وأقسم الذهبي أنه ما رأى مثله من سائر الأقوام ، ولو طلب منه أن يحلف بين الركن والمقام ، وترجم ابن كثير لأبي العباس ، فنسي الدولة والناس ، وكتب عنه المستشرقون ، وعلى أخباره يتسابقون ، وله سيرة طويلة في دائرة المعارف ، ومخطوطات كثيرة في المتاحف ، وترجمت كتبه إلى اللغات الأجنبية ، واستفادت من أفكاره الحضارة الغربية ، والناس في كتبه ما بين مختصر ومعتصر، وناقد ومنتصر ، وقادح ومادح ، ومخرج وشارح، وأثنى عليه المستشرق جولدزهير ، وألفت فيه عشرات الدكتوراة والماجستير ، وهو صاحب أثر ، وكتبه غرر ، ذب عن القرابة ، وأثنى على الصحابة ، له ذاكرة وقادة ، وطبيعة منقادة ، وذهن حاد ، وعزم جاد ، إذا قصد باطلا أزهقه ، وإذا اعترض على قول مزقه ، وقد طالعت من بعد القرن الثالث إلى زمانه ، فلم أجد مثله في عمله وذكائه وإتقانه ، ولا يغمط فضله إلا مكابر ، ولا يعاديه إلا مبتدع ماكر، وله نوافل وأوراد ، وأيامه بالطاعة أعياد ، فغفر الله ذنبه ، ولقي بالرضا ربه ، وأنزله منازل الصادقين ، وجمعنا به مع النبيين والمرسلين ، آمين .
انظم الدمع أيها الموت شعرا
مثلما تملؤ المحاجر جمرا
ففؤادي مضرج بسهام
قد رمته الأيام شفعا ووترا
ليت مليون مهجة سبقته
للمنايا وقد تأخر شهرا
فبقاء العظيم في الأرض نفع
وذهاب اللئيم يذهب عسرا
Page 61