قالت: وما تكون تلك الأمور؟
قال: أولا: موت كريمة، ثانيا: فقد عفيفة ابنتها، فإنه لم يقف لها أحد على أثر، واختلف الناس في شأنها، فقال البعض: إنها ألقت نفسها في النيل فاختنقت بأسفكسيا الغرق.
قالت: هذا رجم ظنون بعيد عن الثبوت، ولا يدخل في وهمي أن تكون الفتاة قد هلكت غرقا، وإنما هي مختفية والله أعلم.
قال: ظهر بعد البحث والتحري أنها قتلت نفسها يقينا؛ بدليل أنها كانت كثيرة التفكير والوجوم، وكانت تحب والدتها شديد المحبة، وآلت على نفسها ألا تبقى حية بعدها، فمن المحتمل أنها تكون قد ضاع رشدها بعد وفاتها، والذي يثبت ذلك أن سعيدا وغانما بحثا مديدا عنها، فعلما أن في الليلة السابقة لوفاة والدتها حضرت فتاة في زيها وقدها ووصفها تطلب زرنيخا من الصيدليات ابتغاء قتل نفسها تسميما، فلما لم يمكنها الحصول على مطلوبها فألقت نفسها في النيل تغريقا.
قالت: كلامك معقول، وقد يكون صحيحا، فأعلمني الآن عن الأسباب الأخرى التي أوجبت تأخير زواج سعدى.
قال: من تلك الأسباب وفاة خالة لها في دمشق الشام، توفيت عن أموال كثيرة أوصت بها جميعا لها، فزاد دخلها السنوي خمسة عشر ألف فرنك.
فابتسمت سيدة عند سماع هذا القول، وعطف همام بقوله: والسبب الأخير في التأخير هو أن سعدى ابتليت بداء الجدري، فلازمت الفراش أياما كثيرة، والحمد لله أنها شفيت، ولكن تخلفت في وجهها بسبب الداء آثار سوداء زادتها قبحا على قبح.
قالت وقد انقبض وجهها لسماع هذا الخبر: إن الفتاة شنيعة دميمة بدون الجدري، فكيف بها الآن؟! ولا شك أن يكون السبب في هذه البلية بخل والدها عليها بالتطعيم في زمن الصغر، قاتل الله أهل البخل إنهم يكفرون بنعم ربهم، فوالله إني يا أخي لأخشى حبوط التدبير فلا يتم زواج ابني بسعدى.
قال: الزواج في الدنيا نصيب، وكل شيء مقدر.
قالت: هل تظن أن غانما يقبل في استئناف المخابرة.
Page inconnue