Les Demeures et les Lieux
المنازل والديار
والثالث: ما قاله الربيع بن أنس أنه كان في الأرض البيت المعمور، في موضع الكعبة، في زمان آدم ﵇ حتى كان زمان نوح ﵇ فأمرهم نوح أن يحجوه، فأبوا عليه؛ وعصوه، فلما طغى الماء رفع، فجعل بحذائه من سماء الدنيا، فيعبره كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يرجعون إليه، حتى ينفخ في الصور، قال: فبوأ الله تعالى لإبراهيم ﵇ الكعبة البيت الحرام، حيث يقول سبحانه: (وإذا بوأنا لإبراهيم مكان البيت ...) الآية.
والرابع: ما قاله الحسن ﵁ أن البيت المعمور هو البيت الحرام، والمعمور: قيل: إنه معمور بالقصد إليه، وقيل: بالمقام عليه.
وقال ﵎: (في بيوت أذن الله أن ترفع، ويذكر فيها اسمه) قيل: هي المساجد، وقيل: إنها سائر البيوت.
(أذن الله أن ترفع) أي تبنى، كقوله تعالى: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت) أي يبني، وقيل: ترفع فيها الحوائج إلى الله ﷿.
وقال ﵎: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأنسوا، وتسلموا على أهلها ...) الآية.
روى عن عدي بن ثابت قال: جاءت امرأة من الأنصار، فقالت: يا رسول الله إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد، لا والد ولا ولد، فيأتي الأب، فيدخل علي، وإنه لا يزال يدخل رجل من أهلي، وأنا على تلك الحال فكيف أصنع؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقال أبو بكر الصديق - رضوان الله عليه -: يا رسول الله أفرأيت الخانات والمساكن في طرق الشام، ليس فيها ساكن؟ فأنزل الله تعالى: (ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتًا غير مسكونة ...) الآية.
وفي قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأنسوا، وتسلموا على أهلها) ثلاثة أوجه: قيل: حتى تستأذنوا.
وقيل: حتى تؤنسوا أهل البيت بالتنحنح، فيعلموا بالدخول عليهم.
وقيل: (حتى تستأنسوا) أي تعلموا هل فيها أحد تستأذنوه، فتسلموا عليه، ومنه قوله تعالى: (فإن آنستم منهم رشدًا)، أي علمتم.
والإذن: يكون بالقول، والإشارة، عن أبي هريرة ﵀ قال: قال رسول الله ﷺ: "رسول الرجل إذنه".
فإن استأذن ثلاثًا، فلم يؤذن له ولى ولم يراجع، روى عن الحسن البصري عن الأشعري: أنه استأذن على عمر بن الخطاب - رضوان الله عليه - ثلاثًا، فلم يؤذن له، فرجع، فأرسل إليه عمر، فقال: ما ردك؟ فقال: قال رسول الله ﷺ: "من استأذن ثلاثًا، فلم يؤذن له، فليرجع" فقال عمر - رضوان الله عليه -: "لتجيئنني ببينة، وإلا جعلتك نكالًا" فأتى طلحة ﵀ فشهد له. قال الحسن ﵀: الأولى: إذن، والثانية: مؤامرة، والثالثة: عزمة إن شاءوا إذنوا، وإن شاؤوا ردوا، ولا يستأذن وهو مستقبل الباب إن كان الباب مفتوحًا، وإذا أذن لأول القوم، فقد أذن لآخرهم، ولا يقعد على الباب بعد الرد، فإن للناس حاجات.
ثم قال تعالى: (وتسلموا على أهلها) والسلام ندب، والاستئذان حتم، وفي السلام قولان: [الأول]: أنه مسنون بعد الإذن على ما تضمنته الآية من تقديم الإذن عليه، ولأن السلام من تحيات اللقاء، واللقاء يكون بعد الإذن.
والثاني: أنه مسنون قبل الإذن، وأنه وإن تأخر في التلاوة فهو مقدم في الحكم، وتقدير الكلام: حتى تسلموا، وتستأذنوا؛ لما روى محمد بن سيرين ﵀ أن رجلًا استأذن على رسول الله ﷺ: أأدخل؟ فقال النبي ﷺ لرجل عنده: "قم فعلمه كيف يستأذن، فإنه لم يحسن" فسمعها الرجل، فسلم واستأذن.
وقد قيل: إن وقعت العين على العين قبل الاستئذان، فالأولى تقديم السلام على الاستئذان، وإن لم تقع العين على العين قبل الإذن، فالأولى تقديم الاستئذان على السلام.
فأما الاستئذان على منازل الأهل: فإن كانوا غير ذوي محرم لزم الاستئذان عليهم، كالأجانب.
وإن كانوا ذوي محارم، وكان المنزل مشتركًا، هو فيه، وهم ساكنون، لزمه قبل دخوله إنذارهم، إما بوطء أو بنحنحة مفهمة، إلا الزوجة، فلا يلزم ذلك في حقها؛ لارتفاع العورة بينهما. وإن لم يكن المنزل مشتركًا، ففي الاستئذان عليهم وجهان: أحدهما: النحنحة والحركة.
والثاني: بالقول، كالأجانب.
1 / 87