وأما أنا في نفسي، فلا يضرني التهديد ولا أكثر منه، ولا يمنعني ذلك من نصيحة السلطان، فإني أعتقد أن هذا واجب عليّ وعلى غيري، وما ترتب على الواجب فهو خير وزيادة عند الله تعالى: (إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار)، (وأفوّض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد)، وقد أمرنا رسول الله ﷺ أن نقول الحق حيثما كنا، وأن لا نخاف في الله لومة لائم.
ونحن نحب للسلطان معالي الأمور وأكمل الأحوال، وما ينفعه في آخرته ودنياه، ويكون سببًا لدوام الخيرات له، ويبقى ذكره له على ممر الأيام، ويُخلّد في سُننه الحنيفية، ويجد نفعه (يوم تجد كلُّ نفس ما عملتْ من خير محضَرًا) .
وأما ما ذُكر في تمهيد السلطان البلاد، وإدامته الجهاد، وفتح الحصون وقهر الأعداء، فهو بحمد الله من الأمور الشائعة، التي اشترك في العلم بها الخاصة والعامة، وسارت في أقطار الأرض ولله الحمد، وثواب ذلك مدّخر للسلطان إلى (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير مُحْضرًا) . ولا حجة لنا عند الله إذا تركنا النصيحة الواجبة علينا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ومما اكتتبه لما احتيط على أملاك دمشق حرسها الله تعالى، بعد إنكاره مواجهةً للظاهر، وعدم إفادته وقبوله: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين.
قال الله تعالى: (وذكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) وقال تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لَتُبَيِّننَّه للناس ولا تكتمونه)، وقال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) .
وقد أوجب الله على المكلفين نصيحة السلطان أعز الله أنصاره، ونصيحة عامة المسلمين، ففي الحديث الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه قال: " الدين النصيحة لله وكتابه وأئمة المسلمين وعامتهم ".
ونصيحة السلطان " وفقه الله لطاعته "، وتولاه بكرامته " أن تُنهَى إليه الأحكام إذا جرت على خلاف قواعد الإسلام، وأوجب الله تعالى الشفقة على الرعية، والاهتمام بالضعفاء وإزالة الضرر عنهم، قال الله تعالى: (واخفض جناحك للمؤمنين)، وفي الحديث الصحيح قال رسول الله ﷺ: " إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم ". وقال ﷺ: " من كشف عن مسلم كربة من كرب الدنيا، كشف الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما كان الله في عون أخيه "، وقال ﷺ: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته "، وقال ﷺ: " إن المقسطين على منابر من نور ن يمين الرحمن، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا ".
وقد أنعم الله تعالى علينا وعلى سائر المسلمين بالسلطان أعز الله أنصاره، فقد أقامه لنصرة الدين والذب عن المسلمين، وأذل له الأعداء من جميع الطوائف، وفتح عليه الفتوحات المشهورة في المدة اليسيرة، وأوقع الرعب منه في قلوب أعداء الدين، وسائر الماردين، ومهد له البلاد والعباد، وقمع بسببه أهل الزيغ والفساد، وأمده بالإعانة واللطف والسعادة، فله الحمد على هذه النعم المتظاهرة، والخيرات المتكاثرة، ونسأل الله الكريم دوامها له وللمسلمين، وزيادتها في خير وعافية، آمين.
وقد أوجب الله شكر نعمته، ووعد الزيادة للشاكرين، فقال تعالى: (لئن شكرتم لأزيدنكم)، وقد لحق المسلمين بسبب هذه الحوطة على أملاكهم، أنواع من الضرر لا يمكن التعبير عنها، وطُلب منهم إثبات لا يلزمهم، فهذه الحوطة لا تحل عند أحد من علماء المسلمين، بل في يده شيء فهو ملكه، لا يحل الاعتراض عليه، ولا يكلّف بإثباته.
وقد اشتهر من سيرة السلطان أنه يحب العمل بالشرع ويوصي نوابه به، فهو أولى من عمل به.
والمسؤول: إطلاق الناس من هذه الحوطة، والإفراج عن جميعهم. فأطلقْهم طلقك الله من كل مكروه فهم ضعفاء، وفيهم الأيتام والأرامل والمساكين، والضعفاء والصالحون، وبهم تنصر وتغاث وترزق، وهم سكان الشام المبارك، جيران الأنبياء صلاة الله وسلامه عليهم، وسكان ديارهم، فلهم حرمات من جهات.
1 / 32