257

Articles de Tanahi

مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي

Maison d'édition

دار البشائر الإسلامية بيروت

Numéro d'édition

الأولى

Genres

الأمين على قلب المصطفى المختار ليخرج الناس به من ظلمات الوثنية والشرك إلى نور الإيمان وصفاء التوحيد.
ثم كان أن هدى الله بهذا القرآن العظيم أقوامًا، فأقبلوا على تلاوته، وتدبر أغراضه ومراميه، وتمثلوا أوامره، وانتهوا عن نواهيه. وكان هو كتابهم الذي يعتصمون به ويلجأون إليه فيما دق وجل من أمورهم.
وبقيت طائفة - ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة - لم تهتد ولم تذعن، وظل عداؤها للقرآن قائمًا، فأخذت تنقر وتنقب، التماسًا للمعابة في هذا الكتاب المحكم، باتباع متشابه، وتحريف كلم عن مواضعه، وتخيل فساد نظم أو لحن أسلوب، أو تناقص معنى، وقد أخذت هذه الطائفة تدب دبيبًا في القرنين الأولين، تستخفي بآرائها مرة، وتصحر بها أخرى. لكنها في كلتا حالتيها لم تترك أثرًا يذكر، إذ لم تكن لها شوكة، وكانت العقيدة على صفائها، لم تكدرها مقولات المتكلمين، ولا خلافات المتأولين، ثم كان اللسان العربي لا يزال صحيحًا محروسًا لم يتداخله الخلل، ولم يتطرق إليه الزلل.
لكن الصغير يكبر ويشب، والزرع الضعيف يستحصد ويقوى، وتأتي أيام كالحات، تنجم فيها الفتن بدواع كثيرة: منها اختلاط اللسان العربي بغيره من الألسنة، وانتشار الكتب المترجمة بغثها وسمينها، وتغلغل أهل المذاهب والنحل الأخرى في صلب العقيدة الإسلامية، وإغرائها بالجدل وعلم الكلام، وأصحر أهل العداء القديم بآرائهم، وإذا الذي كان بالأمس همسًا ونجوى يصبح اليوم وله دوي وصليل، فأخذت المجالس وحلقات الدرس تموج بتلك الآراء وتضطرب، وإذا بالذي كان مشافهة ومسامرة يسطر ويكتب وتتعاوره الأيدي.
ولم يكد المسلمون يدخلون في النصف الثاني من القرن الثالث حتى انكشف كل خبيء وظهر كل مكنون، واستعلن العداء للقرآن وللعربية ملفقًا في ثياب الخلاف الفلسفي والكلامي، ثم ما جر إليه كل ذلك من القول بفتنة خلق القرآن وأشباه لها من الكوائن والطامات.

1 / 271