والثاني : سراج الرحمن ، من باكستان ، وقد ملأ الله قلبه بالإيمان ، أكثر نهاره صامت ، وبالليل قانت ، متواضع ، خاشع ، طائع ، مضرب المثل في النبل والفضل .
وكان لي زميل إفريقي درس في باريس ، فكان يلقي الشبه على هيئة التدريس ، وكان مبغضا للعرب ، فلقينا منه العجب ، فكان إذا أورد شبهة انتفض ، وأقوم وأعترض، فربما غضب وأزبد ، وأرعد وتهدد ، فيغضب لي كل الفصل لأنه متطاول متوعد ، وهو مفتون بحب فرنسا ، حب لا ينسى ، وقد أغضبنا بالسفه والطيش ، ولكننا نغصنا عليه العيش . ولما تخرجنا من الكلية ، كانت النتيجة حصلت على الأولية ، ومع الامتياز هدية، وألقيت قصيدة عربية منها :
أيها الخريج يا نجم العلا
يا شعاع الأمل المرتقب
قل هو الرحمن آمنا به
واتبعنا هاديا من يثرب
من بلادي يطلب العلم ولا
يطلب العلم من الغرب الغبي
وبها مهبط وحي الله بل
أرسل الله بها خير نبي
فلما انتهيت من القصة ، قلت لزميلي عمرو ، هذا كل ما في الأمر .
ولك مني الدعاء والشكر .
المقامة الشيطانية
{ إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير }
هب الشبيبة تبدي عذر صاحبها
ما بال أشيب يستهويه شيطان
قال عبد الله بن آدم : حاورت الشيطان الرجيم ، في الليل البهيم ، فلما سمعت أذان الفجر أردت الذهاب إلى المسجد ، فقال لي : عليك ليل طويل فارقد .
قلت : أخاف أن تفوتني الفريضة .
قال : الأوقات طويلة عريضة .
قلت أخشى ذهاب صلاة الجماعة .
قال : لا تشدد على نفسك في الطاعة .
فما قمت حتى طلعت الشمس . فقال لي في همس : لا تأسف على ما فات ، فاليوم كله أوقات . وجلست لآتي بالأذكار ، ففتح لي دفتر الأفكار .
فقلت : أشغلتني عن الدعاء . قال : دعه إلى المساء .
وعزمت على المتاب . فقال : تمتع بالشباب .
قلت : أخشى الموت . قال : عمرك لا يفوت .
Page 26