تسمعوا قولي أهدكم إلى سبيل الرشاد».
فسلم المنذر بن الجارود العبدي رسول الحسين إلى ابن زياد فصلبه عشية الليلة التي خرج في صبيحتها إلى الكوفة ؛ ليسبق الحسين إليها (1). وكانت ابنة المنذر ، بحرية زوجة ابن زياد فزعم أن يكون الرسول دسيسا من ابن زياد ، فأما الأحنف فإنه كتب إلى الحسين (ع): أما بعد ، فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون (2).
وأما يزيد بن مسعود (3) فإنه جمع بني تميم وبني حنظلة وبني سعد ، فلما حضروا قال : يا بني تميم كيف ترون موضعي فيكم وحسبي منكم؟ قالوا : بخ بخ! أنت والله فقرة الظهر ورأس الفخر ، حللت في الشرف وسطا وتقدمت فيه فرطا ، قال : فإني قد جمعتكم لأمر أريد أن اشاوركم فيه وأستعين بكم عليه ، فقالوا : إنا والله نمنحك النصيحة ، ونجد لك الرأي ، فقل حتى نسمع.
فقال : إن معاوية مات فأهون به والله هالكا ومفقودا ، إلا وأنه قد انكسر باب الجور والإثم ، وتضعضعت أركان الظلم ، وكان قد أحدث بيعة عقد بها أمرا ظن أنه قد أحكمه ، وهيهات الذي أراد اجتهد والله ففشل ، وشاور فخذل ، وقد قام يزيد شارب الخمور ورأس الفجور يدعي الخلافة على المسلمين ، ويتأمر عليهم بغير رضى منهم مع قصر حلم وقلة علم ، لا يعرف من الحق موطأ قدميه ، فاقسم بالله قسما مبرورا لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين ، وهذا الحسين بن علي وابن رسول الله (ص) ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف ، وهو أولى بهذا الأمر ؛ لسابقته وسنه وقدمه وقرابته ، يعطف على الصغير ويحسن إلى الكبير ، فأكرم به راعي رعية وإمام قوم وجبت لله به الحجة ، وبلغت به الموعظة ، فلا تعشوا عن نور الحق ، ولا تسكعوا في وهد الباطل ، فقد كان
Page 142