Logique et philosophie des sciences
المنطق وفلسفة العلوم
Genres
والخطأ الذي وقع فيه مل هو اعتقاده أن الظواهر تنطوي في ذاتها على التفسير، والحقيقة أن الواجب هو جلب التفسير إليها، فالتفسير يخترع أكثر مما يكتشف، ثم يحقق بعد ذلك، وأساس الرياضية هي الأساس الضمني لها منذ البداية.
5 (4) أمثلة لبحوث في العلوم الطبيعية تكشف عن عملية ذات ثلاث مراحل
أول مثال نقدمه هو أنبوبة توريشيلي، فقد استشار صناع النافورات في فلورنسا، جاليليو، في ظاهرة لاحظوها، وهي أن الماء الذي يستخرجونه من الآبار بالمضخات الماصة لا يصعد أكثر من 36 ذراعا
6 (10 أمتار و33سم) بأية حال من الأحوال، فما سبب هذه الظاهرة؟ يقول علماء الطبيعة إن ارتفاع الماء في الأنبوبة يرجع إلى أن الطبيعة تفزع من الفراغ، ولكن كيف نفسر أن هذا «الفزع» يتوقف عندما يصل الماء إلى ارتفاع 36 ذراعا؟ أجاب جاليليو إجابة لا قيمة لها لأنها سطحية، ولا تفسر شيئا في واقع الأمر، ولكن ظهرت عبقريته في علم الطبيعة الرياضية في نقطة معينة؛ فقد تنبأ بأن هذا الحد الأعلى من الارتفاع يتناسب عكسيا مع كثافة السائل. (أ)
وهنا يبدأ عمل توريشيلي، الذي كان تلميذا لجاليليو، فهداه خياله إلى إجراء تجربة يستخدم فيها أثقل السوائل، أي الزئبق. فإن كان جاليليو على حق فإن الزئبق سوف يرتفع في أنبوبة مفرعة إلى ارتفاع أقصى ما تكون نسبته إلى الست والثلاثين ذراعا كنسبة كثافة الزئبق إلى كثافة الماء، أعني أنه سوف يرتفع قدر ذراعين على وجه التقريب، وبدلا من تفريغ الأنبوبة مما فيها من هواء باستخدام مضخة، يلحم أحد طرفيها وتملأ زئبقا حتى حافتها، ويصب هذا الزئبق من الطرف الآخر، وتحمل الأنبوبة وهي مليئة بالزئبق مع تغطية الطرف المفتوح، ثم تقلب في إناء من الزئبق. ثم ينزع منها الغطاء تحت زئبق الإناء، فيلاحظ أن الأنبوبة إذا كانت طويلة بقدر كاف فإن الزئبق يهبط فيها قليلا، ولكنه يظل مرتفعا حتى المستوى المتوقع، وهو «ذراعان وقيراط» (76سم) تلك هي الظاهرة (حوالي 1644). (ب)
وقد ابتكر توريشيلي تفسيرا لها، وينحصر هذا التفسير في أن نتصور الأنبوبة وإناء الزئبق على أنهما الفرع الأول والقرار لوعاء على شكل الحرف
U
يحتوي على سائلين متوازيين أحدهما هو الزئبق، فما هو الآخر؟ إن الآخر هو الهواء الذي يجب اختراعه بالمعنى الصحيح، إذ إنه لم يكن من العناصر التي يلاحظ وجودها في هذه التجربة. ولكنا نعلم أن الهواء موجود، وأن له وزنا. ثم إن جاليليو كان هو الذي حدد كثافته بمقدار 1/ 400 من كثافة الماء، ونحن نعلم أيضا، عن طريق الملاحظات الجوية، أن الغلاف الجوي حول الأرض يبلغ سمكه ما بين «50، 54 ميلا» على حد قول توريشيلي: فجميع هذه الظواهر يمكن ربطها بعملية رياضية. فبضرب ارتفاع الغلاف الجوي المعروف في كثافة الهواء المعروفة، نحصل على ناتج يعادل إلى حد بعيد، الناتج الذي نحصل عليه إذا ضربنا كثافة الزئبق في ارتفاعه العمودي فوق سطح الوعاء، وتلك هي الفكرة التي تتخذ صورة رياضية دقيقة. (ج)
هذه الفكر تبدو من الآن راسخة، بفضل ما تتصف به من مطابقتها للعقل. وهي فكرة رائعة، ولكنها لن تصبح صحيحة إلا إذا تحققنا من صدقها، ولم ينجح توريشيلي في الوصول إلى طريقة مقنعة للتحقيق، تثبت بها صحة فكرة الأنبوبة التي تتخذ شكل
U . وكان باسكال هو الذي اهتدى إلى هذه الطريقة، وربما كان ذلك بإيعاز من ديكارت، الذي قابلة باسكال في باريس عام 1647م. ولقد كان الصالون الباريسي لأبيه «إتين باسكال
Page inconnue