وكلاهما، الرق بالنخاسة، والرق الإقطاعي في الزراعة، قد عما الشعوب العربية أكثر من ألف سنة فجمدها، كما جمد من قبلها الإغريق والرومان، وذلك على الرغم من أن الفرص التي أتيحت للعرب كي يرتفعوا في العلوم كانت كبيرة جدا، فإنهم استوردوا الحرير والورق والخزف من الصين ، والأرقام الهندية من الهند، ولكن النظام الإقطاعي الذي كان يسودهم، وكذلك الرق بالنخاسة، حالا دون أي ارتقاء علمي.
وكل ما نجد من كشوف علمية عند العرب يرجع إلى تلك الفنون التي تتصل بالطبقة الحاكمة، مثل الخزف والحرير والورق، فإن مصانعها أنشئت في العالم العربي، ولكن للطبقة الحاكمة، فصنعت الزهرية للزينة ولم يصنع الطبق للطعام. •••
هل تغيرت الظروف التي حالت في الماضي دون ارتقاء العلم بين العرب؟ أجل تغيرت، ولكن هذا التغيير ضئيل.
نحن نرسم الآن ونشرح جسم الإنسان، ونحن نتعلم العلوم في المدارس والجامعات، ونحن لا نحرق الكتب (كما أحرقت كتب ابن رشد). ثم إننا ألغينا الرق.
ولكن لا يزال باقيا عندنا شيء غير صغير من الرق الزراعي الذي يجعل أجور العمال الزراعيين منخفضة، وما دام أجر العامل منخفضا فإنا لا نجد الحافز إلى استخدام العلم وإلى الاكتشاف والاختراع، أي: لا نجد الحافز لأن نقتصد في نفقات الإنتاج بالاعتماد على الآلات بدلا من الاعتماد على العمال.
وقد حرم الاستعمار علينا إنشاء المصانع، ثم بعد ذلك استولى على وقود المصانع، البترول، وبذلك قطع علينا الطريق في الارتقاء الصناعي، والارتقاء الصناعي هو الارتقاء العلمي، وهنا يجب أن نقف للتأمل، العلم لا يولد في الجامعات والمدارس، وإنما يولد في المصانع. العلم أداة للتفكير بالدماغ واليد، وإذا قصرنا العلم على الدماغ، كما هو الأمر في معظم الجامعات، عقم العلم، وإذا أشركنا الدماغ مع اليد أخصب العلم، فيكون الاختراع والاكتشاف، وخير من أن ينشئ العرب الجامعات والمدارس، خير لهم ألف مرة أن ينشئوا المصانع، ومتى أنشئت المصانع فإنها ستضطرهم إلى إنشاء المدارس والجامعات. العلم ينشأ في الورشة والمصنع، ثم بعد ذلك تنتفع به الورشة والمصنع.
يجب أن يهدف العرب إلى أن يكون دخل كل أسرة عربية ألف جنيه في السنة، وهذا ممكن بالصناعة، وغير ممكن بالزراعة، ومتى وجدت الصناعة وجد العلم والاكتشاف والاختراع والثراء.
والفلسفة للشعب أيضا
مما يجهله كثيرون أن التفكير البشري ظاهرة اجتماعية، وأقرب ما يدل على ذلك أنه غير مستطاع إلا بالكلمات ، أي : باللغة؛ لأن اللغة هي الآلة التليفونية بين أفراد المجتمع، وإذا نحن تصورنا إنسانا يعيش في صحراء، وقد نشأ فيها منذ الطفولة، فإننا نقطع بأنه لا يستطيع التفكير إلا بمقدار ما يفكر الذئب أو الأسد؛ إذ ليست له لغة، ولكن نظام المجتمع، زيادة على كلمات اللغة، يعين تفكير الأديب والفيلسوف والفنان.
وهذا واضح في الأديب العربي القديم كما هو واضح في الآداب القديمة للأمم الأخرى.
Page inconnue