اللَّه أَنْ يَجْعَلَ أَرْزَاقَهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُونَ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يَرْزُقُ عِبَادَهُ مِنْ حَيْثُ يَحْتَسِبُونَ، كَالتَّاجِرِ يَرْزُقُهُ مِنْ تِجَارَتِهِ، وَالْحَارِثِ مِنْ حِرَاثَتِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ يَرْزُقُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُونَ، كَالرَّجُلِ يُصِيبُ مَعْدِنًا أَوْ رِكَازًا أَوْ يَمُوتُ لَهُ قَرِيبٌ فَيَرِثُهُ أَوْ يُعْطَى مِنْ غَيْرِ إِشْرَافِ نَفْسٍ وَلا سُؤَالٍ، وَنَحْنُ لَمْ نَقُلْ إِنَّ اللَّه تَعَالَى لا يَرْزُقُ أَحَدًا إِلا بِجُهْدٍ وَسَعْيٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّهُ قَدْ بَيَّنَ لِخَلْقِهِ وَعِبَادِهِ طُرُقًا جَعَلَهَا أَسْبَابًا لَهُمْ إِلَى مَا يُرِيدُونَ، فَالأَوْلَى بِهِمْ أَنْ يَسْلُكُوهَا مُتَوَكِّلِينَ عَلَى اللَّه فِي بُلُوغِ مَا يُؤَمَّلُونَهُ دُونَ أَنْ يُعْرِضُوا عَنْهَا، وَيُجَرِّدُوا التَّوَكُّلَ عَنْهَا، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ مَا يُفْسِدُ قَوْلَنَا.
١٥ - حَدِيث: أَبَى اللَّه أَنْ يَصِحَّ إِلا كِتَابُهُ، لا أَعْرِفُهُ، وَلَكِنْ قَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّه لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ وَلِذَا قَالَ إِمَامُنَا الشَّافِعِيُّ ﵀ فِيمَا رَوَيْنَاهُ فِي مَنَاقِبِهِ لأَبِي عَبْدِ اللَّه ابن شَاكِرٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَامِرٍ عَنِ الْبُوَيْطِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: لَقَدْ أَلَّفْتُ هَذِهِ الْكُتُبَ وَلَمْ آلُ فِيهَا، وَلا بُدَّ أَنْ يُوجَدَ فِيهَا الْخَطَأُ، لأَنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُولُ ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّه﴾ الآيَةَ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِي كُتُبِي هَذِهِ مِمَّا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، فَقَدْ رَجَعْتُ عَنْهُ وَلِبَعْضِهِمْ شِعْرٌ:
كَمْ من كتاب قد تَصَفَّحْتُهُ ... وَقُلْتُ فِي نَفْسِيَ أَصْلَحْتُهُ
حَتَّى إِذَا طَالَعْتُهُ ثَانِيًا ... وَجَدْتُ تَصْحِيفًا فَصَحَّحْتُهُ
١٦ - حَدِيث: اتَّبِعُوا وَلا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ، الدَّارِمِيُّ فِي الْعِلْمِ مِنْ مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ
1 / 53