فإذا علم ذلك العبد وتيقنه أقبل على حمد الله في أحواله كلها في سرائه وضرائه، وفي شدته ورخائه، ثم هو في حال شدته لا ينسى فضل الله عليه وعطاءه ونعمته.
جاء رجل إلى يونس بن عبيد - رحمه الله - يشكو ضيق حاله، فقال له يونس: "أيسرك ببصرك هذا مائة ألف درهم؟ قال الرجل: لا، قال: فبيديك مائة ألف؟ قال: لا، قال: فبرجليك مائة ألف؟ قال: لا. قال: فذكره نعم الله عليه، فقال يونس: أرى عندك مئين الألوف وأنت تشكو الحاجة".
وجاء عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه قال: "إن رجلا بسط له من الدنيا فانتزع ما في يديه، فجعل يحمد الله ويثني عليه حتى لم يكن له فراش إلا بارية، قال: فجعل يحمد الله ويثني عليه، وبسط لآخر من الدنيا فقال لصاحب البارية: أرأيتك أنت على ما تحمد الله؟ قال: أحمده على ما لو أعطيت به ما أعطي الخلق لم أعطهم إياه. قال: وما ذاك؟ قال: أرأيتك بصرك، أرأيتك لسانك، أرأيتك يديك، أرأيتك رجليك".
وثبت في فضل الحمد ما رواه الترمذي وابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أفضل الذكر: لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء: الحمد لله"، فجعل - صلوات الله وسلامه عليه - حمد الله أفضل الدعاء، مع أن الحمد إنما هو ثناء على المحمود مع حبه، ولهذا سئل ابن عيينة - رحمه الله - عن هذا الحديث فقيل له: كأن الحمد لله دعاء؟ فقال: "أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت لعبد الله ابن جدعان يرجو نائلة:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني
حباؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوما
كفاه من تعرضه الثناء
كريم لا يغيره صباح
عن الخلق الجميل ولا مساء
فهذا مخلوق اكتفى من مخلوق بالثناء عليه، فكيف بالخالق سبحانه".
ويؤيد هذا المعنى قول الله - تعالى -: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} ، فجعل الحمد دعاء.
Page 271