La logique illuminative chez Suhrawardi
المنطق الإشراقي عند السهروردي المقتول
Genres
يعني أن عمره كان حينئذ 36 عاما بالتقويم العربي القمري، ويلاحظ أن تاريخ وفاته سابق على التاريخ الذي مات فيه ابن رشد، وذلك بسبع سنين.
خامسا: حياته الفكرية
يعتبر السهروردي أول من تصدى للفلسفة المشائية في القرن السادس الهجري، فقد أعرب في مصنفاته عن تبرمه بالفلسفة المشائية وحرصه على تخطيها بالاتجاه نحو فلسفة إشراقية تنم عن أعماق شجونه الفكرية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن السهروردي متصوف قبل أن يكون فيلسوفا، وقد انتهى من فلسفته إلى حكمة الإشراق التي تدل على مذهبه الحقيقي، وقد تفلسف غيره من متصوفي الإسلام، ولكن أحدا منهم لم يربط الفلسفة بالتصوف مثلما فعل، فهو يضع الفلسفة والتصوف في علاقة خاصة لا نجدها إلا عنده، وهو يميز بين نوعين من الحكمة متقابلين: «الحكمة البحثية» المعتمدة على التحليل والتركيب والاستدلال البرهاني، وتهدف إلى الوصول إلى الحقيقة، وهي حكمة الفلاسفة، حكمة الإشراقيين، وليس ثمة تعارض حقيقي بين الحكمتين، وإنما هو تعارض ظاهري؛ لأن الإشراقي الحقيقي هو الذي يتقن الحكمة البحثية، وينفذ في الوقت نفسه إلى أسرار الحكمة الذوقية.
40
وفي هذا يحدثنا الشهرزوري ما نصه: «جمع (يعني السهروردي) بين الحكمتين، أعني الذوقية والبحثية. أما الذوقية فشهد له بالتبريز فيها كل من سلك سبيل الله عز وجل، وراض نفسه بالأذكار المتوالية، والمجاهدات المتتالية، رافضا عن نفسه التشاغل بالعالم. طالبا بهمته العالمية مشاهدة العالم الروحاني، فإذا استقر قراره وتهتك بالسير الحثيث إلى معاينة المجردات أستاره، حتى ظفر لمعرفة نفسه، ونظر بعقله إلى ربه، ثم وقف بعد هذا على كلامه، فلتعلم جيدا أنه كان في المكاشفات الربانية آية، والمشاهدات الروحانية نهاية، لا يعرف غوره إلا الأقلون، ولا ينال شأوه إلا الراسخون. وأما الحكمة البحثية فإنه أحكم شأنها وشيد أركانها وتميز عن المعاني الصحيحة البارزة اللطيفة بالعبارات الرشيقة الوجيزة، وأتقنها ورآها، لا سيما في الكتاب المعروف ب «المشارع والمطارحات»، فإنه استوفى فيه بحوث المتقدمين والمتأخرين، وتفحص فيه معتقد الحكماء الأقدمين، وأكثر تلك البحوث والمتناقضات، والأسئلة والإيرادات، من تصرفات ذهنه ومكنون علمه، وذلك يدلل على قوته في الفن البحثي والعلم الرسمي، واعلم أن قيم كلامه ومعرفة أسراره مشكل جدا على من لا يسلك طريقته.»
41
وهذا الجمع المحكم بين الحكمتين «الذوقية والبحثية»، يدل دلالة واضحة على مظاهر الأصالة في التفكير عند السهروردي ؛ فبحسب النظرية السهروردية أن المجهود الفكري للنفس الإنسانية، لا يحقق لها الغاية المرجوة، التي هي المعرفة التامة، إلا بالتجربة الداخلية والذوق الباطني، كما أن الاختبار الروحي بدوره، لا يزدهر ويرسخ وينتج ثمراته المطلوبة، إلا إذا قام على أساس ثابت من العلم والفلسفة.
42
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن النظرية السهروردية تدعو إلى «حشد» كل ضروب العهد - بما فيها الإسلام - لشرح «روحية الإشراق» بنقل اعتبار التوجيه للإسلام في المجتمع الإسلامي إلى روحيته الإشراقية.
43
Page inconnue