ويا ظالم نفسه، أنا ما خاصمتك أو كالمتك أو ذكرتك، أو بيني وبينك مخاصمة أو منازعة أو معاملة في شيء، فما بالك تكره فعل الخير يسّرني الله الكريم له؟ (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد)، بل أنت لسوء نظرك لنفسك تنادي على نفسك، وتشهد الشهود بكراهة هذه النصيحة التي هي مصرَّحة بأنك أنت الذي تكلمت في هذه البساتين، وأن الطلاق وقع عليك، وما أبعد أن تكون شبيهًا بمن قال الله فيهم: (ولتعرفَنَّهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم) .
ويا عدوَّ نفسه أتراني أكره معاداة في سلك طريقتك هذه؟ بل والله أحبها وأوثرها وأفعلها بحمد الله تعالى، فإن الحب في الله والبغض فيه، وأجب عليّ وعليك وعلى جميع المكلفين.
ولست أدري أي غرض لك في حرصك على الإنكار على الساعين في إعظام حرمات الدين، ونصيحة السلطان والمسلمين؟ فيا ظالم نفسه، انتهي عن هذا، وارجع عن طريقة المباهتين المعاندين.
وأعجب من هذا، تكرير الإرسال إليّ بزعمك الفاسد كالمتوعد، إن لم ينكفّ أخذت من دار الحديث. فيا ظالم نفسه، وجاهل الخير وتاركه، أأطّلعت على قلبي أني متهافت عليها؟ أو علمت أني منحصر فيها أو تحققت أني معتمد عليها، مستند إليها؟ أو عرفت أني أعتقد انحصار رزقي فيها؟ وما علمت لو أنصفت كيف كان ابتدأ أمرها؟ أو ما كنت حاضرًا مشاهدا أخذي لها؟ ولو فرض تهافتي عليها: أكنت أوثرها على مصلحة عامة للمسلمين مشتملة على نصيحة الله وكتابه ورسوله ﷺ، والسلطان وعامة المسلمين، هذا لم أفعله ولا أفعله إن شاء الله تعالى وكيف تتوهم أني أترك نصيحة الله ورسوله وسلطان المسلمين وعامتهم، مخافة من خيالاتك؟ إن هذه لغباوة منك عظيمة.
ويا عجبًا منك! كيف تقول هذا؟ أأنت رب العالمين بيدك خزائن السماوات والأرضين، وعليك رزقي ورزق الخلائق أجمعين؟ أم أنت سلطان الوقت تحكم في الرعية بما تريد؟ فلو كنت عاقلًا ما تهجمت على التفوّه بهذا الذي لا ينبغي أن يقوله إلاَّ ربُّ العالمين أو سلطان الوقت، مع أن سلطان الوقت منزّه عن قولك الباطل، مرتفع المحل عن فعل ما ذكرت يا ظالم، فإن كنت تقول هذا استقلالًا منك فقد أفتتَّ عله واجترأت على أمر عظيم، ونسبته إلى الظلم عدوانًا، وإن كنت تقول عنه فقد كذبت عليه، فإنه " بحمد الله " حسن الاعتقاد في الشرع، وذلك من نعم الله تعالى عليه، والسلطان " بحمد الله وفضله " أكثر اعتقادًا في الشرع من غيره ويعظم حرماته، وليس هو ممن يقابل ناصحه بهذيانات الجاهلين وترّهات المخالفين، بل يقبل نصائحهم كما أمر الله تعالى.
واعلم أيها الظالم نفسه، إني والله الذي لا إله إلا هو، لا أترك شيئًا أقدر عليه من السعي من مناصحة الدين والسلطان والمسلمين في هذه القضية، وإن رغمت أنوف الكارهين، وإن كره ذلك أعداد المسلمين، وفرق حزب المخذّلين، وسترى مما أتكلم به إن شاء الله تعالى عند هذا السلطان، وفّقه الله تعالى لطاعته، وتولاه ببركاته، في هذه القضية، غيرة على الشرع، وإعظامًا لحرمات الله تعالى وإقامة للدين، ونصيحة للسلطان وعامة المسلمين.
ويا ظالم نفسه، واجلب بخيلك ورجلك إن قدرت، واستعن بأهل المشرقين وما بين الخافقين، فإني بحمد الله في كفاية تامة، وأرجو من فضل الله تعالى أنك لا تقوى لمنابذة أقل الناس مرتبة، وأنا بحمد الله تعالى ممن يود القتل في طاعة الله تعالى. أتقوى يا ضعيف الحيل لمنابذتي؟ أبلغك يا هذا أني لا أؤمن بالقتل؟ أو بلغك أني أعتقد أن الآجال تنقص، وأن الأرزاق، تتغيّر؟ أما تفكر في نفسك في قبيح ما أتيته من الفعال، وسوء ما نطقت به من المقال؟ أيا ظالم نفسه، من طلب رضا الله تعالى، تردّه خيالاتك وتمويهاتك وأباطيلك وترهاتك؟ وبعد كل هذا أرجو من فضل الله أن يوفّق السلطان " أدام الله نعمه عليه " لإطلاق هذه البساتين، وأن يفعل فيها ما تقرُّ به أعين المؤمنين، وترغم به أنف المخالفين، فإن الله تعالى قال: (والعاقبة للمتقين) .
1 / 38