270

Les Mérites et les Vices

المناقب والمثالب

Genres

فنادى في الناس فخرج إلى المسجد فرقى المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال: «أيها الناس إنه انتهى إلي أن معاوية بلغه ما نريده من حربه فبرز بجمعه لذلك وأعد له فما أنتم قائلون؟ وما أنتم صانعون؟»

فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين الرأي في ذلك كذا، وقام آخر فقال كلاما غير ذلك، وقام آخر وآخر، حتى قام خلق كثير واعتكر الكلام وكثر الرأي واختلف القول، ونزل علي عليه السلام وهو يقول: «إنا لله وإنا إليه راجعون أفلتني ابن آكلة الأكباد، وفي طاعة الجند عون للوالي وصلاح للحال».

ومن ذلك: أن عليا عليه السلام لم يكن يداري أحدا في الحق، ولا يرخص له في الحق، ولا يغض له عن واجب يجب عليه، ولا يرخص له في شيء من الباطل يأتيه، ولا يؤثر أحدا على أحد ولا يفضله عليه، وعزل عمال عثمان وانتزع منهم الأموال ورد قطائعه وما استأثر به، وقسم بالسوية، وعدل بين الناس، وكان ذلك سبب نكث من نكث عليه ومحاربة أصحاب الجمل إياه، وقعود من قعد عن نصرته، وتخلف عن الخروج معه في حروبه، والحق ثقيل إلا على من خففه الله عليه.

وكان علي عليه السلام إذا نقم على أحد شيئا لم يداهنه وكاشفه فيه وعنفه عليه وأغلظ القول له، حتى أن الحسن عليه السلام كان إذا سمع ذلك منه لمن يخاف أن يؤثر فيه من وجوه الناس ومن رؤساء العشائر، جلس له حتى يخرج من عنده فيأخذ بيده ويدخله إليه ويخلو به ويتلطف له، ليسل سخيمته ويذهب ما في نفسه مما أسمعه علي فيه، إيثارا لأمر الله وقياما بحقه وتركا لابتغاء النصر إلا من حيث أمر الله به، إذ هو أعلم تبارك وتعالى بخلقه وما يصلحهم من أمره.

وكان معاوية على خلاف ذلك، يسترضي من سخط عليه، ويبذل الدنيا لمن سأل منه، ودينه لمن سامه إياه، ويغضي على الباطل لأتباعه، ويداهن في الحق لأشياعه، ويحلم له إذا نالوا منه ، فمال ميلة من آثر الدنيا وقصد قصده، ورفض الآخرة وأطرحها، ونزع إليه من رؤساء القبائل ووجوه العشائر ورجال العرب من مصر واليمن

Page 276