وهذا الكتاب الذي أرسله العلماء إلى الأمير، أمانة ونصيحة للسلطان " أعزّ الله أنصاره والمسلمين كلّهم في الدنيا والآخرة " فيجب عليكم إيصاله للسلطان، أعزّ الله أنصاره، وأنتم مسؤولون عن هذه الأمانة، ولا عذر لكم في التأخر عنها ولا حجة لكم في التقصير فيها عند الله تعالى، تُسألون عنها: (يوم لا ينفع مال ولا بنون)، (يوم يفرّ المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم شأن يومئذ يغنيه)، وأنتم بحمد الله تحبون الخير وتحرصون عليه، وتسارعون إليه، وهذا من أهم الخيرات وأفضل الطاعات، وقد أهَّلتم له وساقه الله إليكم، وهو فضل من الله.
ونحن خائفون أن يزداد الأمر شدة، إن لم يحصل النظر في الرفق بهم، قال الله تعالى: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)، وقال تعالى: (وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم) .
والجماعة الكاتبون منتظرون ثمرة هذا، فما فعلتموه وجدتموه عند الله، (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فلما وصلت الورقتان إليه أوقف عليهما السلطان، فلما وقف عليهما ردّ جوابهما ردًّا عنيفًا، مؤلمًا، فتنكدت خواطر الجماعة الكاتبين وغيرهم.
فكتب ﵀ جوابًا لجوابه صورته: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.
من عبد الله يحيى النووي، يُنهي أن خَدَمَة الشرع الشريف كانوا كتبوا ما بلغ السلطان أعز الله أنصاره، فجاء الجواب بالإنكار والتوبيخ والتهديد، وفهمنا منه أن الجهاد ذكر في الجواب على خلاف حكم الشرع، وقد أوجب الله إيضاح الأحكام عند الحاجة إليها، فقال تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لِتُبَيِّنُنَّه للناس ولا تكتمونه)، فوجب علينا حينئذ بيانه، وحرم علينا السكوت، قال الله تعالى: (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم) .
وذُكر في الجواب: أن الجهاد ليس مختصًا بالأجناد، وهذا أمر لم نَدَّعه، ولكن الجهاد فرض كفاية، فإذا قرر السلطان له أجنادًا مخصوصين، ولهم أخباز معلومة من بيت المال " كما هو الواقع " تفرّغ باقي الرعية لمصالحهم ومصالح السلطان والأجناد وغيرهم، من الزراعة والصنائع وغيرها، الذي يحتاج الناس كلهم إليها، فجهاد الأجناد مقابل بالأخباز المقررة لهم، ولا يحل أن يؤخذ من الرعية شيء ما دام في بيت المال شيء من نقد أو متاع، أو أرض أو ضياع تباع، أو غير ذلك.
وهؤلاء علماء المسلمين في بلاد السلطان أعز الله أنصاره، متفقون على هذا، وبيت الله بحمد الله معمور، زاده اله عمارة وسعة وخيرًا وبركة، في حياة السلطان المقرونة بكمال السعادة له، والتوفيق والتسديد، والظهور على أعداء الدين، وما النصر إلا من عند الله، وإنما يستعان في الجهاد وغيره بالافتقار إلى الله تعالى، واتباع آثار النبي ﷺ، وملازمة أحكام الشرع.
وجميع ما كتبناه أولًا وثانيًا وهو النصيحة التي نعتقدها، وندين الله بها، ونسأله الدوام عليها حتى نلقاه، والسلطان يعلم أنها نصيحة له وللرعية، وليس فيه ما يلام عليه، ولم نكتب هذا للسلطان إلا لعلمنا بأنه يحب الشرع ومتابعة أخلاق رسول الله ﷺ، في الرفق بالرعية والشفقة عليهم، وإكرامه لآثار النبي ﷺ.
وكل ناصح للسلطان موافق على هذا الذي كتبنا.
وأما ما ذُكر في الجواب من كوننا لم ننكر على الكفار كيف كانوا في البلاد، فكيف يقاس ملوك الإسلام وأهل الإيمان والقرآن بطغاة الكفار؟ وبأيّ شيءٍ كنا نذكّر طغاة الكفار وهم لا يعتقدون شيئًا من ديننا.؟ وأما تهديد الرعية بسبب نصيحتنا، وتهديد طائفة، فليس هو المرجو من عدل السلطان وحلمه، وأي حيلة لضعفاء المسلمين الناصحين نصيحة للسلطان ولهم، ولا علم لهم به، وكيف يؤاخذون به لو كان فيه ما يلام عليه؟
1 / 31