الْمُقدمَة
الْعلم بِحَدِيث رَسُول الله ﷺ وَرِوَايَته من أشرف الْعُلُوم وأفضلها وأحقها بالاعتناء لمحصلها لِأَنَّهُ ثَانِي أَدِلَّة عُلُوم الْإِسْلَام ومادة عُلُوم الْأُصُول وَالْأَحْكَام وَلذَلِك لم يزل قدر حفاظه عَظِيما وخطرهم عِنْد عُلَمَاء الْأمة جسيما وَلِهَذَا الْعلم أصُول أَحْكَام واصطلاحات وأقسام وأوضاع يحْتَاج طَالبه إِلَى مَعْرفَتهَا وَتَحْقِيق معنى حَقِيقَتهَا وبقدر مَا يحصل مِنْهَا تعلو دَرَجَته وبقدر مَا يفوتهُ تنحط عَن غَايَته رتبته ومدار هَذِه الْأُمُور على الْمُتُون والأسانيد وَكَيْفِيَّة التَّحَمُّل وَالرِّوَايَة وَأَسْمَاء الرِّجَال وَمَا يتَّصل بِجَمِيعِ ذَلِك على مَا تقدّمت تَرْجَمته وَيَأْتِي بسط الْكَلَام فِيهِ وَلَا بُد من تَقْدِيم معرفَة معنى الْمَتْن والسند والإسناد والْحَدِيث وَالْخَبَر أما الْمَتْن فَهُوَ فِي اصْطِلَاح الْمُحدثين مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ غَايَة السَّنَد من الْكَلَام وَهُوَ مَأْخُوذ أما من المماتنة وَهِي المباعدة فِي الْغَايَة لِأَن الْمَتْن غَايَة السَّنَد أَو من متنت الْكَبْش إِذا شققت جلدَة بيضته واستخرجتها وَكَأن الْمسند استخرج الْمَتْن بِسَنَدِهِ أَو من الْمَتْن وَهُوَ مَا صلب وارتفع من الأَرْض لِأَن الْمسند يقويه بالسند وَيَرْفَعهُ إِلَى قَائِله أَو من تمتين الْقوس بالعصب وَهُوَ شدها بِهِ وإصلاحها
وَأما السَّنَد فَهُوَ الْإِخْبَار عَن طَرِيق الْمَتْن وَهُوَ مَأْخُوذ إِمَّا من السَّنَد
1 / 29
وَهُوَ مَا ارْتَفع وَعلا عَن سفح الْجَبَل لِأَن الْمسند يرفعهُ إِلَى قَائِله أَو من قَوْلهم فلَان سَنَد أَي مُعْتَمد فَسُمي الْإِخْبَار عَن طَرِيق الْمَتْن سندا لاعتماد الْحفاظ فِي صِحَة الحَدِيث وَضَعفه عَلَيْهِ
وَأما الْإِسْنَاد فَهُوَ رفع الحَدِيث إِلَى قَائِله والمحدثون يستعملون السَّنَد والإسناد لشَيْء وَاحِد
وَأما الحَدِيث فأصله ضد الْقَدِيم وَقد اسْتعْمل فِي قَلِيل الْخَبَر وَكَثِيره لِأَنَّهُ يحدث شَيْئا فَشَيْئًا وَجمع حَدِيث أَحَادِيث على غير قِيَاس قَالَ الْفراء وَاحِد الْأَحَادِيث أحدوثه ثمَّ جعل جمعا للْحَدِيث
وَأما الْخَبَر فَهُوَ قسم من أَقسَام الْكَلَام كالأمر وَالنَّهْي وَهُوَ قَول مَخْصُوص للصيغة الدَّالَّة وللمعنى الْقَائِم بِالنَّفسِ وَاخْتلف فِي تحديده فَمَنعه قوم وَقَالُوا هُوَ ضَرُورِيّ وَحده آخَرُونَ فَقَالَ بَعضهم هُوَ مَا يدْخلهُ الصدْق وَالْكذب وَهَذَا الْحَد مَنْقُوص بِخَبَر الله تَعَالَى فَإِن الْكَذِب لَا يدْخلهُ وبالخبر عَن الْمحَال فَإِن الصدْق لَا يدْخلهُ وَلِأَن الصدْق هُوَ مُوَافقَة الْخَبَر فَلَا يَصح تَعْرِيف الْخَبَر بِالصّدقِ المتوقف عَلَيْهِ لِأَنَّهُ دور وَقيل هُوَ مَا يدْخلهُ التَّصْدِيق أَو التَّكْذِيب وَفِيه الدّور الْمُتَقَدّم وَقيل هُوَ كَلَام يُفِيد بِنَفسِهِ نِسْبَة شَيْء إِلَى شَيْء
1 / 30
فِي الْخَارِج وَهُوَ أقرب مَا قيل وأئمة الحَدِيث يطلقون الْخَبَر على الْمَتْن وَإِن كَانَ أمرا أَو نهيا
فروع
الأول الْخَبَر أما صدق أَو كذب وَلَا ثَالِث لَهما على الْمُخْتَار لِأَن الْخَبَر إِن طابق الْمخبر فَهُوَ صدق وَإِن لم يُطَابق فَهُوَ كذب سَوَاء اعتقده الْمخبر أم لَا وَقيل إِن اعتقده الْمخبر فَهُوَ صدق وَإِن لم يَعْتَقِدهُ فكذب طابق فيهمَا أَو لم يُطَابق
الثَّانِي الْخَبَر قد يعلم صدقه قطعا كَخَبَر الله تَعَالَى وَخبر رَسُوله ﷺ وَقد يعلم كذبه قطعا كالخبر الْمُخَالف لخَبر الله تَعَالَى وَقد يظنّ صدقه كَخَبَر الْعدْل وَقد يظنّ كذبه كَخَبَر الْفَاسِق وَقد يشك فِيهِ كَخَبَر الْمَجْهُول
الثَّالِث الْخَبَر يَنْقَسِم إِلَى متواتر وآحاد فالمتواتر هُوَ خبر جمَاعَة يُفِيد بِنَفسِهِ الْعلم بصدقه لِاسْتِحَالَة توافقهم على الْكَذِب كالمخبرين عَن وجود مَكَّة وغزوة بدر وشروط الْمُتَوَاتر ثَلَاثَة تعدد المخبرين تعددا يَسْتَحِيل مَعَه التواطؤ على الْكَذِب واستنادهم إِلَى الْحسن واستواء الطَّرفَيْنِ وَالْوسط إِلَى أَصله وَشرط قوم فِيهِ شُرُوطًا أخر كلهَا ضَعِيفَة
وَالصَّحِيح أَنه لَا يشْتَرط فِي الْمُتَوَاتر سوى الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة والمتواتر فِي أَحَادِيث النَّبِي ﷺ الْمُدَوَّنَة فِي الْكتب قَلِيل جدا كَحَدِيث من كذب عَليّ
1 / 31
مُتَعَمدا وَسَيَأْتِي وَلذَلِك لَا يَسْتَعْمِلهُ المحدثون فِي عباراتهم إِلَّا نَادرا
وَأما أَخْبَار الْآحَاد فخبر الْوَاحِد كل مَا لم ينْتَه إِلَى التَّوَاتُر وَقيل هُوَ مَا يُفِيد الظَّن ثمَّ هُوَ قِسْمَانِ مستفيض وَغَيره فالمستفيض مَا زَاد نقلته على ثَلَاثَة وَقيل غير ذَلِك وَغير المستفيض هُوَ خبر الْوَاحِد أَو الِاثْنَيْنِ أَو الثَّلَاثَة على الْخلاف فِيهِ وَأكْثر الْأَحَادِيث الْمُدَوَّنَة والمسموعة من هَذَا الْقسم والتعبد بهَا جَائِز عِنْد جُمْهُور عُلَمَاء الْمُسلمين وَالْعَمَل بهَا وَاجِب عِنْد أَكْثَرهم ورد بعض الْحَنَفِيَّة خبر الْوَاحِد فيمَ تعم بِهِ الْبلوى كَالْوضُوءِ من مس الذّكر وإفراد الْإِقَامَة ورد بَعضهم خبر الْوَاحِد فِي الْحُدُود وَرجح بعض الْمَالِكِيَّة الْقيَاس على خبر الْوَاحِد الْمعَارض للْقِيَاس وَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّة الحَدِيث أَو جمهورهم أَن خبر الْوَاحِد الْعدْل الْمُتَّصِل فِي جَمِيع ذَلِك مَقْبُول وراجح على الْقيَاس الْمعَارض لَهُ وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد بن حَنْبَل وَغَيرهمَا من أَئِمَّة الحَدِيث وَالْفِقْه وَالْأُصُول رضى الله عَنْهُم وَالله أعلم
1 / 32
الطّرف الأول فِي الْكَلَام على الْمَتْن وَالنَّظَر فِي أقسامه وأنواعه
أما أقسامه فَثَلَاثَة الصَّحِيح وَالْحسن والضعيف
الْقسم الأول الصَّحِيح
أعلم أَن الحَدِيث الصَّحِيح هُوَ مَا اتَّصل سَنَده بِرِوَايَة الْعدْل الضَّابِط عَن مثله وَسلم عَن شذوذ وَعلة وَسَيَأْتِي تَفْصِيل ذَلِك فَكل حَدِيث جمع هَذِه الشُّرُوط فمتفق عَلَيْهِ وكل مَا اخْتلف فِيهِ فإمَّا لانْتِفَاء بَعْضهَا يَقِينا أَو شكا أَو لعدم اشْتِرَاطه عِنْد مخرجه وَلذَلِك خرج البُخَارِيّ عَن عِكْرِمَة وَعَمْرو بن مَرْزُوق وَغَيرهمَا دون مُسلم وَخرج مُسلم عَن حَمَّاد بن سَلمَة وَأبي الزبير مُحَمَّد بن مُسلم دون البُخَارِيّ وَسَببه اخْتِلَافهمَا فِي وجود الشُّرُوط الْمُعْتَبرَة فِيهِ فَقَوْلهم حَدِيث صَحِيح لما هُوَ كَمَا ذكرنَا لَا أَنه مَقْطُوع بنفيه بَاطِنا وَقَوْلهمْ غير صَحِيح لما لَيْسَ كَذَلِك لَا أَنه مَقْطُوع بنفيه بَاطِنا قَالَ الشَّافِعِي رضى الله عَنهُ إِذا روى الثِّقَة عَن الثِّقَة حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى رَسُول الله ﷺ فَهُوَ ثَابت وَقَالَ الْخطابِيّ الصَّحِيح مَا اتَّصل سَنَده وَعدلت أَهْلِيَّة ذَلِك والتمكن من مَعْرفَته احْتمل استقلاله
1 / 33
السَّادِس مَا حذف سَنَده أَو بعضه فيهمَا وَهُوَ كثير فِي تراجم البُخَارِيّ قَلِيل جدا فِي صَحِيح مُسلم كَقَوْلِه فِي التَّيَمُّم روى اللَّيْث بن سعد قَالَ ابْن الصّلاح مَا كَانَ مِنْهُ بِصِيغَة الْجَزْم مثل قَالَ فلَان وَفعل وَأمر وروى وَذكر فَهُوَ حكم بِصِحَّتِهِ عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ وَمَا لَيْسَ بِصِيغَة الْجَزْم مثل يروي عَن فلَان وَيذكر ويحكي وَيُقَال عَنهُ أَو روى وَذكر وَحكى فَلَيْسَ يحكم بِصِحَّتِهِ عَنهُ وَلَكِن إِيرَاده فِي كتاب الصَّحِيح مشْعر بِصِحَّة أَصله
السَّابِع لَا يحْتَج بِحَدِيث من نُسْخَة كتاب لم يُقَابل بِأَصْل صَحِيح موثوق بِهِ بِمُقَابلَة من يوثق بِهِ وَقَالَ ابْن الصّلاح بأصول صَحِيحَة مُتعَدِّدَة ومروية بروايات متنوعة قلت وَهَذَا مِنْهُ يَنْبَغِي أَن يحمل على الِاسْتِحْبَاب لَا على الِاشْتِرَاط لتعسر ذَلِك غَالِبا أَو تعذره وَلِأَن الأَصْل الصَّحِيح تحصل ب الثِّقَة
الثَّامِن لَيْسَ الْمَقْصُود بالسند فِي عصرنا إِثْبَات الحَدِيث الْمَرْوِيّ وتصحيحه إِذْ لَيْسَ يَخْلُو فِيهِ سَنَد عَمَّن لَا يضْبط حفظه أَو كِتَابه ضبطا لَا يعْتَمد عَلَيْهِ فِيهِ بل الْمَقْصُود بَقَاء سلسلة الْإِسْنَاد الْمَخْصُوص بِهَذِهِ الْأمة فِيمَا نعلم وَقد كفانا السّلف مؤونة ذَلِك فاتصال أصل صَحِيح بِسَنَد صَحِيح إِلَى مُصَنفه كَاف وَإِن فقد الإتقان فِي كلهم أَو بَعضهم
1 / 34
التَّاسِع ذكر الْحَاكِم النَّيْسَابُورِي فِي مدخله أَن جملَة من خرج لَهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه دون مُسلم أَربع مئة وَأَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ شَيخا وَجُمْلَة من خرج لَهُ مُسلم فِي صَحِيحه دون البُخَارِيّ سِتّ مئة وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ شَيخا
الْعَاشِر ذكر مُسلم فِي أول صَحِيحه أَنه يقسم الحَدِيث ثَلَاثَة أَقسَام وَاخْتلف الْحفاظ فِيهِ فَقَالَ الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ لم يذكر غير الأول واخترمته الْمنية قبل الثَّانِي وَقَالَ القَاضِي عِيَاض بل ذكر الثَّلَاثَة فِي كِتَابه فقسم الحَدِيث على ثَلَاث طَبَقَات من الروَاة فَالْأول حَدِيث الْحفاظ فَيبْدَأ بِهِ ثمَّ يَأْتِي بِالثَّانِي بطرِيق الاستشهاد والاتباع حَتَّى يَسْتَوْفِي الثَّلَاثَة وَكَذَلِكَ الْعِلَل الَّتِي وعد بإتيانه بهَا أَتَى بهَا فِي موَاضعهَا من الْكتاب من إرْسَال وَنقص وَزِيَادَة وتصحيف قلت وَلَو قيل أَتَى بالقسمين الْأَوَّلين دون الثَّالِث
الْقسم الثَّانِي الحَدِيث الْحسن ذكر التِّرْمِذِيّ أَنه يُرِيد بالْحسنِ أَن لَا يكون فِي إِسْنَاده مُتَّهم وَلَا يكون شاذا ويروى من غير وَجه نَحوه وَقَالَ الْخطابِيّ هُوَ مَا عرف مخرجه واشتهر رِجَاله قَالَ وَعَلِيهِ مدَار أَكثر الحَدِيث فالمدلس إِذا لم يبين والمنقطع وَنَحْوه مِمَّا لم نَعْرِف مخرجه وَقَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين هُوَ الَّذِي فِيهِ ضعف قريب
1 / 35
مُحْتَمل وَيصْلح الْعَمَل بِهِ وَقَالَ ابْن الصّلاح هُوَ قِسْمَانِ وَأطَال فِي تعريفهما مِمَّا حَاصله أَن أَحدهمَا مَا لم يخل رجال إِسْنَاده عَن مَسْتُور غير مُغفل فِي رِوَايَته وروى مثله أَو نَحوه من وَجه آخر وَالثَّانِي مَا اشْتهر رَاوِيه بِالصّدقِ وَالْأَمَانَة وَقصر عَن دَرَجَة رجال الصَّحِيح حفظا وإتقانا بِحَيْثُ لَا يعد مَا انْفَرد بِهِ مُنْكرا قَالَ وَلَا بُد فِي الْقسمَيْنِ من سلامتهما من الشذوذ وَالتَّعْلِيل قلت وَفِي كل هَذِه التعريفات نظر أما الأول وَالثَّانِي فَلِأَن الصَّحِيح أَو أَكْثَره كَذَلِك أَيْضا فَيدْخل الصَّحِيح فِي حد الْحسن وَيرد على الأول الْفَرد من الْحسن فَإِنَّهُ لم يرو من وَجه آخر وَيرد على الثَّانِي ضَعِيف عرف محرجه واشتهر رِجَاله بالضعف وَأما الثَّالِث فَيتَوَقَّف على معرفَة الضعْف الْقَرِيب الْمُحْتَمل وَهُوَ أَمر مَجْهُول وَأَيْضًا فِيهِ دور لِأَنَّهُ عرفه بصلاحيته للْعَمَل بِهِ وَذَلِكَ يتَوَقَّف على معرفَة كَونه حسنا وَأما الأول من الْقسمَيْنِ فَيرد عَلَيْهِ الضَّعِيف والمنقطع والمرسل الَّذِي فِي رِجَاله مَسْتُور وَرُوِيَ مثله أَو نَحوه من وَجه آخر وَيرد على الثَّانِي وَهُوَ أقربها الْمُتَّصِل الَّذِي اشْتهر رَاوِيه بِمَا ذكر فَإِنَّهُ كَذَلِك وَلَيْسَ بِحسن فِي الِاصْطِلَاح قلت وَلَو قيل الْحسن كل حَدِيث خَال من الْعِلَل وَفِي سَنَده الْمُتَّصِل مَسْتُور لَهُ بِهِ شَاهد أَو مَشْهُور قَاصِر عَن دَرَجَة الإتقان لَكَانَ أجمع لما حددوه وقريبا مِمَّا حاولوه وأخصر مِنْهُ مَا اتَّصل سَنَده وانتفت علله فِي سَنَده مَسْتُور وَله شَاهد أَو مَشْهُور غير متقن
فروع
الأول الْحسن حجَّة كَالصَّحِيحِ وَإِن كَانَ دونه وَلذَلِك أدرجه بعض أهل الحَدِيث فِيهِ وَلم يفردوه عَنهُ وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْحَاكِم فِي تَصَرُّفَاته وتسميته
1 / 36
جَامع التِّرْمِذِيّ بالجامع الصَّحِيح وَأطلق الْخَطِيب اسْم الصَّحِيح على كتابي التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَقَالَ الْحَافِظ السلَفِي بعد مَا ذكر الْكتب الْخَمْسَة اتّفق على صِحَّتهَا عُلَمَاء الشرق والغرب وَلَعَلَّ مُرَاده مُعظم مَا سوى الصَّحِيحَيْنِ لِأَن فِيهِ مَا قد صَرَّحُوا بِأَنَّهُ ضَعِيف أَو مُنكر وَصرح أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ بانقسام كِتَابَيْهِمَا إِلَى صَحِيح وَحسن وَضَعِيف
الثَّانِي قَوْلهم حسن الْإِسْنَاد أَو صَحِيح الْإِسْنَاد دون قَوْلهم حَدِيث صَحِيح أَو حسن إِذْ قد يَصح إِسْنَاده أَو يحسن دون مَتنه لشذوذ أَو عِلّة فَإِن قَالَه حَافظ مُعْتَمد وَلم يقْدَح فِيهِ فَالظَّاهِر مِنْهُ حكمه بِصِحَّة الْمَتْن أَو حسنه وَأما تَسْمِيَة الْبَغَوِيّ فِي المصابيح السّنَن بالحسان فتساهل لِأَن فِيهَا الصِّحَاح والحسان والضعاف وَقَول التِّرْمِذِيّ وَغَيره حَدِيث حسن صَحِيح أَي رُوِيَ بِإِسْنَادَيْنِ أَحدهمَا يَقْتَضِي الصِّحَّة وَالْآخر يَقْتَضِي الْحسن أَو المُرَاد الْحسن اللّغَوِيّ وَهُوَ مَا تميل إِلَيْهِ النَّفس وتستحسنه
الثَّالِث حَدِيث الْمُتَأَخر عَن دَرَجَة الإتقان وَالْحِفْظ الْمَشْهُور بِالصّدقِ والستر إِذا رُوِيَ من وَجه آخر يرقى من الْحسن إِلَى الصَّحِيح لقُوته من الْجِهَتَيْنِ فينجبر أَحدهمَا بِالْآخرِ قَالَه ابْن الصّلاح وَفِيه نظر لِأَن حد الصِّحَّة الْمُتَقَدّم لَا يَشْمَلهُ فَكيف يُسمى صَحِيحا قَالَ وَلَا ينجبر الضَّعِيف بمجيئه من وُجُوه ضَعِيفَة فَيصير حسنا لِأَن وَهن الأول كَانَ لضعف إتقان رِوَايَة الصدوق فمجيئه من وَجه آخر دَال على عدم اختلال حفظه فقوي قَالَ وَكَذَلِكَ الْمُرْسل إِذا أسْند أَو أرسل من وَجه آخر كَمَا سَيَأْتِي وَأما الضَّعِيف لكذب رَاوِيه
1 / 37
وفسقه فَلَا ينجبر بِتَعَدُّد طرقه
الرَّابِع جَامع التِّرْمِذِيّ أصل فِي معرفَة الْحسن وَهُوَ الَّذِي شهره وَقد يُوجد فِي كَلَام بعض طبقَة مشايخه كأحمد بن حَنْبَل وَالْبُخَارِيّ وَقد تخْتَلف نسخ التِّرْمِذِيّ فِي قَوْله حسن وَحسن صَحِيح فَيَنْبَغِي الاعتناء بتصحيح ذَلِك على أصُول مُعْتَمدَة وَمن مظان الْحسن سنَن الدَّارَقُطْنِيّ فَإِنَّهُ نَص على كثير مِنْهُ وَسنَن أبي دَاوُد إِذا أطلق الحَدِيث وَلم يبين غَيره من الْأَئِمَّة صِحَّته وَلَا ضعفه فَإِنَّهُ قَالَ ذكرت فِيهِ الصَّحِيح وَمَا يُشبههُ ويقاربه قَالَ وَمَا كَانَ فِيهِ وَهن شَدِيد فقد بَينته وَمَا لم أذكر فِيهِ شَيْئا فَهُوَ صَالح وَبَعضهَا أصح من بعض
الْخَامِس كتب المسانيد كمسند الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَعبد بن حميد وَأبي يعلي الْموصِلِي وَالْبَزَّار لَا تلتحق فِي الأجتماع والركون إِلَيْهَا بالكتب الْخَمْسَة وَمَا جرى مجْراهَا من الْكتب المبوبة كسنن ابْن مَاجَه لِأَن المسانيد يجمع فِيهَا مَا رَوَاهُ مصنفوها عَن الصَّحَابِيّ صَحِيحا أَو كَانَ ضَعِيفا بِخِلَاف الْكتب المبوبة فَإِن قصدهم بهَا الِاحْتِجَاج
الْقسم الثَّالِث فِي معرفَة الحَدِيث الضَّعِيف
وَهُوَ كل حَدِيث لم تَجْتَمِع فِيهِ شُرُوط الصَّحِيح وَلَا شُرُوط الْحسن الْمُقدم ذكرهَا وتتفاوت درجاته فِي الضعْف بِحَسب بعده من شُرُوط الصِّحَّة كَمَا تَتَفَاوَت دَرَجَات الصَّحِيح بِحَسب تمكنه مِنْهَا وقسمه أَبُو حَاتِم بن حبَان إِلَى قريب من خمسين قسما وَكلهَا دَاخله فِي الضَّابِط الَّذِي ذَكرْنَاهُ وسبيل الْبسط فِي
1 / 38
أقسامه أَن يَجْعَل مَا عدمت فِيهِ صفة مُعينَة قسما وَمَا عدمت فِيهِ هِيَ وَأُخْرَى قسما ثَانِيًا وَمَا عدمتا فِيهِ وثالثة قسما ثَالِثا ثمَّ كَذَلِك إِلَى آخرهَا ثمَّ تعين صفة من الصِّفَات الَّتِي قرنها مَعَ الأولى فَيجْعَل مَا عدمت فِيهِ وَحدهَا قسما وَمَا عدمت فِيهِ هِيَ وأخري بِعَينهَا غير الأولى قسما ثمَّ كَذَلِك على مَا تقدم مِثَاله الْمُنْقَطع فَقَط قسم الْمُنْقَطع الشاذ قسم ثَان الْمُنْقَطع الشاذ الْمُرْسل قسم ثَالِث الْمُنْقَطع الشاذ الْمُرْسل المضطرب قسم رَابِع ثمَّ كَذَلِك إِلَى آخر الصِّفَات ثمَّ نعود فَنَقُول الشاذ فَقَط قسم خَامِس مثلا الشاذ الْمُرْسل قسم سادس الشاذ الْمُرْسل المضطرب قسم سَابِع ثمَّ نقُول الْمُرْسل فَقَط قسم ثامن الْمُرْسل المضطرب قسم تَاسِع الْمُرْسل المضطرب المعضل قسم عَاشر وَكَذَلِكَ أبدا إِلَى آخرهَا
وَمن أَنْوَاع الضَّعِيف مَا لَهُ لقب خَاص كالمنقطع والمعضل والشاذ والمعلل والمضطرب والمرسل والمقطوع والموضوع وَهُوَ شَرها وَسَيَأْتِي تفصيلها إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَأما النّظر فِي أَنْوَاع الْمَتْن فَهِيَ ثَلَاثُونَ نوعا ونبدأ ب
النَّوْع الأول الْمسند قَالَ الْخَطِيب هُوَ مَا اتَّصل سَنَده من رَاوِيه إِلَى منتهاه وَأكْثر مَا يسْتَعْمل فِيمَا جَاءَ عَن النَّبِي ﷺ دون غَيره وَقَالَ الْحَاكِم هُوَ مَا اتَّصل سَنَده مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي ﷺ وَقَالَ ابْن عبد الْبر هُوَ مَا رفع إِلَى النَّبِي ﷺ مُتَّصِلا كَانَ أَو مُنْقَطِعًا فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقْوَال وعَلى قَول كل مِنْهَا فَالْمُسْنَدُ يَنْقَسِم إِلَى صَحِيح وَحسن وَضَعِيف
1 / 39
النَّوْع الثَّانِي الْمُتَّصِل وَيُسمى الْمَوْصُول وَهُوَ مَا اتَّصل سَنَده بِسَمَاع كل راو لَهُ مِمَّن فَوْقه إِلَى منتهاه وَمن يرى الرِّوَايَة بِالْإِجَازَةِ يزِيد أَو إجَازَة سَوَاء أَكَانَ مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي ﷺ أم مَوْقُوفا على غَيره وَيدخل أَيْضا فِي الْأَقْسَام الثَّلَاثَة
النَّوْع الثَّالِث الْمَرْفُوع وَهُوَ مَا أضيف إِلَى النَّبِي ﷺ خَاصَّة من قَول أَو فعل أَو تَقْرِير سَوَاء أَكَانَ مُتَّصِلا أَو مُنْقَطِعًا وَقَالَ الْخَطِيب هُوَ مَا أخبر بِهِ الصَّحَابِيّ خَاصَّة عَن قَول النَّبِي ﷺ أَو فعله فخصه بالصحابي وَيدخل فِي الْأَقْسَام الثَّلَاثَة
النَّوْع الرَّابِع الْمَوْقُوف وَهُوَ عِنْد الْإِطْلَاق مَا رُوِيَ عَن الصَّحَابِيّ من قَوْله أَو فعله أَو نَحْو ذَلِك مُتَّصِلا كَانَ أَو مُنْقَطِعًا كالمرفوع وَقد يسْتَعْمل فِي غير الصَّحَابِيّ مُقَيّدا مثل وَقفه معمر على همام وَوَقفه مَالك على نَافِع وَبَعض الْفُقَهَاء يُسَمِّي الْمَوْقُوف بالأثر وَالْمَرْفُوع بالْخبر وَأما أهل الحَدِيث فيطلقون الْأَثر عَلَيْهِمَا
فروع
الأول قَول الصَّحَابِيّ كُنَّا نَفْعل كَذَا أَن أَضَافَهُ إِلَى زمن النَّبِي ﷺ فَالصَّحِيح أَنه مَرْفُوع وَبِه قطع الْحَاكِم وَالْجُمْهُور وَقَالَ الإِمَام أَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ مَوْقُوف وَهُوَ بعيد لِأَن الظَّاهِر أَنه اطلع عَلَيْهِ وَقَررهُ وَكَذَا قَول
1 / 40
الصَّحَابِيّ كُنَّا لَا نرى بَأْسا بِكَذَا وَرَسُول الله ﷺ فِينَا وَنَحْو ذَلِك وَإِن لم يضفه إِلَى زمن النَّبِي ﷺ فَهُوَ مَوْقُوف وَقَول الْحَاكِم والخطيب فِي حَدِيث الْمُغيرَة كَانَ أَصْحَاب النَّبِي ﷺ يقرعون بَابه بالأظافير إِنَّه مَوْقُوف لَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ مَرْفُوع فِي الْمَعْنى وَلَعَلَّ مرادهما أَنه لَيْسَ مَرْفُوعا لفظا
الثَّانِي قَول الصَّحَابِيّ أمرنَا بِكَذَا أَو نهينَا عَن كَذَا أَو أَمر بِلَال بِكَذَا أَو من السّنة كَذَا مَرْفُوع عِنْد أهل الحَدِيث وَأكْثر أهل الْعلم لظُهُور أَن النَّبِي ﷺ هُوَ الْآمِر وَأَنَّهَا سنته وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَقوم لَيْسَ بمرفوع وَالْأول الصَّحِيح سَوَاء أقَال الصَّحَابِيّ ذَلِك فِي حَيَاة النَّبِي ﷺ أم بعده
الثَّالِث إِذا قيل عَن الصَّحَابِيّ يرفعهُ أَو رَاوِيه أَو ينميه أَو يبلغ بِهِ فَهُوَ كِنَايَة عَن رَفعه وَحكمه حكم الْمَرْفُوع صَرِيحًا كَحَدِيث الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة رِوَايَة تقاتلون قوما صغَار الْأَعْين وكحديثه عَن أبي هُرَيْرَة يبلغ بِهِ النَّاس تبع لقريش وَإِن قيل عَن التَّابِعِيّ يرفعهُ وَنَحْوه فَهُوَ مَرْفُوع وَلكنه مُرْسل
الرَّابِع تَفْسِير الصَّحَابِيّ مَوْقُوف وَمن قَالَ مَرْفُوع فَهُوَ فِي تَفْسِير يتَعَلَّق بِسَبَب نزُول آيَة كَقَوْل جَابر كَانَت الْيَهُود تَقول كَذَا فَأنْزل الله
1 / 41
كَذَا وَنَحْو ذَلِك لَا فِي غَيره من تفسيرهم
الْخَامِس الْمَوْقُوف وَإِن اتَّصل سَنَده لَيْسَ بِحجَّة عِنْد الشَّافِعِي ﵁ وَطَائِفَة من الْعلمَاء وَهُوَ حجَّة عِنْد طَائِفَة
النَّوْع الْخَامِس الْمَقْطُوع
وَهُوَ مَا جَاءَ عَن التَّابِعين من أَقْوَالهم وأفعالهم مَوْقُوفا عَلَيْهِم وَاسْتَعْملهُ الشَّافِعِي وَأَبُو الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ فِي الْمُنْقَطع وَسَيَأْتِي بَيَانه وَكِلَاهُمَا ضَعِيف لَيْسَ بِحجَّة
النَّوْع السَّادِس الْمُرْسل
هُوَ قَول التَّابِعِيّ الْكَبِير قَالَ رَسُول الله ﷺ كَذَا أَو فعل كَذَا فَهَذَا مُرْسل بِاتِّفَاق وَأما قَول من دون التَّابِعِيّ قَالَ رَسُول الله ﷺ فقد قَالَ أهل الْفِقْه وَالْأُصُول يُسمى مُرْسلا سَوَاء أَكَانَ مُنْقَطِعًا أم معضلا وَبِهَذَا قطع الْخَطِيب ثمَّ قَالَ إِلَّا أَن أَكثر مَا يُوصف بِالْإِرْسَال رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن
1 / 42
النَّبِي ﷺ وَقَالَ الْحَاكِم وَغَيره من أهل الحَدِيث لَا يُسمى مُرْسلا وخصوا الْمُرْسل التَّابِعِيّ
فروع
الأول لَو قَالَ التَّابِعِيّ الصَّغِير كالزهري وَأبي حَازِم وَيحيى بن سعيد قَالَ رَسُول الله ﷺ وَقُلْنَا بقول الْحَاكِم فَالْمَشْهُور أَنه مُرْسل كالتابعي الْكَبِير وَحكى ابْن عبد الْبر أَن قوما يسمونه مُنْقَطِعًا لَا مُرْسلا لِأَن أَكثر روايتهم عَن التَّابِعين
الثَّانِي حكم الْمُرْسل حكم الضَّعِيف إِلَّا أَن يَصح مخرجه بمجيئه من وَجه آخر إِمَّا مُسْندًا أَو مُرْسلا عَن غير رجال الأول فَيكون حجَّة محتجا بِهِ وَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة يحْتَج بالمرسل مُطلقًا ورده قوم مُطلقًا وَالْأول أصح وَعَلِيهِ جَمَاهِير الْعلمَاء والمحدثين وَلذَلِك احْتج الشَّافِعِي بمراسيل سعيد بن الْمسيب لما وجدت مسانيد من وُجُوه آخر وَلَا يخْتَص ذَلِك عِنْده بمرسل سعيد كَمَا يتوهمه بعض الْفُقَهَاء من أَصْحَابنَا فَإِن قيل فَيكون الْعَمَل بالمسند فالمرسل قُلْنَا فَيكون الْعَمَل بالمسند فالمرسل قُلْنَا بالمسند تتبين صِحَة الْمُرْسل وَيكون فِي الحكم حديثان صَحِيحَانِ بِحَيْثُ لَو عارضهما من طَرِيق وَاحِدَة رجحا عَلَيْهِ وعملنا بهما وَأما قَوْله فِي مُخْتَصر الْمُزنِيّ وإرسال سعيد بن الْمسيب عندنَا حسن فَفِي مَعْنَاهُ قَولَانِ لأَصْحَابه أَحدهمَا أَن مراسليه حجَّة لِأَنَّهَا فتشت فَوجدت
1 / 43
مُسْنده وَالثَّانِي أَنه يرجح بهَا لكَونه من أكبر عُلَمَاء التَّابِعين لَا أَنه يحْتَج بهَا وَالتَّرْجِيح بالمرسل صَحِيح قَالَ الْخَطِيب الصَّحِيح من الْقَوْلَيْنِ عندنَا الثَّانِي لآن فِي مَرَاسِيل سعيد مَا لم يُوجد مُسْندًا بِحَال من وَجه يَصح وَقد جعل الشَّافِعِي لمراسيل كبار التَّابِعين مزية كَمَا اسْتحْسنَ مُرْسل سعيد ثمَّ الْمَنْقُول عَن الشَّافِعِي على مَا نَقله الْبَيْهَقِيّ وَغَيره أَن الْمُرْسل إِن أسْندهُ حَافظ غير مرسله أَو أرْسلهُ عَن غير شُيُوخ الأول فِيهِ أَو عضده قَول صَحَابِيّ أَو فَتْوَى أَكثر الْعلمَاء أَو عرف أَنه لَا يُرْسل إِلَّا عَن عدل قبل قَالَ الْبَيْهَقِيّ فالشافعي يقبل مَرَاسِيل كبار التَّابِعين إِذا أنضم إِلَيْهَا مَا يؤكدها وَلَا يقبلهَا إِذا لم يَنْضَم إِلَيْهَا مَا يؤكدها سَوَاء أَكَانَ مُرْسل ابْن الْمسيب أَو غَيره قَالَ وَقد ذكرنَا مَرَاسِيل لِابْنِ الْمسيب لم يقل بهَا الشَّافِعِي حِين لم يَنْضَم إِلَيْهَا مَا يؤكدها ومراسيل لغيره قَالَ بهَا حِين انْضَمَّ إِلَيْهَا مَا يؤكدها قَالَ وَزِيَادَة ابْن الْمسيب على غَيره فِي هَذَا لِأَنَّهُ أصح التَّابِعين إرْسَالًا فِيمَا زعم الْحفاظ وَأما قَول الْقفال الْمروزِي فِي شرح التَّلْخِيص قَالَ الشَّافِعِي فِي الرَّهْن الصَّغِير مُرْسل ابْن الْمسيب عندنَا حجَّة فَمَحْمُول على مَا قَالَه الْبَيْهَقِيّ
الثَّالِث إِذا روى ثِقَة حَدِيثا مُرْسلا وَرَوَاهُ ثِقَة غَيره مُتَّصِلا كَحَدِيث لَا نِكَاح إِلَّا بولِي رَوَاهُ إِسْرَائِيل وَجَمَاعَة عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي بردة مُوسَى عَن النَّبِي ﷺ وَرَوَاهُ الثَّوْريّ وَشعْبَة عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي بردة عَن
1 / 44
النَّبِي ﷺ فقد حكى الْخَطِيب عَن أَكْثَرهم أَن الحكم للمرسل وَعَن بَعضهم أَن الحكم للْأَكْثَر وَعَن بَعضهم للأحفظ فَإِن كَانَ هُوَ الْمُرْسل لم يقْدَح ذَلِك فِي عَدَالَة الْوَاصِل وَقَالَ الزِّيَادَة من الثِّقَة مَقْبُولَة هَذَا مَعَ أَن الْمُرْسل شُعْبَة وسُفْيَان ودرجتهما من الْحِفْظ الإتقان مَعْلُومَة فَهَذِهِ خَمْسَة أَقْوَال الصَّحِيح مِنْهَا مَا صَححهُ الْخَطِيب
فرع لَو أرسل ثِقَة حَدِيثا تَارَة وأسنده أُخْرَى أَو رفْعَة ثِقَات وَوَقفه ثِقَات أَو وَصله ثِقَات وقطعه ثِقَات فَالْحكم فِي الْجَمِيع لزِيَادَة الثِّقَة من الْإِسْنَاد وَالرَّفْع والوصل وَالله أعلم
الرَّابِع مُرْسل الصَّحَابِيّ كالمتصل فِي الحكم وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْحسن بن عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن الزبير وَأنس وَنَحْوهم مِمَّا لم يره أَو يسمعهُ عَن النَّبِي ﷺ لِأَن الظَّاهِر أَن روايتهم ذَلِك عَن الصَّحَابَة وَكلهمْ عدُول وَحكى الْخَطِيب عَن بعض الْعلمَاء أَن مُرْسل الصَّحَابِيّ كمرسل غَيره إِلَّا أَن يَقُول لَا أروي إِلَّا مَا سمعته من رَسُول الله ﷺ أَو عَن صَحَابِيّ لِأَنَّهُ قد يروي عَن غير صَحَابِيّ وَبِهَذَا قَالَ
1 / 45
الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الإِسْفِرَايِينِيّ الْمُتَكَلّم وَالْأول أصح لِأَن رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن غير صَحَابِيّ نَادِر وَإِذا روى ذَلِك بَينه
النَّوْع السَّابِع الْمُنْقَطع
وَهُوَ مَا لم يتَّصل إِسْنَاده على أَي وَجه كَانَ وَبِه قَالَ طوائف من الْفُقَهَاء والمحدثين مِنْهُم الْخَطِيب وَابْن عبد الْبر إِلَّا أَن أَكثر مَا يُوصف بالانقطاع رِوَايَة من دون التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ مثل مَالك عَن ابْن عمر وَقَالَ الْحَاكِم وَغَيره الْمُنْقَطع مَا أُحِيل فِيهِ قبل الْوُصُول إِلَى التَّابِعِيّ رجل سَوَاء أَكَانَ محذوفا كالشافعي عَن الزُّهْرِيّ أم مَذْكُورا مُبْهما كمالك عَن رجل عَن الزُّهْرِيّ وَحكى الْخَطِيب عَن بعض الْعلمَاء أَن الْمُنْقَطع هُوَ الْمَوْقُوف على التَّابِعِيّ أَو من دونه قولا أَو فعلا وَهُوَ غَرِيب فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقْوَال وَهُوَ ضَعِيف على الْجَمِيع
فرع قد يخفى الِانْقِطَاع فَلَا يُدْرِكهُ إِلَّا أهل الْمعرفَة التَّامَّة كَحَدِيث الْعَوام بن حَوْشَب عَن عبد الله بن أبي أوفى كَانَ النَّبِي ﷺ إِذا قَالَ بِلَال قد قَامَت الصَّلَاة نَهَضَ وَكبر قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل الْعَوام لم يدْرك ابْن أبي أوفى وَمثل هَذَا كثير وَلَا سِيمَا فِي الْآحَاد وَقد يعرف الِانْقِطَاع بمجيئه من وَجه آخر بِزِيَادَة رجل أَو أَكثر وَهَذَا الْفَرْع مَعَ مَا يَأْتِي فِي نوع الْمَزِيد فِي الْأَسَانِيد
1 / 46
يعرض بِكُل وَاحِد مِنْهَا على الآخر
النَّوْع الثَّامِن المعضل
وَهُوَ مَا سقط من سَنَده اثْنَان فَصَاعِدا كَقَوْل مَالك قَالَ رَسُول الله ﷺ وكقول الشَّافِعِي قَالَ ابْن عمر كَذَا وَيُسمى مُنْقَطِعًا عِنْد بَعضهم ومرسلا عِنْد بعض كَمَا تقدم وَعَن الْحَافِظ أبي نصر السجْزِي أَن قَول الرَّاوِي بَلغنِي يُسمى معضلا كَقَوْل مَالك بَلغنِي عَن أبي هُرَيْرَة والمعضل من قسم الضَّعِيف
فرع إِذا وقف تَابع التَّابِعِيّ على التَّابِعِيّ حَدِيثا هُوَ مَرْفُوع مُتَّصِل عِنْد ذَلِك التَّابِعِيّ فقد جعله الْحَاكِم نوعا من المعضل وَفِيه نظر إِلَّا أَن يكون نَحْو قَول الْأَعْمَش عَن الشّعبِيّ يُقَال للرجل يَوْم الْقِيَامَة عملت كَذَا وَكَذَا الحَدِيث فقد رَوَاهُ الشّعبِيّ عَن أنس لِأَن التَّابِع أسقط اسْمِي الصَّحَابِيّ وَالرَّسُول ﷺ
//
1 / 47
النَّوْع التَّاسِع المعنعن
وَهُوَ الَّذِي يُقَال فِي سَنَده فلَان عَن فلَان قَالَ بعض الْعلمَاء هُوَ مُرْسل وَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِير الْعلمَاء والمحدثين وَالْفُقَهَاء والأصوليين أَنه مُتَّصِل إِذا أمكن لقاؤهما مَعَ براءتهما من التَّدْلِيس وَقد أودعهُ البُخَارِيّ وَمُسلم صَحِيحهمَا وَكَذَلِكَ غَيرهمَا من مشترطي الصَّحِيح الَّذين لَا يَقُولُونَ بالمرسل وَادّعى أَبُو عَمْرو الداني إِجْمَاع أهل النَّقْل عَلَيْهِ وَكَاد ابْن عبد الْبر أَن يَدعِي إِجْمَاع أهل الحَدِيث عَلَيْهِ وَشرط أَبُو بكر الصَّيْرَفِي وَغَيره ثُبُوت اللِّقَاء وَقيل أَن عَلَيْهِ أَئِمَّة الحَدِيث ابْن الْمَدِينِيّ وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهمَا وَشرط أَبُو المظفر السَّمْعَانِيّ طول الصُّحْبَة وَأَبُو عَمْرو الداني أَن يكون مَعْرُوفا بالرواية عَنهُ وَقَالَ أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ إِذا أدْركهُ إدراكا بَينا وَأنكر مُسلم على من أشْتَرط ثُبُوت اللِّقَاء فِي العنعنة وَأَنه قَول مخترع وَأَن الْمُتَّفق عَلَيْهِ إِمْكَان لقائهما لِكَوْنِهِمَا فِي عصر وَاحِد وَإِن لم يَأْتِ فِي خبر قطّ أَنَّهُمَا اجْتمعَا ورد قوم هَذَا القَوْل على مُسلم قَالَ ابْن الصّلاح وَكثر فِي عصرنا وَمَا قاربه اسْتِعْمَال عَن فِي الْإِجَازَة
فرعان
الأول إِذا قَالَ الرَّاوِي إِن فلَانا قَالَ كَذَا مثل مَالك عَن الزُّهْرِيّ أَن سعيد بن الْمسيب قَالَ كَذَا أَو مَالك عَن نَافِع قَالَ ابْن عمر كَذَا أَو حدث أَو ذكر وَنَحْو ذَلِك فقد قَالَ أَحْمد وَيَعْقُوب بن شيبَة وَأَبُو بكر البرديجي إِن مطلقه مَحْمُول على الِانْقِطَاع وَلَا يلْحق ب عَن وَقَالَ مَالك عَن وَأَن سَوَاء وَحَكَاهُ ابْن عبد الْبر عَن جُمْهُور أهل الْعلم وَأَنه لَا اعْتِبَار بالحروف والألفاظ بل باللقاء والمجالسة وَالسَّمَاع والمشاهدة فَإِذا صَحَّ سَماع بَعضهم من بعض حمل على الِاتِّصَال بِأَيّ لفظ ورد حَتَّى يبين الِانْقِطَاع قَالَ الصَّيْرَفِي كل من علم لَهُ سَماع
1 / 48