٣٥ - عمرو بن قميئة بن قيس بن ثعلبة، شاعر كبير، معمر، مجيد مُقِلّ، مختار الشعر على قلته، يقال إنّه أرمى على مائة سنة، ذكر أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن يعقوب بن داود قال: حدثني أبو عمرو الشيباني قال: نزل امرؤ القيس ببكر بن وائل فضرب قبّته وقال: هل فيكم من يقول الشعر؟ قالوا: شيخ كبير قد خلا من عمره وأتوه بعمرو بن قميئة فلما أنشده شعره أعجب به فاستصحبه وكان معه إلى الروم، قال وأنشدني أبو عمرو الشيباني له:
كأنّي وقد جاوزتُ تسعينَ حِجًة ... خلعتُ بها عني عِذَار لِجامِ
رمتني بناتُ الدهرِ من حيث لا أرى ... فكيف بمَن يُرمى وليس برامِ
فلو أنها نَبْلٌ إذن لاتقَّيتُها ... ولكنما أُرْمَى بغيرِ سهامِ
على الراحتين مرةً وعلى العصا ... أنوءُ ثلاثًا بعدَهُنَّ قيامي
وأهْوَنُ كفٍّ لا غَيرُكَ ضيرَةً يدٌ بين أَيدٍ في إناءِ طعامِ يَدٌ من غريبٍ أو قريبٍ أتت به شآميةٌ غبراءٌ ذاتُ قَتامِ وأَفني وما أُفْنِي من الدهرِ ليلةً ولم يُغْنِ ما افنيت سِلْكَ نظامِ وأنشد له:
لا تَغْبِطِ المرءَ إن يُقال له ... أمسى فلانٌ بسّنهِ حَكَما
إن يُمْسِ في خفضِ عيشةٍ فلقد ... أخنى على الوجهِ طولُ ما سَلِما
قال اليعقوبي: وقال رَوح بن عُبادة، وهو من قيس بن ثعلبة صليبةً: كان امرؤ القيس أملك من أن يقول شعرًا، وكل شعر يُروى عنه فهو لعمرو بن قميئة. وهذا القول إذا صحَّ عن رَوح لا يخلو من قلّة فهم منه بما بين نمط شعر امرىء القيس وشعر عمرو بن قميئة، وإن كان عمرو محسنًا في شعره فليس هو من نظراء امرىء القيس في غزارة الشعر وإصابة المعنى وحسن التشبيهات، وإنما صحب امرأ القيس مدة يسيرة. أو من عصبية على امرىء القيس لعمرو، وليس مكان امرىء القيس من بيت الملك مانعًا له عن قول الشعر. وقد قال امرؤ القيس مما يعاب عليه ومما ليس مشبهًا للملك الذي نشأ فيه وطلبه إلى أن أتى عليه أجله، وقد استجار في طيء جارًا بعد جارٍ، كلّهم أو أكثرهم يغدر به ويتهضّمه حتى حصل على أعْنُزٍ له، وسيقت إبله، فقال:
إذا ما لم يكنْ إبلٌ فمِعْزَى ... كأنَّ قُرونَ جلَّتِها عِصيُّ
إذا ما قام حالِبُها أَرَنَّتْ ... كأنَّ الحيَّ صبَّحَهم نِعَيُّ
فتملأَ بيتنا أَقِطًَا وسَمْنًا ... وحسبُك من غِنىً شِبَعٌ ورِيُّ
وقد ثبتت أبو عبيدة وغيره من الرواة أمر عمرو بن قميئة مع امرىء القيس، ووصفوا أنّه إياه عَنَى بقوله:
بكَى صَاحِبي لمّا رأى الدَّربَ دوننا ... وأيقنَ أنَّا لاحِقانِ بقيصرا
فقلتُ له لا تَبكِ عينُكَ إنَّما ... نُحاولُ مُلكاُ أو نَموُتَ فَنُعذَرا
وكان أعلمني أبو محمد بن قتيبة الدينوري في خبر حدثنيه، لستُ أقوم عليه: أن عمرو بن قميئة هلك في سفر امرىء القيس إلى الروم، فلا أدري في إصعادِه إليه أو في انحداره. ومات امرؤ القيس في منصرفه عن ملك الروم بأنقرة، وقبره هناك معروف.
وحُكي لي عن المأمون أنه رآه ورأى صورته هناك في حجر.
ولا يُعرف لعمرو بن قميئة خبر بعد صحبته امرأ القيس. وكان امرؤ القيس معتقدًا للحلف بين من تحالف من أحياء ربيعة واليمن، وفي ذلك يقول:
يا راكبًا ابلغ ذوي حلْفِنا ... مَنْ كان من كِندةَ أو وائلِ
والحيَّ عبدَ القيس حيث انتوَوا ... من سَعفِ البحرين والساحلِ
إنَّا وإيّاهم وما بيننا ... كموضِعِ الزَّوْرِ من الكاهلِ
٣٦ - عمرو بن سعد بن مالك بن ضُبيعة بن قيس بن ثعلبة، وهو المرقّش الأكبر. ذكر أبو عبد الله بن مسلم الدينوري: أن اسمه عمرو، وأخبرني غيره: أنَّ لقيطَ بن بُكير سمّاه عمرًا. وحدثني أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة قال أخبرني عبد الله بن أبي كريم عن إسحاق بن مرار أبي عمرو الشيباني: أنّ اسمه عوف بن سعد، وفي نسب ابن الكلبي اسمه عوف. وهو جاهلي قديم جيد الشعر.
والمرقّش االأصغر ابن أخيه، وطرفة ابن أخي المرقش الأصغر.
ومن قول المرقش الأكبر القصيدة المعروفة:
1 / 5