Méthode dans la pensée arabe contemporaine : du chaos de la fondation à l'ordre méthodologique
المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي
Genres
66
اللسانية وأصولها النظرية، ومحاولة سحب بطاقة السفر معها، والدخول بها إلى حقل البيان العربي وفق محددات الرؤية المنهجية التي حددها.
ويؤسس لهذه القوة الإبستيمولوجية من التراث، وينتزع أدواتها منه، حين اعتبر الإجماع في التشريع الإسلامي قوة منهجية ناهضة بالعمل الإبستيمولوجي. يقول: «الإجماع إذن أصل من أصول «التشريع» في النحو واللغة، وفي الغالب يتم العمل بهذا الأصل بدون تأسيس ولا تبرير وكأنه من بديهيات العقل (...) ولم تكن هذه السلطة التي مارسها «الإجماع» على عقول النحاة واللغويين إلا مظهرا من مظاهر السلطة الإبستيمولوجية التي كانت - وما تزال - لهذا «الأصل» في الحقل المعرفي البياني، والتي تجد مركزها في أصول الفقه (...) والواقع أن علماء أصول الفقه قد منحوا «الإجماع» من القوة الإبستيمولوجية؛ قوة التأسيس على الصعيد النظري، ما لم يمنحوه لأي «أصل» آخر، بل لقد أسسوا عليه جميع الأصول».
67
فظلت هذه المنهجية هي الموجه الأساس لعمليته النقدية التي انطلقت من الخطوات الثلاث في كتابه «نحن والتراث»: التحليل التاريخي، المعالجة البنيوية، ثم الطرح الأيديولوجي.
ومع كل التأكيدات الصارمة التي أعلنها الجابري في التسلح بالنقد الإبستيمولوجي باعتباره سلطة مرجعية في منهجية التحليل، فإنه لا يفوته أن يلمح إلى إحساسه بالإحراج من نتائج هذا التحليل، إزاء المذاهب والطوائف التي انتقد بنية التفكير عندها في التراث المعرفي وما زالت مستمرة؛ ولذلك عمد إلى ما أسماه بالتخفيف من النقد، حيث حرص على تجنب الحساسية الطائفية فخفف من النقد إلى أدنى درجة ممكنة بالنسبة للمذاهب الفكرية التي ما زالت موجودة في الساحة، وربما تنافسه على مستوى التحليل أو تخالفه.
وهذا التخفيف ذكاء منهجي من الجابري ليتجنب الدخول في الصراع المباشر، والمعارك الهامشية التي تنسيه الموضوع الأساس والحيوي «نقد العقل العربي والتأسيس لمشروع الحداثة»، ويضع بينه وبين «خصومه» مسافة من الاحترام والتقدير، المستند إلى فقه الاختلاف، لكن الاختيار يبقى هو هو: الصرامة النقدية، والوفاء لمنظومته التحليلية.
وهذا دأب دأب عليه الجابري في كل مراحل مشروعه، فكان يلجأ إلى إجراء تعديلات منهجية واختيار منظورات في التحليل تستجيب لطبيعة كل موضوع ولاحتياجاته. هكذا نجده في تحليل العقل السياسي العربي يستعير آليات جديدة، ومفاهيم أخرى أكثر قدرة على التفكيك والتوليف والتوليد، فاعتمد خرائط معرفية تتوزعها كل الاتجاهات على اختلاف منطلقاتها وأيديولوجياتها؛ ويبرر الجابري هذا الاستمداد المنهجي من الفكر الغربي بمبرر بناء الذات وتطوير وعينا المعاصر. يقول: «عندما ندرس التراث أو الفكر الغربي (...) فإنما نفعل ذلك لكي نبني ذاتنا ونطور وعينا، لكي نكون لأنفسنا نظرة عن العالم، لكي نفهم.»
68
وهو مضطر - كما تقول الباحثة اللبنانية نايلة أبي نادر - إلى أن يستعير أدوات بحثه، حتى يتسنى له الحفر والتفكيك بالشروط التي حددها. لكن المشكلة المطروحة لا تقف عند حد الاستعارة؛ وإنما المشكلة حول كيفية اختيار هذه الأدوات وفي توظيفها
Page inconnue