بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، بما حمد به نفسه، كما هو أهله؛ والصلاة على محمد عبده ورسوله، وعلى آله، كما هو أهله.
قال أبو عبد الله ﵀: حدثني أبي، عن رجاء بن نوح، عن عباد ابن كثير، عن عثمان الأعرج، عن يونس بن عبيد وحوشب، عن الحسن: أنه قال: حدثني سبعة رهط من أصحاب رسول الله ﷺ، منهم: أبو هريرة، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعمران بن حصين، ومعقل بن يسار؛ كلهم يحدث عن رسول الله ﷺ، ويزيد بعضهم على بعض: أنه نهى.
قال أبو عبد الله ﵀: وحدثنا الفضل بن محمد بن وزير الدمشقي قال: حدثنا حمزة بن ربيعة، عن عباد بن كثير بن قيس الثقفي، عن عثمان الأعرج، عن الحسن: أنه قال: حدثني رهط من أصحاب رسول الله ﷺ، منهم: أبو هريرة الدوسي، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعمران بن حصين، ومعقل بن يسار، وأنس بن مالك؛ يزيد بعضهم على بعض: أنه نهى.
قال أبو عبد الله رحمه: فقد نظرنا في هذا الحديث، في هذه
1 / 23
الأشياء التي رووا عن رسول الله ﷺ: أنه نهى عنها، فإذا هي متفاوتة؛ فمنها نهى أدب، ومنها نهى تحريم. وقد جمعها الحديث كله، ولم نجد شيئا قد نهى عنه إلا بحق. وذلك أن ضرره راجع إلى بعده عن سبيل الهدى؛ فإن سبيل الهدى مستقيم إلى الله تعالى، ومن زاغ فإنما يزيغ عن الله تعالى؛ والاستقامة تقرب العبيد إلى الله، وأن الله - تبارك اسمه - دعا العباد إلى دار السلام وأعلمهم أنهم ملاقوه، وبعث رسوله ﵇؛ فقال: (قُل هَذِهِ سَبيلِى أَدعوا إِلى الله عَلى بَصَيرَةٍ أَنا وَمَن اِتَبَعَنَى) . فمن أجابه فعلا فقد أجابه، وإجابته اتباع رسوله فيما زجر عنه. وقال الله تعالى في تنزيله (وَمَا آَتاكُمُ الرَسُولُ فَخَذُوهُ، وَما نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُوا) .
فوجدنا النهى على ضربين: منه نهى تحريم تأديب، ومنه نهى تحريم. فمن ترك الأدب انحط عن درجته، ومن وثب على التحريم سقط في الهلكة.
1 / 24
الاحتباء في ثوب واحد
وأما قوله: (نهى أن يحتبى الرجل في ثوب واحد) .
فقمن أن يكون إنما نهى عنه من أجل أن العورة تبدو إذا احتبى به؛ لأنه لم يتستر، فإذا احتبى بدت عورته.
وكان القوم حديثى عهد بجاهلية، وكانوا يطوفون بالبيت عراة، فلم يكونوا يحتشمون من التعرى وكشف العورة. فلما من الله تعالى عليهم بالإسلام؛ فأدبهم، وأمرهم بالستر في غير آية من التنزيل، وأمرهم بغض الأبصار، وحفظ الفروج؛ فقال (قُل لَلِمُؤمِنينَ يَغُضُوا مِن أَبصارِهِم، وَيَحفَظُوا فُرُوجَهُم) . وقال رسول الله ﷺ لا يحل لرجل يؤمن
1 / 25
بالله واليوم الآخر أن ينظر إلى عرض أخيه، فشدد في هذا، وحسم هذا الباب على الخلق.
اشتمال الرجل في ثوب واحد
وأما قوله: (نهى أن يشتمل الرجل في ثوب واحد) .
فالاشتمال: أن يلتف بثوبه، ويرفع أحد جانبيه يمينا وشمالا على عاتقه. فهذا مثل ما وصفنا بدءا أنه ستبدو عورته إذا فعل ذلك.
اشتمال الصماء
وأما قوله: (نهى أن تشتمل الصماء بثوب) .
فالعلة فيه مثل ذلك أيضا. فأما الصماء: فهو أن يلتف بثوب، ثم
1 / 26
يخرج يده اليمنى من عند صدره.
حدثنا عبد الكريم بن عبد الله السكرى، حدثنا على بن الحسن، عن عبد الله بن المبارك، عن جرير، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس رضى الله عنه: أنه كان يكره أن يلتحف الرجل بثوبه، ثم يخرج يده من قبل صدره؛ وقال: تلك الصماء.
الانتعال قائما
وأما قوله: (نهى أن ينتعل الرجل وهو قائم - وقال: إني أخاف أن يحدث به داء لا دواء له) .
فقد بين العلة فيه؛ فللجسد عليك حق، فإذا حملت عليه ما لا يطيق، فحدث به داء؛ فقد ظلمته.
وإنما جعل قوام البدن على الرجلين، فإذا انتعلت قائما، لم تجد بدا. من أن ترفع قدما لتنعلها، فصار حمل البدن على رجل واحدة؛ فاضطربت العروق، فإذا اضطربت العروق، لم يؤمن أن يحدث داء؛ لأن العروق مجارى الدم ومجارى الريح؛ فإذا تضايقت في حال الاضطراب، هاج الدم، وهاجت الرياح؛ فربما وقعت في مرض لا تخرج منه أبدا، وربما فاض الدم من العروق
1 / 27
إذا اختنق العرق عند تضايقه من مكانه؛ فصار الدم علقة، فإذا صارعلقة لم يجر، وكان دمه فاسدا، وربما انكمشت الرياح الحادثة، وهاجت الساكنة؛ فهذا أمر عظيم.
وقد أوصى الله العباد في شأن النفس؛ فقال: (وَلاَ تُلقُوا بِأَيدِيكُم إِلى التَهلُكَة) .
وقال: (وَلاَ تَقتُلُوا أَنفُسَكُم إِنّ الله كَانَ بِكُم رَحيمًا) . ثم قال: (وَمَن يَفعَل ذَلِكَ عُدوانًا وَظُلمًا فَسَوفَ نُصلِيهِ نارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلى الله يَسيرًا) . فانظر أى وعيد هذا! وظلم النفس كظلم العباد.. فهذه أشياء خفية؛ فخفى على العامة عظيم مرجوع ضررها إلى النفس. وإنما تستر له لأنه ستره، فنحن نقيم ستره، لا أن نسبر عنه، فالستر غير التستر عنه. وأيضا خلة أخرى أن الجن والشياطين ينظرون إلى عورات بنى آدم، فيضحكون ويستهزئون. حدثنا بشر ابن خالد البصرى، حدثنا سعيد بن مسلمة بن هشام بن عبد الملك، حدثنا الأعمش، عن زيد العمى، عن أنس بن مالك رضى الله عنه، عن رسول الله ﷺ قال (ستر بين أعين الجن وبين عورات بنى آدم إذا وضع الرجل ثوبه أن يقول: بسم الله) وكذلك في البراز يخاف أن ترميه الجن بداهية.
1 / 28
وقد نهى رسول الله ﷺ عن الاغتسال في البراز حتى يخطوا على أنفسهم دائرة؛ كى يكون ذلك حريما لهم، فلا يصل إليه الجن بداهية. حدثنا قتيبة، عن ابن لهية، عن عقيل عن ابن شهاب، قال: قال رسول الله ﷺ (إذا اغتسل أحدكم في براز من الأرض ولم يجد ما يستتر به، فليخطط على نفسه خطا، وليغتسل وسط الخط) .
أحكام قضاء الحاجة
البول في المغتسل
وأما قوله: (نهى أن يبال في المغتسل) .
فقد بين في حديث آخر: (أن منه يحدث عامة الوسوسة) وذلك أن المغتسل في ذلك الزمان - أعنى المدينة - كان في أرض ذات سباخ، فإذا صب الماء استنقع، وصار ذلك الموضع وحلا، فإذا بال فيه استنقع واختلط بذلك الطين الذي فيه البول. وأما إذا كان مغتسلا مقاما ومشيدا، فجرى فلم يبق هنالك بول، فلن يجد الوسواس سبيلا إلى أن يحدث نفسك بشيء.
1 / 29
البول في الماء الراكد
وأما قوله: (ونهى عن البول في الماء الراكد) .
فهذه غدران المدينة والمواضع التي يستنقع فيها الماء، وهي قليلة، لا عرض ولا طول؛ فإذا بال فيها لم يؤمن أن يجيء جاء فيغترف منه للوضوء.
وقد نهى في حديث آخر (عن أن يبول في الماء الراكد ثم يغتسل فيه أو يتوضأ منه) . ثم قال أبو هريرة رضى الله عنه: وليبل في الماء الجارى أن شاء. حدثنا بذلك الجارود بن معاذ، حدثنا عمر بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن أبى المهزم، عن أبى هريرة، قال: وحدثنا الشقيقى، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت عبد الله بن بريدة يبول في الماء الجارى.
حدثنا الحسن بن مطيع، حدثنا خلف بن أيوب، عن يحيى بن زكريا،
1 / 30
عن يونس، عن الحسن، قال: لا بأس بالبول في الماء الجارى.
قال أبو عبد الله ﵀: وإنما وقع النهى في الماء الراكد إذا كان قليلا ليس له عرض ينبسط ولا طول يمتد؛ فذلك بمنزلة الإناء. وأما إذا انبسط حتى يشبه الجارى في اطراد بعضه على بعض، فهو لاحق بالجارى؛ ألا ترى إلى قول رسول الله ﷺ في البحر وهو راكد: (هو الطهور ماؤه، الحل ميتته)
البول في المشارع
وأما قوله: (نهى أن يبول في المشارع) .
فإن مشارع المدينة راكدة وذلك أن العيون المنتبذة عن المدينة كانت تشرع منها إلى المدينة، فتجرى إلى حوض، وهو المشرعة، فيستقى منه.
فهذا والأواني واحد؛ لأن المشارع - الماء الجارى فيها كالساكن ليس
1 / 31
له انصباب وجرى كالنهر، فذلك البول يدور مع الماء في المشرعة، ولا يكاد يخرج إلا بعد مدة.
فكل مكان لا يكون مجرى الماء فيه قوة وانصباب، فإذا بال فيه فالبول هناك موجود. وإنما رخص في الماء الجارى لجريه وذهابه. وقلما يوجد في المشارع ذلك الجرى السريع الذي يذهب بأثر البول؛ ألا ترى أنهم لم يعنوا بالجرى الضعيف من الأنهار حتى يكون له قوة، فمنهم من قال حتى يدهده بعرة أو جوزة.
قال: حدثنا عمر بن أبى عمر، حدثنا شريح بن النعمان، قال: سمعت أبا يوسف يقول في الماء الجارى القليل: إذا كان بقدر ما إذا رفعت بكفيك منه، فاض من الجانبين، ولم ينقطع أعلاه من أسفله؛ فلا بأس به.
وتأويل حديث رسول الله ﷺ: (إذا كان الماء قلين لم يحمل خبثا) على ذلك تأولوه.
قال: وسمعت أبا يوسف يقول في تأويل الحديث الذي جاء (إذا كان الماء قلين) إذا كان عينه تنبع، وكانت مقدار قلتين، وهو جار وله نبعان، فلا بأس به.
حدثنا الجارود، حدثنا عيسى بن الفضل المروزى، عن عبد الله
1 / 32
ابن المبارك في تأويل هذه الحديث، قال: إذا كان الماء قلين جاريا. حدثنا عمر بن أبى عمر، حدثنا شريح بن النعمان، قال: سمعت أبا يوسف يقول في تأويل هذا الحديث: (إذا كان الماء قلين) إذا كان عينه تنبع، وكانت مقدار قلتين، وهو جار وله نبعان؛ فتوضأ من نبعانه؛ فلا بأس به.
البول والفرج باد للشمس أو القمر
وأما قوله: (نهى أن يبول الرجل وفرجه باد إلى الشمس أو القمر) .
فإن الشمس والقمر خلقان من خلقه، وآيتان من آياته، وكسوتهما من نور العرش فيما روى لنا.
فلا تستقبل بعورتك إياهما إعظاما لهما، وإجلالآ لذلك النور.
وقد قال الله تعالى: (وَجَعَلنا اللَيلَ وَالنَّهارَ آَيَتينِ، فَمَحونا آَيَةَ
1 / 33
اللَيلِ، وَجَعَلنا آَيَةَ النَّهارِ مُبصِرِةً (. حدثنا عمر بن يحيى بن نافع الأيلى، عن أنس بن مالك في قوله تعالى:) فَمَحَونا آَيَةَ اللَيلِ (قال: سواد في القمر.
وأيضا علة أخرى: أن الملائكة الموكلين بسياقتهما معهما؛ فإذا بدا لهما بدا للملائكة.
وروى عن رسول الله ﷺ أنه قال:) أجلوا - أو قال أكرموا - الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا في حالين. الغائط والجنابة (وكان رسول الله ﷺ يستر عورته عن عائشة رضى الله عنها. وقالت عائشة رضى الله عنها:) ما رأيت منه - يعنى عورته - (.
حدثنا الجارود، حدثنا الفضل بن موسى، عن عبد السلام بن حرب، عن الأعمش، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله ﷺ إذا دخل الخلاء لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض.
1 / 34
استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط
وأما قوله: (نهى أن تبول مستقبل القبلة) .
فإن القبلة بيت الله.. بسط الأرض، وجعلها بساطا لعباده ومهادا ومسكنا، واختار موضع البيت لنفسه فلم يملكه أحدًا، وجعله محل الرحمة ومعلمه ومظهره. وهو بحذاء البيت المعمور، وبحذاء العرش؛ فله حرمة عظيمة. وهو بعين الله، وصفوته من الأرض؛ فإذا استقبله بفرجه، فقد أسقط حرمته، واستهان به.
حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمس، حدثنا إبراهيم بن عيينة، عن ابن الصباح، قال: سمعت من أبى نصير، عن مولى لأبى بكر، عن أبى بكر رضى الله عنه، قال: من انحرف عن القبلة من غائط أو بول تعظيما لجلال الله تعالى، لم يستو منحرفا حتى يغفر الله له. قال: ومن مقت نفسه في ذات الله آمنه الله من مقته.
1 / 35
ثم روى عن رسول الله ﷺ: أنه تبول مستقبل القبلة.. حدثنا الجارود بذلك، حدثنا عبيد الله موسى، حدثنا عيسى الخياط، عن نافع، عن ابن عمر، قال: رأيت رسول الله ﷺ في كنفيه مستقبل القبلة.
قال عبيد الله: حدثنا عيسى، عن أبيه، عن أبى هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ، (لاتستقبلوها ولا تستدبروها) . قال عيسى: فذكرت ذلك للشعبى، فقال: صدق أبوهريرة، وصدق ابن عمر. أما قول أبى هريرة، فذاك في الصحراء لا يستقبلها ولا يستدبرها. وأما قول ابن عمر رضى الله عنهم، فذاك كنيف بيت صنع للنتن ليس فيه قبلة؛ استقبل حيث شئت. حدثنا سهل بن العباس، حدثنا عبد الله بن نمير العوفى، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: رأيت رسول الله ﷺ في كنفيه لبنتين مستقبل القبلة يبول.
1 / 36
التبول قائما
وأما قوله: (نهى أن يبول الرجل وهو قائم) .
فهذا على معنيين:
أحدهما: أنه إذا بال قائما لم يؤمن من أن يصيبه من النضح، وقال ﷺ (استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه) وروى أنه مر بقبر، فقال: (أتسمعون ما أسمع؟)، قالوا: لا يا رسول الله؛ فقال: (لولا تمريغ في قلوبكم، وتزبيد في حديثكم لسمعتم ما أسمع، إن صاحب القبر أقعد فضرب فصاح صيحة تسمع من الخافقين، وتطاير كل عضو منه ثم عاد إلى مكانه) . قيل: يا رسول الله، في ماذا؟ قال: (في البول) .
قال: وذكر لنا أنه لما وضع سعد بن معاذ الأنصارى رضى الله عنه، الذى اهتز العرش لوفاته، في قبره تضايق عليه قبره؛ فسبح رسول الله ﷺ، ثم قال: (لقد تضايق على هذا العبد الصالح حفرته، ثم فرج عنه) .
1 / 37
قيل: يا رسول الله، مم ذاك؟ فقال: (كان يقصر في بعض طهوره) وذلك أن القوم كانوا لا يستنجون بالماء، ويكتفون بالأحجار. وكان عهدهم بذلك الأمر كذلك. فلما ظهر الاستنجاء كانوا يفعلون ولا يفعلون.
فشأن البول عظيم؛ وإنما صار عندنا كذلك؛ لأن آدم ﵇ لما أكل من الشجرة، وجد العدو سبيلا إلى جوفه، فاستقر عند المعدة؛ فلذلك ما خرج من أسفل البدن صار حدثا، وكان ذلك الشيء نجسا. وما خرج من أعلى البدن مثل الدموع والنخاعة والمخاط كان طاهرا ولم يكن طهوره حدثا. فما كان في جوف ابن آدم مما يلى مستقره ينجس بنجاسته وكفره.
وإذا بال قائما لم يؤمن من النضح، وكان النبى ﷺ: (يرتاد ويتبوأ لبوله كما يتبوأ لمنزله) .
حدثنا بذلك صالح بن عبد الله، حدثنا حماد بن زيد، عن واصل مولى أبى عيينه، عن يحيى بن عبيد، عن رسول الله ﷺ بذلك.
وكان إذا وجد مكانا أو موضعا يتمكن فيه بال قائما؛ فقد روى
1 / 38
عنه ﷺ، من وجوه كثيره: أنه قد فعل ذلك.
ثم روى عنه: أنه كره ذلك.
ففعله عندنا ذلك في تلك المواضع التى إذا بال فيها قائمًا كان أنزه له، وتركه لذلك في المواضع التى إذا بال فيها قاعدا كان أنزه له. ولا نظن به ﷺ غير ذلك. وروى عنه: أنه مر بسباطة قوم فبال قائما.
فهذا ما قلناه إنه لما أمن من النضج لم يعبأ بالقيام.
وعله أخرى: أن القيام حال غير متمكن، ومادام قائما فإن العروق قائمة بقيام البدن، والقلب منتصب، ومجمع العروق عند القلب، فما دام القلب منتصبًا فالعروق كذلك، فإذا قعد استرخت العروق؛ ألا ترى أنك تجد عن البول استرخاء القلب. وما دام لا يسترخى لا يقدر أن يبول. وإذا أراد أن يمسكه إنما يمسكه بالقلب؛ لأن مجمع العروق هنالك يصرر حتى يستمسك. فإذا قعد على
1 / 39
قدميه كان سبيل البول أوسع، وجريه أسهل؛ لا سترخاء القلب وتخلية التصرير. فهذا غير مدفوع.
الاستنجاء بروث أو عظم
وأما قوله: (نهى أن يستنجى بروث أو بعظم) .
فذلك من أجل أن الجن لما انصدعوا عن رسول الله ﷺ ليلة أسلموا وبايعوا، رجع منهم راجع إليه فسأله الزاد، فرمى إليهم بعظم وروث، فصار العظم لحما والروث طعامًا، وكان ذلك زادهم.
حدثنا عبد الله بن الوضاح النخعى، حدثنا حفص بن غياث، عن داود ابن أبى هند، عن الشعبى، عن علقمة عن عبد الله، قال: قال رسول الله ﷺ: (لا تستنجوا بالعظم ولا بالروث؛ فإنهما زاد إخوانكم من الجن) .
حدثنا صالح بن محمد، حدثنا إبراهيم بن محمد الأسلمى، عن الصالح
1 / 40
مولى التوأمة، عن ابن عباس وابن مسعود رضى الله عنهما، قالا: جعل رسول الله ﷺ زاد الجن العظام والروث، ولا يمرون على شئ منه إلا وجدوه لحما وشعيرا.
حدثنا صالح، حدثنا سعيد بن سالم القداح، عن إسرائيل عن أبى فزارة، عن أبى زيد مولى عمرو بن حريث، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنت مضطجعا عند الكعبة، فمر بى رسول الله ﷺ: فحركنى برجليه، وقال: (الحقنى) فتناولت إدارة رجل إلى جنبى فأخذتها، ثم انطلقت معه، ثم برز، ثم خط على خطًا، فقال: (لا تبرح هذا الخط، فإنك إن خرجت لم ترنى ولم أرك) . ثم انطلق، فبت ليلى قائما على رجلى، فسمعت صوتا لم أسمع مثله، فهممت أن أخرج، ثم ذكرت قول رسول الله ﷺ. فجاء رسول الله ﷺ في وجه الصبح، قلت: يا رسول الله، ما نمت الليلة، ومازلت قائما، قال ﵇: (أما إنك لو جلست لم يضرك)، ثم قال: (هل من طهور؟)، قلت: نعم يا رسول الله، فتناولت الإدارة وأنا أراها ماءً، فإذا هي نبيذ. فقال رسول الله ﷺ: (تمرة طيبة وماء طهور)، ثم توضأ وصلى خلفه رجلا، فلما سلم قال لهما: (ألم اقض لكما ولقومكما حوائجهم؟) قلا: بلى ولكنا أحببنا أن نشهد الصلاة معك، قلت: يا رسول الله، سمعت صوتا لم أسمع بمثله فهممت أن أخرج، ثم ذكرت قولك؛ فقال:) أما إنك لو خرجت لم ترنى ولم أرك، أما الصوت الأول فسألوا الرزق فدعوت الله أن يرزقهم فأمنوا،
1 / 41
وأما الصوت الآخر فسلمت عليهم فردوا السلام (، قلت: يا رسول الله، ما رزقهم؟ قال:) الروث والعظم (قلت: وكيف يأكلون الروث والعظم؟ قال:) أما الروث فيكون أخضر كما كان وأما العظم فينهشون منه (.
حدثنا عمر بن ابن عمرن حدثنا ربيع بن روح الحوطى، حدثنا بقية، حدثنى نمير بن يزيد القينى، حدثنا أبى، حدثنا قحافة بن ربيعة، حدثنى الزبير بن العوام رضى الله عنه، قال: صلى بنا رسول الله ﷺ صلاة العشاء في مسجد المدينة، فلما انصرف قال:) أيكم يتبعنى إلى وفد الجن الليلة؟ (، فسكت القوم، فلم يتكلم أحد منهم، ثم قال لنا ذلك ثانيا، فلم يتكلم من القوم أحد، فمر بى يمشى، فأخذ بيدى، فجعلت أمشى معه، وما أحد مشى معه غيرى، حتى حبس عنا جبلا المدينة، وأفضينا إلى أرض براز، فإذا نحن برجال طوال كأنهم الرماح يستنفرون ثيابهم من بين أرجلهم، كلما رأيتهم غشيتنى رعدة حتى ما تمسكنى رجلاى من الفرق، فلما دنا منهم خط رسول الله ﷺ بإبهام رجله في الأرض دائرة، وقال لى:) اقعد في وسطها (، فلما جلست فيها ذهب عنى كل شئ كنت أجده من ريبة، وتقدم رسول الله ﷺ بينى وبينهم قريبًا، ثم تلا عليهم قرآنا رقيقا حتى سطع الفجر، ثم انصرفوا فمر بى رسول الله ﷺ فقال:) الحق، فرجعنا نمشى غير بعيد، فقال لى: (التفت)، وقد أسفرنا، فقال: (انظر هل ترى من هؤلاء القوم أحدًا حيث كنا؟)، قلت: يا رسول الله، إنى لأرى
1 / 42