حال مضيه ، ولطف لبقاء كثير من شيعته وأهله وولده. ودفع فساد في الدين أعظم من الفساد الذي حصل عند هدنته. وكان (عليه السلام) عالما بما صنع ، ولكن الله تعالى تعبده بذلك (1).
ويقول العلامة الحلي في جواب من سأله عن تعريض أمير المؤمنين نفسه للقتل : بأنه يحتمل أن يكون قد اخبر بوقوع القتل في تلك الليلة وفي أي مكان يقتل ، وأن تكليفه مغاير لتكليفنا ، فجاز أن يكون بذل مهجته في ذات الله واجبا ، كما يجب الثبات على المجاهد وإن كان ثباته يفضي إلى القتل (2).
ويقول الشيخ الجليل يوسف البحراني : إن رضاهم بما ينزل بهم من القتل بالسيف أو السم ، وكذا ما يقع بهم من الهوان على أيدي أعدائهم الظالمين ، مع كونهم عالمين قادرين على دفعه ، إنما هو لما علموه من كونه مرضيا له سبحانه وتعالى ، ومختارا بالنسبة إليهم ، وموجبا للقرب من حضرة قدسه. فلا يكون من قبيل الإلقاء باليد إلى التهلكة الذي حرمته الآية ، إذ هو ما اقترن بالنهي من الشارع نهي تحريم ، وهذا مما علم رضاه به واختياره له ، فهو على النقيض من ذلك. إلا أنه ربما ينزل بهم شيء من تلك المحذورات قبل الوقت المعدود والأجل المحدود ، فلا يصل إليهم منه شيء من الضر ولا يتعقبه المحذور والخطر. فربما امتنعوا منه ظاهرا ، وربما احتجبوا منه باطنا ، وربما دعوا الله في رفعه عنهم حيث علموا أنه غير مراد الله سبحانه في حقهم ولا مقدر عليهم حتما. وبالجملة : أنهم (عليهم السلام) يدورون مدار ما علموه من الأقضية والأقدار ، وما اختاره لهم القادر القهار المختار (3). وعلى هذا مشى العلامة المجلسي والمحقق الكركي والحسن بن سليمان الحلي من تلامذة الشهيد الأول وغيرهم.
* علم الحسين بالشهادة
لقد تجلى بما بيناه تحبيذ العقل والشرع الإقدام على الهلكة إذا تحققت هناك مصلحة تقاوم مفسدة الهلكة ؛ من إبقاء دين وشريعة أو إبراز حقيقة لا تظهر إلا به
Page 63