وكان عمرو قد أسلم في حياة رسول الله ﷺ ثم ارتد مع مرتدة اليمن وحارب عمال رسول الله ﷺ ثم عاد الى الإسلام، وأخرجه عمر بن الخطاب في بعث العراق فشهد فتوح فارس وأبلى فيها فكتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص أن يستشيره في الحرب وطليحة بن خويلد الأسدي ولا يوليهما شيئًا من أمر المسلمين، وأخباره في غاراته في الجاهلية وقتله من قتل من الفرسان مشهورة وكثير منها أكاذيب.
حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا محمد بن سلام أراه عن عبد الملك بن الماجشون قال: كان عمرو بن معدي كرب في مسجد الكوفة يحدث بأيامه في الجاهلية إذ قال: فلقيت أنس بن مدرك الخثعمي فطعنته فقتلته وأنس في القوم فقال أنس: حلاّ أبا ثور: ها أنا جالسًا اسمعك فقال: اسكت ويحك نوزغ هذه النزارية، نوزعها نكفها وذكر أحمد بن الهيثم الفراسي قال: حدثني عمي أبو فراس قال: حدثنا ابن الكلبي قال: كانت الفرسان تتواقت على خيولها في الكناسة بالكوفة فتتحدث، قال فوقف جماعة من الأشراف فيهم خالد بن الصقعب النهدي وطلع عليهم عمرو بن معدي كرب فقالوا، يا أبا ثورحدثنا ببعض عجائبك، فابتدأ بذكر أمر جرم حين حالفت بني زبيد وإغارتهم على الحارث بن كعب وحلفائها من نهد وإخوتها وساق خبرهم فقال فيه: فلقيتني بنو نهد مسترعفين بخالد بن الصقعب، فضربته بالصعصامة ضربةً فرقت بها بين شقيه، فسقط الى الأرض من كلا جانبيه فقال له خالد: إن قتيلك يا أبا ثور يسمع حديثك، قال: إنما أنت محدث فاسمع.
وأخبرنا ابن شاهين قال: حدثنا ابن النطاح قال: حدثني أبو عبيدة معمر قال: كان عمرو بن معدي كرب يوم القادسية قد أرمق على مائة سنة.
وحدثني عسل بن ذكوان قال: حدثنا أبو حاتم السجستاني قال كان خلف الأحمر مولى الأشعريين يتعصب لعمر بن معدي كرب ويفرط في الإشادة بذكره، فقال له بعض أصحابه يومًا: إنه كذاب، فقال: إن كان يكذب في المقال فإنه كان يصدق في الفعال.
وأخبرنا محمد بن إسماعيل بن يعقوب الأعلم قال: حدثنا محمد بن سلام قال: قال يونس بن حبيب: أبت العرب إلا أنّ عمرًا كان يكذب، وله أشعار كثيرة جياد، أنشدنا له محمد بن يحيف المروزي عن الجاحظ قصيدته التي أوّلها.
أمن ريحانة الداعي السميعُ ... يؤرقني وأصحابي هجوعُ
وفيها يقول:
إذا لم تستطع شيئًا فدعه ... وجاوزه الى ما تستطيع
ومما استحسن تشبيهه فيه:
ترى السرحان مفترشًا يديه ... كأنَّ بياضَ لبتهِ صديعُ
ومن قوله المختار.
ظللتُ كأني للرماح دريّةً ... أقاتلُ عن أبنَاءِ جَرمٍ وفرّتِ
وجاشت اليّ النفسُ أوّلَ مرّةٍ ... فرُدّت على مكروهها فاستقرتِ
والبيت الأول من أمضّ ما هُجَي به أحدٌ والبيت الثاني من أصدق ما قاله فارسٌ.
١٤٣ - عمرو بن سالم بن حصيرة الخزاعي المُلَحي: من أصحاب رسول الله ﷺ، وبسببه كان فتح مكة.
حدثني محمد بن الأزهر قال حدثنا سعيد بن يحيى الأموي عن أبيه عن محمد بن إسحق قال: كانت راية خزاعة يوم الفتح وهم مع رسول الله ﷺ مع عمرو بن سالم هذا.
وأخبرني أحمد بن أبي خيثمة قال حدثنا أحمد بن محمد عن إبراهيم ابن سعد عن محمد بن إسحق بإسناده قال: لها هادن رسول الله ﷺ قريشًا السنين التي كتب بها الكتاب بالحديبية كانت خزاعة مسلمها وكافرها في عقد النبي ﷺ وكانت بكر بن عبد مناة في عقد قريش وبين بكر وخزاعة مغاورات، وفشا الإسلام في خزاعة وانتصفت من بكر فشكت بكر ذلك إلى قريش فأعانتها سرًا ودسّت اليها الرجال والسلاح فبيتوا خزاعة على ماءٍ لهم يقال له الوثير، فقتلوهم قتلًا ذريعًا، فخرج عمرو بن سالم حتى قدم المدينة على النبي ﷺ فأنشده:
لا هُمَّ إني ناشدٌ محمدا ... حلفَ أَبيه وأَبينا الأَتلدا
كنت أبًا برًا وكنا ولدا ... إن قريشًا أَخلفتكَ الموعدا
ونقضتْ ميثاقكَ المؤكدا ... وزعمت أن لستَ تدعو أحدا
وهم أذلُّ وأقلُّ عددًا ... وطرَّقونا بالوثير هُجّدا
فقتلّونا ركّعًا وسُجّدا ... فانصر هداك الله نصرًا أيِّدا
وادعُ عبادَ الله يأتوا مددا ... فيهم رسول الله قد تجرَّدا
1 / 21