[9] وما لم ليس يدرك البصر المبصر إلا إذا كان كثيفا أو كان فيه بعض الكثافة فإن ذلك لعلتين: إحديهما أن الكثيف متلون واللون تكون منه الصورة التي ترد إلى البصر التي منها يدرك البصر لون المبصر، والمشف الذي في غاية الشفيف ليس له لون، فليس تكون منه صورة تنتهي إلى البصر، فلذلك لا يدركه البصر. والعلة الثانية أن البصر ليس يدرك المبصر إلا إذا كان مضيئا وورد من الضوء الذي فيه صورة ثانية إلى البصر مع صورة اللون. والضوء الذي يشرق على جسم من الأجسام ليس تكون منه صورة ثانية إلا إذا ثبت الضوء في ذلك الجسم ومانعه الجسم من النفوذ فيه كان منه صورة ثانية. والجسم المشف إذا أشرق عليه الضوء وكان في غاية الشفيف فليس يثبت الضوء فيه ولا في موضع منه وإنما يمتد في شفيفه فقط. فإذا كان الجسم المشف مقابلا للبصر، وأشرق عليه الضوء من الجهة التي فيها البصر، فهو يمتد فيه ولا يثبت في سطحه ولا في شي ء منه، فلا يكون في السطح المواجه للبصر من ذلك الجسم ضوء تكون منه صورة ترجع إلى البصر. وكذلك إن أشرق الضوء على الجسم المشف الذي في غاية الشفيف من أي جهة أشرق عليه نفذ فيه، فلا يكون في سطحه ولا في موضع منه ضوء ثابت تكون منه صورة ثانية ترد إلى البصر. وإن كان المضي ء الذي يشرق ضوه على الجسم المشف مقابلا للبصر نفذ ضوؤه في الجسم المشف وانتهى إلى البصر ولم يحمل معه شيئا من لون الجسم المشف، لأن الجسم المشف الذي في غاية الشفيف ليس له لون، فيدرك البصر من هذا الوضع الجسم المضي ء الذي أشرق ضوؤه على الجسم المشف من وراء الجسم المشف، ولا يدرك الجسم المشف. فإذا كان الجسم المشف في غاية الشفيف لم تثبت الصورة عليه ولم تكن منه صورة تمتد في الهواء وتصل إلى البصر لا صورة ضوء ولا صورة لون. فلذلك ليس يدرك البصر المبصر الذي يكون في غاية الشفيف. وإن كان شفيف الجسم المشف شبيها بشفيف الهواء فإن حاله تكون كحال الهواء فلا يدركه البصر كما ليس يدرك الهواء. فالأجسام المشفة التي شفيفها ليس بأغلظ من شفيف الهواء ليس يدركها البصر لأنه ليس يرد منها إلى البصر صورة تؤثر في البصر. وكذلك إن توسط بين البصر والمبصر المشف جسم مشف غير الهواء وكان شفيف المبصر ليس بأغلظ من شفيف الجسم المتوسط.
Page 194