والقياس أيضا قد يوافق ذلك كما أن فى منازل ذوى الألباب والأفهام لا يقع أمر من الأمور خارجا عن عناية أربابها، بل تشتمل عنايتهم جميع أمر منازلهم ونظامه وبهذا ما يخالفون ذوى المهانه والرعن من الناس، كذلك يجب أن يكون الآلهة اذا كانوا فى الغاية من الفهم، قواما بمعونه العالم ومرتبتهم الخاصية. فانهم لولم تكن لهم عناية بالأشياء التى فيه، فذلك يكون اما لأنهم غير مؤثرين لذلك وغير قادرين عليه أيضا واما أن يكونوا قادرين على ذلك، الا أنهم لما كانوا غير مؤثرين ولا محبين للعناية بالأشياء التى فى العالم، فلذلك يخلون هذه الأشياء بلا عناية.
فانه كان القول بشىء من هذه الأقسام غير لائق بالآلهة، فهو مردود. وذلك أن القول بأنهم غير قادرين على العناية بالأشياء التى هاهنا هو قول غير لائق بالآلهة من جميع الجهات. فان هذا القول يجعل الله، عز وجل، أعجز من الناس، اذ كان الناس لا يتعذر عليهم ولا يمتنع تدبيرهم لمنازلهم ويكون هذا المقدار متعذرا ممتنعا على الآلهة. والقول أيضا بأنهم غير محبين للعناية بالأشياء التى هاهنا، فهو شىء غريب عن الآلهة جدا. وذلك أن هذا فعل حاسد ومن طبعه فى غاية التردؤ والفساد والتشاغل أعنى الامتناع من فعل الأولى والأجدر، من حيث هو قادر على فعل ذلك.
فان كان كل واحدة من هاتين الخلتين هى غريبة مباينة للآلهة ولا الخلتان جميعا لله، عز وجل، فلا يتهيأ أن يوجدا فيه معا لا اثنتاهما جملة ولا واحدة منهما على انفراد، فبقى اذن أن يكون الله، عز وجل، قادرا على العناية بالأشياء التى هاهنا ومحبا لذلك أيضا. وان كان محبا لذلك وقادرا عليه، فظاهر أنه يصرف عنايته اليها، فلا شىء اذن من الأشياء يكون من غير علم الله وارادته، لا حقير ولا دنى.
Page 7