[16] فأما الأجفان فإنا جعلت وقاية للعين تحرسها من الأذى وتكنها عند النوم وتوقيها من المؤذيات ولتريح العين عند انطباقها عليها من آلام الأضواء ومن مباشرة الهواء، لأن الأضواء تؤذيها وتقرعها، فلو استمر عليها قرع الأضواء دائما ولم تسترح لفسدت. وقد يظهر ذلك عند إطالة النظر إلى الأضواء المضيئة. ويتبين من ذلك أن استمرار مباشرة البصر للأضواء يضر بالبصر. وقد يستضر البصر أيضا بالهواء في بعض الأوقات إذا كان فيه غبار أو دخان أو برد شديد، فجعلت الأجفان لتستر العين عن الأضواء عند حاجتها إلى ذلك ولتوقيها من الهواء وتدفع عنها كثيرا من المؤذيات، ثم إذا احتاجت إلى الراحة انطبقت الأجفان عليها واستمر ذلك زمانا إلى أن يزول كلالها وتتكامل راحتها وذلك يكون عند النوم. وجعلت الأجفان متحركة لتنفتح في وقت الحاجة إلى الإبصار وتنطبق عند الحاجة إلى الانطباق، وجعلت سريعة الحركة ليسرع الانطباق عند قرب المؤذيات من العين.
[17] فأما الأهداب فإنما كانت لتذب عن البصر ما يمر به من القذى والمؤذيات الخفية، ولتكسر عن البصر أيضا بعض الأضواء إذا استضر بشدة الضوء، ولذلك يجمع الناظر عينه ويصرها وينظر من ضيق إذا استضر بالضوء الشديد.
[18] فهذه المعاني التي ذكرناها هي منافع آلات البصر، وهي لطائف تتبين منها حكمة الصانع تعالى ورأفته وبديع صنعته وحسن تأتي الطبيعة ولطيف آثارها.
الفصل الثامن في علل المعاني التي لا يتم الإبصار إلا بها وباجتماعها
Page 189