المقاصد الفلاسقة فى المنطق والحكمة الالهية والحكمة الطبيعية
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذى عصمنا من الضلال، وعرفنا مزلة أقدام الجهال والصلاة والسلام على المخصوص من ذى الجلال بالقبول والاقبال محمد المصطفى خير خلقه وعلى آله خير آل.
(أما بعد): فانك التمست كلاما شافيا فى الكشف عن تهافت الفلاسفة وتناقض آرائهم ومكامن تلبيسهم وإغوائهم، ولا مطمع فى إسعافك إلا بعد تعريفك مذهبهم، وإعلامك معتقدهم؛ فان الوقوف على فساد المذاهب قبل الاحاطة بمداركها محال بل هو وهى فى العماية والضلال، فرأيت أن أقدم على بيان تهافتهم كلاما وجيزا مشتملا على حكاية مقاصدهم من علومهم المنطقية والطبيعية والالهية من غير تمييز بين الحق منها والباطل بل لا أقصد إلا تفهيم غاية كلامهم من غير تطويل بذكر ما يجرى مجرى الحشو والزوائد الخارجة عن المقاصد وأورده على سبيل الاقتصاص والحكاية مقرونا بما اعتقدوه أدلة لهم ومقصود الكتاب حكاية:
(مقاصد الفلاسفة): وهو اسمه وأعرفك أولا أن علومهم أربعة أقسام؛ الرياضيات، والمنطقيات، والطبيعيات، والالهيات (أما الرياضيات): فهى نظر فى الحساب والهندسة، وليس فى مقتضيات الهندسة والحساب ما يخالف العقل، ولا هى مما يمكن أن يقابل بانكار وجحد، وإذا كان كذلك فلا غرض لنا فى الاشتغال بايراده* (وأما الالهيات): فأكثر عقائدهم فيها على خلاف الحق والصواب نادر فيها.
(وأما المنطقيات): فأكثرها على منهج الصواب والخطأ نادر فيها وإنما يخالفون أهل الحق فيها بالاصطلاحات والايرادات دون المعانى والمقاصد إذ غرضها تهذيب طرق الاستدلالات وذلك مما يشترك فيه النظار.
(وأما الطبيعيات): فالحق فيها مشوب بالباطل. والصواب فيها مشتبه بالخطأ فلا يمكن الحكم عليها بغالب ومغلوب، وسيتضح فى كتاب التهافت بطلان ما ينبغى أن يعتقد بطلانه ولنفهم الآن ما نحن نورده على سبيل الحكاية مهملا مرسلا من غير بحث عن الصحيح والفاسد حتى إذا فرغنا منه استأنفنا له جدا وتشميرا فى كتاب مفرد نسميه: (تهافت الفلاسفة) إن شاء الله.
ولتقع البداية بتفهيم المنطق وإيراده.
~~القول في المنطق
(مقدمة فى تمهيد المنطق وبيان فائدته واقسامه) (أما التمهيد): فهو أن العلوم وإن انشبعت أقسامها، فهى محصورة فى قسمين؛ التصور والتصديق.
(أما التصور): فهو إدراك الذوات التى يدل عليها بالعبارات المفردة على سبيل التفهيم والتحقيق كادراك المعنى المراد بلفظ الجسم والشجر والملك والجن والروح وأمثاله* (وأما التصديق): فكعلمك بأن العالم حادث والطاعة يثاب عليها والمعصية يعاقب عليها. وكل تصديق فمن ضرورتة ان يتقدمه تصوران فان لم يفهم العالم وحده، والحادث وحده، لم يتصور منه التصديق بأنه حادث بل لفظ الحادث إذا لم يتصور معناه صار كلفظ المادث مثلا. ولو قيل العالم مادث لم يمكنك لا تصديق ولا تكذيب لأن ما لا يفهم كيف ينكر أو كيف يصدق به وكذا لفظ العالم إذا أبدل بمهمل. ثم كل واحد من التصور والتصديق ينقسم إلى ما يدرك أولا من غير طلب وتأمل، وإلى ما لا يحصل إلا بالطلب* أما الذى يتصور من غير طلب فكالموجود والشىء وأمثالهما* وأما الذى يتحصل بالطلب فكمعرفة حقيقة الروح والملك والجن وتصور الأمور الخفية وذواتها.
Page inconnue