممثلة فاتنة، وظلا يتبادلان الغرام ويخرجان سويا مدة ليست بقصيرة، إلى أن استوقفه والدها ذات يوم وقال: «لقد مضى عام تقريبا وأنت تخطب ود نلي، فماذا تريد؟ أشريفة نواياك أم غير شريفة؟» فأجاب الشاب مدهوشا: «أتعني يا سيدي أن لي أن أختار؟» •••
في يوم من أيام سبتمبر سنة 1867 كانت مسز هنري ستيفتر - وهي زوجة فلاح من الرواد في براري أريزونا - تطل من نافذة دارها، فرأت شبحا يمر وسط الأعشاب المحيطة بالمنزل، فلم تتردد لحظة، بل أبعدت العجين الذي بين يديها، واختطفت القذافة وصوبتها نحو الشبح، فارتجت الدار ودوى صوت الطلق الناري في الفضاء، وسقط اللص يتخبط في دمائه قتيلا.
كان ذلك الدوي إشارة لبقية اللصوص بالهجوم، وكانوا خمسين من الهنود الحمر، ولم يكن في الدار سوى هذه السيدة وصغارها وشيخ يعاونها في أعمال المزرعة.
وقف الشيخ للدفاع في مقدم الدار، ووقفت هي في المؤخرة، وظلا ست ساعات يردان الهجوم، وسمعت جماعة من الرعاة صوت إطلاق النار، فامتطوا جيادهم وأقبلوا يبذلون معونتهم لتلك السيدة ففر اللصوص.
وبعد انتهاء المعركة دنا شيخ الرعاة من السيدة وسألها أين زوجها، فأخبرته أنه ذهب إلى المدينة لشأن من شئونه، فقال لها إنه ذاهب إلى المدينة، فإن كان لديها رسالة لزوجها، حملها إليه بكل سرور، فكتبت إلى زوجها الرسالة التالية: «عزيزي هنري، جاء اللصوص وكاد رشي ينفد، فأرسل لي مقدارا آخر منه.»
أصيبت فتاة في حداثة سنها بشلل الأطفال، وكانت الإصابة بالغة، حاول أحد أصدقائها أن يهون عليها الأمر فقال: «إن المحنة تلون الحياة.» فردت عليه من فورها قائلة: «وأنا أنوي أن أختار اللون.» •••
كانت إحدى الممثلات تؤدى الشهادة أمام محكمة نيويورك، فاحتال محامي الخصم في أن يلغي شهادتها، بأن يثبت أنها تكذب دائما في ذكر سنها، وكانت في الحلقة السادسة من العمر، ولكنها كانت تتظاهر بأنها في الأربعين.
فسألها المحامي: ما سنك؟
قالت بلا تردد: لا أعلم.
قال: ماذا؟ ألا تعلمين؟
قالت: كلا، لم يكن لي قط شهادة ميلاد، ولم أراجع مطلقا تاريخ ميلادي في سجل المواليد.
فاعترض بلطف: «ولكن يا آنسة، لا بد أن يكون والداك قد أخبراك بعمرك، فمتى ولدت على حد قولهما؟»
فأجابت بثبات: «هذه روايات سماعية لا يعتمد عليها، وأنا واثقة من أنك لا تستطيع إرغامي على ذكر هذه الرواية.»
كانت الممثلة المسرحية روث جوردن تصف مسرحية جديدة للمؤلف المخرج جورج كاوفمان فقالت: «ليس فيها مناظر على الإطلاق، ففي المشهد الأول أكون على يسار المسرح، وعلى النظارة أن يتصوروا أني أتناول العشاء في مطعم، ثم أغدو في المشهد الثاني على يمين المسرح، وعلى النظارة أن يتصوروا أنني في حجرتي الخاصة بالاستقبال.» فقال كاوفمان: «وفي الليلة التالية، عليك أن تتصوري أن هناك نظارة.» •••
في إحدى ليالي الصيف الشديدة الحرارة، خرجت ثلاث فتيات من هوليود طلبا للنزهة، فجلسن على حافة بحيرة، ولما كان الليل جميلا وقد خيم السكون على الكون، وأرسل القمر أشعته الفضية، فقد أغرى كل ذلك إحداهن لتستحم، وما إن خلعت ملابسها وهمت بالنزول إلى الماء عارية، حتى برز لها شرطي وصاح قائلا: «الاستحمام في هذا المكان ممنوع.» فبهتت الفتاة وارتبكت، وأخفت نفسها خلف الأدغال ثم صاحت في الشرطي بقولها: «لماذا لم تقل لي ذلك قبل أن أخلع ملابسي؟» فأجابها : «ولكن خلع الملابس ليس ممنوعا.» •••
قالت إحدى الحسان لبائع الكتب في المحطة، قبل أن تأخذ مقعدها في القطار: «أريد كتابا جيدا، يسترعي نظر جندي إلي!» •••
تحدثت إحدى العاملات إلى زميلتها فقالت: «لقد دبرت أمر العالم بعد الحرب تدبيرا دقيقا، فعندما يصل الشاب الذي سيحل محلي، أتزوجه.» •••
دعيت سيدة لتلقي بشهادة أمام القضاء، وكانت على شيء غير يسير من الفتنة والحسن، مع أنها قد جاوزت سن الشباب، فنظر إليها القاضي الكريم الأخلاق وقال: «دعوها تبدأ بذكر عمرها أولا، ثم تحلف اليمين.» •••
رأت مدرسة وجها مألوفا في سيارة مزدحمة بالركاب، فابتسمت لصاحبه، فنظر إليها الرجل مشدوها، فلم يكن منها إلا أن زادت الموقف حرجا بقولها: «لا تؤاخذني، فقد ظننتك أبا أحد أولادي.» •••
كانت الممثلة السينمائية الذائعة الصيت «ميرل أوبيرون» تزور الجرحى في أحد مستشفيات لندن فسألت أحدهم: «هل قتلت نازيا؟» فرد عليها بالإيجاب، فقالت: «وبأي يد قتلته؟» فرفع يمناه، فانثنت عليها ميرل وقبلتها، ثم انتقلت إلى جاره وسألته نفس السؤال الأول، فأجاب على الفور: «حتما، وقد عضضته حتى مات.» •••
حاصر الإسكندر إحدى المدن، فتأهبت النساء لمقاتلته، فكف عن الحرب وقال: «هذا جيش إن غلبناه لم يكن لنا فيه فخر، وإن غلبنا لحقنا العار إلى آخر الدهر.» •••
قالت امرأة لسقراط: «ما أقبحك!» فأجابها: «لولا أنك من المرايا الصدية، لجذبتني صورتي فيك.» •••
قال فلطين «ضحاك الإسكندر» للإسكندر: «مررت بمصور يحمل صورة سيدة كثيرة الجواهر والحلي، فسألته عن سر ذلك فقال: لم أستطع تصويرها جميلة فجعلتها غنية.» •••
كان لا يهدأ بال إحدى السيدات، حتى تقص أحلامها على جاراتها وتبالغ فيها لتطيل الحديث، فبينما هي تتلو حلما على جارة لها، إذ قاطعتها الجارة قائلة: «لعلك رأيت هذا الحلم وأنت نائمة.» فأجابتها على الفور: «كلا، فلقد رأيته وأنا متيقظة كما أنا متيقظة الآن.» •••
وقفت غادتان باريسيتان تتفرجان على لوحات في معرض، فاسترعى انتباه إحداهما أن هناك صورة سيدة عارية تشبه زميلتها تمام الشبه، فنظرت إليها وقالت: «عزيزتي أميليا، لم أعرف أنك وقفت أمام رسام ليرسمك.» فردت عليها الأخرى بقولها: «هذا صحيح، ولكن هذه الصورة رسمت من الذاكرة.» •••
روي عن المستر لويد جورج الوزير البريطاني المعروف أنه كان يخطب ذات مرة في مجلس العموم عن حرية المرأة وعن القوانين الخاصة بالنساء، ويظهر أنه حمل على حقوق المرأة حملة شعواء، فصاحت إحدى الحاضرات قائلة له: «لو كنت زوجي لسممتك.» التفت إليها وقال على الفور: «ولو كنت زوجتي لشربت السم.»
الباب العاشر
هل تعلم عن المرأة؟
أن سيدة فرنسية توفيت عن ثروة واسعة، وقد أوصت بها كلها لكلبها الجميل، وجاء في الوصية أنها لا تسمح لكلبها بأن يتزوج كلبة من غير جنسه ونوعه، على أن يكون شعرها أسود حالكا؟
ومن يدري؟ فلعل القائمين على تنفيذ هذه الوصية يجدون البحث عن العروس المنشودة، فلا يجدونها؟ •••
أن الآنسة هليدا جراهام، وهي فتاة حسناء في السابعة والعشرين من عمرها، أصيبت في حادث سيارة، وكانت إصابتها بالغة، فلما رأت أنها في الخطر ومشرفة على الموت، أوصت ألا تكفن بالطريقة المعتادة أو في «فستان»، بل في «بيجاما» حريرية حمراء ذات أطراف زرقاء، وقد دعاها إلى هذه الوصية الغريبة، اعتقادها الراسخ في البعث، وإنه ليخجلها أن تبعث من قبرها يوم الحشر وهي نصف عارية؟ •••
وما يشبه ذلك، أن سيدة في نيويورك، أوصت قبل وفاتها، بأن تدفن في تابوت لا يغلق عليها بابه، بل يصنع بطريقة تجعل فتحه سهلا عليها من الداخل يوم البعث، على أن يكون التابوت من خشب الصنوبر، وألا يثبت في أرض القبر بالسمنت أو نحوه؟ •••
أنه قد توفيت السيدة كاتي في مدينة بوسطن، من أعمال ولاية بنسلفانيا بأمريكا الشمالية، وقد بلغت المائة عام تماما؟ والعجيب في الأمر، أنها لم تركب في حياتها سيارة ولا تراما قط، ورغم ثرائها العريض، فإنها لم تدخل الكهرباء في منزلها! •••
أن بأمريكا سيدة استطاعت أن تدرب قطة يتيمة على أن تمسك بزجاجة اللبن (البزازة) بين يديها وترضع منها؟ •••
أنه كان في برلين سيدة تدعى فراو ورث، وكانت تملك عمارة ضخمة، لم تجمع أجورا من سكانها لمدة عشرين سنة ؟ •••
أنه قد بلغ من ترف الملوك، أن إحدى الملكات ارتدت ذات يوم ثوبا بلغ ثمنه مليونين من الجنيهات، وعقدا من اللؤلؤ قدرت قيمته بنيف وثلاثة ملايين جنيه؟ •••
أن ماري تريزا، إمبراطورة النمسا، أنجبت ستة عشر مولودا كان منهم إمبراطوران، وثلاث ملكات؟ •••
أن إحدى الأثينيات، وتدعى ليوني، قطعت لسانها كيلا تفشي سر مؤامرة، فأقام الأثينيون تمثالا تكريما لها، وكان على هيئة لبؤة بدون لسان؟ •••
أن الأمريكيات ينفقن سنويا ما يقرب من 365 مليونا من الدولارات على الكريمات والمساحيق وأصباغ التبرج (التواليت)، وحدها، خلاف ما ينفق على الملابس والحلي وسائر مقومات الجمال؟ •••
أن الأمريكيات يستهلكن سنويا 2375 طنا من «الأحمر»، و3650 طنا من «الكريم»، وما يزيد على هذا المقدار من طلاءات «التواليت»، عدا 6500 طن من المساحيق «البودرة»؟ •••
أنه يوم تتويج كاترين قيصرة روسيا، وفي عام 1724 ميلاديا، أهديت إليها ساعة في غاية الروعة، لها وجهان يدل أحدهما على الوقت، ويمثل الثاني حادثة دفن السيد المسيح، وقيامه من بين الأموات، يظهر فيه القبر وحوله الحرس الروماني، وتتدحرج حجارة القبر، فيطأطئ الحراس رءوسهم، ثم تظهر الملائكة في السماء، فتعزف آلة موسيقية، داخل الساعة، لحنا شجيا، يرتله الشعب الروسي في كنائسهم؟ •••
أن بوني باركر، إحدى رئيسات العصابات في مدينة شيكاغو، كانت تتزعم عصابة من اثني عشر رجلا تمكنت من السطو على أكثر من خمسمائة من المصارف المالية؟ وأنها كانت تدخن لفائف التبغ المحشوة بمادة مخدرة تسمى «الماريهوايا» وتترك أعقابها مصبوغة بأحمر الشفاه ليجمعها البوليس، وأنها كانت تهوى أن تصور جالسة فوق مقدم سيارتها ذات الزجاج الذي لا ينفذ منه الرصاص، وتحمل في ملابسها ستة مسدسات وتترك هذه الصورة للبوليس؟ وأن البوليس الأمريكي بعد أن أعياه البحث عنها استطاع القبض عليها بواسطة إحدى العصابات المنافسة لها؟ •••
أن لويس سبرنجر، النشالة البارعة بشيكاغو اعترفت بأنها زارت ستة أطباء أسنان في يوم واحد، ونشلت من جيوبهم ما يزيد على ألفي دولار أثناء فحصهم لأسنانها الجميلة؟ •••
أن نساء إحدى قبائل التركستان الصينية تلف كل امرأة منها فكها برباط، لأن ملكهن منذ 350 سنة كان قد أصيب بألم حاد في أسنانه اضطر معه لأن يربط فكيه، فجرى ذلك تقليدا ثم عادة؟ •••
أن أحد طوابع البريد البرتغالي يحمل صورة امرأة قاتلة؟ وسبب وضع صورتها على الطابع هو أنها قتلت في آخر حياتها سبعة من الإسبانيين - أعداء البرتغاليين في ذلك الحين - بواسطة مجرفة الفرن في بيتها. •••
أن متوسط عمر المرأة منذ ولادتها يبلغ الآن 69 سنة؟ وأنها أطول عمرا من مثيلتها منذ 50 سنة بثمانية عشر عاما؟ •••
أن نساء اليوم أقل تمسكا بقواعد الأخلاق؟ ففي استفتاء حديث، وجه هذا السؤال إلى كثير منهن: «ما رأيك في تمسك السيدات بالفضيلة في السنوات العشر الأخيرة؟ هل هن أشد تمسكا، أو أقل تعلقا بها، كما كن من قبل؟»
فأجاب 11,1٪ ممن أجبن عن السؤال بأنهن أشد تمسكا عما قبل، و51,4٪ بأنهن أقل تعلقا بها، و5,2٪، بأنهن لا يعرفن. •••
أنه قد ظهر من بحث تم في سنة 1928 أن المرأة في رياستها أشد اهتماما من الرجل بالمسائل الشخصية، وأقل منه قبولا للنقد، وأن بعضهن يغار من البعض الآخر، وقلما ينسجمن في العمل مع سيدات أخريات، وأن العدل ليس له أية قيمة عندهن؟ •••
أن مدام كوري كانت قد حذفت الحب والزواج من برنامج حياتها وقد استولى عليها حب العلم، فبقيت متمسكة تمسكا شديدا باستقلالها، حتى بلغت السادسة والعشرين؟ •••
أن اليابانيين يسمحون للأمهات برعاية أولادهن حتى يبلغوا الثانية عشرة من عمرهم، غير أنه منذ الساعة التي يدرك فيها الولد سن البلوغ، لا يعود للأم شأن في حياته؟ •••
أن الملكة أليصابات التي اشتهرت بالتغلب على عواطفها وعدم إطلاقها العنان لنفسها أن تنساق في الأحزان، عندما بلغها نبأ وفاة صديقها أوف ليستر، لم تقو على الصبر والتجلد، فافترشت الأرض وانخرطت في البكاء ساعات طويلة كما يبكي الأطفال؟ •••
أن السيدة «مارتا بنسي» التي كانت تبلغ من العمر أربعة وثمانين عاما، سقطت من الطابق الثالث الذي يبعد عن سطح الأرض بسبعة أمتار، فأغمي عليها، وعندما جاءت عربة الإسعاف لتنقلها إلى أقرب مستشفى، وقفت على قدميها، ورفضت الركوب رفضا باتا، ثم طلبت قدحا من الشاي؟ •••
أن وزن النساء اليوم، ينقص في جميع الأعمار عما كان بالأمس؟ وأنه قدر متوسط نقص وزن المرأة في فترة عشر سنوات من هذا القرن، فكان النقص 1,4 كيلوجرام؟ •••
أن الصلع لا يصيب النساء قط؟ •••
أن أجمل خصر للسيدات في العقد الأخير من القرن الماضي هو ما كان محيطه 47 سنتيمترا ونصف سنتيمتر، وقلما كان يتهيأ هذا الخصر لسيدة من السيدات إلا باستعمال المشدات، أما المرأة اليوم فقد أصبح منكباها أعرض، وصدرها أكمل نموا، وعضلات بطنها أقوى وأبرز، وساقاها أنحف، وخصرها أقل نحولا ووهنا، وإن كان محيط الردف والذراع قد زاد عن ذي قبل. •••
يصيب الشيب المبكر شعور السيدات المتحضرات قبل اللاتي يعشن في بلاد غير متحضرة. •••
أخشى ما تخشاه المرأة الكبر، لأن السنتين التي تكون فيها صالحة للزواج ثم للحمل، معدودات، تنتهي في نحو الخامسة والأربعين من عمر المرأة، ولما كان الزواج وإنجاب النسل هو أهم ما يعني السيدة في الحياة، كان تقدم العمر مع حرمانها منهما أشق على نفسها من عوادي الدهر. •••
تولد البنت وجسمها في نضج الطفل الذكر الذي أتم قرابة شهر من عمره، تم تظل تسبقه في النمو كلما تقدمت بها السنون، فتصير أكثر نموا بما يوازي ستة أشهر عندما تبلغ الثانية من عمرها، وبما يوازي سنة كاملة وهي في الثانية عشرة. •••
لا يتم نضج النساء جنسيا إلا في الثامنة عشرة من أعمارهن رغم كون أجسامهن أسبق إلى النمو والنضج، ورغم كونهن قد يتزوجن قبل ذلك بعشرة أعوام، ولكن النضج الجنسي عند الرجال لا يتأخر عن السادسة عشرة. •••
تبلغ الفتاة أقصى طولها في الثامنة عشرة من عمرها فلا يزيد طولها بعد ذلك إلا في حالات شاذة تتعلق بصحتها وتكوينها الطبيعي، والشاذ لا حكم له. •••
لا تكتم المرأة سرا إلا في الفترة ما بين العشرين والثلاثين من عمرها، وسبب ذلك واضح جلي، ففي تلك السن لا تكون في حاجة إلى أن تجتذب إليها قلوب السامعين إذ تكون في كامل أنوثتها ورشاقتها وريعان شبابها الفتان، أما قبل العشرين فإنه غالبا ما يتملكها الزهو والحرص على إبراز شخصيتها بأية وسيلة، ويصعب عليها كتمان السر بعد الأربعين زعما منها أن ذلك يزيد قدرها في عيون سامعيها. •••
يميل العلماء المختصون بدراسة طبائع النساء إلى الاعتقاد بأن ملكة الثرثرة تبلغ أعنف درجاتها عند المرأة وهي في زهاء الأربعين من عمرها، ويفسرون ذلك بأنها في تلك السن تشعر بالقلق على جاذبيتها المشرقة على النضوب والأفول، ولذلك تتخذ من الثرثرة والإفراط في الحديث، أداة لتعويض ما فقدته، ووسيلة ترفه بها عن نفسها القلقة. •••
تزداد جرائم الجنس اللطيف يوما بعد يوم، حتى بلغت حدا يثير الاهتمام، وقد دلت الإحصاءات الرسمية الحديثة على أن جرائم السيدات قد زادت بما يعادل 60٪ في السرقات، و10٪، في حوادث القذف، كما تدل هذه الإحصاءات على أن 30٪ من مدمني المخدرات من ذلك الجنس الرشيق.
Page inconnue