La logique illuminative chez Suhrawardi
المنطق الإشراقي عند السهروردي المقتول
Genres
23
على أن حياة التجوال التي كان يحياها السهروردي لم تقف به عند البلاد التي أشار المؤرخون والمترجمون إلى أنه قد دخلها، وأفاد منها ما أفاد من ثقافات، واتصل فيها بمن اتصل من شخصيات، وإنما هي قد امتدت به إلى الشام؛ حيث قدم مدينة حلب سنة 579ه، كما يقول «ابن أبي أصيبعة»،
24
وهي آخر البلاد التي سافر إليها، وفيها قتل بسبب معتقداته الفلسفية.
رابعا: مأساته
يحدثنا الشهرزوري بما قاله «فخر الدين المارديني» ما نصه: «ولما فارقنا السهروردي من الشرق، وتوجه إلى حلب، وناظر فيها الفقهاء، ولم يجاره أحد؛ فكثر تشنيعهم عليه، فاستحضره الملك الظاهر، واستحضر الأكابر والفضلاء المتفننة لسماع ما يجري بينهم من المباحث، فتكلم معهم بكلام كثير، وبان له فضل عظيم وعلم باهر، وحسن موقعه عند الملك الظاهر، وقربه وصار مكينا عنده مختصا به؛ فازداد تشنيع أولئك عليه، وعملوا محاضر بكفره، وسيروها إلى دمشق إلى صلاح الدين، وقالوا له: إن بقي أفسد اعتقاد الملك، وإن أطلق أفسد أي ناحية سلك، وزادوا عليه أشياء كثيرة؛ فبعث إلى الملك الظاهر يقول بخط القاضي: «إن هذا الشهاب لا بد من قتله، ولا سبيل إلى إطلاقه بوجه».»
25
من هذا النص يتضح لنا أن السهروردي عندما جاء إلى حلب، نزل المدرسة الحلاوية، وحضر درس شيخها الشريف «افتخار الدين»، كما أخبرنا بذلك ابن أبي أصيبعة،
26
فأدناه إليه وقرب مجلسه منه ، وأظهر فضله للناس، وعرف مكانه فيهم، على أن ما ظهر من فضل السهروردي وعلمه، وما أظهره من براعة في المناظرة، وإفحام في الحجاج، وما كان له من منزلة كبرى عند الشيخ افتخار الدين، كل أولئك قد أحنق عليه الفقهاء، وأوغر صدورهم، فجعلهم يرجفون به ويشنعون عليه، الأمر الذي ترتب عليه أن استحضره الملك الظاهر بن صلاح الدين، وصاحب حلب في ذلك الحين، وعقد له مجلسا من الفقهاء والمتكلمين يباحثونه ويناظرونه، فيظهر عليهم بحججه، وإذا بالملك يقربه، ويقبل عليه ويتخصص به، وإذا بالحانقين عليه والضائقين به من الفقهاء يزداد حنقهم وغيظهم، وإذ هم يرمونه بالإلحاد والزندقة، ويكتبون إلى الملك الناصر صلاح الدين يحذرونه من فساد عقيدة ابنه الظاهر بصحبته للشهاب السهروردي، ومن فساد عقائد الناس إن هو أبقى عليه، فلم يكن من صلاح الدين إلا أن كتب إلى ابنه الظاهر يأمره بقتل السهروردي، ويشدد عليه في ذلك ويؤكده، وما هي إلا أن استفتى فقهاء حلب في أمره فأفتوا بقتله.
Page inconnue