المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية
المشهور بـ «شرح الشواهد الكبرى»
تأليف
بدر الدين محمود بن أحمد بن موسى العيني (المتوفى سنة ٨٥٥ هـ)
تحقيق
أ. د. علي محمد فاخر
الأستاذ بكلية اللغة العربية بالمنصورة - جامعة الأزهر
أ. د. أحمد محمد توفيق السوداني
الأستاذ المساعد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنين بالشرقية - جامعة الأزهر
د. عبد العزيز محمد فاخر
الأستاذ المساعد بكلية اللغة العربية بجامعة الملك فيصل بتشاد
[المجلد الأول]
Page inconnue
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 / 2
المقَاصِدُ النَّحوِيَّة في شَرْح شَوَاهِدِ شُرُوْحِ الألفيَّةِ
المَشْهُور بِـ «شَرْح الشَّوَاهِدِ الكُبْرَى»
1 / 3
كَافةُ حُقُوق الطّبع والنشر والترجَمَة محفوُظَة
للناشِر
دَار السّلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
لصَاحِبهَا
عبد الْقَادِر مَحْمُود البكار
الطَّبعَة الأولى
١٤٣١ هـ - ٢٠١٠ م
بطاقة فهرسة
فهرسة أثْنَاء النشر إعداد الْهَيْئَة المصرية الْعَامَّة لدار الْكتب والوثائق القومية - إدارة الشؤون الفنية
بدر الدّين الْعَيْنِيّ، مَحْمُود بن أَحْمد بن مُوسَى، ١٣٦١ - ١٤٥١.
الْمَقَاصِد النحوية فِي شرح شَوَاهِد شُرُوح الألفية، الْمَشْهُور، بشرح الشواهد الْكُبْرَى / تأليف بدر الدّين مَحْمُود بن أَحْمد بن مُوسَى الْعَيْنِيّ؛ تَحْقِيق عَليّ مُحَمَّد فاخر، أَحْمد مُحَمَّد توفيق السوداني، عبد الْعَزِيز مُحَمَّد فاخر - ط ١، الْقَاهِرَة: دَار السَّلَام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، ٢٠١٠ م.
٤ مج فِي ١؛ ٢٤ سم.
ددد قمت بتغيير تدمك إلى "ردمك" في بيانات الناشر في الـ ٤ أجزاء ددد
ردمك ١ - ٩٣٣ - ٣٤٢ - ٩٧٧ - ٩٧٨
١ - اللُّغَة الْعَرَبيَّة - النَّحْو.
أ- فاخر، عَليّ مُحَمَّد (مُحَقّق).
ب- السوداني، أَحْمد مُحَمَّد توفيق (مُحَقّق).
جـ- فاخر، عبد الْعَزِيز مُحَمَّد (مُحَقّق).
د- العنوان
دَار السَّلَام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة ش. م. م
تأسست الدَّار عَام ١٩٧٣ م وحصلت على جَائِزَة أفضل ناشر للتراث لثَلَاثَة أَعْوَام متتالية ١٩٩٩ م، ٢٠٠٠ م، ٢٠٠١ م هِيَ عمر الْجَائِزَة تتويجًا لعقد ثَالِث مضى فِي صناعَة النشر
جمهورة مصر الْعَرَبيَّة - الْقَاهِرَة - الْإسْكَنْدَريَّة
الإدارة: الْقَاهِرَة: ١٩ شَارِع عمر لطفي موازٍ لشارع عَبَّاس العقاد خلف مكتب مصر للطيران عِنْد الحديقة الدولية وأمام مَسْجِد الشَّهِيد عَمْرو الشربيني - مَدِينَة نصر
هَاتِف: ٢٢٧٠٤٢٨٠ - ٢٢٧٤١٥٧٨ (٢٠٢ +) فاكس: ٢٢٧٤١٧٥٠ (٢٠٢ +)
المكتبة: فرع الْأَزْهَر: ١٢٠ شَارِع الْأَزْهَر الرئيسي - هَاتِف: ٢٥٩٣٢٨٢٠ (٢٠٢ +)
المكتبة: فرع مَدِينَة نصر: ١ شَارِع الْحسن بن عَليّ متفرع من شَارِع عَليّ أَمِين امتداد شَارِع مصطفى النّحاس - مَدِينَة نصر - هَاتِف: ٢٤٠٥٤٦٤٢ (٢٠٢ +)
المكتبة: فرع الْإسْكَنْدَريَّة: ١٢٧ شَارِع الْإِسْكَنْدَر الْأَكْبَر - الشاطبي بجوار جمعية الشبَّان الْمُسلمين هَاتِف: ٥٩٣٢٢٠٥ فاكس: ٥٩٣٢٢٠٤ (٢٠٣ +)
بريديًّا: الْقَاهِرَة: ص. ب: ١٦١ الغورية - الرَّمْز البريدي: ١١٦٣٩
الْبَرِيد الإلكتروني: [email protected]
موقعنا على الإنترنت: www.dar-alsalam.com
1 / 4
مُقَدَّمةُ التحْقِيق
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، محمد الهادي الأمين ابن عبد الله ﷺ وعلى آله وأصحابه الأنصار المهاجرين، ومَن جاء بعدهم من التابعين، ومَن سار على نهجهم، واتبع رشدهم إلى يوم الدين، فرضي اللَّه عنهم أجمعين.
أما بعد:
فهذا عمل تعاون عليه ثلاثة من علماء النحو، استمروا يعملون فيه طوال ست سنوات ليلًا ونهارًا، صيفًا وشتاءً، يعملون فيه بإخلاص وبلا كلال، كل واحد يحث الآخر على الإنجاز والإتقان متحليًا بالصبر والتفاني والإحسان، إن قصر واحد في أمر أكمله الآخر، أو نَسِي واحد شيئًا تداركه وقام به الآخر، حتى خرج العمل والجميع راضٍ عنه، وشاهد له بالتمام والكمال.
والقصة من أولها أن كتاب "المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية" للإمام بدر الدين محمود بن أحمد بن موسى المصري الإقامة والوفاة، والشهير بالعيني نسبة إلى البلدة التي ولد فيها، وهي: عنيتاب (١) بالشام (٧٦٢ - ٨٥٥ هـ) رأيناه كتابًا لا يستغني عنه أحد ممن يشتغل بالنحو معلمًا أو متعلمًا، رأينا كذلك ونحن ندرس هذا العلم طوال ثلاثين عامًا؛ لأن النحو هو الشواهد، وهو التطبيق على كلام العرب، والكتاب المذكور يشرح تلك الشواهد، فيذكر قائليها، ويترجم لهم، ويشرح مفردات الشواهد، ويوضح معناها، ويعربها إعرابًا كاملًا، ويبين وجه الاستشهاد بها، وكلها أمور عظيمة، وأهداف جليلة، ومقاصد مهمة لطالب العلم عامة، وراغب في النحو خاصة، وقد فعل ذلك في عدد كبير من أبيات الشواهد بلغ ألفًا وثلاثمائة وثمانين شاهدًا، وهي في الأكم الأغلب من أكثر شواهد النحو والصرف، جمعها الشارح من شروح الألفية الأربعة المشهورة التي كان بعضها أقدم شرحًا، وبعضها أغزره، وبعضها أقصره، وبعضها لين هذا وذاك، وهي على الترتيب المذكور كالآتي:
١ - شرح ابن الناظم (٦٨٦ هـ).
٢ - المرادي (٧٤٩ هـ).
_________
(١) بعد سؤال أهل الشام من الزملاء الكرام ممن يحملون في جامعة الجوف بالمملكة العربية السعودية، أقر أحدهم أنها تسمى: "عين تاب".
1 / 9
٣ - ابن هشام (٧٦١ هـ).
٤ - ابن عقيل (٧٦٩ هـ).
ولم يقتصر الشارح على سرد الشواهد والحديث عنها فقط، بل كان يسرد في كثير منها عددًا من أييات القصيدة التي منها الشاهد، ويشرح تلك الأبيات، ويذكر سبب تأليف القصيدة، وشيئًا عن حياة الشاعر مما يتصل بشعره وقصيدته وبيته، كل هذه المعاني وغيرها نبهتنا إلى أهمية الكتاب الذكور، وإلى تحقيقه، وإخراجه إلى الناس، وطلاب العلم؛ ذلك لأن الكتاب قد طُبع قديمًا قبل (أكثر من مائة عام في مطبعة بولاق) وكأنه لم يطبع؛ حيث طُبع على هامش كتاب خزانة الأدب للبغدادي، وكانت طباعته غير جيدة، وغير مقصودة، أما كونها غير مقصودة؛ فلأن الكتاب الأصلي المقصود بالطباعة كان في الخزانة، وأما كونها غير جيدة؛ فلأنها خلت من الشكل والضبط، ومن التنظيم والترتيب، ومن الفهارس والمفاتيح.
لم تزد طبعة بولاق عن سرد الشواهد وشرح العيني لها والتعليق عليها، ولم تفترق عن النسخ المخطوطة للكتاب في شيء، وكان البحث في هذه النسخة صعبًا، والرجوع إليها والوقوف على بيت منها أمرًا عسيرًا مع أهمية الكتاب وشدة الحاجة إليه، فهو أقدم كتاب يشرح الشواهد بهذا التفصيل والتطويل.
عرفنا الكتاب وأهميته قديمًا وحديثًا فحملناه في صدورنا لننظر فسحة من الوقت، وسماحة من الأيام، وخلوًّا من المشاغل والأعمال؛ لنحقق الكتاب، ونخرجه للناس سهلًا ميسرًا محققًا موثقًا، ينتفعون به ويستفيدون منه.
فلما تم ذلك لنا، وسمح الزمن البخيل بالوقت بحثنا عن نسخ الكتاب المخطوطة مع النسخة الأصلية المطبوعة على هامش الخزانة، فوجدنا نسختين كاملتين صحيحتين واضحتين، إحداهما في جزء كبير، والثانية في جزأين، وبدأنا العمل واقتسمناه؛ لينجز كل واحد منا ما أسند إليه من تحقيق وتدقيق ومقارنة وتوثيق، ورجوعًا بكلام العيني كله إلى مصادره الأصلية من كتب اللغة والنحو والأدب والتاريخ، واتفقنا على منهج واحد؛ ليكون الكتاب كله كأن محققه واحد، وافترقنا وكل يعمل في ناحية، وفي جهة من الأرض نائية، وكنا نجتمع بين الحين والحين؛ ليعرض كل واحد عمله على الآخر، ويطمئن كل واحد على إنجاز الثاني، حتى خرج الكتاب بعد ست سنوات على ما نحبه ونرضاه، ويحبه طلاب العلم، ويرضى عنه اللَّه ورسوله والناس.
لم يكن الزمن يهمنا، ولم يكن إخراج الكتاب سريعًا هدفنا، بل كان الذي نقصد إليه ونرغب فيه العمل الجيد، والتحقيق المتقن، والتوثيق الصحيح، وتواصينا بالصبر، وأن كتاب المرء عقله، ونحن سنعرض عقولنا على علماء في اللغة متخصصين، فهذا واحد في اللغة وأصولها،
1 / 10
وذاك آخر في الأدب والنقد، ثم ثالث في النحو والإعراب، ورابع في السير والتراجم والتاريخ.
حققنا الكتاب تحقيقًا صحيحًا بالرجوع بكل آية قرآنية إلى سورتها وآيتها، وكل بيت من الشواهد -أو الأبيات التي كانت تأتي عرضًا- إلى قصيدته التي هو منها، وكل قصيدة إلى ديوان قائلها، أو المجموعات الشعرية التي هو منها، وزدنا ما نقصه أو تركه العيني من ذكر مناسبة للبيت أو القصيدة، ومن فوائد عثرنا عليها في الديوان؛ كما وضحنا قاعدة نحوية، أو فسرنا كلمة لغوية.
حققنا الكتاب تحقيقًا صحيحًا بتوثيق كل رأي ذكره العيني بإسناده إلى صاحبه، وإلى الكتاب الذي أُخذ منه ونُقل عنه، وبذلنا في ذلك أقصى ما يمكن بذله؛ لنتأكد من صحة الكلام والعدالة في الأحكام، وذيلنا كل استشهاد بتلخيص للمسألة، ليخرج القارئ فاهمًا للقواعد ومطبقًا على الشواهد.
وخرج الكتاب -كما يرى القارئ- في صورة جيدة، وطبعة عظيمة، وإخراج صحيح، خرج الكتاب في أربعة أجزاء كبيرة اشتمل كل جزء على عدة أبواب، وآثرنا أن تكون هي أبواب نسخة الخزانة، وإن كان ذلك لا يهم كثيرًا؛ لكن هكذا رأينا.
وزاد الجزء الأول، وهو عبارة عن دراسة عامة عن الكتاب المحقق؛ كما زاد الجزء الرابع -أيضًا- ما يقرب من مائة صفحة في آخره، كانت فهارس مختلفة له، رأينا ذلك ليكون العمل صحيحًا، والكتاب مفيدًا، والانتفاع به عظيمًا.
اشتمل الجزء الأول على ثمانية أبواب كبيرة؛ هي: شواهد الكلام، والمعرب والمبني، شواهد النكرة والمعرفة، والعلم، وأسماء الإشارة، والموصول، والمعرف بأل، وشواهد الابتداء.
واشتمل الجزء الثاني على ثمانية أبواب أخرى كانت كالآتي: شواهد كان وأخواتها، وشواهد ما ولا ولات وإن، وشواهد أفعال المقاربة، وإن وأخوتها، ولا التي لنفي الجنس، وظن وأخواتها، وعلم وأخواتها، ثم شواهد الفاعل ونائبه، وباب الاشتغال، ثم ختم الجزء بشواهد تعدي الفعل ولزومه.
واشتمل الجزء الثالث على عدة أبواب؛ كان أولها: شواهد التنازع، وثانيها: شواهد المفعول المطلق، ثم بقية المفاعيل، ثم شواهد أبواب الاستثناء والحال والتمييز، فشواهد حروف الجر والإضافة، وشواهد إعمال المصدر واسم الفاعل، وأبنية المصادر، والصفة المشبهة، وخُتم الجزء بعد ذلكَ بشواهد باب التعجب.
1 / 11
ثم كان الجزء الرابع والأخير، وكان كثير الأبواب؛ حيث اشتمل على أبواب نحوية كثيرة، وعلى أبواب صرفية أكثر، فبدأ بشواهد نعم وبئس، وختم بشواهد الإدغام، وكان بين هذا وذاك شواهد التفضيل والتوابع والنداء والتحذير والإغراء، ونوني التوكيد، وشواهد ما لا ينصرف، وإعراب الفعل، وعوامل الجزم، ثم شواهد العدد، وجمع التكسير، والنسب، والتصغير، وخُتم الجزء بشواهد الوقف والإمالة والإبدال.
ثم ذيل الجزء الرابع بعدة فهارس مختلفة كثيرة؛ لإيماننا أن الفهارس مفاتيح الكتب، وبخاصة المحقق منها؛ كهذا الكتاب وأمثاله من كتب التراث مما يشتمل على شواهد قرآنية كثيرة، وعلى شواهد شعرية شرحها الشارح، وعلى شواهد أخرى جاءت عرضًا، كما اشتمل الكتاب على مسائل نحوية كثيرة وعلى أعلام مختلفين ترجم لهم العيني، وأعلام آخرين ترجمنا لهم، فكان لا بد من ييان ذلك كله بمفتاح مع القارئ يفتح به مغاليق العلم وكنوز المعرفة، فكان لا بد من تلك الفهارس المفصلة، وإلا كان الكتاب مطبوعًا مثله مخطوطًا.
وأما الدراسة العامة التي قدَّمنا بها وجاءت أول الكتاب فقد كانت مهمة وكانت مطلوبة ليقف القارئ عما في الكتاب عامة قبل أن يأخذ في قراءته، ويعلم بها فوائد كتابه قبل أن يبدأ طريقه ويشرع في رحلته، وقد اشتملت على ثمانية فصول مختلفة.
كان الفصل الأول منها عن: حياة العيني ومؤلفاته في مختلف العلوم من نحو ولغة وفقه وحديث وتاريخ، وختمنا الفصل الأول بشعر للعيني، ثم جاءت بقية الفصول في حديث مفصل عن كتاب: "المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية" المشهور بـ "شرح الشواهد الكبرى".
وكان الفصل الثاني بعنوان: "كتاب المقاصد يحوي علومًا كثيرة" عرضنا فيه نماذج مختلفة جاءت في الكتاب لهذه العلوم، فهذه معارف في علم النحو والصرف والعروض، وتلك أخرى في علم اللغة وتفسير المفردات، وثالثة في البلاغة، ورابعة في التفسير والسير.
وكان الفصل الثالث بعنوان: "كتاب المقاصد يحوي قصائد ومقطوعات كثيرة" عرضنا فيه أمثلة من هذه القصائد والمقطوعات، حيث ذكرنا مطالع ما يقرب من عشرين مقطوعة ذكرها العيني، وكل هذه نماذج وأمثلة، وأما الكتاب فمليء بها.
وأما الفصل الرابع فكان بعنوان: "كتاب المقاصد مصادره وأصوله" حيث بيَّنا الكتب والمصادر التي استقى منها العيني كتابه وتأثر بها، سواء كتب النحو والإعراب، أو كتب اللغة
1 / 12
والمعاجم، أو كتب شرح الشواهد ومجموعات الشعر، أو كتب الأدب والتاريخ والأخبار.
وأما الفصل الخامس فكان بعنوان: "كتاب المقاصد منهجه وطريقته"، وقد وصلنا بهذا المنهج إلى ثلاثة عشر أمرًا من وضع رموز لشروح الألفية الأربعة إلى ذكر الشاهد، وقائله، والاختلاف فيه، والدقة في ذلك، وسرد البحر الذي جاء عليه الشاهد، والقصيدة أو المقطوعة التي جاء منها، ومناسبة ذلك، وشرح المفردات، وبيان الإعراب، وذكر وجه الاستشهاد، وغير ذلك، وختمناه بميول العيني واتجاهه إلى المذهب البصري، فعلنا ذلك ليكون القارئ على بينة من أمره وهو يقرأ الكتاب، فهو يعرف طريقة العيني، ومنهجه في كتابه، فلا يصيبه الملل والسأم.
ثم كان الفصل السادس في الدراسة وكان بعنوان: "تأثر كتاب المقاصد بما سبقه من كتب وتأثيره فيما جاء بعد منها"؛ حيث عرضنا في الأول الكتب السابقة التي تأثر بها واستفاد منها، سواء في ذلك كتب اللغة أو النحو أو الأدب، وعرضنا في الأمر الثاني تأثر البغدادي في كتابيه: خزانة الأدب، وشرح أبيات مغني اللبيب بكتاب المقاصد النحوية للعيني، ومثله فعل السيوطي في كتابه شرح شواهد المغني.
ثم كان الفصل السابع عن نقد كتاب المقاصد، وتقويمه؛ حيث عرضنا كلام العيني ونداءه للقارئ بأن يعفو عما في الكتاب من زلات ويغفر ما فيه من مآخذ وهنات، ثم عرضنا نماذج من محاسن الكتاب بلغت ثمانية، ومثلها أيضًا من مآخذ، كل هذا وغيره عرضناه بأسلوب سهل ميسر وعبارات جزلة قوية، مستشهدين على كل ما نذكره بأمثلة وشواهد من كتاب المقاصد.
ثم ختمنا هذه الدراسة الطويلة بفصل أخير وكان بعنوان: (كتاب المقاصد المخطوط والمطبوع) عرضنا فيه النسخ المخطوطة للكتاب التي عملنا فيها ورجعنا إليها وقارنَّا بعضها ببعض.
ثم عقبنا ذلك بذكر طبعات الكتاب فذكرنا طبعته الأولى وهي طبعة بولاق التي جاءت على هامش كتاب خزانة الأدب للبغدادي، والتي كانت من زمن بعيد؛ لكن تبرز فائدتها بمعرفة الناس بهذا الكتاب، ثم ذكرنا سوءات هذه الطبعة؛ حيث خلت من الشكل والضبط والفهارس المختلفة وغيرها.
ثم كانت طبعته الثانية التي كانت من عام واحد؛ حيث طُبع الكتاب في دار الكتب العلمية، وبينا مزايا تلك الطبعة من الرجوع في تحقيق الشواهد إلى كتب الأدب ودواوين الشعراء، ثم التراجم المختلفة للأعلام الذين جاؤوا في الكتاب، ثم ذكرنا بعض مآخذ هذه الطبعة من خلوها من الدراسة التي تكون في أول الكتب المحققة، وخلوها من الفهارس المفصلة المتنوعة للكتاب؛
1 / 13
كما أن هناك كثيرًا من مسائل النحو وآراء النحويين لم يتيسر للمحقق الرجوع بها إلى مصادرها وكتبها الأصلية، وكذا معالجة بعض القضايا النحوية الغامضة التي جاءت في وجوه الاستشهاد؛ كما أن هناك بعض الأخطاء المطبعية التي كان يجب تداركها والبعد عنها.
وأما تحقيقنا فنرجو أن يكون قد تدارك ذلك كله، وجاء على ما يرضي القارئ لذي طال انتظاره وظمؤه لتحقيق هذا الكتاب العظيم من كتب التراث.
واللهَ نسأل أن يكون عملنا عظيمًا، وقصدنا جليلًا، وأن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه.
إذا لم يكن عَوْنٌ مِنَ الله لِلْفَتَى ... فأولُ ما يجنِي عَلَيهِ اجْتِهَادُهُ
ونختم هذه المقدمة بما قاله العيني في مقدمة كتابه المقاصد؛ إذ يقول: "والمسؤول ممن ينظر فيه أن يصلح ما يحتاج إلى الإصلاح؛ أداءً لحق الأخوة بالنصح والانتصاح، وأن القلم له هفوة، والجواد له كبوة، والإنسان غير معصوم عن الخطأ والنسيان، وهما بالنص عنا مرفوعان، وأن يذكرني بصالح دعواته، عقب صلواته في خلواته، ثم قال: فإني جعلته خالصًا لوجهه الكريم، ابتغاءً لمرضاته وطلبًا لغفرانه العظيم، والأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، ولا يبرز اللسان عن الجنان إلا ما حوى، فها أنا أشرع في المقصود متوكلًا على الملك المعبود" هذا والله أعلم.
تم الانتهاء منه في يوم الأربعاء الثامن عشر من شهر جمادى الأولى من عام: ١٤٢٧ هـ - الموافق الرابع عشر من شهر يونيه لسنة: ٢٠٠٦ م بالرياض عاصمة المملكة العربية السعودية
المحققون
* * *
1 / 14
القسم الأول:
الدراسة
1 / 15
الفَصلُ الأوَّلُ: كتاب المقاصد (حياة المؤلف وآثاره)
أولًا: حياة المؤلف:
هي ترجمة له من كتاب المنهل الصافي لابن تغري بردي، وكان معاصرًا للعيني، وهي أقدم ترجمة له، يقول (١):
"هو محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود العلامة، فريد عصره، ووحيد دهره، عمدة المؤرخين، مقصد الطالبين، قاضي القضاة بدر الدين أبو محمد وأبو الثناء، ابن القاضي شهاب الدين، ابن القاضي شرف الدين، العنيتابي الأصل والمنشأ، المصري الدار والوفاة، الحنفي، قاضي قضاة الديار المصرية، وعالمها، ومؤرخها.
سألته عن مولده فكتب لي بخطه ﵀: "مولدي في السادس والعشرين من شهر رمضان سنة اثنتين وستين وسبعمائة، في درب كيكن"، انتهى.
قلتُ: ونشأ بعنيتاب بين حلب وأنطاكية بالشام، وحفظ القرآن الكريم، تفقه على والده وعلى غيره، وكان أبوه قاضي عنيتاب، وتوفي بها في شهر رجب سنة (٧٨٤ هـ)، ورحل ولده
_________
(١) انظر ترجمة العيني في المصادر والمراجع الآتية:
- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي (١٥/ ١١٠).
- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي (٢/ ٢٧٥).
- شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي (١٠٨٩ هـ)، (٧/ ٢٨٧).
- الضوء اللامع لأهالي القرن التاسع لشمس الدين السخاوي (٩/ ١٣١ - ١٣٥).
- البدر الطالع بمحاسن القرن السابع للشوكاني (١٢٥٠ هـ)، (٢/ ٢٩٤).
- معجم المؤلفين لرضا كحالة (١٢/ ١٥٠).
- الأعلام للزركلي (٧/ ١٦٣).
- مقدمة كتاب السيف المهند في سيرة الملك المؤيد (١ - ١٥).
- مقدمة كتاب عمدة القاري في شرح صحيح البخاري (١/ ١ - ١٠).
1 / 17
صاحب الترجمة إلى حلب، وتفقه بها، وأخذ عن العلامة جمال الدين يوسف بن موسى الملطي الحنفي وغيره، ثم قدم لزيارة بيت المقدس، فلقي به العلامة علاء الدين أحمد بن محمد السيرامي الحنفي، شيخ المدرسة الظاهرية برقوق، وكان العلاء أيضًا توجه لزيارة بيت المقدس، فاستقدمه معه إلى القاهرة في سنة ثمانٍ وثمانين وسبعمائة، ونزّله في جملة الصوفية بالمدرسة الظاهرية، ثم قرره خادمًا بها في أول شهر رمضان منها، فباشر المذكور الخدامة حتى توفي العلامة علاء الدين السيرامي في سنة (٧٩٠ هـ).
وقد انتفع به صاحب الترجمة وأخذ عنه علومًا كثيرة في مدة ملازمته له، ولما مات العلاء السيرامي أخرجه الأمير جاركس الخليلي أمير آخور من الخدامة وأمر بنفيه لما اتُّهم به؛ حسدًا من الفقهاء، حتى شفع فيه شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني، فأُعفي من النفي، وأقام بالقاهرة ملازمًا للاشتغال، وتردد على الأكابر من الأمراء مثل الأمير حكم بن عوض، والأمير قلمطاي الداودار قبله، وتغري بردي القردمي، وغيرهم، حتى توفي الملك الظاهر برقوق في سنة (٨٠١ هـ) فولي بعد ذلك حسبة القاهرة.
قلتُ: وولايته الحسبة بالقاهرة يطول الشرح في ذكر ذلك؛ لأنه وليها غير مرة، آخرها في سنة (٨٤٦ هـ) عوضًا عن يار علي الطويل الخرساني. انتهى.
ثم ولي المذكور في الدولة الناصرية عدة تداريس ووظائف دينية، واشتهر اسمه وأفتى ودرَّس، وأكبَّ على الاشتغال والتصنيف إلى أن ولي في الدولة المؤيدية شيخ نظر الأحباس، وصار من أعيان فقهاء الحنفية، وأرَّخ وكتب، وجمع وصنف، وبرع في علوم كثيرة؛ كالفقه، واللغة، والنحو، والتصريف، والتاريخ، وشارك في الحديث، وسمع الكثير في مبدأ أمره، وقرأ بنفسه، وسمع التفسير، والحديث والعربية.
فمن التفسير: تفسير الزمخشري، وتفسير النسفي، وتفسير السمرقندي.
ومن الحديث: الكتب الستة، ومسند الإمام أحمد، وسنن البيهقي، والدارقطني، ومسند عبد ابن حميد، والمعاجم الثلاثة للطبراني، وغير ذلك.
ومن العربية: المفصل للزمخشري، والألفية لابن مالك في النحو وغيرهما.
وتصدى للإقراء سنين، واستمر على ذلك إلى أن طلبه الملك الأشرف برسباي، وأخلع عليه باستقراره قاضي قضاة الحنفية بالديار المصرية في سنة (٨٢٩ هـ)، بعد عزل قاضي القضاة: زين الدين عبد الرحمن التفهني، فباشر المذكور وظيفة القضاء بحرمة وافرة، وعظمة زائدة، لقربه من الملك، ولخصوصيته به، ولكونه ولِيَ القضاء من غير سعي.
1 / 18
وكان ينادم الملك الأشرف، ويبيت عنده في بعض الأحيان، وكان يعجب الأشرف قراءته في التاريخ؛ لكونه كان يقرأه باللغة العربية، ثم يفسر ما قرأه باللغة التركية، وكان فصيحًا في اللغتين.
وكان الملك الأشرف يسأله عن دينه، وعما يحتاج إليه من العبادات وغيرها، وكان العيني يجيبه بالعبارة التي تقرب من فهمه، ويحسن له الأفعال الحسنة، حتى سمعت الأشرف في بعض الأحيان يقول: لولا العنتابي ما كنا مسلمين. انتهى.
واستمر في القضاء إلى أن صُرف وأعيد التفهني في سنة (٨٣٣ هـ)، فلزم المذكور داره أيامًا يسيرة، وطلبه السلطان، وصار يقرأ له على عادته، ثم ولي حسبة القاهرة، ثم أعيد إلى القضاء في سنة (٨٣٥ هـ) عوضًا عن التفهني يحكم طول مرض موته.
باشر القضاء والحسبة والأحباس معًا مدة طويلة؛ إلى أن صرف عن الحسبة بالأمير صلاح الدين بن حسن بن نصر الله، واستمر في القضاء، ونظر في الأحباس إلى أن توفي الملك الأشرف برسباي سنة (٨٤١ هـ)، وتسلطن ولده الملك العزيز يوسف، وصار الأنايك جقمق العلائي مدبر مملكته، عزله جقمق المذكور عن القضاء بشيخ الإسلام سعد الدين بن محمد الديري سنة (٨٤٢ هـ)، فلزم المذكور داره مكبًّا على الاشتغال والتصنيف.
ثم ركدت ريحه وضعف عن الحركة لكبر سنه، واستمر مقيمًا بداره إلى أن خرجت عنه الأحباس لعلاء الدين علي بن محمد بن الزين، أحد نواب الحكم الشافعي، وندماء الملك الظاهر جقمق في سنة (٨٥٣ هـ) فعظم عليه ذلك لقلة موجوده، وصار يبيع من أملاكه وكتبه إلى أن توفي ليلة الثلاثاء رابع ذي الحجة سنة خمس وخمسين وثمانمائة، وصُلِّي عليه من الغد بالجامع الأزهر، ودُفن بمدرسته بجوار داره ﵀، وكانت جنازته مشهودة، وكثر أسف الناس عليه.
وكان بارعًا في عدة علوم، مفندًا، عالمًا بالفقه، والأصول، والنحو، والتصريف، واللغة، مشاركًا مشاركة حسنة، أعجوبة في التاريخ، حلو المحاضرة، محفوظًا عند الملوك -إلا الملك الظاهر جقمق- كثير الاطلاع، واسع الباع في المعقول والمنقول، قَلَّ أن يذكر علم إلا ويشارك فيه مشاركة جيدة.
ومصنفاته كثيرة الفوائد، وأخَذتُ عنه، واستفدت منه، وليَ منه إجازة بجميع مروياته وتصانيفه.
وكان شيخًا أسمر اللون، قصيرًا، مسترسل اللحية، فصيحًا باللغة التركية، لكلامه في التاريخ وغيره طلاوةٌ، وكان جيد الخط سريع الكتابة، قيل: إنه كتب كتاب القدوري في الفقه في ليلة واحدة في مبادئ أمره، وكان مسوداته مبيضات، وله نظم ونثر ليسا بقدر علمه.
1 / 19
ومن مصنفاته:
شرح البخاري في مجلدات كثيرة نحو العشرين مجلدًا، وشرح الهداية في الفقه، وشرح الكنز في الفقه، وشرح مجمع البحرين في الفقه -أيضًا- وشرح تحفة الملوك، وشرح الكلم الطيب لابن تيمية، وقطعة كبيرة من سنن أبي داود، وقطعة كبيرة من سيرة ابن هشام، وشرح العوامل المائة، وشرح الجاربردي، وكتاب في المواعظ والرقائق في ثمانية مجلدات، ومعجم مشايخه في مجلد، ومختصر في الفتاوى الظهيرية، ومختصر المحيط، وشرح التسهيل لابن مالك مطولًا ومختصرًا، وشرح شواهد الألفية لابن مالك وهو كتاب نفيس احتاج إليه صديقه وعدوه، وانتفع بهذا الكتاب غالب علماء عصره، وشرح معاني الآثار للطحاوي في ثنتي عشرة مجلدة، وكتاب طبقات الشعراء، وحواشي على شرح الألفية لابن مالك، وكتاب طبقات الحنفية، والتاريخ الكبير على السنين في عشرين مجلدة، واختصره في ثلاث مجلدات، والتاريخ الصغير في ثلاث مجلدات، وعدة تواريخ أخر، وحواشي على شرح السيد عبد الله، وشرح الساوية في العروض، واختصر تاريخ دمشق الكبير لابن عساكر، وله مصنفات أخر لم يحضرني الان ذكرها، وفي الجملة كان من العلماء الأعلام -رحمه الله تعالى- (١).
مقتطفات من تراجم أخرى:
السخاوي صاحب الضوء اللامع يقول فيه (٢): "هو محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود البدر، أبو محمد وأبو الثناء، ابن الشهاب الحلبي الأصل، العنيتابي المولد، ثم الظاهري، الحنفي، ويعرف بالعيني، انتقل أبوه من حلب إلى عنيتاب من أعمالها، فولي قضاءها، وولد له البدر بها، وذلك كما قرأته بخطه في: السابع عشر من رمضان لسنة (٧٦٢ هـ).
ويقول في موضع آخر (٣): "لزم البدر بيته مقبلًا على الجمع والتصنيف مستمرًّا على تدريس الحديث بالمؤيدية ونظر الأحباس حتى مات، وكان إمامًا عالمًا مشاركًا في الفنون، لا يمل المطالعة والكتابة، وصنف الكثير بحيث لا أعلم بعد شيخنا أكثر تصانيف منه".
ويقول في موضع ثالث (٤): "ولم يزل ملازمًا للجمع والتصنيف حتى مات، بعد أن صرف عن نظر الأحباس، وكان يبيع من أملاكه وكتبه -سوى ما وقفه على مدرسته- وهو شيء
_________
(١) انتهت ترجمة العيني من كتاب المنهل الصافي لابن تغري بردي الذي كان تلميذًا لصاحب الترجمة.
(٢) الضوء اللامع لأهالي القرن التاسع (٩/ ١٣١).
(٣) المرجع السابق (١٣٢).
(٤) المرجع السابق (١٣٣).
1 / 20
كثير، وكان موته في ليلة الثلاثاء رابع ذي الحجة سنة خمس وخمسين وثمانمائة، ودُفن من الغد بمدرسته التي أنشأها بعد أن صلَّى عليه المناوي بالأزهر، وعظم الأسف على فقده، ولم يخلف بعد في مجموعه مثله.
ثناء الناس عليه بالنثر:
جاء هذا الثناء في مقدمة كتابه: "عمدة القاري في شرح صحيح البخاري"، فمن حقق الكتاب قديمًا يقول (١): "هو الإمام العلامة الكبير، الحافظ البارع بلا نكير، شيخ حفاظ عصره، المشهور له بالتبريزي في دهره، الفقيه الناقد الورع المعمر، عالم البلاد المصرية، ومؤرخها الأكبر، قاضي القضاة وشيخ الإسلام، بدر الدين أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى الحلبي الأصل، العنيتابي المولد والمنشأ، ثم القاهري الدار والوفاة، المعروف بالبدر العيني، إمام عصره في المعقول والمنقول، ووحيد دهره في الفروع والأصول، امتاز بين العلماء الذين وقفوا لكثرة التأليف، بسعة العلم، وجودة البحث، وحسن الترصيف، حتى ملأ خزائن العلم في العالم بمصنفاته الجليلة في الحديث، والفقه، والتاريخ، والعربية، وغيرها، تناقلها العلماء عصرًا بعد عصر، وتشهد لمؤلفها الجليل بالبراعة والفخر.
ولا تزال آثاره الكثيرة ومؤلفاته المبسوطة زخزا خالدًا ونورًا ثاقبًا تتداولها أيدي رواد التحقيق من العلماء ليسجلوا بأنوارها عن وجوه أبحاثهم الظلماء ولا غرو؛ (ففي الليلة الظلماء يُفتقد البدر).
ويذكر الباحث الذي صنع رسالة في كتاب فرائد القلائد في شرح مختصر الشواهد فيقول في خاتمة بحثه (٢): "أفصحت الدراسة عن نتائج كثيرة؛ منها:
أن العيني كان إمامًا في اللغة والفقه والتاريخ وغير ذلك من العلوم، كان عمدة المؤرخين، عالمًا بالصرف والعربية، حافظًا للتاريخ واللغة، كثير الاستعمال لها، مشاركا في كل الفنون.
أن العيني تتلمذ على يد علماء كثيرين من أكابر علماء عصره، وفي هذا تكوين لشخصيته العلمية، وأنها تميزت بسعة الثقافة وشمول المعلومات؛ كما أنه لم يأخذ حقه من الترجمة ممن
_________
(١) مقدمة عمدة القاري في شرح صحيح البخاري (١/ ٢) ط. دار الفكر.
(٢) انظر (٤٤٥) من الرسالة المذكورة "اعتراضات العيني على النحاة"، د. سيد أبو المعاطي.
1 / 21
تتلمذ على يديه، وفي هذا إجحاف له وغمط لفضله، ولعل ذلك يرجع إلى العصبية للمذهب، والسياسة التي إن دخلت محراب العلماء أوقعتهم في الشدائد".
والشوكاني صاحب البدر الطالع يقول عنه: "وتصانيفه كثيرة جدًّا، وانتفع بها الناس، وأخذ عنه الطلبة من كل مذهب، وأدركه حظ عند العلماء".
ثناء الناس عليه بالشعر:
مدحه بعض الشعراء فقال (١):
لقدْ حُزْتَ يَا قَاضيَ القُضاةِ مَنقِبًا ... يُقَصِّرُ عَنْهَا مَنْطِقِي وبَيَانِي
وأثنى عليك الناسُ مَشرقًا ومَغْرِبًا ... فلا زِلْتَ مَحْمُودًا بِكُلِّ لِسَانِ
وقال أبو المعالي (٢): وقد أسف المسلمون على فقد العيني، وهو الحري بقول القائل:
وإني لمعْزُورٌ إذا ما بكَيتُهُ ... بِأكثَرَ مِنْ قَطْرِ الغَمَامِ وأَغْزَرِ
ولِي عَبْرَةٌ لَمْ تَرْقَ عِنْدَ ادِّكَارِهِ ... كما لِي فيهِ عبْرَةُ المتُفَكِّرِ
وقد كان لم يُحْجَبْ ثَنَاهُ بحاجب ... ولم تَسْتَتِر أَضْوَاؤُهُ بِمُتَسَتِّرِ
فَوَا أَسَفًا إِنْ كَانَ يُغْنِي تَأَسُّفِي ... ووَا حَذَرًا إِنْ كَانَ يُغْنِي تَحَذُّرِي
وكُنْتُ أَرَانِي فيِ النَّوَائِب صَابرًا ... فَأَعْدَمَنِي صَبرِي فَأَيْنَ تَصَبُّرِي
وَإنِّي لَمَقْبُولُ المعَذِيرِ فيِ الأَسَى ... ومَنْ يَعْتَذِرْ مِثْلِي إِلَى الصَّبْرِ يُعْذَرِ
ثانيًا: مؤلفات العيني المطبوعة والمخطوطة:
كان العيني كثير التأليف -كما قلنا- سريع الكتابة، حتى يروى أنه كان يكتب بعض كتبه في ليلة واحدة، وقد كثرت كتبه، وجاءت في مختلف الفنون، منها ما هو في اللغة والنحو، ومنها ما هو في الفقه، ومنها ما هو في الحديث، ومنها ما هو في التاريخ.
كتبه في اللغة والنحو:
- كتاب المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية، وهو الكتاب الذي نحققه الآن، وهو الذي بين يديك -أخي القارئ- وقد ذكر العيني سبب تأليف هذا الكتاب، يقول في مقدمته:
_________
(١) مقدمة عمدة القاري (١/ ٥).
(٢) مقدمة عمدة القاري (١/ ٨).
1 / 22
"لما رأيت شدة اهتمام محصلي النحو في الدارك وغاية ألفتهم بكتاب ألفية ابن مالك (١)؛ لكونه موصلًا إلى مقاصدهم بأوضح المسالك، غير مستغنين عن شرحه المنسوب إلى ابن الناظم (٢)، وشرحه الذي ألفه ابن أم قاسم (٣)، وشرحه الذي رتبه ابن هشام (٤)، وشرحه الذي أملاه ابن عقيل (٥)؛ أردت أن أستخرج الأبيات الذي ذُكِرَتْ فيها على سبيل الاستشهاد في الأبواب، وأُبَيِّنَ ما فيها من اللغات والمعاني والإعراب، وأزيل ما فيها من المبهمات التي تتصحف على الطلاب، وأكشف الألفاظ التي تشتبه عليهم في هذا الباب، متعرضًا إلى بيان ما فيها من الأبحُر والأوزان، وإلى ذكر بقية كل بيت بحسب الطاقة والإمكان، وإلى إيضاح قائله عند الظفر والوجدان.
وذلك لأني رأيت الشراح قد أهملوا هذه الأمور، واكتفوا بذكو ما فيها من الشاهد المشهور، بحيث قد آل بعضها إلى حالة قد استحق بها الهجران، وصار بعضها في بعض الأذهان كالسُّها والدَّبُران (٦)، فهذا هو الذي نَدَبَنِي إلى هذا الترتيب الغريب والجمع الموشح بكل عجيب، مع ما سألني في ذلك مَن لا تسعني مخالفته، ولا توافقني مرادفته، واعتصمت في ذلك بربي الكريم، إنه الميسر لكل صعب عظيم".
والحديث عن هذا الكتاب سيأتي في طول الفصول القادمة التي تختتم بالفصل الثامن عن مخطوطاته ومطبوعاته.
_________
(١) محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني ألَّف تسهيل الفوائد وشرحه والكافية الشافية وشرحها ولامية الأفعال وغير ذلك (ت ٦٧٢ هـ). الأعلام (٦/ ٢٣٣).
(٢) محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك الطائي أبو عبد اللَّه بدر الدين، نحوي له: شرح الألفية يعرف بشرح ابن الناظم، ولامية الأفعال، وشرح غريب تصريف ابن الحاجب (ت ٦٨٦ هـ). الأعلام (٧/ ٣١).
(٣) هو بدر الدين الحسن بن قاسم بن عبد الله بن علي المرادي المصري النحوي اللغوي الفقيه، له: شرح التسهيل وشرح المفصل وشرح الألفية والجني الداني في حروف المعاني وغيرها (ت ٧٤٩ هـ). الأعلام (٢/ ٢١١)، وشذرات الذهب (٦/ ١٦٠، ١٦١).
(٤) هو عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام، صنَّف: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، وأوضح المسالك، والجامع الكبير، وشذور الذهب وغيرها (ت ٧٦١ هـ). الأعلام (٤/ ١٤٧).
(٥) عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد القرشي الهاشمي بهاء الدين بن عقيل، له: شرح ألفية ابن مالك في النحو، والمساعد في شرح التسهيل، وغيرهما، (ت ٧٦٩ هـ). الأعلام (٤/ ٩٦).
(٦) السُّها: كُوَيْكِبٌ صغير خفي الضوء في بنات نعش الكبرى والناس يمتحنون به أبصارهم، يقال: إنه يسمى أسلم مع الكوكب الأوسط من بنات نعش، وفي المثل: أريها السُّها وتُريني القمر. اللسان مادة (سُها).
والدبران: نجم بين الثريا والجوزاء ويقال له: التابع والتويبع وهو من منازل القمر، سمى دبرانًا؛ لأنه يدبر الثريا، أي يتبعها.
اللسان مادة (دبر).
1 / 23
- فرائد القلائد في مختصر شرح الشواهد، وهو اختصار للكتاب السابق، لم يتعرض العيني فيه للشاهد بأكثر من بيان قائله وبحره وشرح مفرداته باختصار، وإعراب بعض كلماته، وييان وجه الاستشهاد، وقد طبع الكتاب الذكور طبعة واحدة في القاهرة (١٢٩٧ هـ) أي منذ أكثر من مائة عام، وهي طبعة قديمة دون تحقيق، وقد عُملتْ في هذا الكتاب رسالة ماجستير بجامعة الأزهر تحت عنوان: "اعتراضات العيني على النحاة واختياراته من خلال كتابه فرائد القلائد في مختصر شرح الشواهد سنة (٢٠٠١ م) للباحث السيد محمد أبو المعاطي، وقد رأينا فرائد القلائد هذا وقرأنا فيه.
- رسائل الفئة في شرح عوامل المائة، حققه الدكتور: خالد أبو جندية (جامعة الأزهر).
- ملاح الألواح في شرح مراح الأرواح، وهو في علم الصرف، حققه: عبد الستار جواد، ونشر في مجلة المورد العراقية (١٩٧٥ م).
كتب في الحديث:
- عمدة القاري في شرح صحيح البخاري، وهذا الكتاب بلغ في بعض طبعاته اثني عشر مجلدًا، يحتوي على خمسة وعشرين جزءًا، وقد طبع عدة طبعات (ثلاثة أو أكثر):
١ - إدارة الطباعة المنيرة، لصاحبها: محمد منير أغا الدمشقي (بيروت، دون تاريخ).
٢ - مصطفى البابي الحلبي، (١٩٧٢ م).
٣ - دار الفكر، (١٩٧٩ م) (مصورة عن الطبعة الأولى).
وقد اطلعت على هذا الكتاب وقرأت فيه ثم كتبت قائلًا: "العيني في شرحه لصحيح البخاري، كنت أظنه يقتصر على شرح الحديث من الناحية الدينية، وهي معناه واستنباط ما فيه، من أحكام تشريعية -كما يفعل غيره- ولكنني وجدت فيه فوق المعاني والأحكام الشرعية ما يلي:
الجانب اللُّغوي: وقد أسهب فيه العيني إسهابًا، فهو يشرح معاني المفردات، وينقل عدة نقول من كتب اللغة؛ كالصحاح والعباب، وكتب ابن دريد، وغير ذلك وهو كثير.
الجانب الصرفي: وفيه يتحدث عن أصل بعض الكلمات، وما اعتراها من إبدال وإعلال، وقلب، وأبواب الماضي مع المضارع، ومعاني الزيادة في الأفعال، والحذف، والنقل وغير ذلك.
الجانب النحوي: وفيه يتعرض لإعراب الحديث كلمة بعد أخرى، ويتعرض لموقع الجملة مما قبلها؛ كما يتعرض لاحتمال الكلمة ثلاثة أوجه في الإعراب، ويخرِّج كل وجه، كما
1 / 24
يتعرض لبعض الخلافات النحوية، كأن تكون الجملة حالًا بتقدير قد؛ لأنها مصدرة بفعل ماضٍ، وغير ذلك.
الجانب البلاغي: وفيه يذكر المسائل البلاغية في الحديث، متعرضًا لعلوم البلاغة الثلاثة: المعاني وهو الإسناد والمجاز العقلي وغير ذلك، ثم البيان وهو التشبيه والاستعارة، ثم البديع، وما جاء منه في الحديث.
ويجدر بطلاب العلم دراسة هذه العلوم كلها في الكتاب المذكور، كلٌّ في تخصصه، فطلاب فقه اللغة يدرسون الجانب اللُّغوي، وطلاب النحو يدرسون الجانب النحوي والصرفي، وطلاب البلاغة يدرسون الجانب البلاغي، وهكذا.
وقد استمر منهج العيني المذكور إلى أكثر من نصف الكتاب، ثم جاء في النصف الثاني واختصر الجوانب اللغوية التي عرضناها اكتفاءً بما ذكره.
- شرح سنن أبي داود (دار الكتب المصرية ٢٨٦ حديث).
- نخب الخطار في شرح معاني الآثار للطحاوي (دار الكتب المصرية ٥٢٦ حديث).
- العلم الهيب في شرح الكلم الطب لابن تيمية (دار الكتب المصرية ١١٢ حديث).
- كتاب في مصطلح الحديث (دار الكتب المصرية ٩٢ مصطلح الحديث).
كتب في الفقه:
- رمز الحقائق في شرح كنز الدقائق، طبع قديمًا في مصر (١٢٨٥ هـ) وهو في مجلدين.
- التبيان في شرح الهداية، طبع قديمًا في مصر سنة (١٢٩٣ هـ ـ)، وقد شُرح عدة شروح.
- الدرر الزاهرة في شرح البحار الزاخرة (دار الكتب المصرية ١٨٣ فقه حنفي).
- المسائل البدرية من الفتاوى الظهرية (دار الكتب المصرية ٤١٨ فقه).
كتب في التاريخ والسير:
وهذه كثيرة جدًّا وطويلة، وهي كالآتي:
- عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان، وهو كتاب كبير بلغ عدة مجلدات، تعرَّض فيه لأحداث الزمان من أول الخلق حتى سنوات القرن التاسع الهجري، وقد طبعت عدة أجزاء منه بتحقيق الدكتور: محمد محمد أمين "جامعة القاهرة"، وقد طبعته الهيئة المصرية العامة للكتاب، وقد اطلعت عليه، وقرأت فيه، ونقلت منه ترجمة العيني المذكورة في المنهل الصافي
1 / 25