103

Maqâmat

مقامات القرني

Genres

فليس لعين لم يفض ماؤها عذر وسب أحد الأمراء ، المعري أبا العلاء ، وهجاه أشد هجاء ، وسب أستاذه سيد الشعراء ، فقال أبو العلاء : لا تسبه أيها الأمير ، فإنه شاعر قدير ، ولم يكن له إلا قصيدة،

لك يا منازل في القلوب منازل

أقفرت أنت وهن منك أواهل

ففهم الأمير ماذا يريد ، لأنه قصد آخر القصيد ، وهي قوله :

وإذا أتتك مذمتي من ناقص

فهي الشهادة لي بأني كامل

ولما زار أبو جعفر المنصور المدينة طلب شيخا كبيرا ، وجعله عنده أجيرا ، يخبره ببيوت المهاجرين والأنصار ، فدار به إلى آخر النهار ، ولم يعطه مالا ، ونسيه إهمالا ، فقال الشيخ يا أمير المؤمنين : هذا بيت الأحوص الشاعر المبين القائل :

يا بيت عاتكة الذي اتعزل

حذر العدا وبك الفؤاد موكل

فتذكر أبو جعفر القصيدة ، وهي فريدة مجيدة ، يقول في آخرها :

وأراك تفعل ما تقول وبعضهم

مذق الكلام يقول ما لا يفعل

ففهم المراد ، وأعطى الشيخ الزاد .

أقبل عالم كبير القدر ، ظاهر الأمر ، على شاعر قاعد ، فقام لهذا العالم الوافد ، وكان العالم يرى أن القيام للقادم باطل ، ولو أن القادم رجل كامل ، فقال للشاعر دع القيام ، فأنت لا تلام ، فقال الشاعر :

قيامي والإله إليك حق

وهل رجل له لب وعقل

وترك الحق ما لا يستقيم

يراك تسير إليه ولا يقوم

وفد شاعر على وزير خطير ، بالمكرمات شهير ، فلما أبصر جلبابه ، وشاهد حجابه ورأى أصحابه هابه ، فأراد أن يقول مساك الله بالخير ، قال من شدة الخجل ، ومن دهشة الوجل : صبحك الله بالخير ، فقال الأمير : أصباح هذا أم مساء ، أم تريد الاستهزاء ، فقال الشاعر بلا إبطاء :

صبحته عند المساء فقال لي

ماذا الصباح وظن ذاك مزاحا

فأجبته إشراق وجهك غرني

Page 3