والقومُ أعلمُ أنّي من سُراتِهم ... إذا سما بَصَرُ الرِعْديدةِ الفَرِقِ
فقال: لئن كنّا أسأنا، لا نُسيء الفعال، وأمر له بصِلةٍ.
١٣٢ - عمرو بن مسعود الثقفي.
أخبرني أبو حنيفة إسماعيل بن عبد الله قال: حدّثني أبو عاصم محمود بن عاصم الشيباني قال: كان عمرو بن مسعود أخا عروة بن مسعود بن معتّب الثقفي، صاحب رسول الله ﷺ والشهيد بالطائف وكان عمرو صديق أبي سفيان بن حرب ينزل عليه كلما ورد الطائف فكبرت سِنُّه وامتدت أيامه وأثكل ولده، فشخص نحو معاوية بن أبي سفيان، وقد تمّ الأمر له واستُخلفَ فلم يُعرَف ببابه، فأقام عليه مدة، إلى أن أذن معاوية إذنًا عامًّا، فدخل عليه، ومثل بين السماطين فأنشده قصيدة طويلة وصف فيها ما كان بينه ولين أبيه وما مرَّعليه من الزمان وما أصيب به من ماله وولده ومن حجاب معاوية وأولها:
أَصبحتُ شيخًا كبيرًا هامةً لغَدٍ ... تزقو لدى جَدَثي أو لا فبعد غَدِ
أودى الزمانُ حَلوباتي وما جمعتْ ... كفّاي من سَبَدِ الأموالِ واللبدِ
حتى أحالَ على مَنْ كان لي عَضُدًا ... يا للرجال، فلستُ اليومَ ذا عَضُدِ
والله لو كان يا خيرَ الخلائفِ ما ... لاقيتُ في أُحُدٍ ذلّتْ ذُرَى اُحُدِ
قال: فبكى معاوية وقرّبَه إليه وبرّه وأكرمَه ووصلَه بصِلة سنية، وردّه إلى الطائف وكتب إلى عامله يوصيه به، فلم ينشب أن مات.
ومما قاله أيضًا لمعاوية:
ما بالُ شيخك مخنوقًا بجِرّته ... طال الثواءُ به دهرًا وقد صَبَرا
أبَاكَ تُرعد كفّاه بمحْجنهِ لم يترك الدهرُ من أولادهِ ذَكرا فاذكرُ أباك أبا سفيان فاحفظه في خلِّهِ، فلقد ضيّعتَه عُصُرا وقد كتب إلى عبد الله بن أحمد بن سوادة مولي بني هاشم قال: حدثني الغضبان بن المنخل البجلي قال: حدثني خالي الحكم بن موسى السلولي قال: حدثني أبو عيسى موسى بن أبي بكر البكري قال: قدم عمرو بن مسعود السُلمي هذا، قال إنه من بني سُليم، على معاوية، وكان صديق أبي سفيان، فلم يصل إليه شهرين، فكلمه عبد الله بن جعفر فيه فقال: ما علمت أنّه باقٍ، وأذن له فذكر الحديث وأنشد الشعر، قال: فقال له: وكم كان ولدُك؟ قال: عشرة كلهم قد رعى عليّ وكفاني، فماتوا وبقي الإناث وذهب مالي، فأمر له بدياتِهم وبرّه وحمله وكتب إلى عامله بالمدينة أن يُدني مجلسه ويقضي حوائجه.
وفي شعره الذي أنشدنيه أبو حنيفة ما يُصدّق حديث ابن سوادة أنّه أقام بباب معاوية شهرين فأمّا نسبه إلى سليم وما حكي أنّه وصلَه به فهو مضطرب، وكذلك إسناده.
قد مرَّ شهرٌ وشهرٌ لا يُرَى طمعٌ ... يدنيه منكَ وهذا الموت قد حَضَرا
أفنىَ حلوبتَه واجتاح آلتَه ... لم يترك الدهرُ من أبنائِه ذَكَرا
١٣٣ - عمرو بن سفيان، أبو الأعور السُلمي، فارس أهل الشام، كان فيمن كفر وغدر برسُلِ رسول الله ﷺ. فقنِتَ رسول الله ﷺ شهرًا يدعو على قبائل من سليم، منها رِعْل وذَكوان وعُصيّة، وقال فيها ﷺ: عصت الله ورسوله، وسمَّى عمرو بن سفيان باسمه.
حدثنا بذلك علي بن الحسن بن عرفة قال: حدثنا أبن أيوب عن إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحق.
وفي حديث آخرحدثنيه ابن شاهين: أنه ﷺ لعن عمرو بن سفيان وسهيلًا ذا الأسنان وأبا سفيان.
وأسلم أبو الأعور بعد ذلك، وحضر فتوح الروم بالشام وأبلى ورَأَسَ هناك، ثم كان رئيس القيسية يوم صِفّين وعظيم القدر عند معاوية، ومشهور الخبر ويقول الشعر.
حدثنا أبو بحر أحمد بن إسحاق بن البهلول التنوخي قال: حدثني أبي عز، إسحاق بن زياد السامي عن شبيب بن شيبة عن خالد بن صفوان بن عبد الله بن الأهتم: أنّ معاوية غَرِضَ بجلسائه فقال لحاجبه: اطلب لي قومًا يحدّثوني سواهم، فوجد ببابه أبا الأَعور ومعن بن يزيد بن الأخنس ونصرَ بن الحجاج بن علاط السُلميّين فأدخلهم فخاطبهم معاوية وخاطبوه بكلام طويل، ثم أمر بإخراجهم، فكتب إليه أبو الأعور:
معاوِيَ إمّا التمست الرجا ... لَ فتلك التي مثلها يُلْتَمسْ
فقد امكنتكَ لعمري الأمور ... من الكاشفي عنكَ ما قد لبسْ
مِنِ ايرادِ أمرِ وإصدارِه ... وهَمّ تطاولَ فيه النَفَسْ
1 / 19