[85 و] الغرض في هذا القول ان نفحص عن القوى الموجودة في البذور والزروع، التي تكون مثل ذي البذر، ما جوهرها في البذور أولا ؟ ثم ثانيا في الجنين المحمول قبل ان يتم كونه ؟ وان كانت موجودة فاي وجود وجودها ؟ وهل هي كائنة فاسدة ام ليست بكائنة ولا فاسدة ؟ وسائر ذلك مما يتشوق اليه ان يعلم من أمرها فنقول : ان ارسطو لمل وجد هاهنا بعض الأجسام [85 ظ] اذا ماست جسما آخر افادته الصورة التي فيه والكيفية التي هو بها ما هو، وكان ظاهرا من أمر الجنين انه جسم متكون بصورة مخصوصة، اعني من نوع صورة الأب الذي منه البذر فيه الحيوان والنبات المتناسل، ابتدأ اولا ففحص عن هذا المكون للجنين هل يمكن ان يكون جسما ؟ وان كان جسما فهل هو من خارج، كأنك قلت الأب، ام هو ايضا جسم من الأجسام ينفصل من الأب ويتصل بمادة الجنين أولا، فيكون الجنين في الرحم ؟ أم هي قوة تنفصل من الأب في المني وتصير في الرحم } فتتصل{ بمادة وتكونه ؟ وان كان ذلك كذلك فما جوهر هذه القوة ؟ وأي وجود وجودها في المني أولا وفي الجنين ثانيا ؟ وهل هذه القوة هي المحرك الأول في التكوين ؟ أم المحرك الأول لها قوة غير هذه القوة ؟ وان كان ذلك كذلك فما جوهر هذه القوة ؟ وهل هي في جسم أو ليست في جسم وان كانت في جسم ؟ فأي وجود وجودها في ذلك الجسم ؟ فهذه هي حال المطالب التي ينبغي ان تطلب في هذا المعنى. وهي في كلام ارسطو موجودة الا أن منها ما هي موجودة بالفعل ومنها ما هي موجودة بالقوة في أصوله التي أصل . فنبتدئ نحن بعون الله منها بما هو موجود بالفعل في كلامه، ثم بما هو موجود بالقوة أصوله، فنقول : ان أول ما بدأ به ارسطو هو الفحص عن المطلب الأول وهو هل يمكن ان يكون المكون للجنين والمخلق له جسما من خارج، كانك قلت الأب، على انه مكتف بنفسه في هذا الفعل ؟ وان كان اخذه اخذا مطلقا على جهة ما تؤخذ الاقاويل الجدلية المتعارضة حتى اذا قيدت بالقيود الصحيحة انحل التعارض وظهرت طبيعة البرهان، فنقول : ان ارسطو لما وضع أولا المكون هو جسم من خارج لم يخل هذا الجسم ان يكون الاب أو جسما من خارج هو غير الأب. [86 و] فان وضعناه الأب فقط لزم ان يكون مماسا للجنين حتي يتم كونه، لان هذه هي حال الاجسام التي يكون بعضها بعضا من خارج والا يفارق ويبلي والجنين بعد يتكون، وانما ماس الاب مادة الجنين في وقت ما. هو في حين الجماع. وان فرضنا ان الذي ولى التكوين بعده للجنين هو جسم آخر من خارج كان ذلك بخلاف ما يحس، وذلك انا لسنا نرى ذلك موجودا لا في جنس النبات المتكون ولا في جنس الحيوان المتناسل. ولسنا نقدر ان نقول ان في الرحم جسما هو الذي يولد الجنين لانه يلزم ان يكون متنفسا وحيوانا وان يكون له مولد، ولا نرى ايضا شيئا من هذه يتولد من غير بذر فوجب ان يكون الشيء المولد في البذر يتولد عن ذي البذر بتوسط البذر خارجا . ولسنا نقدر ان نقول في الحيوان انه يخرج من كل عضو من اعضاء المولد عضو } مثله{ ، لان ذلك قد تبين بطلانه. وأيضا فانا نرى اعضاء الجنين تتكون بعضها بعد بعض وليس تتكون معا، وأيضا لو كان ذلك كذلك لكان تولد الجنين كونا لاكونا، وهذا كله قد تبين امتناعه. ولا يمكن أيضا أن يعيش كل عضو منفصلا عن صاحبه ثم يتصل به من ذاته فيكون واحدا، وهذا كله مستحيل. ولا نقدر أيضا أن نقول ان عضوا واحدا في المني هو الذي كون سائر الاعضاء، كانك قلت الاب ، لانه لو كان ذلك كذلك لكان في القلب صورة جميع الاعضاء بالفعل، كالحال في صورة المصنوع مع الصانع ، ولان الذي بالقوة انما هو ابدا عن الذي بالفعل المحض في المهنة والطبيعة. فلم يبق الا ان يكون في المني قوة مولدة لما هو مثل الذي منه المني، اي موافقة لها في النوع او الجنس . ولما كانت هذه القوة انما هي بالقوة صورة المتكون لا بالفعل، وكان كل ما يكون بالطبيعة [86 ظ] او بالصناعة انما يكون فيه بالقوة مما هو بلفعل مثله، وجب أن يكون الذي يتنزل من الجنين منزلة المكون الاول هو الاب، لانه بالفعل مثل المتكون، وان تكون هذه القوة بمنزلة الالة للصانع . لكن لما كانت الالات لا تتحرك الا بمباشرة الصانع لها، وهذه القوة يظهر من أمرها انها متحركة من ذاتها وقد فقدت المحرك الاول، اشبهت عند ارسطو من الامور الصناعية الاشياء العجيبة التي يظهر انها تتحرك من ذاتها وانما استفادت هذه الحركة من الصانع الذي صنعها، اعني المتحرك من ذاته . ولما كانت هذه القوة انما تفعل بحرارة وكانت بما هي حرارة لا تفيد المفعول الا كيفية مثلها، وكانت هذه القوة يظهر من أمرها انها تفيد الشكل والخلقة، وكان الذي يفيد الشكل والخلقة في الامور الصناعية هو صورة الصناعة، وجب أن تكون هذه القوة في الامور الطبيعية نظيرة لقوة الصناعة في الاشياء المصنوعة ونظيرة لقوة النفس في الاشياء المتنفسة، الا انها ليست نفسا لان النفس انما هي كمال لجسم آلى . فلما انتهى ارسطو من الفحص عن هذه القوة الى هذا، اخذ يفحص عن طبيعة هذه القوة ما هي لانه ليس يمكن ان تكون نفسا ولا قوة مثل القوى الطبيعية التي في الاسطقسات. ولما كان الفحص عن طبائع القوى التطرق اليه انما هو من افعالها، وكان بينا من امر هذه القوة ان أول شيء تفعله هو تخليق الأعضاء وتصويرها، ولذلك سمتها الاطباء القوة المصورة، اشبهت هذه الصورة الغاذية. وذلك لان القوة الغاذية تصير ما هو بالقوة جزءا من المتغذي } جزءا متنفسا منه بالفعل ، وهذه القوة تصير ما هو بالقوة جميع اجزاء المغتذي{ متنفسا بالفعل ، أي مغتذيا بالفعل، فانه ليس يصير عضو من اعضاء المغتذي بالفعل الا وفيه القوة الغاذية بالفعل. والفاعل كما قيل في غير هذا الموضع هو المعطي الغاية من المفعول التي هي الصورة. يدل هذا كله على ان هذه القوة هي التي تصور الأعضاء وتعطيها النفس الغاذية، وانها ليست نفسا غاذية، لان النفس الغاذية هي آلية، وهذه القوة ليست لها آلة الا الحرارة فقط . ولما كان الفحص عن افعال هذه القوة يحتاج ان يتقدمه اولا فيفحص عن قوى النفس، فان كان فيها ما يتكون فتكون هذه القوة هي المكونة ولابد، وان كان فيها شيء غير متكون كان ولابد واردا من خارج ولم يحتج الى هذه القوة ولم تكن هذه القوة مكونة. فلما فحص ارسطو عن هذا ظهر له ان جميع قوى النفس متكونة لانها آلية لا يتم فعلها الا بالجسم مثل القوة المحركة في المكان والقوة الحساسة المدركة. وأما العقل فلما لم يكن يظهر ان له آلة جسمانية يفعل بها كالحال في سائر قوى النفس، وقع الشك فيه : هل هو داخل من خارج ام يتكون بوجه ما وهو داخل من خارج بوجه ما، فارجأ الفحص عن ذلك الى الموضع الذي يليق به . وقال : ان الظن الغالب في هذا هو انه يرد من خارج، وقضى على ان كل قوة نفسانية فهي محتاجة الى جسد تقوم به. ولما نظر في طبيعة هذا الجسد قال : انه جسد اكرم من كل واحد من الاسطقسات الاربعة، وقال : انه جسد الهي وانه يختلف به الكرم والشرف . [انتهى ما وجد من هذا الكلام والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله وسلم تسليما].
Page 263