ويقال: إن جعفرا كان في صغره يمر على أصحاب أبي موسى، فيعبث بهم ويؤديهم، فشكوه الى أبي موسى، فقال: اجتهدوا أن تعيدوه الى مجلسي، فلما صار الى مجلسه، وسمع كلامه ونمطه، مر حتى دخل فى الماء عاريا من ثيابه، وبعث الى أبي موسى ليبعث إليه ثيابا، فلبسها، ولزم أبا موسى، فخرج في العلم بما عرف به.
ومن كلامه أنه يقول: «المؤمن بمنزلة التاجر البصير، العاقل، الذي ينظر، أي التجارة أربح وأسلم لبضاعته فيقصد إليها، كذلك المؤمن، لا يزال متصرفا في أعمال البر، فرائضها ونوافلها، والاستعانة عليها بطلب الحلال من المعاش، مع ما قد أباح الله من الاستمتاع في غير محرم، ثم يكون شديد الاشفاق والوجل، يخشى أن يكون مقصرا، ويخاف أن يكون ذلك التقصير مهلكا له عند الله، لأنه لا يدرى، هل أدى حقوق الله؟ وهل راعى حدوده؟ لعله قد ضيع بعض ذلك، وقصر فيه تقصيرا أسخط الله، أو أحبط عمله، ويرجو مع ذلك أن لا يكون كذلك، وأن يكون دأبه على التوبة والاستغفار مما يعلم، ومما لا يعلم، من كل صغير وكبير، ولا يزال كذلك في ذلك، حتى يأتيه أمر الله فيصير الى أرحم الراحمين».
والثاني: أبو محمد جعفر بن مبشر الثقفي، وكان مشهورا بالعلم والورع.
قال الخياط: سألت جعفر بن مبشر عن قوله تعالى:
«فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء» «1»، وعن الختم والطبع فقال: «أنا مبادر الى حاجة، ولكني ألقي عليك جملة تعمل عليها: اعلم، أنه لا يجوز على أحكم الحاكمين أن يأمر بمكرمه ثم يحول دونها، ولا أن ينهى عن قاذورة ثم يدخل فيها، وتأول الآيات بعد هذا كيف شئت».
Page 64