[35] فأما لم صار البصر يدرك المتحرك من البعد المتفاوت إذا لم يطل النظر إليه ساكنا فإن ذلك لأن المبصر إذا كان على بعد متفاوت مسرف التفاوت فإنه يقطع في زمان محسوس مسافة غير محسوسة بالقياس إلى ذلك البعد على أي صفة كانت حركته، مستقيمة كانت حركته أو مستديرة، أعني أنه قد يقطع في زمان محسوس مسافة لا يدركها البصر من ذلك البعد. والبصر إنما يدرك المبصر ساكنا إذا أدركه في زمان محسوس على وضع واحد بالقياس إلى البصر أو إلى جسم من الأجسام. وإذا كان المبصر يتحرك ويقطع في زمان محسوس مسافة غير محسوسة من البعد المتفاوت، فإن البصر إذا نظر إلى المبصر الذي بهذه الصفة من ذلك البعد المتفاوت ولم يثبت في مقابلته إلا زمانا يسيرا فإن المبصر في ذلك القدر من الزمان قد يقطع مسافة غير محسوسة بالقياس إلى ذلك البعد. وإذا كان المبصر يقطع في ذلك القدر من الزمان مسافة غير محسوسة بالقياس إلى ذلك البعد، كان البصر يدرك ذلك المبصر من ذلك البعد في ذلك القدر من الزمان على وضع واحد بالقياس إلى البصر نفسه ويظن أنه لم يتغير وضعه، وإذا أدرك البصر المبصر على وضع واحد زمانا محسوسا فهو يدركه ساكنا، فلهذه العلة صار البصر يدرك المبصر المتحرك من البعد المتفاوت ساكنا إذا لم يطل النظر إليه.
[36] وقد يعرض الغلط في السكون أيضا على وجه آخر. وذلك إذا أدرك البصر مبصرا من المبصرات من بعد متفاوت وكان ذلك المبصر متحركا حركة على الاستقامة في سمت المسافة الممتدة بين البصروذلك المبصر الموازية لخطوط الشعاع الممتدة إلى ذلك المبصر، ولم تكن حركة في غاية السرعة، فإن البصر إذا أدرك المبصر الذي على هذه الصفة فإنه يدركه في الحال ساكنا ولا يحس بحركته إن كانت حركته في جهة التباعد أو إن كانت في جهة التقارب. وذلك لأن البصر إنما يدرك الحركة المستقيمة إذا أدرك المتحرك يسامت جسما من الأجسام وأدركه يسامت من ذلك الجسم جزءا بعد جزء، أو يدركه يسامت أجساما مختلفة جسما بعد جسم، أو يدرك المسافة التي يقطعها المتحرك في حال إحساسه بالحركة. لأنه إذا أدرك المسافة التي يقطعها المتحرك فقد أدرك المتحرك مسامتا للجزء من الجسم المسامت لأول المسافة ثم أدركه مسامتا للجزء من ذلك الجسم المسامت لآخر تلك المسافة. فعلى هذه الوجوه يدرك الحركة.
Page 433