قال أبو الحسن: وكان أصحابنا يروون أنهم حرروا ما أملاه أبو علي، فوجدوه مائة ألف وخمسين ألف ورقة.
قال: «وما رأيته ينظر في كتاب إلا يوما نظر في زيج الخوارزمي «1»، ورأيته يوما أخذ بيده جزءا من الجامع الكبير لمحمد بن الحسن، وكان يقول: إن الكلام أسهل شيء لأن العقل يدل عليه».
قال أبو الحسن: وكان من أحسن الناس وجها وتواضعا. وأكثرهم موعظة، فبينما هو في طلاقته، حتى ذكر الموت، فتنحدر دموعه، ويأخذ فى العظة، حتى كأنه غير ذلك الرجل. وكان إذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال لعلي والحسن والحسين وفاطمة: «انا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم».
يقول: «العجب من هؤلاء النوائب، يروون هذا الحديث، ثم يقولون بمعاوية!».
وروي عن علي عليه السلام أن رجلين أتياه، فقالا: «أتأذن لنا أن نصير إلى معاوية، فنستحله من دماء من قتلنا من أصحابه؟» فقال علي عليه السلام:
«أما أن الله قد أحبط عملكما بندمكما على ما فعلتما».
وروي أن أبا علي ناظر بعضهم في الإرجاء، وأبو حنيفة والزبير «2» حاضران، فقال أبو حنيفة: «إن أبا عمرو بن العلاء لقي عمرو بن عبيد فقال له: يا أبا عثمان إنك أعجمي، ولست بأعجمي اللسان، ولكنك أعجمي الفهم، إن العرب إذا وعدت أنجزت، وإذا وعدت أخلفت». وأنشد:
وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
فقال أبو علي: «إن أبا عثمان أجابه بالمسكت، قال له: إن الشاعر قد يكذب ويصدق. ولكن حدثني عن قول الله تعالى:
«لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين» «3» إن ملأها، أتقول صدق؟» قال: «نعم»، قال: «فان لم يملأها، أفتقول صدق؟»، فسكت أبو حنيفة.
Page 70