إذ على أخذها فؤادي حريص
عند ذلك قال له الملك الأجل: لقد فزت يا هذا ببلوغ الأمل، بيد أن الصفارة الموجودة مع مفتاح هذه الساعة البديعة، فيها سر لا يدركه بلا موقف إلا ذو فطنة رفيعة، فادن مني حتى تعرف الحقيقة، وتهتدي في استعمال تلك الصفارة إلى أحسن طريقة، ثم إنه قبض بيده على الصفارة المجاورة للمفتاح، ووضعها على فيه وصاح، فسمعت جنوده الصفير، فهرع إليه منهم الكبير والصغير، وأحاطوا باللصوص من كل مكان، واستعدوا لطرحهم في مهاوي الهوان، هنالك قال الملك مخاطبا لهؤلاء اللئام، وقد امتزج بالغضب وامتشق في يده الحسام: يا قطاع الطريق، ومن ليس لهم في الدنيا رفيق، إني أرى في اليقظة دون المنام، أني أشنقكم والسلام.
ثم أشار إلى من حوله من الرجال، بالقبض عليهم بلا محال، فأجابوه إلى ما أراد، وملكوا منهم القياد، وساقوهم إلى ما نصبوا من الأخشاب، وأوقفوهم تحتها ووضعوا الحبال في الرقاب، ثم رفعوهم عن الأرض بلا مهل، وطووا منهم سجل الأجل، واقتفى الملك بعد ذلك من اللصوص الأثر، وبعث بروح كل من وقع به منهم إلى سقر، فأراح من شرهم العباد، ونشر لواء الأمن في جميع البلاد، وبهذه السيرة الحميدة، صارت أيامه سعيدة، وأثنى عليه المؤرخون بما هو أهله، وكيف لا وقد عم الأنام بعدله، ومدحه شعراء زمانه بالمدائح الفائقة، والقصائد النفيسة الرائقة التي منها:
نشرت لواء العدل في كل بقعة
وطهرت أرض الله من كل مفسد
ففزت ببث الشكر من خير أمة
وفقت على كل الملوك بمحتد
المقالة العاشرة
في مطاوعة النفس، والنجاة بعد اليأس
قال أبو المسرات، ابن أبي المبرات: إني لقيت شيخا من التجار، عليه سكينة ووقار، وله بين أمثاله منزلة رفيعة، ودرجة سامية غير وضيعة، وكان قد بلغ الثمانين، وصدق عليه قول بعض السابقين.
Page inconnue