334

Maqamât

مقامات بديع الزمان الهمذاني

Enquêteur

محمد محيي الدين عبد الحميد

Maison d'édition

المكتبة الأزهرية

وَاحِدَةٍ خَمْسَ عَشْرَةَ لِحْيَةً، فَصَارَ القَوْمُ جُرْدًا مُرْدًا، كَأَهْلِ الجَنَّةِ، وَجَعَلْتُ لِحْيَةَ كُلَِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَصْرُورَةً فِي ثَوْبِهِ، وَمَعْهَا رُقْعَةٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا: " مَنْ أَضْمَرَ بِصَدِيقِهِ الغَدْرَ وَتَرْكَ الوَفَاءِ، كَانَ هَذَا مُكَاَفأَتَهُ وَالجَزَاءَ ". وَجَعَلْتُهَا فِي جَيْبِهِ، وَشَدَدْنَاهُمْ فِي الصِّنَانِ، وَوَافَى الحَمَّالُونَ عِشَاءَ الآخِرَةِ، فَحَمَلُوهُمْ بِكَرَّةٍ خَاسِرَةٍ، فَحَصَلُوا فِي مَنَازِلِهِمْ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا رَأَوْا فِي نُفُوسِهِمْ هَمًَّا عَظِيمًا، لا يَخْرُجُ مِنْهُمْ تَاجِرٌ إِلَى دُكَّانِهِ، وَلا كَاتِبٌ إِلَى دِيَوَانِهِ، وَلا يَظْهَرُ لإِخْوانِهِ، فَكَانَ كُلَّ يَوْمٍ يَأْتِي خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ خَوَلِهِمْ، وَمِنْ نِسَاءٍ وَغِلْمَانٍ وَرِجَالٍ يَشْتِمُونَنِي وَيُزَنُّونَنِي، وَيَسْتَحْكِمُونَ اللهَ عَليَّ، وَأَنَا سَاكِتٌ لا أَرْدُّ عَلَيهِمْ جَوَابًا، وَلَمْ أَعْبَأُ بِمَقَالِهِمْ، وَشَاعَ الخَبَرُ بِمَدِينَةِ السَّلامِ بِفُعْلِي مَعَهُمْ، وَلَمْ يَزَلِ الأَمُرُ يَزْدَادُ حَتَّى بَلَغَ الوَزِيرَ القَاسِمَ بْنَ عُبَيْدِ اللُه.

1 / 357