ومحط النزاع فيمن تاب وقد أخذ مالا أو سفك دما أو أحدهما، وقد عرفت ما ذكرنا، والذي يظهر من مجموع الأقوال أن حقوق الآدميين ساقطة مع وقوع حدود المحاربة فيمن أخذ قبل التوبة، وحدود المحاربة ساقطة مع ثبوت حقوق الآدميين فيمن تاب قبل أن يقدر عليه والله أعلم .
نعم دل مفهوم الآية والخبر: أنه لا حكم لتوبة المحارب بعد أن يقدر عليه ولا يعد شيئا، وهو أصح قولي الشافعي، وهو قول الجمهور من السلف فمن بعدهم، وقوله الآخر: أنها تفيد كالتي قبل القدرة فتسقط عنه العقوبات التي تخصه منها الصلب، وما قيل: إن سبيل عفو المجني عليه والإمام عن المحاربين، أو الإسقاط لمصلحة أو تأخير أجزية عقوباتهم قبل الظفر بهم أو بعد سبيل التوبة قبل أن يقدر عليه، يأبى كل ذلك ظاهر الآية والخبر، وذلك لأن المحاربة وهي إخافة السبيل، سواء حصل معها أخذ المال أو القتل أو معا أو لا، لا يختص بذوق مرارتها مباشرة سببها المجني عليهم فقط، إذ قد حصل لغيرهم من المسلمين ذوق مرارتها، فصار الحق في حكم هذا السبب الذي هو قطع المرور في الطريق وإخافة السبيل بالتعرض للمار عام للمجني عليهم ولغيرهم، فلا يسقط بإسقاط المجني عليه أو الإمام، ولا بعفو كل منهما، وهو قول الجمهور، وصرح به الشافعي في أحد قوليه.
ويجب على الإمام قبول توبة من وصله تائبا قبل القدرة عليه، وهذا وما تقدم مبني على أن معنى القدرة عليهم التمكن بالقدرة عن أثرها، وبذلك يندفع لزوم مزية الكافر على المسلم، حيث تقبل التوبة بعد الظفر من الكافر لا من المسلم، وبذلك يظهر صحة قول الشافعي والله أعلم .
Page 178