تأصيل المسرح المصرى بين المجهول والمعلوم
الملكة بلقيس
فصل مضحك
تأصيل المسرح المصرى بين المجهول والمعلوم
الملكة بلقيس
فصل مضحك
الملكة بلقيس
الملكة بلقيس
تأليف
لطيفة عبد الله
دراسة
سيد علي إسماعيل
تأصيل المسرح المصرى بين المجهول والمعلوم
من المسلم به في الأوساط المسرحية والأدبية العربية أن كتاب «أرزة لبنان» المطبوع عام 1869 هو أول كتاب مسرحي يطبع وينشر في العالم العربي، وهو الكتاب الذي حوى جميع كتابات مارون النقاش المسرحية والشعرية؛ وهذا يعني أن الأدب المسرحي المطبوع بالعربية حديث العهد في عالمنا العربي بالقياس إلى الفنون الأدبية الأخرى كالشعر. وبالرغم من حداثته، فإنه يحتاج إلى كثير من التحقيق والتأريخ والدراسة لتأصيله.
ومسرحية «الملكة بلقيس»، التي نحن بصددها، من تلك المسرحيات التي يمكن القول إنها مجهولة في عصرنا الراهن - ذلك أن كثيرا من المسرحيات التي طبعت في القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين تحتاج إلى بحث دءوب لاستظهارها والتعرف على معالمها - وقد حصلت عليها منذ فترة ليست ببعيدة مصادفة ضمن عدة مسرحيات أخرى، وبعض هذه المسرحيات جمعتها من باعة الكتب القديمة، وبخاصة مكتبات «سور الأزبكية» العتيقة، والبعض الآخر جمعته من عشاق اقتناء الكتب والمخطوطات القديمة.
ومسرحية «الملكة بلقيس» كما هو واضح من صورة غلافها، لا تشتمل على أي توثيق أو تأريخ يهدي القارئ إلى حقيقتها المجهولة! ولعل هذا الأمر كان السبب وراء عدم التفات النقاد والكتاب المحدثين إلى أهميتها وقيمتها التاريخية، على الرغم من أنها مطبوعة! فالغلاف يقول: «رواية الملكة بلقيس - تشخيصية غرامية حربية - ذات أربعة فصول - تأليف السيدة لطيفة - طبعت على ذمة المؤلفة - حقوق الطبع محفوظة - ثمن كل نسخة خمسة غروش صاغ قبل الطبع وبعده - ويعقب هذه الرواية فصل مضحك للغاية يقال له: فصل العفريت - طبعت بالمطبعة الخديوية بالموسكي بمصر.»
ومن الملاحظ أن هذا الغلاف يثير عدة أسئلة، من أهمها: متى طبعت هذه المسرحية؟ وهل تم تمثيلها أو لا؟ وإذا كانت مثلت ... فما هي الفرقة التي مثلتها؟ ومن هي المؤلفة السيدة لطيفة؟ وما حقيقة الفصل المضحك «العفريت»؟ ... إلخ هذه الأسئلة التي لو أجبنا عليها لخرجنا بإجابات مفيدة تجلي خريطة تاريخ الأدب المسرحي في مصر، وستكون حجرا يضاف إلى بناء تأصيل المسرح المصري.
طباعة المسرحية
وإذا حاولنا أن نجيب على سؤال: متى طبعت مسرحية «الملكة بلقيس»؟ سنجد أن في النص المطبوع عدة دلائل تشير إلى أن هذا النص طبع في أواخر القرن التاسع عشر! ومن هذه الدلائل، عنوان النص الذي يقول «رواية الملكة بلقيس»، رغم أنها مسرحية وليست رواية بالمفهوم الأدبي الحديث. وكلمة «رواية» كانت تطلق على النصوص والعروض المسرحية في أواخر القرن التاسع عشر، أما منذ بداية المسرح الحديث في مصر في أواخر العقد السادس من القرن التاسع عشر، فكانت كلمة «لعبة» - أو عبارة «لعبة تياترية» - تطلق على العروض المسرحية الأجنبية، التي كانت تعرض في الأوبرا الخديوية بصفة خاصة، ومع دخول المسرح باللغة العربية إلى مصر على يد سليم خليل النقاش،
1
وتكاثر الفرق المسرحية العربية في أواخر القرن التاسع عشر؛ تطورت الكلمة فأصبحت «رواية».
وإذا أتينا ببعض الأمثلة على ما نقول سنجد مجلة «وادي النيل»
2
في 12 / 11 / 1869 تصف لنا أول عروض الأوبرا الخديوية قائلة: «إن من الأخبار التي يقول المصغي لها إذا سمعها: الحمد لله الذي قدر ولطف، أنه بينما كان الجناب الخديوي المعظم قد شرف مكان تياترو الأوبيرة - ملعب التخليعات التصويرية الممزوجة بالألحان الموسيقية - الكائن بالمحلة الإسماعيلية بالأزبكية، وكان كل من اللاعبين واللاعبات يبدي ما عنده من المهارة ويظهر برهان ما لديه من البراعة والشطارة في اللعبة المشهورة عندهم باسم «لاريجواليته» في ليلة الثلاثاء الماضي، وإذا بثورة من الغاز الموقد في مكان التياترو المذكور قد قامت وكأن القيامة قد قامت، حيث فزع سائر الحضور، وانقطع سلسال الحظ والسرور، وكان أول من أبق من خوف النار وقال إن الغنيمة في الفرار أبناء الفن.»
3
كما جاءت نفس المجلة بخبر في 17 / 2 / 1870 قالت فيه: «إلى سائر غواة الألعاب التياترية والألحان الأوروبية، تياترو الأوبيرة بمصر القاهرة، في يوم 19 فبراير (ليلة الأحد)، ستلعب اللعبة التياترية المشهورة باسم «سيماراميس»؛ ليعطى إيرادها لصندوق الإعانة المنشأ بهمة جناب درانيت بك،
4
ناظر عموم التياترات الخديوية، لذوي الحاجات من أسطاوات وخدمة التياترات المصرية في ظل الحضرة الخديوية. وهي عبارة عن تخليعة من نوع الألعاب التياترية المسماة باسم الأوبيرة؛ أي تصوير وقعة تاريخية يتخللها توقيعات موسيقية.»
5
وإذا نظرنا إلى وصف الصحف للعروض والنصوص المسرحية باللغة العربية التي كانت تتبع الفرق العربية؛ سنجدها تصفها بالرواية، ففي 11 / 2 / 1877 قالت جريدة «الوقائع المصرية»: «... وردت من الحاذق اللبيب جناب سليم أفندي نقاش مدير التياترو العربي كتابة تتضمن أنه حضر من الديار الشامية إلى ثغر الإسكندرية بصدد تقديم روايات في التياترو، فقوبل بالقبول فوق المأمول، ومع تلك الكتابة إعلان هذه صورته: يوم السبت القادم ... يصير تشخيص رواية «مي» ... وهي رواية تاريخية تحتوي على وقايع رومانية شهيرة، من تأليف كورنايل الفرنساوي الشهير، مترجمة إلى العربية بقلم سليم أفندي نقاش، مدير التياترو العربي، وتذاكر الدخول تباع في محل مخصوص بجانب كونسلاتو فرانسا. ويوجد هناك أيضا برسم المبيع نسخ من الرواية ذاتها مطبوعة بالعربية تحتوي على مئتي صفحة، ثمن النسخة فرنك ونصف. وتباع أيضا رواية «عائدة» الشهيرة في الديار المصرية، مترجمة بقلم سليم أفندي نقاش المومأ إليه، وثمن كل نسخة منها فرنكان، وفي محل حبيب غرزوزي أفندي.»
6
وفي 7 / 2 / 1879 قالت جريدة «الأهرام» تحت عنوان «التياترو العربي بالمحروسة»: «... تقدم قومبانية جناب الشاب النبيه يوسف أفندي خياط رواية «الظلوم» ذات خمسة فصول، وتخصص دخل هذه الليلة للمشخصة الأولى. فالمرجو من همة الجمهور ... تشجيع القومبانية على المثابرة والاجتهاد في إتقان العمل، على أن ما ظهر منها إلى الساعة كاف لإيجاب سرور الجمهور.»
7
وقالت جريدة «الأهرام» أيضا في 24 / 8 / 1881: «في مساء السبت تشخص في تياترو زيزينيا رواية «الغيور» بإدارة حضرة الشاب البارع جدا في هذا الفن سليمان أفندي حداد؛ وأما أوراق الدخول فتباع عند حبيب أفندي غرزوزي وأمام البورصة وعلى باب التياترو. والمرجو أن يتقدم الجمهور للحضور.»
8
وفي 1 / 1 / 1890 قالت جريدة «القاهرة»: «سيمثل جوق حضرة الأديب البارع الشيخ أبي خليل القباني في ليلة الجمعة القادمة رواية «أنيس الجليس»، التي اشتهرت في باب الروايات بالظرافة واللطافة. وستغني الست ليلى المطربة فصلين، في خلال الرواية وختامها.»
9
وأخيرا قالت جريدة «المقطم» في 2 / 6 / 1891: «عزم حضرة الأديب إسكندر أفندي فرح أن يمثل ثلاث ليال في تياترو الأزبكية، وهي ليلة الجمعة القادمة وليلة الأحد وليلة الثلاثاء، فيمثل في ليلة الجمعة رواية «أبي الحسن»، وفي ليلة الأحد رواية «أبي العلاء»، وفي ليلة الثلاثاء رواية «ملتقى الخليفتين».»
10
ومن خلال هذه الإشارات يلاحظ القارئ أن العرض المسرحي الذي كان يقام في الأوبرا الخديوية من قبل الفرق الأجنبية، كانت الدوريات المصرية تصفه باللعبة تارة وباللعبة التياترية تارة أخرى. أما العروض والنصوص المسرحية العربية التي كانت تعرض أو تصدر من قبل الفرق العربية، فكانت تصفها بالرواية. وإذا عدنا إلى نقطة البداية سنجد نص «الملكة بلقيس» كتب عليه كلمة «رواية»، ولم يكتب عليه كلمة «لعبة» أو عبارة «لعبة تياترية»، وهذا يدل على أن هذا النص تم طبعه في أواخر القرن التاسع عشر على اعتبار أنه مطبوع باللغة العربية.
هذا بالإضافة إلى أن النص مطبوع بالحجر، وهذا واضح من صورته، ومطابع الحجر كانت المطابع الرسمية والأساسية في القرن التاسع عشر. هذا فضلا عن أسلوب طباعة حوار المسرحية! فالمعروف الآن أن أسماء شخصيات المسرحية تكتب على اليمين، أما حوارها فيكتب على اليسار بعد الأسماء مباشرة، أما في نص مسرحية «الملكة بلقيس» نلاحظ أن أسماء الشخصيات كتبت بطريقة مختلفة! وهذه الطريقة تتمثل في وجود عنوان ثابت أعلى يمين جميع الصفحات به كلمتان، هما (متكلم، مخاطب)، وأسفل المتكلم وضعت الأسماء المتحدثة، وأسفل المخاطب وضعت الأسماء الموجه إليها الحديث.
11
كما يلاحظ أيضا أن كلمة «الجزء» هي المرادف لكلمة «المشهد» حاليا، وهذا المصطلح كان منتشرا بهذا المعنى في المسرح العربي منذ بدايته في العالم العربي، وقد شرحه مارون النقاش في مقدمته الشهيرة بكتابه «أرزة لبنان»
12
وبناء على ذلك نقول: إن أسلوب طباعة مسرحية «الملكة بلقيس» هو نفس أسلوب معظم المسرحيات العربية التي طبعت في القرن التاسع عشر، والأمثلة على ذلك كثيرة.
13
ومن الأدلة أيضا التي تشير إلى طباعة المسرحية في أواخر القرن التاسع عشر، العبارة التي جاءت أسفل العنوان، والتي تقول: «تشخيصية غرامية حربية»، وهي من العبارات الأثيرة لدى طابعي وناشري المسرحيات العربية في القرن التاسع عشر، والأمثلة كثيرة على ذلك أيضا.
14
هذا بالإضافة إلى تلك العبارة التي جاءت على الغلاف وتقول: «ويعقب هذه الرواية فصل مضحك للغاية يقال له العفريت.» وإذا علمنا أن الفصول المضحكة كانت منتشرة في المسارح المصرية منذ بداية ظهور المسرح المكتوب أو المنطوق بالعربية في مصر، وظلت مستمرة حتى أوائل القرن العشرين؛ سيتضح لنا أن هذه المسرحية طبعت في أواخر القرن التاسع عشر.
وأخيرا نجد آخر عبارة كتبت على غلاف المسرحية تقول: «طبعت بالمطبعة الخديوية بالموسكي بمصر»، وهي عبارة تدل على أن المسرحية طبعت في العهد الخديوي بمصر، وإذا وضعنا في الاعتبار أن الحكم الخديوي في مصر بدأ بالخديو إسماعيل ثم الخديو توفيق وأخيرا الخديو عباس؛ فإن ذلك يرجح أن المسرحية طبعت في أواخر القرن التاسع عشر؛ حيث إن المطبعة الخديوية طبعت العديد من المسرحيات العربية في ذلك الوقت.
15
تمثيل المسرحية
إذا طرحنا على أنفسنا سؤالا يقول: هل تم بالفعل تمثيل مسرحية «الملكة بلقيس»؟ سنجد أن الإجابة تحتاج منا إلى القيام بمسح للدوريات التي تحدثت أو أشارت إلى العروض المسرحية التي تمت في القرن التاسع عشر، والتي تحمل اسم «بلقيس»! ورغم صعوبة هذه المهمة إلا أننا قمنا بها في دراسة سابقة.
16
وإذا استعنا بمواد هذه الدراسة هنا؛ سنجد أن هناك خمس إشارات لعروض مسرحية تحمل اسم «بلقيس»، وللوقوف على حقيقة تمثيل النص الذي بين أيدينا، سنناقش هذه الإشارات بشيء من التفصيل:
الإشارة الأولى:
جاءت من خلال جريدة «القاهرة» في 10 / 11 / 1887، عن طريق إعلان لتياترو حديقة الأزبكية يخص جمعية المعارف والنجاح، جاء فيه: «نحيط نصراء الإنسانية علما بأننا سنشخص رواية «تأثير العشق على الملكة بلقيس» في مساء الخميس ليلة الجمعة الموافق 10 نوفمبر سنة 1887؛ إعانة لمدرسة النجاح التوفيقية المؤسسة بمصر. وهذه الرواية تاريخية أدبية غرامية ذات خمسة فصول، ويليها فصل مضحك للغاية، ويتخللها أدوار تلحين من أعظم المغنيين. فرجاؤنا من حضرات الجمهور الإقبال على ابتياع التذاكر؛ حيث إن الغاية خيرية.»
17
وإذا تفحصنا هذه الإشارة جيدا؛ نلاحظ أن اسم مسرحية «تأثير العشق على الملكة بلقيس» يختلف عن اسم مسرحيتنا «الملكة بلقيس»، ورغم هذا الاختلاف الطفيف فإن موضوع مسرحية «الملكة بلقيس» ينطبق عليه الاسم الآخر تمام الانطباق! وسيتضح هذا الأمر للقارئ عندما يقرأ النص المنشور في هذا الكتاب. وإذا أضفنا إلى ذلك عبارة «ويليها فصل مضحك للغاية»، كما جاءت في الإشارة السابقة، وربطنا بينها وبين نص الفصل المضحك «العفريت» المطبوع بعد نص المسرحية؛ سيقوى احتمال أن هذه الإشارة ربما تخص تمثيل مسرحية «الملكة بلقيس»، وذلك على الرغم من وجود عبارة «ذات خمسة فصول» التي تضعف الاحتمال؛ لأن نص «الملكة بلقيس» الذي بين أيدينا ذات أربعة فصول!
ورغم ذلك فالاحتمال ما زال قائما؛ لأنه من الممكن أن يكون القائم على العرض قام بتقسيم أحد الفصول إلى فصلين، وربما أيضا أن يكون هذا العرض المسرحي تم قبل طباعة المسرحية نفسها، ومن هنا جاء الاختلاف بين اسم العرض وبين اسم النص المطبوع.
الإشارة الثانية:
جاءت في 8 / 4 / 1891، وفيها قالت جريدة «المقطم»: «مثل جوق الكمال الوطني بإدارة علي أفندي حمدي أمس وما قبله روايتي «الملكة بلقيس» و«قوت القلوب»، فأجاد الممثلون والممثلات، وسر الحضور وصفقوا استحسانا. وسيمثلون في هذه الليلة رواية «يوسف الصديق».»
18
والملاحظ على هذه الإشارة أنها ذكرت صراحة اسم المسرحية «الملكة بلقيس»، ولم تتحدث عن أي شيء آخر! فإذا كانت الإشارة السابقة أوحت بعدة دلائل على أن مسرحية «الملكة بلقيس»، هي المقصودة بالتمثيل دون ذكر الاسم الصحيح، فإن هذه الإشارة تؤكد على أن مسرحية باسم «الملكة بلقيس» مثلت بالفعل عام 1891. ولكن هذا الترجيح غير كاف لإثبات أن مسرحية «الملكة بلقيس» التي مثلت عام 1891، هي نفسها مسرحية «الملكة بلقيس» المطبوعة والمنشورة في هذا الكتاب؛ لأن إشارة جريدة «المقطم» لم تأت بأية تفصيلات أخرى، سوى التصريح باسم المسرحية فقط!
الإشارة الثالثة:
جاءت من خلال جريدة «المقطم» أيضا، وبالأخص من وكيلها في طنطا، عندما قال في 24 / 7 / 1891: «مثل الجوق العربي عندنا ليلة أمس رواية «بلقيس»، وهي رواية أدبية ذات خمسة فصول، فأجاد الممثلون وصفق لهم الحاضرون، وسيمثل ليلة السبت رواية «الصياد»، فنحض الجمهور على الأخذ بناصر هذا الجوق الوطني إحياء لهذا الفن الأدبي.»
19
والجوق الوطني المقصود في هذه الإشارة هو جوق إسكندر فرح ... ومن الملاحظ أن هذه الإشارة تبعدنا عدة خطوات عن هدفنا، وهو إثبات أن مسرحية «الملكة بلقيس» المنشورة في هذا الكتاب قد مثلت في القرن التاسع عشر؛ لأن هذه الإشارة تثبت أن مسرحية باسم «بلقيس» - وليست باسم «الملكة بلقيس» - مثلت عام 1891! ورغم هذا الاختلاف اليسير إلا أنه اختلاف يقوي احتمال أن هناك مسرحيتين مختلفتين، الأولى باسم «الملكة بلقيس» والأخرى باسم «بلقيس»! وذلك على الرغم من قيام الفرق المسرحية في هذا الوقت بتغيير أسماء نفس المسرحيات للإيحاء باختلافها جذبا للجمهور، وبالأخص فرقة إسكندر فرح.
20
الإشارة الرابعة:
جاءت من خلال مجلة «الأستاذ» في 28 / 3 / 1893، وفيها تحدث عبد الله النديم عن جمعية الفتوح الخيرية قائلا: «هي تشخص الروايات المقبولة، فقد شخصت رواية «الملكة بلقيس» في تياترو البراديزو، فخرج الناس شاكرين فضلها متشكرين لحضرات أعضائها؛ حيث أبدوا من إتقان التشخيص وحسن التمثيل ما دعا الناس إلى الثناء عليهم. وعلاوة على ذلك فإنها جمعية خيرية تدرس العلوم والمعارف لها مدرسة في كوم الشقافة، وعازمة على تأسيس مدرسة أخرى في قسم القباري ...»
21
وهذه الإشارة تتفق مع الإشارة الثانية في التأكيد على أن هناك مسرحية باسم «الملكة بلقيس» تم تمثيلها بالفعل عام 1893. ولكن هذا الاتفاق لم يثبت صراحة أن مسرحية «الملكة بلقيس» التي مثلت عام 1893 هي نفسها مسرحية «الملكة بلقيس» المطبوعة والمنشورة في هذا الكتاب؛ لأن إشارة مجلة «الأستاذ» لم تأت بأية أمور أخرى عن العرض سوى التصريح باسم المسرحية فقط!
الإشارة الخامسة:
وقد جاءت من خلال جريدة «المقطم» في 20 / 10 / 1893، وفيها قالت: «مثل جوق السرور البارحة رواية «بلقيس» أو «أحوال العشاق»، فأحسن الممثلون والممثلات في التمثيل والإلقاء، وخصوصا بلقيس حين أخذتها الغيرة من ابنتها لعشقها الأسير الذي تحبه هي. وكان تصفيق الجمهور متواليا علامة الاستحسان، وقد عقب ذلك تمثيل فصول سيماوية ذات مناظر مختلفة، فكان لها حسن الوقع، وتلاها فصل مضحك سر به الحاضرون ...»
22
وبالرغم من أن هذه الإشارة تعتبر من أضعف الإشارات التي وجدناها عن عرض المسرحية؛ حيث إنها لم تذكر صراحة اسم العرض المسرحي ب «الملكة بلقيس»، كما أنها ذكرت اسما آخر للعرض وهو «أحوال العشاق»! إلا أنها تعتبر أقوى دليل على أن المسرحية التي تم تمثيلها بالفعل عام 1893 باسم «بلقيس» أو «أحوال العشاق» من خلال جوق السرور، هي نفسها مسرحية «الملكة بلقيس» تأليف السيدة لطيفة، والمنشورة في هذا الكتاب!
والدليل على ذلك أن هذه الإشارة هي الوحيدة التي ذكرت مضمون المسرحية عندما قالت: «وخصوصا بلقيس حين أخذتها الغيرة من ابنتها لعشقها الأسير الذي تحبه هي.» وعندما يطالع القارئ نص المسرحية سيتضح له أن المضمون المذكور في الإشارة السابقة هو عين مضمون نص المسرحية المنشور، فمسرحية «الملكة بلقيس» للسيدة لطيفة تحكي عن وقوع بلقيس في حب أسير لها هو «بختيار»، الذي يقع في حب «جوليا» ابنة بلقيس، وبسبب ذلك تدب الغيرة في قلب بلقيس، وتحاول بكل وسيلة أن تفرق بين بختيار وابنتها جوليا؛ حتى تفوز بحب بختيار ... إلخ أحداث النص المنشور.
وبناء على الإشارة السابقة يتأكد لنا أن نص مسرحية «الملكة بلقيس» تأليف السيدة لطيفة قد تم تمثيله بالفعل في أواخر القرن التاسع عشر، وبالأخص في عام 1893 من خلال جوق السرور. بل ونستطيع أن نقول إن النص المنشور في هذا الكتاب هو أحد نصوص التمثيل الفعلية؛ لأن هذا النص كان يخص جوق السرور، وهذه النسخة هي نسخة التمثيل! والدليل على ذلك صفحة «أسماء المشخصين» المنشورة ضمن نص المسرحية، وفيها يلاحظ القارئ أن أسماء الممثلين كتبت أمام أسماء شخصيات المسرحية بخط اليد من خلال «الريشة والمداد»، وجاءت هكذا: السيدة، مرتضى، ليلى، لطيفة، مصطفى، كامل، عبد الخالق. وسنعلم في موضع لاحق أن «مصطفى، ولطيفة» من أبرز ممثلي جوق السرور.
أول مؤلفة مسرحية مصرية
إذا كنا قد أثبتنا أن مسرحية «الملكة بلقيس» تمت طباعتها وتمثيلها في أواخر القرن التاسع عشر ، فمن الواجب علينا أن نبحث عن مؤلفة هذه المسرحية؛ لأنها تعتبر - حتى هذه اللحظة - أول مؤلفة مسرحية عربية مصرية! فمن يقرأ تاريخ المسرح العربي بصفة عامة والمسرح المصري بصفة خاصة؛ لن يجد قبل عام 1893 نصا مسرحيا مطبوعا قامت بكتابته «امرأة» سوى نص مسرحية «الملكة بلقيس» للسيدة لطيفة! فمن هي «لطيفة»؟!
نحن نظن أن السيدة «لطيفة» هي إحدى السيدات العاملات في المجال المسرحي المصري في القرن التاسع عشر ... وهذا الظن راجع إلى ما كتب على غلاف المسرحية من أن المسرحية «طبعت على ذمة المؤلفة»؛ أي إنها تعشق المسرح، بدليل أنها طبعت النص على نفقتها الخاصة، بالإضافة إلى عبارة «حقوق الطبع محفوظة»! وهذا يعني أن أية فرقة مسرحية إذا أرادت أن تمثل نص مسرحية «الملكة بلقيس»، لا بد وأن تأخذ الإذن بذلك، أو تدفع للمؤلفة مبلغا نظير ذلك، وهذا يدل أيضا على أن المؤلفة «لطيفة» كانت تعمل في الوسط المسرحي، أو على أقل تقدير لها تعاملات مع الفرق المسرحية، وبالأخص مع «جوق السرور» عام 1893.
وإذا كان ظننا السابق جاء من خلال عبارات غلاف المسرحية، فإننا يجب أن نؤكده ونوثقه بأدلة تاريخية أخرى، ولا يوجد أمامنا إلا البحث في التاريخ المسرحي عن سيدة تدعى «لطيفة» عملت في مجال المسرح! وبالفعل بحثنا في تاريخ المسرح المصري منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى الثلث الأول من القرن العشرين - لظننا أن لطيفة ربما عاشت إلى هذا الوقت، على اعتبار أنها كتبت النص في أواخر القرن التاسع عشر - فوجدنا ست ممثلات مسرحيات كل واحدة منهن تدعى «لطيفة»، خمس ممثلات في الثلث الأول من القرن العشرين، وممثلة واحدة فقط في أواخر القرن التاسع عشر.
فالممثلة الأولى - من ممثلات الثلث الأول من القرن العشرين - هي «لطيفة أمين»، وقد عملت في عدة فرق مسرحية منذ عام 1918، منها فرقة جورج أبيض ورمسيس وعزيز عيد والفرقة القومية. والثانية «لطيفة كامل»، وقد عملت في فرقة فوزي منيب عام 1925. والثالثة «لطيفة سعيد»، وقد عملت في فرقة أمين صدقي عام 1926. والرابعة «لطيفة حجازي»، وقد عملت في فرقة عكاشة منذ عام 1927. والخامسة «لطيفة نظمي»، وقد عملت في فرقة جمعية أنصار التمثيل، وأيضا في فرقة علي الكسار منذ عام 1934.
23
وإذا نظرنا إلى أسماء الفرق المسرحية السابقة، وتتبعنا أخبار كل ممثلة تدعى «لطيفة» عملت بهذه الفرق؛ لن نجد أية علاقة بين الممثلات وفرقهن وبين مسرحية «الملكة بلقيس» وجوق السرور! وبناء على ذلك لم يبق أمامنا إلا الحديث عن الممثلة «لطيفة» التي عاشت وعملت بالتمثيل المسرحي في أواخر القرن التاسع عشر.
واسم الممثلة «لطيفة» جاء ذكره في ست إشارات منذ عام 1891 وحتى عام 1896، وجميعها تحدثت عن جوق السرور وبطلته وممثلته الأولى «لطيفة»! ولنتحدث عن هذه الإشارات بشيء من التفصيل:
الإشارة الأولى:
ذكرتها جريدة «المقطم» في 18 / 2 / 1891، وذلك من خلال «إعلان جمعية السرور الوطنية»، جاء فيه: «إن فن التشخيص قد ازدهى في هذه الأيام وصار له المقام الأول بين الهيئة الاجتماعية، ودليل ذلك إقبال العموم على المراسح، واستماع الروايات الأدبية التي هي مرآة يرى بها الحاضر أحوال السلف وما كانوا عليه من العفة والأمانة، وكيف يكون جزاء الخائنين. ويشاهد أيضا مسامرتهم ومحاضرتهم الأدبية، ويمتع أنظاره بمشاهد حسنة، ويشنف آذانه بأصوات رخيمة. ولما كنت من الذين خدموا هذا الفن مدة من الزمن، وقمت بتشخيص روايات كثيرة في القاهرة والأرياف، حائزا من كرم المولى على رضا العموم، وهو أمر أعده أكبر تعزية لي؛ فاقتضى من ثم أن أقابل معروفهم بإتقان حالة جوقنا إلى حد يضاعف سرورهم ويزيد حبورهم. وإجابة لطلب كثيرين قد اتخذنا محلا جديدا حسن الغاية في النصرية، بجوار منزل سعادة قاسم باشا، أمام مدرسة المبتديان؛ لتشخيص كثير من الروايات التي شخصت والتي لم تشخص إلى الآن. كل ذلك جعلناه خدمة للوطن عن طيب قلب، لا نطلب عليه مكافأة سوى رضا محبي الآداب، متكلين في كل أمر على الواحد القهار، داعين بطول بقاء الحضرة الفخيمة الخديوية التي بأيامه السعيدة ازدهت رياض العلم وأثمرت ... كيف لا وعلي المبارك ناظرها مبشر الآداب بحسن المآب وظهور العلم بعد احتجاب. ولا لزوم للإطناب لأنه عند الامتحان يكرم المرء أو يهان، وعلى الله الاتكال في كل حال. وسنشخص في هذه الليلة رواية، وسيقوم بأهم الأدوار حضرة المطرب الشهير مصطفى أفندي علي، وحضرة السيدة المشهورة بهذا الفن «لطيفة عبد الله»، ويعقب ذلك فصل رقص تتعطر وتتنايس به إحدى السيدات المشهورات، ويتلو ذلك فصل مضحك. أسعار الدخول 30 قرش صاغ لوج خمس كراسي. 4 كرسي درجة أولى ... مدير الجمعية ميخائيل جرجس.»
24
الإشارة الثانية:
جاءت من خلال جريدة «السرور»، وتحديدا من مراسلها بالفيوم في 24 / 3 / 1892، قائلا فيها: «قدم إلينا جوق جمعية السرور بإدارة حضرة الأديب ميخائيل أفندي جرجس، فمثل بيننا عدة روايات أدبية أشهرها رواية «عائدة»، وقد مثلها أمس بحضور كثيرين، فأجاد الممثلون والممثلات بأدوارهم من حسن الإلقاء وبراعة التمثيل، سيما حضرة محمود أفندي رحمي، ممثل دور رمسيس رئيس الكهنة، وحضرة الخاتون الفاضلة «لطيفة» ممثلة دور عائدة؛ مما اضطر الحاضرون لاستعادة عدة أدوار مهمة يتخللها تصفيق الاستحسان، وقد وقف وكيلهم إبراهيم جرجس نخلة في المرسح خطيبا مظهرا فضل الروايات وما لها من التأثير على الهيئة الاجتماعية، ثم مدح الجوقة وأظهر براعتهم في هذا الفن، وختمه بالدعاء لسمو خديوينا المعظم ورجاله الكرام.»
25
الإشارة الثالثة:
جاءت في 22 / 12 / 1894، وقال فيها مراسل جريدة «المقطم» ببني سويف: «لا يزال جوق الأديب ميخائيل أفندي جرجس يمثل رواياته الأدبية، والجمهور شاكر لحسن انتقاء الروايات وبراعة الممثلين والممثلات، ولا سيما حضرة السيدة «لطيفة»، لحسن إلقائها وفصاحة نطقها، وحضرة الشيخ إبراهيم ذي الصوت الرخيم. ويمثل في مساء الغد رواية «أوتلو» الشهيرة، وهي رواية جديدة لم يسبق لهذا الجوق تمثيلها في هذا البندر.»
26
الإشارة الرابعة:
جاءت في 9 / 1 / 1896، من خلال مراسل جريدة «مصر» في المنصورة، قال فيها: «قد شرف بندرنا جوق السرور الوطني لحضرة ميخائيل أفندي جرجس، وسيمثل في هذه الليلة رواية «شهداء الغرام»، ويقوم بأهم أدوارها حضرة المطرب الشهير مصطفى أفندي علي والممثلة البارعة السيدة «لطيفة»، فعسى أن يجد من العموم إقبالا ينشط على هذا العمل المفيد لأبناء وطننا العزيز.»
27
الإشارة الخامسة:
جاءت أيضا من خلال مراسل جريدة «مصر» في المنصورة بتاريخ 22 / 1 / 1896، قال فيها: «شخص جوق حضرة ميخائيل أفندي جرجس الليلة الماضية بتياترو التفريح رواية «كليوباترا»، وقد أجاد جميع الممثلين، سيما حضرة المطرب البارع خالب القلوب بحسن نغماته مصطفى أفندي علي، الذي مثل دور أنطونيوس، والسيدة «لطيفة» التي مثلت دور كليوباترا، ووضعته في قالب من السبك والانتظام. وقد قام حضرة حنا أفندي فهمي وتلا خطبة على الحاضرين عن التشخيص وفوائده. وسيمثل هذا الجوق في ليلة الأحد القادمة رواية «يوسف الصديق»، فعسى أن يجد من الأهالي إقبالا.»
28
الإشارة الأخيرة:
ذكرتها جريدة «المقطم» في 28 / 2 / 1896، قائلة تحت عنوان «إعلان للمنوفية»: «بحوله تعالى قد استحضرنا جوقنا المشهور «بجوق السرور» إلى بندر شبين الكوم، وسنبتدئ في التمثيل ليلة الأحد المقبل، فنمثل رواية «صلاح الدين الأيوبي»، وسيقوم بأهم أدوارها حضرة المطرب مصطفى أفندي علي، وجناب السيدة «لطيفة» الشهيرة. فنرجو من حضرات الأعيان تشريفنا ليشاهدوا ما يسر خاطرهم، وعلى الله التوفيق ... ميخائيل جرجس صاحب جوق السرور.»
29
ومن الملاحظ على هذه الإشارات أنها تؤكد على أن السيدة «لطيفة عبد الله» هي بطلة جوق السرور وممثلته الأولى، وإذا عدنا إلى الوراء قليلا سنجد أن مسرحية «بلقيس» تم تمثيلها مرة واحدة فقط من خلال جمعية المعارف والنجاح وجوق الكمال وفرقة إسكندر فرح وجمعية الفتوح الخيرية، أما «جوق السرور» فقد مثلها أكثر من مرة!
30
وهذا يدل على أن السيدة «لطيفة» مؤلفة مسرحية «الملكة بلقيس» هي نفسها السيدة «لطيفة عبد الله» بطلة جوق السرور.
والدليل على ذلك أيضا أن غلاف نص مسرحية «الملكة بلقيس» لم يذكر اسم «لطيفة» بالكامل كما جاء في الإشارة الأولى، وهو «لطيفة عبد الله»! وتفسير ذلك - من وجهة نظرنا - يتمثل في أن الإشارة الأولى، والتي كتبها ميخائيل جرجس - صاحب جوق السرور على سبيل الإعلان عن فرقته - كانت في عام 1891، وهو من الأعوام الأولى لجوق السرور! ومن هنا كان لا بد لصاحب الجوق أن يعلن عن الأسماء الكاملة لأعضاء فرقته، خصوصا ممثلته الأولى. ولكن بعد مرور عام من التمثيل ونجاح جوق السرور؛ اكتفت الصحف بذكر اسم «لطيفة» فقط؛ دلالة على شهرتها وارتباطها بجوق السرور، هذا بالإضافة إلى عدم وجود أية ممثلة أخرى في هذه الفترة تدعى لطيفة! وبناء على هذا عندما ألفت لطيفة مسرحيتها «الملكة بلقيس»، وطبعتها عام 1893، لم تذكر اسمها كاملا على غلاف النص، على اعتبار أنها قد عرفت باسمها الأول فقط وهو «لطيفة».
ومما سبق يتضح لنا أن بطلة «جوق السرور» الممثلة «لطيفة عبد الله» هي مؤلفة مسرحية «الملكة بلقيس» التي طبعت ونشرت في أواخر القرن التاسع عشر، والتي مثلت عام 1893. وإذا أمعنا النظر في اسم «لطيفة عبد الله»، سنجده اسما مصريا مسلما؛ مما يدل على أن «لطيفة عبد الله» هي أول ممثلة ومؤلفة مسرحية «مصرية مسلمة»
31
والسبب في إثارة هذا الأمر أنه قبل اكتشاف هذا النص كان الاعتقاد السائد أن السيدة «منيرة المهدية» هي أول ممثلة مصرية مسلمة تعتلي خشبة المسرح عام 1915.
32
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: إذا كانت «لطيفة عبد الله» هي أول ممثلة ومؤلفة مسرحية مصرية، فلماذا لم تأخذ حظها من الشهرة التاريخية كما أخذتها منيرة المهدية، التي جاءت بعدها بسنوات، واشتهرت فقط بالغناء والتمثيل، وليس لها أي نشاط في التأليف؟! وهذا السؤال يؤدي بنا إلى سؤال آخر يقول: إذا كنا قد وجدنا ست إشارات صريحة كتبتها صحف القرن التاسع عشر عن الممثلة «لطيفة عبد الله» ... فلماذا لم يتنبه الكتاب والنقاد والمؤرخون المحدثون إلى هذه الممثلة المؤلفة، والكتابة عنها؛ كي تأخذ حقها التاريخي المسلوب؟!
والإجابة عن هذين السؤالين تتمثل في أن الممثلة والمؤلفة «لطيفة» كانت بطلة «جوق السرور» ... وهذا الجوق كانت له ظروف خاصة، تختلف عن ظروف بقية الفرق المسرحية الأخرى التي عملت في أواخر القرن التاسع عشر، وإذا تعرفنا على هذه الظروف سيتضح لنا لماذا أغفل الكتاب والنقاد والمؤرخون المحدثون الحديث عن شخصية «لطيفة عبد الله».
جوق السرور
ظهر هذا الجوق في حي بولاق الشعبي بالقاهرة في أواخر القرن التاسع عشر، وهذا الحي كان مشهورا بالحانات والمواخير والمقاهي الشعبية، وكان ميخائيل جرجس يملك فيه حانة مشهورة بتختها الموسيقي، فزين له البعض تكوين فرقة مسرحية تدر عليه بعض المكاسب المادية، وبالفعل أنشأ الفرقة، وبنى لها في بولاق مسرحا خشبيا.
33
بدأ إقبال الجمهور يزداد على هذه الفرقة منذ بدايتها؛ لأن الساحة الفنية كانت خالية من الفرق العربية الصغرى؛ مما جعلها تعرض مسرحياتها في بعض أقاليم الصعيد، مثل ملوي وديروط وسوهاج عام 1889.
34
وبعد هذه الرحلة الإقليمية عاد الجوق إلى عرض مسرحياته على مسرحه الخشبي ببولاق في عام 1890، ومنها مسرحية «ناكر الجميل» ومسرحية «الهوى العذري»
35
لم يكتف ميخائيل جرجس بجمهور مسرحه الخشبي ببولاق، ولكنه نقل نشاطه إلى مسرح آخر بالقاهرة، أخبرتنا به جريدة «المقطم» قائلة: «لا يزال حضرة الأديب ميخائيل أفندي جرجس مدير الجوق الوطني يمثل رواياته الأدبية، وقد نقل محل التمثيل إلى الألدرادو بسكة الرويعي، وراء الأوتيل دوربان. فمن شاء استماع الروايات العربية واغتنام فرص الأنس والسرور؛ فليذهب إلى الألدرادو المذكور.»
36
وعلى هذا المسرح مثل الجوق مسرحيات عديدة، منها مسرحية «قوت القلوب»
37
وبعد أيام قليلة وجدنا ميخائيل جرجس ينتقل إلى مسرح آخر أقامه في منطقة «النصرية»، بجوار منزل قاسم باشا، أمام مدرسة المبتديان،
38
فمثل به عدة مسرحيات، منها مسرحية «يوسف الصديق»، بطولة مصطفى علي ولطيفة عبد الله.
39
وبعد شهرين تقريبا وجدناه أيضا ينتقل بفرقته إلى مسرح جديد أقامه في منطقة باب الشعرية. وعن هذا الأمر قالت جريدة «المقطم» في 18 / 4 / 1891: «في هذا المساء، تمثل جمعية السرور برئاسة مديرها حضرة ميخائيل أفندي جرجس رواية «حب الوطن»، ومحل التشخيص في باب الشعرية أمام الملاحة بسوق الجراية؛ ولأجل ذلك اقتضى نشر هذا الإعلان.»
40
بعد انتهاء عروض الفرقة بباب الشعرية وجدناها تقوم برحلة فنية طويلة في أقاليم مصر استمرت عامين، وتحديدا من يوليو 1891 وحتى يونيو 1893. وقد مثلت الفرقة في هذه الرحلة عدة مسرحيات، منها: «بلقيس»، «الصياد»، «عائدة»، «المعتمد بن عباد»، «ميتريدات»، «جنيعياف»، وقام بتمثيلها أعضاء الفرقة، ومنهم محمود رحمي ولطيفة. أما الأقاليم التي زارتها الفرقة فمنها: أبو تيج، سوهاج، طنطا، الفيوم، المنيا.
41
وبعد عودة الفرقة إلى القاهرة استأجر ميخائيل جرجس - في أواخر عام 1893 - الملهى الوطني أمام السكاتنج رنج، بالقرب من الباب البحري لحديقة الأزبكية ، وعلى هذا المسرح مثلت الفرق عدة مسرحياتها، منها: «الأمير محمود»، «أحوال العشاق»، «عائدة»، «عواقب الأمور»، «الأمير أبي العلاء»، «تليماك»، «إظهار الحق»، «كليوباترا»، «انتصار المؤمنين واجتماع المحبين»، «القائد المغربي». وقام ببطولة هذه المسرحيات: لطيفة ومصطفى علي والشيخ إبراهيم أحمد.
42
وفي أوائل عام 1894 ذهب الجوق إلى الإسكندرية، فاستأجر ميخائيل جرجس قاعة كونيليانو، ومثل بها عدة مسرحيات، منها: «كرم العرب»، «بلقيس»، «الأمير حسن»، «الملكة كليوباترا»، «أوتلو»، «الفتاة المفقودة»، «العلم المتكلم».
43
وفي نهاية عام 1894 ذهب الجوق في رحلة فنية إقليمية إلى بني سويف والمنيا وأسيوط وسوهاج وقنا، وغيرها من أقاليم مصر، ومثل بها عدة مسرحيات منها: «أوتلو»، «شهداء الغرام»، «كليوباترا»، «يوسف الصديق»، «صلاح الدين الأيوبي».
44
وفي أكتوبر 1896 عاد الجوق إلى القاهرة، وقام ميخائيل جرجس بتجديد مسرحه الخشبي القديم ببولاق، وأطلق عليه مسرح الكوكب العباسي، ومثل به عدة مسرحيات، منها: «صلاح الدين الأيوبي مع ريكاردوس قلب الأسد»، «أنيس الجليس»، «محاسن الصدف»، «شهداء الغرام»، «هارون الرشيد»، «حفظ الوداد»، «عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة»، «عائدة»، «بديع الزمان».
45
ومنذ يناير 1897 وحتى أكتوبر 1899 ذهب الجوق في رحلة فنية إلى أقاليم مصر، مثل: الفيوم، المنيا، أسيوط، قنا، ملوي، سوهاج. ومثل بها عدة مسرحيات، منها: «نابليون بونابرت»، «عنترة»، «يوسف الصديق»، «السيد»، «صلاح الدين الأيوبي»، «شهداء الغرام»، «الملك العادل».
46
وكانت هذه الرحلة هي آخر ما أمدتنا به صحف القرن التاسع عشر من معلومات عن جوق السرور أو عن ميخائيل جرجس.
هذا هو مجمل تاريخ «جوق السرور»،
47
الذي كانت بطلته الممثلة «لطيفة عبد الله». وإذا أمعنا النظر في هذا التاريخ سنلاحظ أن جوق السرور كانت له ظروف خاصة، تختلف عن ظروف بقية الفرق المسرحية التي عاصرته في هذه الفترة، مثل فرقة سليمان القرداحي وفرقة القباني وفرقة إسكندر فرح. وهذه الظروف جعلته طوال تاريخه من الفرق الصغرى المهملة؛ مما جعل أغلب النقاد والكتاب المحدثين لا يهتمون به أو بتاريخه، وهذه الظروف تتمثل في:
أولا:
أن جوق السرور لم يكن له مسرح فاخر يغري به رواده من جمهور الطبقة المتوسطة أو الراقية، فقد كان مسرحه الثابت «مسرحا خشبيا» - أشبه بخيمة السيرك - وكان يقع في حي بولاق الشعبي.
ثانيا:
لم تهتم الصحف بهذا الجوق كاهتمامها ببقية الفرق المسرحية الأخرى، وجميع الإشارات الواردة في الصحف عن هذا الجوق كانت من قبيل الإعلان عنه. هذا بالإضافة إلى أن الصحف لم تكتب تاريخا أو نقدا لجوق السرور، بالمقارنة بكتاباتها عن الفرق المسرحية الأخرى، والسبب في ذلك راجع إلى أن جوق السرور لم تطأ أقدام ممثليه أية خشبة مسرح من المسارح الكبرى الشهيرة، ومن المعروف أن الصحف كانت تهتم وتغطي عروض الفرق التي تمثل في المسارح الكبرى، مثل: دار الأوبرا الخديوية ومسرح الأزبكية ومسرح زيزينيا.
ثالثا:
كان جوق السرور يقدم عروضه المسرحية في القاهرة داخل مسارح وقاعات متواضعة وهزيلة ومجهولة! والدليل على ذلك أن الصحف كانت تجهد نفسها في وصف مكان العرض الخاص بهذا الجوق للقراء، فمثلا نجدها تقول عن أحد مسارحه: «الألدرادو بسكة الرويعي خلف أوتيل دوربان»، علما بأن «الألدرادو» في الأصل أحد المقاهي الشعبية.
48
ثم تصف مسرحا آخر قائلة: «في النصرية بجوار منزل سعادة قاسم باشا، أمام مدرسة المبتديان»، ثم تصف مسرحا ثالثا قائلة: «محل التشخيص في باب الشعرية أمام الملاحة بسوق الجراية»، وأخيرا تقول: «الملهى الوطني أمام السكاتنج رنج، بالقرب من الباب البحري لحديقة الأزبكية»، علما بأن هذا الملهى هو في الأصل معرض تجاري للسيدة «ونتر».
49
رابعا:
كان جوق السرور من الفرق التي ترتحل بمسرحها الخشبي في الأقاليم، وتمكث بها أعواما كثيرة لتقديم عروضها المسرحية لأهالي الأقاليم.
هذه الظروف في مجملها حكمت على جوق السرور بأن يكون من الأجواق المهملة، بالقياس إلى الأجواق المعاصرة له في أواخر القرن التاسع عشر، وهذا الإهمال أصاب أيضا النقاد والكتاب والمؤرخين المحدثين، فلم يلتفتوا إلى هذا الجوق التفاتا يعيد له حقه التاريخي، ومن التفت إليه من المحدثين كتب عنه عدة أسطر قليلة، واعتبره من الفرق الصغرى،
50
وأكد أن نشاطه توقف عند عام 1896،
51
رغم أننا وجدنا أخبارا مستمرة عنه حتى أكتوبر 1899. فإذا كان هذا التجاهل أصاب تاريخ فرقة مسرحية كاملة، كما أصاب صاحبها أيضا ميخائيل جرجس، فهل بعد هذا التجاهل يلتفت الكتاب والنقاد إلى الممثلة «لطيفة عبد الله» إحدى ممثلات هذه الفرقة المهملة؟!
نص المسرحية
إذا كنا قد انتهينا فيما سبق من توثيق وتحقيق نص مسرحية «الملكة بلقيس»، وأثبتنا أنه طبع في أواخر القرن التاسع عشر، وأن السيدة «لطيفة عبد الله» باعتبارها أول مؤلفة وممثلة مسرحية مصرية مسلمة هي مؤلفة النص، وأنها كانت بطلة جوق السرور الذي مثل المسرحية عام 1893، فيجب علينا أن نتحدث عن نص هذه المسرحية بشيء من التفصيل.
تبدأ أحداث هذه المسرحية بخبر عن هجوم «الديلم» لمملكة بلقيس؛ ومن ثم استعداد بلقيس وجيشها لصد هذا العدوان، وبالفعل تنتصر بلقيس وتأسر عددا كبيرا من جنود الأعداء التي تستعرضهم في مجلسها كنوع من الافتخار وإظهار قوتها أمام الجميع. وفي هذا المشهد يتقدم أحد الأسرى، وهو «بختيار»، كي يستعطف الملكة من أجل فك أسره، وبالفعل تلبي بلقيس طلبه بعد أن وقعت في غرامه من أول نظرة.
وهذا الغرام لم يصب بلقيس وحدها في هذا الموقف، بل أصاب أيضا ابنتها «جوليا» خطيبة «فرناس»، التي تتنكر له وتبتعد عنه بكل وسيلة ممكنة؛ مما جعله يفضح سر حبها لبختيار إلى أمها بلقيس. وأمام هول هذه المفاجأة نجد بلقيس تدبر بعض الحيل الماكرة؛ لتتأكد من تبادل الحب بين ابنتها «جوليا» وبين أسيرها وحبيبها «بختيار»، وعندما تتأكد من ذلك تأمر الجنود بسجنهما تمهيدا لقتلهما معا.
وأثناء سجن الحبيبين تقوم بلقيس بزيارتهما عدة مرات، وتحاول كل مرة إقناعهما بالابتعاد عن بعضهما دون جدوى، فتصر بشدة على قتلهما، ولكن هجوم بعض الأعداء على المملكة يؤجل هذا الإصرار بعض الوقت. وبعد انتصار بلقيس على أعدائها تعيد الكرة مرة أخرى، في محاولة منها لتجنب قتل الابنة والحبيب، ولكن دون جدوى أيضا. وأخيرا تهم بقتلهما معا بضربة من سيفها، فيقع السيف على ابنتها الأخرى «فوديم» فتموت في الحال، وتصاب بلقيس بحالة من الذعر لقتلها ابنتها البريئة، فتمسك بالخنجر وتطعن نفسها به فتموت، وتنتهي المسرحية بزواج بختيار من جوليا.
ومن هذا الملخص لأحداث المسرحية يتضح لنا أن مسرحية «الملكة بلقيس» مسرحية مؤلفة تأليفا صرفا ...! والسبب في التأكيد على هذا الأمر - رغم وجود كلمة «تأليف» على غلاف المسرحية - راجع إلى أن معظم المسرحيات المكتوبة في هذا العصر، كانت إما مترجمة أو مقتبسة أو ممصرة ... وكان كتابها يكتبون على أغلفتها كلمة «تأليف»!
والقارئ عندما يقرأ غلاف المسرحية يتبادر لذهنه للوهلة الأولى أن المسرحية تتحدث عن تاريخ «بلقيس» كما جاء في كتب التاريخ وكتب التفاسير، ويظن أيضا أنه سيقرأ عن عرشها الأسطوري، وأحداثها مع هدهد سيدنا سليمان ... إلخ الأحداث التاريخية والدينية المعروفة.
52
ولكن المؤلفة لطيفة لم تأت بأي شيء من هذا، واكتفت فقط باسم «بلقيس»، وبعض مظاهر حكمها وقوتها العسكرية، هذا بالإضافة إلى استخدامها لبعض الأسماء التي لم ترد في تاريخ بلقيس الحقيقي.
وبالرغم من حقيقة تأليف هذه المسرحية في هذا الزمن، إلا أن المؤلفة كتبتها بصورة تتفق مع إمكانيات وظروف جوق السرور من جهة، ومع ظروف وطبيعة العروض المسرحية في أواخر القرن التاسع عشر من جهة أخرى، والنقاط الدالة على ذلك تتمثل في:
الديكور يكاد يتشابه من فصل إلى آخر؛ تخفيضا للنفقات، وهذا بالطبع يتناسب مع إمكانيات جوق السرور كفرقة مسرحية متواضعة، تعرض أعمالها في المسارح والصالات المتواضعة، فالديكور في الفصل الأول عبارة عن (تخت ملوكاني)، وفي الفصل الثاني (صالة ملوكاني)، وفي الفصل الثالث (حديقة الملكة)، وفي الفصل الأخير (السجن).
كثرة الحديث عن الحروب والانتصارات، وتوالي هجوم الأعداء على مملكة بلقيس ... ورغم ذلك لم نر هذه الأحداث تدور على خشبة المسرح تبعا لإرشادات النص، بل وجدنا أقوالا تقال ضمن الحوار؛ لتدل على أن الأحداث تجري خلف الكواليس، وهذا الأسلوب يتناسب أيضا مع الإمكانيات المادية الضعيفة لجوق السرور.
عدد صفحات المسرحية 46 صفحة من القطع الصغير، وهذا يدل على أن زمن عرضها قصير جدا، رغم أنها مكونة من أربعة فصول، وهذا الزمن يتناسب أيضا مع طبيعة عروض جوق السرور ونوعية جمهوره كفرقة متجولة في الأقاليم!
يتميز الحوار بلغته العربية الفصيحة، وكثرة المقاطع الشعرية والغنائية والنثرية ذات الصنعة اللفظية المفرطة في السجع ... وهذا كله من سمات النصوص والعروض المسرحية في القرن التاسع عشر.
وعلى الرغم من قيام لطيفة بتأليف هذا النص المسرحي، إلا أنها وقعت في مزلق عدم منطقية الأحداث، ومنها على سبيل المثال:
حوار الأختين «جوليا، فوديم» (ص10-11) حول حب جوليا لخطيبها فرناس ولهفتها لإتمام الزواج، لا يتناسب مع حوار جوليا لخطيبها وصدها له (ص18، 19، 20) علما بأن هذا الحوار هو أول حوار بين الخطيبين يجده القارئ في نص المسرحية.
حديث بختيار أمام الملكة كأسير (ص15) حديث عادي جدا، لا يرقى لأن يكون السبب في وقوع بلقيس كملكة في حبه! والأغرب من ذلك أن هذا الحديث نفسه كان السبب أيضا في وقوع جوليا في حبه رغم خطبتها لفرناس وحديثها عنه ولهفتها للزواج منه!
حديث جوليا لذاتها عن حبها لبختيار غير منطقي (ص17-18)؛ لأنه يوحي للقارئ بأن جوليا أحبت بختيار بصورة كبيرة جدا، لدرجة أنها لا تستطيع الابتعاد عنه، رغم أنها لم تره إلا مرة واحدة، وبالرغم من ذلك تقول إن حب بختيار أنساها حب خطيبها فرناس! وهذا الأمر ينطبق أيضا على حديث بختيار عن حبه لجوليا (ص20)، رغم أنها مخطوبة لأحد الوجهاء وابنة ملكة، وهو أسير!
حديث جوليا لبختيار (ص21) يوحي بأن الحب ربط بينهما منذ زمن بعيد، رغم أنهما لم يتقابلا إلا من لحظات قصيرة.
إصرار بلقيس طوال المسرحية على قتل ابنتها وحبيبها من أجل التفريق بينهما أمر غير منطقي (ص30، 34، 39، 40، 41، 42، 45).
وقوع السيف في نهاية المسرحية بطريق الخطأ على ابنة بلقيس «فوديم» وموتها؛ أمر غير منطقي أيضا (ص46-47).
الفصل المضحك
إذا عدنا مرة أخيرة إلى غلاف المسرحية؛ سنجد عبارة تقول: «ويعقب هذه الرواية فصل مضحك للغاية يقال له فصل العفريت»! وبالفعل سيجد القارئ بعد انتهاء مسرحية الملكة بلقيس فصلا مضحكا بعنوان «العفريت»! وهذا الفصل - في ظني - أهم بكثير من اكتشاف نص المسرحية نفسه، وأهم بكثير من اكتشاف أول مؤلفة وممثلة مسرحية مصرية ومسلمة ... إلخ ما تحدثنا به فيما سبق.
وهذه الأهمية ترجع إلى أننا من الممكن أن نجد بعض إشارات صحف القرن التاسع عشر التي تتحدث عن الفصول المضحكة، ورغم ذلك لن نجد أي تفصيل عنها، وكل ما سنجده عبارة عن بعض أسماء هذه الفصول، أو بعض من يقوم بتمثيلها من الممثلين، أو بعض الفرق المسرحية المتخصصة فقط في تمثيل هذه الفصول!
فعلى سبيل المثال وجدنا فصولا مضحكة مثلت في القرن التاسع عشر، ومنها: السكران، البخيل والسكران، الأدباتي، القرعة العسكرية، من جاءني بالليل، الأخ الخائن، الدب، القهوجي، الوزير الخائن، ليلة بنفيس، الجزائر، أصلان بك، قنصل اللوكاندة، أرسلته خاطبا لي فتزوج، الفيلسوف والغيور، لا أتزوج ولو شنقوني، الطبيب والمريضة. أما أسماء أشهر ممثلي هذه الفصول، فوجدنا منهم: محيي الدين الدمشقي، حسين الإنبابي، حنا نقاش، كامل. ويعتبر الجوق الدمشقي أو الشامي هو أشهر فرق القرن التاسع عشر في تمثيل هذه الفصول.
53
وعلى الرغم من وجود أسماء هذه الفصول المضحكة، وأسماء ممثليها، وأسماء فرقها ... إلا أننا لم نجد أي تفصيل أو تلخيص منشور لها في صحف القرن التاسع عشر؛ لذلك يعتبر الفصل المضحك «العفريت» أول فصل مضحك منشور في تاريخ المسرح العربي بصفة عامة، والمسرح المصري بصفة خاصة، في القرن التاسع عشر.
والفصول المضحكة هي فصول حوارية قصيرة جدا، كانت الفرق المسرحية تختتم بها عروضها المسرحية، من أجل إضحاك الجمهور، وترك البسمة على شفتيه قبل أن يترك المسرح، وذلك على غرار ما تقوم به الآن بعض القنوات التلفزيونية في نهاية إرسالها.
ومن خلال فصل «العفريت» - وكذلك أسماء الفصول المضحكة السابقة - نستطيع أن نضع بعض السمات العامة التي تتسم بها هذه الفصول، والتي تتمثل في:
بساطة الديكور: حيث إن الفصل المضحك عبارة عن أحد المشاهد القصيرة، التي لا تحتاج إلى تغيير كبير في الديكور.
اللغة العامية هي اللغة المفضلة.
كوميديا الموقف، وكوميديا اللفظ: من أفضل الأنواع الكوميدية المستخدمة.
استخدام بعض اللهجات المحلية لبعض الأقاليم المصرية.
استخدام بعض الألفاظ المتداولة في الحرف والصناعات.
استخدام الألفاظ النابية بكثرة ملحوظة.
السخرية المفرطة لبعض المنتمين لطبقات اجتماعية متدنية.
النتائج (1)
نص مسرحية «الملكة بلقيس» مطبوع ومنشور في أواخر القرن التاسع عشر، على الرغم من عدم طباعة سنة النشر، وذلك تبعا لأسلوب نشر المسرحيات وطريقة الطباعة بالحجر. (2)
نص مسرحية «الملكة بلقيس» مؤلف تأليفا صرفا رغم شيوع وضع كلمة «تأليف» على أغلفة المسرحيات المترجمة والمقتبسة والممصرة في القرن التاسع عشر. (3)
مؤلفة نص مسرحية «الملكة بلقيس» هي «لطيفة عبد الله»، على الرغم من عدم ذكر الاسم بالكامل على غلاف المسرحية. (4)
جوق السرور هو أكثر الأجواق المسرحية تمثيلا لهذه المسرحية، خصوصا في عام 1893. (5)
نص مسرحية «الملكة بلقيس» المنشور في هذا الكتاب هو نسخة التمثيل، بدليل وجود أسماء الممثلين أمام أسماء شخصيات المسرحية، ومكتوبة بخط اليد من خلال «الريشة والمداد»، وهو أسلوب الكتابة في القرن التاسع عشر. (6)
مؤلفة المسرحية «لطيفة عبد الله» هي بطلة جوق السرور، وهي أول مؤلفة وممثلة مسرحية مصرية مسلمة. (7)
الفصل المضحك «العفريت» هو أول فصل مضحك في تاريخ المسرح العربي نجده منشورا في كتاب مطبوع في القرن التاسع عشر.
د. سيد علي إسماعيل
رئيس قسم الدراسات الأدبية
كلية دار العلوم، جامعة المنيا
الملكة بلقيس
الفصل الأول
الجزء الأول (تنكشف الستارة عن هيئة تخت ملوكاني وبه الملكة جالسة، والحرس ينشدون اللحن الآتي):
الجميع (للملكة) :
ملك مولاتي الورى شمس الزمان
وثناها في سماء العز بان
أبقها يا ربنا طول الزمان
في سرور وأمان وأمان
بهجة الدنيا السنية
عدلها أحيا البرية
إذ غدت شمسا زهية
في حمى الذات العلية
في المعالي ترتقي أعلى مكان
حيث يزهو قدرها ذاك المصان
ملكها الزاهي تحلى بالأمان
وصفا وقت التهاني والزمان
ملكة (لذاتها) :
هي القناعة فالزمها تكن ملكا
لو لم يكن لك إلا راحة البدن
وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها
هل راح منها بغير القطن والكفن؟!
الجزء الثاني (ملكة - مخبر - حرس)
مخبر (للملكة) :
خانت الديلم عهد الذمم
فابتغوا دون الورى أخذ البلد
ورمونا في بحار العدم
من خيول ورماح وعدد
قد دهينا في ذهاب الرحم
بعد إتلاف الأهالي والولد
فأدركينا بجيوش النقم
وأسعفينا أسعفينا بالمدد
ملكة (للمخبر) :
ما عندك من الأخبار؟ أزل نقاب الكشف عن محيا الاستتار.
مخبر (للملكة) :
اعلمي يا ملكة الدهر ، وتاج إكليل المعالي والفخر، أن الديلم قد اغتروا بحلمك الوافر، وعدلك الباهر، فأعلنوا علينا الحرب، وأذاقونا الهم والكرب، وملكوا البلاد، وشتتوا شملنا في كل ناد، وأسروا الموالي، ولم يراعوا حق عدلك العالي، فأدركينا بالفرسان، قبل ما نقع في الهوان.
ملكة (للمخبر) :
قد علمت ما به ذكرت، وفهمت ما به أشرت، فاذهب وحرض الأهالي على الثبات مع الصبر؛ ليزول عنهم القهر، ثم هيئ نفسك مع رجالك الأبطال، واستعدوا للمفاخرة في ميدان الحرب والقتال، وسأتبعكم برجال لا تهاب اللقاء.
مخبر (للملكة) :
أمرك يا صاحبة الوفاء (ويخرج) .
ملكة (لذاتها) :
غر العدا فرط حلمي فاستطالوا على
ممالكي وبغوا واستوطنوا الطللا
إني لمالكة بالعدل حاكمة
لكن لي همة لا تعرف الكسلا
العدل دأبي وفرط الحلم من شيمي
وصارمي في الوغى لا يصحب الفللا
مواقفي في الوغى بين الورى اشتهرت
وسطوتي في اللقا قد دكت الجبلا
لا عشت إن لم أفرق جمعهم سربا
وينسني ذكرهم بين الورى مثلا
إني لأعجب من اغترار العدو بحلمي، وتصديه لظلمي، وتعديه على بلادي، واجترائه على عنادي، ولم يدر أنني ثابتة الجنان، كثيرة العساكر والأعوان، يشهد لسطوتي السيف والقلم، كما تشهد بعدلي سائر الأمم! ليت شعري ما الذي رآه العدو من ضعف قوتي حتى تجرأ على إزعاج رعيتي، وأنا الملكة بلقيس، صاحبة الجاه النفيس، عالية الهمم، كثيرة النعم، مواقفي مشهورة، وعساكري بعون الله منصورة، فتأهبوا يا بني الديلم للقاء جيشي العرمرم.
ألا خبروا جمع الديالم أنه
ستأكلهم يوم الوغى الكواثر
وتخرق أمعاهم رماح زوابل
وتجري دماهم في الفيافي البواتر
قد ابتدءوا في البغي والبغي دأبهم
ولكن على الباغي تدور الدوائر
ملكة (لذاتها) :
نعم نعم، ينبغي التصميم على الحرب، والقيام بوظيفتي الطعن والضرب؛ لأخرج العدو من الوطن، وأصرف عني وعن رعيتي الهم والحزن، ولكن يلزمني أن أستجلب ناظر الحرب إلى هذا المكان؛ لأسأله عن انتظام عساكري والأعوان. آتني بناظر الحرب إلى هذا المكان!
خادم (للملكة) :
أمرك يا رفيعة الشان (ويخرج) .
ملكة (لذاتها) :
لكل امرئ من دهره ما تعودا
ومن عادتي إغماد سيفي بالعدا
هم جعلوني في اللقا بازا لصيدهم
ولم يعلموا أني لهم أجلب الردى
ومن يجعل الضرغام بازا لصيده
تقيده الضرغام فيما تقيدا
وإني محضت الحلم في محض قدره
ولو شئت كان الحلم مني المهندا
وإن أنت أكرمت الكريم ملكته
وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
ووضع الندى في موضع السيف في العلا
مضر كوضع السيف في موضع الندى
الجزء الثالث
وزير (للملكة) :
أنعمي صباحا أيتها الملكة العادلة، والوحيدة الفاضلة.
ملكة (للوزير) :
أهلا بفارس الزمان، وغرة هذا الأوان، كيف تركت عساكري أيها الوزير، والفارس الشهير؟ هل هم على ما هم عليه من الشجاعة، والبسالة وكمال الطاعة؟
وزير (للملكة) :
نعم نعم، هم على ما تعهديهم من الشجاعة، والانقياد وكمال الطاعة، وهم في غاية الشوق للقاء الأعداء؛ لكي ينزلوا بهم الضر والبلاء.
ملكة (للوزير) :
هاتني بجملة منهم لأرى انتظامهم وغيرتهم وإقدامهم.
وزير (للملكة) :
أمرك يا غاية الأمل.
ملكة (للوزير) :
أحضرهم إلى هنا بالعجل. (لذاتها)
إنا لنبني على ما شيدته لنا
آباؤنا الغر من مجد ومن كرم
لا يرفع الضيف عينا في منازلنا
إلا إلى ضاحك منا ومبتسم
إني إذا كان قومي في الورى علم
فإنني علم في ذلك العلم
الجزء الرابع (وزير الحرب - وحرس - وعسكر - وقواد) (ينشدون اللحن الآتي جميعا):
الجميع (للملكة) :
جئنا يا ذات المعالي
فأمري جمع عبيدك
لتباشر في النزال
وتري فعل جنودك (لحن):
مخبر (للملكة) :
جيوشك اليوم يا ذات العلا والفخر
تبغي لقاء الديالم بالسيوف البتري
حزنا من الرب على أعدائنا النصر
والسيف يشهد لنا والعاليات السمري
ملكة (للجميع) :
يا معشر الأبطال، وفرسان النزال، قد جمعتكم لأمر لا أجد غيركم من هو أهله، ولا أرى سواكم مساعدا لي على حمل ثقله، فهل أنتم في موضع ظني أيها الأبطال إذا التقت الجماعات وافتخرت الرجال؟ أو يدخل نظم جمعكم اختلال؟ أو يطمع في تفريق كلمتكم عدو محتال؟ كلا، إني لا أظن هذا في رجالي، وهيهات أن تتصف بذلك أبطالي، فجردوا سيوفكم من الأغماد، وقاتلوا أرباب الفساد والعناد؛ لأنكم عماد دولتي، وبكم تقوى صولتي ، فقووا شوكتي، واحموا حوزتي؛ لأنني لهذا اليوم خبأتكم، ولمثل هذا اليوم ادخرتكم. واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف، وأن من لحقه منكم هلاك أو حتوف، فهو حي في الدارين، وقد باء بإحدى الحسنيين. وأما من أدبر وأحجم، فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم. فاملئوا قلوب الأعداء رعبا، وأذيقوهم نكالا وضربا، وكونوا لهم قاهرين، وعلى جموعهم ظافرين، واحموا الوطن من أعدائكم الأشرار؛ لأنكم لملكي حماة وأنصار، وإنكم لحماية الدين ركن مكين، ولحفظ الوطن حصن حصين، وسترون مليكتكم يوم القتال، تقتحم بنفسها أهوال الحرب والصدام:
وأشوق قلبي لحرب أبتغي فيها
قتل الأعادي وسيفي اليوم يفنيها
عار على ملكة لم تحم بلدتها
أنا بلادي بعون الله أحميها
من جسمكم يا رجال الحرب أجمعها
ذات المخالب إن جاءت بأغزيها
النصر حالفني والأسد ترهبني
والإنس والجن والدنيا وما فيها
وزير (للملكة) :
يا غرة هذا الدهر، وفريدة هذا العصر، أبشري بالعز والنصر، وسنرمي أعداءنا بسهام المذلة والقهر، وها أنا ذا رجالي مستعدون، لمهاجمة الأعداء ومباشرة الطعن والنزال، فأبشري بالعز والفوز على الأعداء اللئام، بهمة فرساننا الكرام، فسنقاتل الأعداء برا وبحرا، ونترك لحربنا على صفحات التاريخ ذكرا، فاستعدوا يا معشر الديالم لحربي، وانتظروا طعني في صدور أبطالكم وضربي:
مليكتي إن كان ظل القصطلي الحلكي
أخفى عليك قتالي يوم معتركي
فسائلي فرسي هل كنت أطلقه
إلا على موكب كالليل محتبك؟
وسائلي الرمح عني هل طعنت به
إلا المدرع بين النحر والحنك؟
وسائلي السيف عني هل ضربت به
يوم الكريهة إلا هامة الملك؟
أسقي الحسام وأسقي الرمح نهلته
وأتبع القرم لا أخشى من الدرك
كم ضربة لي بحد السيف قاطعة
وطعنة شكت القربوس بالكرك!
لولا الذي ترهب الأملاك قدرته
جعلت متن جوادي قبة الفلك
ملكة (للجميع) :
بارك الله فيكم أيها الأبطال، وها أنا سائرة أمامكم في ميدان القتال. (لحن):
الجميع (للملكة) :
في مجال الحرب نبغي الافتخار
في البراري والقفار
ونحوز الافتخار
والعلا والاشتهار
بجميل الاصطبار
وجليل الاعتبار
ولواء النصر يهدينا الفخار
أمان أمان لعلاك والمقام
إذ به نلنا المرام
بجميل الصبر مع حسن الختام (تم الفصل الأول)
الفصل الثاني
الجزء الأول (جوليا - فوديم) (ترفع الستارة عن هيئة صالة ملوكي.)
جوليا (لفوديم) :
أختاه قلبي به النيران تلتهب
ونهر دمعي بروض الخد ينسكب
وإنني في بحار الوجد غارقة
وإن قلبي لبعد الأم يطرب
فراق أمي ضنى جسمي وأتلفني
كذاك بعد خطيبي أمره عجب!
فوديم (لجوليا) :
شقيقتي، إن أمي ستعود عن قريب، وقد أتى حبيبك الخطيب.
جوليا (لفوديم) :
أخطيبي أتى يا شقيقتي؟
فوديم (لجوليا) :
نعم يا ملكة مهجتي.
جوليا (لفوديم) :
وا فرحاه! إني لرؤيته لفي غاية الاشتياق، وإن قلبي لرؤية والدتي لفي احتراق.
فوديم (لجوليا) :
أما حب خطيبك أمر ما فيه اختلاف، وهو منتظر رجوع أمك ليحظى بالزفاف، وقد أتتنا البشائر برجوع والدتي الملكة مكللة بإكليل النصر، يعلو على رأسها ألوية الفخر، فأظهري البسط والانشراح، فإني أسمع صوت أفراح، اسمعي اسمعي!
الجزء الثاني (ينشدون اللحن الآتي من الخارج):
جوقة (لنفسها) :
في حمى شمس الكمال
نحن أبطال القتال
بأسنا هد الجبال
في الوغى يوم النزال
شمس أيام الهنا
نورها باهي السنا
حيث قد نلنا المنا
بانتصار قد دنا
بالهنا والافتخار
وجميل الاصطبار
ملكة ذات اقتدار
تزدهي في افتخار (هنا تصدح الموسيقى مرشا عسكريا ويدخلون القواد والعساكر، وأمامهم الملكة وعليهم علامات الانتصار.)
ملكة (لذاتها) :
الحمد لله نلت النصر في الحرب
وسقيه العدا كأسا شديدا من الكرب
تفرقوا في الوغى مثل القطا سربا
لما رءوا شدة الأبطال في الضرب
جوليا (للملكة) :
بالنصر والفخر والعليا بلا نصب
حزت الهنا والمنى مع غاية الأرب
والنصر والمجد والعز التي اشتهرت
به الملوك ونالت غاية الأدب
ملكة (لجوليا) :
الحمد لله يا ابنتي، قد نلت في الحرب بغيتي، ورجعت بحمد الله منصورة، ببسالة عساكري المشهورة، وأسرت فرسان الأعداء، وأوقعت بهم الضر والبلاء.
جوليا (للملكة) :
لمثل هذا فليعمل العاملون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وإني أيتها الملكة العادلة، والوحيدة الفاضلة، قد قر ناظري، وانشرح خاطري، بنيلك هذه الأماني، فأقدم واجب التهاني، ورجائي من مكارمك العلية، ومحاسنك الزكية، إحضار الأسرى إلى هذا المكان؛ تذكارا لجلالتك من رفعة الشان.
ملكة (للياور) :
أحضروا الأسرى إلى هذا المكان.
ياور (للملكة) :
أمرك يا رفيعة الشان. (لحن):
الجميع (للملكة) :
ربة الأمر المطاع
شرفت كل البقاع
ذكرها بالعدل شاع
ولها النصر أطاع
قدرها سام جليل
ولها ذكر جميل
جودها لا عن مثيل
وهو للعاني كفيل
اهنئي شمس الكرام
بالمنى نلت المرام
واحمدي رب الأنام
حيث قد تم السلام (ويخرجون)
ملكة (للوزير) :
اجلس أيها الوزير، والفارس الشهير، فإني أشكرك على حسن التدبير، فأنعم بك من مدبر خطير، حافظت على الوطن، وصرفت عني وعن رعيتي الهم والحزن.
الوزير (للملكة) :
ما أنا يا يا مولاتي إلا عبد دولتك، وغرس نعمتك، وما هذا إلا واجب ذمتي، وسبب نعمتي، والحمد لله على إحساناته الجليلة، وإنعاماته الجزيلة؛ إذ قد نصرنا على أعدائنا، وثبت أقدامنا، وللحق هدانا بحسن تدبيرك يا ملكة الزمان، وشمس سماء المجد وغرة هذا الأوان، فجلالتك العلية مفروض إكرامها، وألوية جيوشك مرفوعة بالنصر أعلامها، فلا زال النصر خادما لأعتابك، والعز والفخر ملازمين لبابك، بحيث يبتهج بك الوقت ويزدهي، وينتظم بك عقد المسرة ولا ينتهي.
الجزء الثالث (عسكر - قواد - أسرى) (لحن):
جوقة (للملكة) :
البسي يا ذخرنا ثوب النعيم
فالصفا هنا
وانجلى بعد الهنا ليل الهموم
وانتفى عنا
قد أتينا بالأسارى في القيود
يشتكوا الذلا
فاهنئي رغما عن كيد الحسود
واحمدي المولى
بختيار (للملكة) :
مولاتي، زادت هواجس الضمائر، واشتغلت خفايا السرائر، والثقة بحلمك أوفى عمل، والاعتماد على فضلك أزكى أمل، فأعتقي أسيرا متوسلا إليك بعدلك، وواقفا بأعتابك الكريمة معتمدا على فضلك، وارحمي العبرة، وأقيلي العثرة، وفكي أسر هؤلاء المساكين، واعطفي على عبيدك المهانين، فقد تكدرت حياتنا، وتنغصت لذاتنا، وصارت مدة العمر قصيرة، وصحة النفس مستحيلة، والدهر سيف قاطع لا يؤمن حده، وسيف نافذ لا يمكن رده، وهذا مقام العائذ بظلك، المحتاج إلى عفوك وعدلك، والحلم لا تمحى آثاره، ولا ينهدم مناره، وفيما أشرت إليك كفاية لمن وعى، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، ولا زلت راقية في درجات الهمم، معظمة في أعين ملوك الأمم ، تزهو بك الدنيا وما فيها، وفي الحسنى إليك المنتهى.
ملكة (للجميع) :
قد مننت على هؤلاء الأسرى بالإطلاق، فأخلوا سبيلهم وحلوهم من الوثاق، وأبقوا هنا هذا الفارس الجواد؛ لأسأله هو من أي البلاد. (لحن):
الجميع (للملكة) :
يا ذات البها ذات المعالي
أمان أمان
يا شمس الولا والمجد العالي
جدت كرما يا ذات مجد أمان
فابقي أبدا مدى الليالي
يا ذات الولا ذات الكمال أمان أمان
يا ذات البها والمجد العالي
جدت كرما يا ذات مجد أمان
فابقي أبدا مدى الليالي (ويخرجون) (بختيار - الملكة - جوليا - فوديم)
ملكة (لبختيار) :
آه، إن حسن هذا الهمام قد رماني بالعشق والهيام، وما بقي لي عنه صبر ولا قرار، وفقدت الصبر والقرار، وما بقي له اصطبار، فليت شعري ما اسم هذا الفارس النجيب، الذي يتمنى بقوامه العجيب! ما اسمك يا صاحب الازدهار؟
بختيار (للملكة) :
عبدك بختيار.
وأهيف معسول الرضاب ممنع
يمزقني في الحب كل ممزق
ملكة (لبختيار) :
فلو كان لي نصف اسمه رق وارعوى
أو العكس من باقيه لم أتعشق
وما اسم بلدك بين البلدان؟
بختيار (للملكة) :
اسم بلدي يا مولاتي همزان.
ملكة (لبختيار) :
آه، فقدت في حبه الجنان، حي الله بلادك، وبلغك مرادك! ولكن ما سبب قيامك للحرب يا قرة الأبصار؟
بختيار (للملكة) :
سببه يا مولاتي حب الافتخار.
ملكة (لبختيار) :
آه، فقدت في حبه الصبر والقرار، فأخشى أن يظهر سري، أو يطلع أحد على أمري، خذوا بختيار وزيدوا في إكرامه، وأعلوا في دارنا مقامه، وزيدوا له في الإكرام، وأجلسوه في أعلى مقام.
ياوريه (للملكة) :
أمرك يا نسل الكرام. (ويخرجوا)
ملكة (لياوريه) :
ينبغي التستر مهما أمكن عن زيد وعمرو؛ لئلا يظهر سري، أو يطلع أحد على أمري، إنني يا ابنتي من مقاساة أهوال الحرب والصدام، أصبحت منحرفة المزاج، ومرادي أن أستريح قليلا بالمنام. (وتذهب هي والحاضرين ما عدا جوليا.)
جوليا (لذاتها) :
ويلاه، قد وقعت في شرك الهوى، فازداد بي وهد مني القوى، وعشقت بختيار وعدمت في حبه الاصطبار، وزاد بي الوجد والهيام، واستولى علي الغرام لأنه ملك شديد الباس، يهد بعزمه الحواس، ويستولي على القلوب، ويوقع المحب في الكروب، وقد وقعت في أمرين خطيرين، وسهمين مهلكين؛ الأول: محبة حبيبي، والثاني: محبة خطيبي، ولكن الأول أنساني الثاني، وصار سببا لحرماني، أواه وا حزناه!
الواقعة الرابعة (جوليا - فرناس)
فرناس (لجوليا) :
أذات الحسن قد طال اشتياقي
وفي نار الهوى زاد احتراقي
جوليا (لفرناس) :
أيا ذا المجد دعني في همومي
ودعني اليوم من أمر التلاقي
فرناس (لجوليا) :
أجوليا إن وجدي في ازدياد
وإني قد سئمت من البعاد
جوليا (لفرناس) :
أيا ذا المجد دعني في عنائي
فإني اليوم مشغول فؤادي
فرناس (لجوليا) :
ما عودتني يا كاملة الوفا، على الصد والجفا، فما هذا الإعراض عني والفرار مني؟!
جوليا (لفرناس) :
ابعد بحياتي عليك عني، فإني لا أشتهي رؤية أحد في هذا النهار.
فرناس (لجوليا) :
ما هذا الكلام يا مخجلة الأقمار؟! ونحن لهذا اليوم في الانتظار، وقد أتت الملكة من الحرب، ومرادنا الزفاف عنا الهم والكرب.
جوليا (لفرناس) :
دعني من أمر الزفاف، واذهب من أمامي يا نجل الأشراف، فإن قلبي في اضطراب، فاذهب من فضلك ولا تطل الخطاب.
فرناس (لجوليا) :
ما هذا الحرمان؟
جوليا (لفرناس) :
اذهب اذهب بلا توان! هه هه، يطلب مني أمر الزفاف، ويجهل أني ذقت بحب بختيار التلاف.
بحبي بختيار عدمت صبري
دموعي في هواه عين فخري
سلوت بحبه الثاني خطيبي
ومن فرط الهوى قد عز صبري
فرناس (لجوليا) :
تيمت بغيري يا رشيقة القوام، ونسيت عهدي والزمام، فاعدلي عن هذه الأفكار، قبل ما أخبر بذلك أمك ذات الافتخار.
جوليا (لفرناس) :
سر وأخبرها بذلك والسلام، فإني نقضت عهدك والزمام.
فرناس (لجوليا) :
خلي عنك الصد والهجران!
جوليا (لفرناس) :
سر سر، فلا رأيت خيرا يا مهان، سر سر قبل أن أذيقك الهوان.
جوليا (لذاتها) :
ويلاه، قد وقعت في الهم العريض الطويل من مداراة هذا الفدم الثقيل، قاتله الله على هذه السماجة والقباحة واللجاجة، آه فيا ليتني أرى حبيبي في هذا المكان، لتزول عني برؤيته الأحزان ... من هذا القادم بدون قرار؟
الجزء الخامس (جوليا - بختيار)
بختيار (لجوليا) :
هو يا مولاتي أسيركم بختيار.
أيا جوليا ارحمي قلبي وعزيني
أيا جوليا على أسري
أيا جوليا أرى دهري يعاديني
لما بي في الهوى العذري
جوليا (لبختيار) :
ألا يا بختيار ملكت قلبي
فجد بالوصل لي إذ أنت طلبي
بختيار (لجوليا) :
ألا يا جوليا قلبي قد تعنى
بحبك في الورى والله حسبي
جوليا (لبختيار) :
أجبني هل فؤادك يا حبيبي
أسير محبتي وتود قربي؟
بختيار (لجوليا) :
نعم والله يعلم فرط شوقي
إليك وما جرى من فرط حبي
جوليا (لبختيار) :
أصدق تحبني بهذا المقدار، يا صاحب الافتخار؟
بختيار (لجوليا) :
نعم، وحق العزيز الجبار.
أسير الحب يا جوليا ارحمي قلبي
فذلي زاد من حبك
أيا جوليا سلبت في الهوى لبي
فجودي وارحمي حبك
إلى من أشتكي يا منيتي ذلي
وحالي في الهوى ظاهر
أبحت في الهوى يا منيتي قتلي
وغادرت الفؤاد حائر
يا شقيقة الروح وعزيزة الفؤاد، ونزهة النفس وغاية المراد، أنت روضة أنسي، وبهجة نفسي، وقد غدوت أسير الغرام، فهل أنبه خاطري ببلوغ المرام؟
جوليا (لبختيار) :
قسما بعزك يا شقيق الغزلان، وبذلي لعز جمالك الفتان، وحق من أودع في قلبي هواك، وزين طرفي بحسن مرآك، لا ملت إلى السوى، ولا خنت عهد الهوى، فكن مطمئن الخاطر ساكن البال، فأنت مالك رقي على كل حال. (شعر):
قسما بزورتك التي من غير ما
وعد سمحت بها بغير تكلف
وبطيب ما أودعت من طيب الهوى
قلبي وذكر صبابتي وتعنفي
ما أنت إلا بغيتي دون الورى
وعلى رضاك تذللي وتلهفي
يا بهجة أنسي، ونزهة نفسي، قد تم أمرنا على حفظ العهد، وكتم أسرار المحبة والوجد، فتفضل بالخروج من هذا المكان، لئلا يرانا إنسان؛ لأني أخشى من والدتي أن ترانا أو يخبرها باجتماعنا من يرانا، فنقع في شرك الذل والعنا، وتنقضي لذاتنا بالكدر بعد طول الهنا.
بختيار (لجوليا) :
لا تخافي بأس والدتك يا مالكة الفؤاد، فإنها افتتنت بحبي دون كل العباد، وقد أتت إلي عندي وطلبت مني الوصال، فما ساعدتها على بلوغ الآمال، وبعد امتناعي يا ربة الحسان ، أذنت لي بالمجيء إلى هذا البستان.
جوليا (لبختيار) :
إني لأعجب من هذا الحال! ولكن يا صاحب الإيناس، يلزمنا أن نحترس غاية الاحتراس، ونحاذر على كتمان سرنا؛ لئلا تطلع والدتي على أمرنا. (لحن):
الاثنين :
يا رب ذو العطايا
أنعم لي بالمراد
وجد لي بالمنايا
مكون العباد
وامنحي ربي نصرا
يا قاهر الحساد
وأسبل علينا سترا
يا ملجأ القصاد (تم الفصل الثاني)
الفصل الثالث
الجزء الأول (ملكة - حرس - حجاب - ياور) (في حديقة الملكة.)
ملكة (لذاتها) :
غدوت أسيرة بيدي أسيري
فقدت وحقه في الحب صيري
أسر لطول أسري في يديه
فيغضب إذا سر لطول أسري
سألت الله يبليه بعشق
فأصبح عاشقا لكن لهجري
آه، قد فتنت ببختيار، وفقدت في حبه الاصطبار، وقل في حبه نصيري، فأتذلل إليه مع عزتي، فيتكبر مع أنه مالك مهجتي، وأخضع إليه فيتذلل، وأطلب منه الوصل فيتعلل، وإن من هذا أن الأعداء تهاب سطوتي يوم الطعان، وأهاب سهم جفنيه الوسنان، وتخشى الأبطال سيفي والسنان، وأخشى من صده والهجران.
عجبا يهاب الليث حد سناني
وأهاب لحظ فواتر الأجفان
وأقارع الأعداء لا أخشى سوى
إعراض من أهوى أو الهجران
حكمت في الحب السلو إلى لهوي
فقضى لسلطان على سلطان
يا بختيار ملكتني وتركتني
في عز ملكي كالأسير العاني
لا تعزلوا ملكا تذلل في الهوى
ذل الهوى عز وملك ثاني
آه، لا حول ولا قوة إلا بالله ... ائتوني ببختيار.
ياور (للملكة) :
أمرك يا صاحبة الافتخار.
ملكة (للياور) :
آه، كم ذا يعاملني بختيار بالصد والهجران، ويحرقني بنار الحب والحرمان، وقد ذهبت إليه وشرحت قصة غرامي عليه، فأظهر الاستغناء والدلال، ورشقني من التعنيف بنبال، وقال: خلي عنك العشق والهيام، والتفتي لتدبير السياسة والأحكام، ولا تميلي إلى اللهو والطرب، فإنه يفضي بملكك إلى العطب، وانتصحي بقول من قال يا ذات الدلال:
إذا غدا ملكا باللهو مشتغلا
فاحكم على ملكه بالويل والحرب
أما ترى الشمس بالميزان هابطة
لما غدا وهو برج اللهو والطرب؟!
ولم يدر أنني لم أسمع النصح في هواه، وقد أحرقت بنار جواه.
الجزء الثاني (ملكة - ياور - فرناس - حرس)
فرناس (للملكة) :
أقبل أعتابا كما النجم رفعة
ببهجة من نالت من العلم بسطة
فلا زلت ذات المجد تعلي مفاخرا
فقد حزت يوم الحرب عزا ونصرة
ملكة (لفرناس) :
مرحبا بفرناس ثابت القلب والحواس، هل أتيت لتهنيني بالانتصار على الأعداء اللئام؟ وأنا أبشرك ببلوغ المرام، إذ زالت عنا الأتراح، وسنقيم الأفراح، ونجري أمر الزفاف، وأزوجك بابنتي جوليا بلا خلاف.
فرناس (للملكة) :
ومن أين لي ذلك يا كاملة الأوصاف، وسيدتي جوليا عدلت عن تلك الأفكار، وتيمت بأسير يدعى بختيار؟!
ملكة (لفرناس) :
أجوليا تيمت ببختيار؟
فرناس (للملكة) :
نعم يا صاحبة الافتخار، وقد غدت لبعده قليلة الاصطبار، ولا يأخذها عنه هدو ولا قرار، وسمعتها تتغزل أمامه بالأشعار، آناء الليل وأطراف النهار.
ملكة (لفرناس) :
ومن أخبرك بهذه القضية؟
فرناس (للملكة) :
اعلمي يا صادقة الطوية، أنه لما بلغني خبر قدومك من الحرب، ومعاناة الطعن والضرب، أتيت لأهنيك بالانتصار، على أعدائنا الأشرار، فوجدتك قد ذهبت إلى المنام، ووجدت سيدتي جوليا في البستان، محفوفة بالهموم والأحزان، فسلمت عليها فلم ترد علي السلام، ودنوت منها فطردتني من ذاك المقام، ولاطفتها فأغلظت علي، ومدحتها فأوصلت الشتم إلي، فاختفيت قليلا لأسمع مقالها وأطلع على أحوالها، فوجدتها تتغزل ببختيار، وتذكر أنها فقدت في حبه الاصطبار، فدخلت عليه مرة ثانية فأظهرت وجدها علانية، فنصحتها فما انتصحت، وهددتها بالشكوى إليك فما ارتدعت، فجئت ورفعت إليك قصتي؛ لتعامليني من فضلك بالتي.
ملكة (لفرناس) :
أأنت سمعتها تتغزل ببختيار؟
فرناس (للملكة) :
نعم، وحق العزيز الجبار، وقد تجسست أحوالها مرة أخرى، فوجدتها مجتمعة به والصدق بمثلي أحرى، وأظهرا أنهما تتيما ببعضهما، وتمكنا من عشقهما، وسمعت منهما حديثا أرق من النسيم، وأحلى من العافية على قلب السقيم.
ملكة (لفرناس) :
كن في أمان أيها الهمام، فلا أزوجها إلا بك، والسلام.
فرناس (للملكة) :
دمت في حفظ العليم العلام. (ويخرج)
ملكة (للحاجب) :
آتوني بجوليا في هذا المكان.
حاجب (للملكة) :
أمرك يا رفيعة الشان. (ويذهب)
ملكة (لذاتها) :
ويلاه، قد شاركتني جوليا في بختيار، وأعدمتني الصبر والقرار.
الجزء الثالث (ملكة - بختيار - حرس - حجاب)
ملكة (لبختيار) :
مرحبا بك يا بختيار، يا صاحب اللطف والازدهار، هل عدت عن التجني، وتركت الإعراض عني؟
بختيار (للملكة) :
وكيف يمكنني الإعراض عن مولاتي، ومن هي سبب حياتي، وها أنا مستعد لكل خدامه ما عدا الوصال.
ملكة (لبختيار) :
هذا هو عين الضلال ... بختيار خل عنك الدلال، واسمح بطيب الوصال، وانظر لمن تكلمك وتتذلل إليك، وواصلني فقد وقع اختياري عليك؛ إذ إني وقعت في هواك، ومرادي من الدنيا رضاك.
بختيار (للملكة) :
اعذريني يا مولاتي بعدم قبول هذا الأمر، فإني لا أقبله ما دمت حيا في الدهر.
ملكة (لبختيار) :
اسمع كلامي، واقض مرامي، وادن مني، وعاملني بالتي.
بختيار (للملكة) :
أطيعك يا مولاتي في غير هذه القضية.
ملكة (لبختيار) :
بختيار، ارحم عيوني البكية، وأنا أغمرك بالنعم الوفية.
بختيار (للملكة) :
لا حاجة لي بالإنعام، ولا أبتغيه على الدوام. (لحن):
أمر الوصال لا أبتغيه
ذات المكارم والنوال
هذا الذي لا أشتهيه
فلتتركي ذكر الوصال
ملكة (لبختيار) :
خلي عنك بعادي
واشفي بوصالك فؤادي
بختيار (للملكة) :
خلي الملام ذات الكلال
فعل المكارم من فعالي
فأوعي الكلام أخت الهلال
ولتتركي أمر الوصال
ملكة (لبختيار) :
أصغ لكلامي واقض مرامي، فقد ملكت قلبي، فاسمح بقربي.
بختيار (للملكة) :
هيهات هيهات، أنا لا أفعل ذلك ولو صرت مع الرفات، فلا تخاطبيني بمثل هذا المقال، فأنا لا أطاوعك في أمر الوصال.
ملكة (لبختيار) :
بارك الله فيك أيها المفضال، فإن كلامي معك كان ضربا من المزاح، فتعزز ولا تيأس يا راحة الأرواح، وحيث وجدتك عفيف النفس، متصفا بالبهجة والأنس، عزمت على تزويجك بابنتي جوليا اللطيفة؛ إذ إني وجدت نفسك عفيفة.
بختيار (للملكة) :
مرادك تزوجيني بجوليا؟
ملكة (لبختيار) :
نعم.
بختيار (للملكة) :
كيف هذا يا سيدتي، وأنا أسير عندك، وفي غد تطلبني دولتي وأهل مملكتي؟!
ملكة (لبختيار) :
أبقيك عندي يا بختيار وأفضلك على الكبار والصغار، وأجعلك صهري وعوني في الحروب وذخري.
بختيار (للملكة) :
عافيني يا سيدتي في هذا المطلب، فأخشى أن يكون قولك مزاحا فأقع في العطب.
ملكة (لبختيار) :
لا وحياتك يا رفيع الرتب، ما قلت لك إلا حقا، ومرادي تزويجك بابنتي جوليا صدقا، فهل ترضى بذلك؟
بختيار (للملكة) :
كيف لا أرضى بذلك، وقد ذقت في حبها صعب المهالك، وتيمت بجمالها، وطلب السعادة بوصلها:
فتنت بها وقلبي قد تعنا
وجسمي قد غدا في الحب مضنى
مهاة قد سبت عقلي ولبي
وحسن لحاظها صاد المعنا
بجوليا قد فتنت على المصاب
كثير الوجد في رشف الرضاب
سأشكر فضلكم ما دمت حيا
وأشكره وجسمي في التراب
ملكة (لبختيار) :
قد سررت يا بختيار برضاك، وسأبلغك عن قريب مناك، ولكن الصبر أولى، ومرادي سؤال ابنتي جوليا، هل لها رضا بذلك أم لا؟
بختيار (للملكة) :
لها رضا بذلك أيتها الملكة العظيمة؛ لأنها تحبني المحبة الفخيمة، وقد تشاكينا الوجد والأشجان، لما اجتمعنا في البستان، وكلانا على الاقتران بالآخر متعاهدان، ولا نحول عن ذلك، ولو ذقنا الهوان والمهالك.
ملكة (لبختيار) :
آه يا مهان، فضلت ابنتي علي، وصوبت سهام الانتقام إلي، وصممت على الاقتران بابنتي، وتركتني في هواني وحسرتي، فلا عشت إن لم أذقك الدمار، أو تحول عن هذه الأفكار.
بختيار (للملكة) :
هيهات هيهات، فإن الوقت فات، فأنا لا أعدل عن هذه الأفكار، ولو ألقيت في النار:
هيهات أعدل عن ذات الجمال ولو
سقيت في حبها كاسا من العدم
برئت من شرفي والعز إن رضيت
نفسي بغير ممات مذهب السقم
ملكة (لبختيار) :
والآن، أتبقى مصرا على هذا العناد؟
بختيار (للملكة) :
نعم وخالق العباد.
ملكة (للجند) :
خذوه إلى السجن، وكبلوه بالقيود؛ عسى يعود عن هذه الفعال الردية.
بختيار (للجند) :
دعوني في الهوى نفسي أبية
ولا أرضى سوى جوليا البهية
وذلي في قيود لي افتخار
وحب الموت في حب الوفية
ملكة (للجند) :
أخرجوا هذا الفاجر، فلا بد من أن أذيقه الدمار أو يعود عن هذه الأفكار.
ملكة (لنفسها) :
أف لهذا الغادر، والخائن الماكر، كيف يمكنني قتله، وهو حبيبي ومرادي من الدنيا وصله؟!
الجزء الرابع (ملكة - جوليا)
جوليا (للملكة) :
أماه يا نجما بدا
وبطالع السعد اهتدى
آه ارحمي من أقبلت
لعلاك يا غيث الندا
ملكة (لجوليا) :
ما سبب غمك يا ابنتي، ومالكة مهجتي؟ فقد قربت أيام الحظ والسرور، والأنس والحبور، وعن قريب أزفك على خطيبك، ومن هو من الدنيا نصيبك؛ لأني أعلم حبكما لبعضكما، فأنعطف بالإحسان إليكما، وأقيم لكما الأفراح؛ لتزول عنكما الأتراح.
جوليا (للملكة) :
أرجوك أن تعافيني يا أماه من أمر الزفاف؛ لأني عدلت عنه بلا خلاف، وعزمت أن أقضي عمري بلا زواج؛ إذ ليس لي إليه احتياج.
ملكة (لجوليا) :
ما هذا المقال يا ذات الابتهاج؟ وما سبب إعراضك عن الزواج؟ أما تدرين يا بديعة الصفات، أن الزواج يجلب المسرات، تتصل به الأنساب، وتجتمع به الأحباب؟
جوليا (للملكة) :
أرجوك أن تتركيني يا أماه من هذه الأمور؛ لأني مشغولة الخاطر وفؤادي الآن مقهور، وأنا لا أشتهي الزواج الذي هو فرح شهر، وفي الحقيقة غم دهر.
ملكة (لجوليا) :
ولماذا يا مائسة القوام؟
جوليا (للملكة) :
دعيني، فإني لا أتزوج والسلام.
ملكة (لجوليا) :
عرفت مرادك يا عزيزتي، وفهمت قصدك يا حبيبتي، فأنت لا تحبين الزواج، ومالك إليه احتياج؛ لأن خطيبك مقلوب الفضائل، وهو كما عرفتيه وحيد في الرذائل، عقله قليل وفهمه عليل، وبالإجمال ما له في السماجة من مثيل، وقد خطر في بالي حساب، وأظنه هو الصواب، وهو أن أقرنك بأسيرنا الديلمي بختيار؛ لأنه من السادة الأخيار، شاب لطيف بديع الجمال ظريف، فماذا تقولين يا ابنتي الوحيدة؟
جوليا (للملكة) :
دعيني أيتها الملكة السعيدة، فأنا لا أبتغي زواجا بأحد؛ لأن الزواج أصل كل نكد.
ملكة (لجوليا) :
لماذا يا حبيبة قلبي، وريحانة لبي؟ بختيار شاب أديب، عاقل لبيب، شهم شجاع، وهو ركن عند الدفاع، وقد اخترته لك دون كل الرجال، فلا تعدلي عن قولي يا ذات الجمال.
جوليا (للملكة) :
أأنت اخترت لي بختيار؟
ملكة (لجوليا) :
نعم يا مخجلة الأقمار.
جوليا (للملكة) :
بما أنك أنت التي اخترته لي أهلا فامتثالا لأمرك، قد رضيت أن يكون لي بعلا.
ملكة (لجوليا) :
أرضيت بذلك؟
جوليا (للملكة) :
كيف لا أرضى بذلك وقد ذقت في حبه صعب المهالك :
يا رب أنت المرتجى دون الورى
حقق رجائي فالفؤاد تحيرا
يا رب واجعل قول والدتي قري
ن الصدق فالقلب انكوى وتسعرا
في حب من أهوى وليس بمنصف
دهري ومن شغفي به دمعي جرا
ولغيره أبدا أميل وليته
يدري بحالي في هواه وما جرا
ملكة (للجند) :
خذوا جوليا بجانب بختيار، وضعوا في رجلها الخلخال.
جوليا (للملكة) :
دمت والدتي في عز وإجلال.
ملكة (لذاتها) :
لا حول ولا قوة إلا بالله، قد شاركتني جوليا في بختيار، وعدمت في حبه الاصطبار، يا إلهي كيف العمل؟ ضاقت في وجهي سبل الحيل:
إلهي زاد بي فرط اشتغالي
على حالي وفكري ليس خالي
إلهي قد بليت بحب ظبي
أطال تلهفي وأذل حالي
وقد عشق ابنتي وأطال هجري
وغادرني وناري في اشتعالي
إلهي كيف أفعل بعد هذا
وصبري متلفي والجسم بالي؟
إذا ما رمت أقتله تراني
فقدت لقتله روحي ومالي
وأقتل ابنتي فيكون عارا
على مثلي يطول مدى الليالي
أغثني يا إلهي قد كفاني
هواني والهوى فارحم سؤالي
وأسبل يا إلهي الستر دوما
ووفقنا إلى حسن المآل (تم الفصل الثالث)
الفصل الرابع
الجزء الأول (جوليا - بختيار - حرس) (ترفع الستارة عن هيئة سجن وبه جوليا وبختيار مكبلين بالقيود.)
بختيار (لنفسه) :
لما بي أشتكى ذلي ويعلم
إلهي أنت بالمظلوم أعلم
زماني زاد في ظلمي وصبري
جفاني والهوى أقسى وأظلم
إلهي أنت يا ربي وذخري
أغثني أدمعي على الخد تجري
عذاب السجن قد أوهى فؤادي
وأضناني وأفنى حسن صبري
وا رحمتاه لعزيز
في السجن أضحى ذليلا
حليف وجد يقاسي
أسرا وقيدا ثقيلا
بختيار (للجند) :
مبلي بحب حبيب
لم يلق عنه بديلا
بمن أستعين بقلبي المحز
ون صبرا جميلا
فلو مت وجدا لكا
ن الممات عندي قليلا
يا دهر كنت علينا
بما قضيت عجولا
آه، حكمت بسجني الملكة بلقيس، ورمتني في هذا السجن التعيس، وما لي ذنب سوى امتناعي عن وصلها، وعدم اجترائي بقولها، وكيف أرضى بطلبها، ويشتغل قلبي بحبها، وهي عجوز شمطاء، وحية رقطاء؟! وقد طلبت مني ما هو بعيد عنها ، وأوعدتني بالإنعام إن كنت أقبل منها هذا الكلام ، فرفضت ذلك الطلب، وأظهرت لها من حب ابنتها ما احتجب، وقد هددتني فما ارتجعت، وردعتني فما ارتدعت، وسجنتني فما اخترت إلا تلك الحبيبة، ولا أختار أمها ولو رمتني في ألف مصيبة:
غاب في ذا السجن رشدي
وجفا جفني المنام
ونما في الحب وجدي
وسقامي والهيام
يا نسيم الصبح بلغ
جوليا مني السلام
واذكرن شوقي إليها
ونحولي والسقام
قربها في الدهر قصدي
ومرامي والكلام
وأعز الناس عندي
ومناي والمرام
أين من يرثي لحالي
ويرى ضيق الحبوس
زاد ذلي وانتحالي
من سقامي والنحوس؟
يا إلهي جد بيسري
وارحم المضنى الكئيب
يا إلهي عز صبري
من بكائي والنحيب
جوليا (لبختيار) :
آه، هذا حبيبي مسجون.
بختيار (لنفسه) :
آه، وا حزناه! ليت شعري، أين من أموت لأجلها، ومن أظهرت لي ميل قلبها، صاحبة الوجه الحسن؟
جوليا (لبختيار) :
هي في السجن تقاسي بحبك الهم والحزن.
بختيار (لجوليا) :
هل هي على ما أعهدها من الوجد والهيام؟
جوليا (لبختيار) :
نعم نعم.
بختيار (لجوليا) :
أوغيرتها الأيام وأنستها عهدي والزمام؟
جوليا (لبختيار) :
لا، وحق العليم العلام.
بختيار (لجوليا) :
وأين هي الآن؟
جوليا (لبختيار) :
هي التي تناجيك أيها المصان.
بختيار (لجوليا) :
آه، وأنت مسجونة يا عزيزتي؟
جوليا (لبختيار) :
نعم يا أقصى بغيتي، قد ازدادت بي الأوصاب، وشاركتك في هذا العذاب. (لحن الاثنين):
جوليا (لبختيار) :
أخا الوجد، إني في ضيق الحبوس.
بختيار (لجوليا) :
لقد زاد حزني يا قوت النفوس.
جوليا (لبختيار) :
لا تسل حسني.
بختيار (لجوليا) :
لا يا ذا العروس.
جوليا (لبختيار) :
وخل التجني.
بختيار (لجوليا) :
علتني البئوس.
جوليا (لبختيار) :
أنت حبي.
بختيار (لجوليا) :
أنت طلبي.
جوليا (لبختيار) :
أنت ضيا العين.
بختيار (لجوليا) :
أنت ذخري.
جوليا (لبختيار) :
أنت بدري.
بختيار (لجوليا) :
أنت نور العين.
جوليا (لبختيار) :
تعطف علي يا زين الرفاق.
بختيار (لجوليا) :
وجودي إلي بحسم الفراق.
جوليا (لبختيار) :
دهتني بلية.
بختيار (لجوليا) :
وعز التلاق.
جوليا (لبختيار) :
زاد حزني.
بختيار (لجوليا) :
قل صبري.
جوليا (لبختيار) :
حان مني الحين.
بختيار (لجوليا) :
ما احتيالي؟
جوليا (لبختيار ) :
فما انتحالي؟
بختيار (لجوليا) :
هد صبري البين.
الجزء الثاني (ملكة - بختيار - جوليا - حرس - حجاب - فوديم - فرناس)
ملكة (للجند) :
ويلاه، أنا سجنتهما ليذوقا الهوان، ولكن أراهما في السجن يتناشدان الألحان، آه كيف العمل؟ أخرجوا بختيار على عجل.
ملكة (لنفسها) :
عطف اللهم قلبه علي يا كريم، قبل أن أقتله وأرتكب هذا الإثم العظيم، بختيار!
بختيار (للملكة) :
لبيك!
ملكة (لبختيار) :
عد عن هذه الأفكار، وعطف قلبك علي، وجد بطيب الوصل إلي، ودع بنتي لخطيبها فرناس، فلعلنا نعيش سوية بالعز والإيناس!
بختيار (للملكة) :
أنا لم يمكني ذلك يا شديدة الباس؛ لأن حب جوليا قد هد مني الحواس، وقد ملك قلبي، واستولى على لبي، ولم يبق لقلبي موضع لحبيب ثان، ولو أمكنني ذلك لاخترتك يا ذات المعالي.
ملكة (لبختيار) :
بختيار، انظر بلائي، وارحم بكائي، ودع حب ابنتي، واترك الهجر بالتي.
بختيار (للملكة) :
هيهات أترك ذات الحسن والحور
ولو وقعت بها في وهدة الخطر
فحبها سمعي وعشقها بصري
وهل أعيش بلا سمع ولا بصر؟!
إن موتي افتخار
فيمن دعت قلبي كليم
وقد فقدت الاصطبار
ويلي بها هل من رحيم؟
خلي عذلي والملام
في حبها قلبي كليم
إن طلبك والمرام
عندي غدا مثل الجحيم
ملكة (لبختيار) :
أنا وصلي كالجحيم؟ فلا بد من قتلك أيها الذميم، وسأقتلك أمام تلك الفاجرة، وأدع الدائرة عليكما دائرة. هيا أخرجوا جوليا بالعجل؛ لأقتلها ويخيب من بختيار الأمل ... جوليا!
جوليا (للملكة) :
نعم والدتي.
ملكة (لجوليا) :
عودي عن سبل الغواية، واتبعي طرق الهداية، ودعي حب بختيار، وميلي لخطيبك فرناس، قبل أن تذوقي الدمار.
جوليا (للملكة) :
قسما بما حكم الهوى
في الحب قلبي ما غوى
لا تعذلين فمهجتي
اليوم لا تبغي السوى
في بختيار زادني
عن حبه ألم النوى
خلي ملامي إن لي
قلبا يضعضعه الهوى
ملكة (لجوليا) :
آه يا فاجرة، لا بد من قتلك أيتها الغادرة.
فوديم (للملكة) :
لا تعجلي يا أماه بقتل شقيقتي، وترفقي بها وعامليها بالتي، واصفحي عنها يا سامية المقام، فالصفح من شيم الكرام، ولا تعجلي بقتل هذا الأسير، فإن قتله مخل بشرفك الخطير، وإذا شاع هذا الأمر يزداد بنا الغم والقهر، فاعفي عنهما يا رفيعة الجناب؛ تنالين الستر والصواب. (لحن):
الاثنان :
من مدمعي تجري العيون
والموت صعب والمنون
قد جار ذا الدهر الخئون
صبرا فما قدر يكون
بلقيس جودي بالأمان
ثم ارحمي الجسم المهان
وا حسرتي جار الزمان
صبرا فما قدر يكون
الموت صعب والفراق
وا حسرتي مر المذاق
إن كان قد عز التلاق
صبرا فما قدر يكون
بختيار (للملكة) :
أيتها الملكة العظيمة، والسيدة الفخيمة، اتقي الله فينا، واعطفي علينا ولا تقتلينا، واصفحي الصفح الجميل، وارحمي العبد الذليل، ولا تعجلي علينا بالقتل، فقد رمينا بسهام الذل، والعجول مخطئ وإن ملك، والمتأني مصيب ولو هلك، فاقبلي عثرتنا وارحمي عبرتنا.
ملكة (لبختيار) :
لا لا، سأنال بقتلكما المرغوب، وأفوز بكل المطلوب، وأتصرف مع القلوب، تصرف السحاب مع الجنوب، أولى فأكون للأعناق قطاعة، وللأرواح نزاعة، ورب وحدة أنفع من أنيس، ووحشة أنفع من جليس.
بختيار (لنفسه) :
إلهي كيف العمل؟ ضاقت في وجهي سبل الحيل، والعمر قصير، والعيش صغير، والحزن كثير، والخطب كبير.
جوليا (للملكة) :
قد جرى القلم بما حكم، ووقعنا في بحار العدم ... يا أماه قد انحلت عني عرى الصبر، ورميت بسهام المذلة والقهر، واشتد بكائي وازداد بلائي، فارحمي العبرة، وأقيلي العثرة.
ملكة (لجوليا) :
لا لا يا فاجرة، لا بد من قتلك يا غادرة، وأبدل المودة والصفا، بالقطيعة والجفا، وأرميك في بحار العدوان، وأسقيك كئوس الذل والهوان.
بختيار (للملكة) :
إلهي بك المستعان، وأنت الحنان المنان، اكشف عنا هذه الغمة، وجد علينا بجزيل النعمة، وعطف علينا قلب هذه الملكة، فقد رمينا في بحار الهلكة ... يا مولاتي، قد ازدادت بنا البلايا، ورمينا بسهام الرزايا، والعفو من شيم النفوس الشريفة، والأخلاق المنيفة، فإما أن تصفحي، أو تأمري بقتلنا لترتاح نفوسنا من مقاساة هذا العنا.
فرناس (للملكة) :
لا تصغي يا مولاتي لهذا المقال، ولا ينطلي عليك المحال، فإني أرى قتلهما أولى، وأشهى لقلبي وأحلى، فاقتليهما يا ذات الفخر، ولا تسمعي كلام زيد ولا عمرو.
ملكة (لفرناس) :
نعم، إن هذا هو الصواب، والرأي الذي لا يعاب.
جوليا (للملكة) :
إذن، فاقتليني قبله يا والدتي، ولا تدعيني أموت لأجله بحسرتي.
بختيار (للملكة) :
لا، بل اقتليني قبلها يا سيدتي وفرجي كربتي.
ملكة (للاثنين) :
سأقتلكما معا أيها الأشرار بضربة واحدة من هذا البتار. (لحن):
الاثنان :
في سبيل الحب قد لذ الحمام
والفنا في الحب لي أقصى مرام
فلنا البشرى بموت في الهوى
ما ألذ الموت في شرع الغرام!
يا منى الروح لك الروح فدى
تفدي هذا الحسن من شر الردى
هذا يوم البين حقا قد بدا
ودنا موتي على الدنيا السلام
بختيار (لجوليا) :
آه حبيبتي جوليا.
جوليا (لبختيار) :
آه حبيبي بختيار.
ملكة (للاثنين) :
ألا قولا لجوليا وبختيار
بأني قد فقدت بهم قراري
فموتا بضربة من حد سيف
تبوء بكم إلى بئس القرار
ناظر الحرب (للملكة) :
أدركينا يا مولاتي، أدركينا، فقد حلت الأعداء في نادينا، وخربوا الأمصار، وألبسونا الذل والشنار، حتى قتلوا الكبار والصغار، وقد جندت الجنود، وهم منتظرون قدومك يا رفيعة البنود، فأدركينا أيتها الماجدة، ولا تتأخري دقيقة واحدة.
ملكة (للجند) :
ما كل يتمنى المرء يدركه
تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن
اتبعوني لأسير إلى الأعداء، وأعيدوا هؤلاء إلى السجن والبلاء، وعند عودتي أذيقهما الدمار بحد البتار:
وسالمتك الليالي فاغتررت بها
وعند صفو الليالي يحدث الكدر
جوليا (لبختيار) :
ما هذا الحال؟ أيها الدهر الميال، قد أهنتني وأطلت في تعذيبي، وازداد بكائي ونحيبي، وأفجعتني في نفسي، ووسدتني تراب رمسي، هلا رثيت لحالي، ورحمت ما جرى لي، فكبدي طالما يتوجع، وقلبي طالما يتقطع.
بختيار (لجوليا) :
عزيزتي، تصبري على البلوى، فما من رحيم يرحم الشكوى، والصبر أولى عند تصادم الأهوال، فتصبري ولا تجزعي على كل حال.
الجزء الثالث (ملكة - فرناس - فوديم - جوليا - بختيار - حرس - سجانين)
ملكة (للجند) :
إني رأيت وفي الأيام تجربة
للصبر عاقبة محمودة الأثر
وكل ماجد في أمر يأمله
واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
سأقتل في اليوم ابنتي وأقتل بخ ... بخ ... بخلت بقتله؛ إذ إنه ملك مهجتي، لا لا لا ... أقتله أولا ... كلا كلا ، لا أقتله! لا، اقتليه يا بلقيس اقتليه، وكما عذبك عذبيه! لا ... لا ... بل أبقي عليه وتذللي إليه ... ويلاه زال عقلي والصبر أحرى بمثلي! أخرجوا جوليا وبختيار بلا ارتياب.
سجان (للملكة) :
أمرك يا رفيعة الجناب.
ملكة (للاثنين) :
إلى ما تظهران الوجد والأشجان، فلا عشت إن لم أذقكما الهوان، أو تعودا عن حبكما الذي أورثني الأحزان ... تكلما ... أجيبا ... ما تقولان؟ ما تقولين أنت يا ابنتي؟
جوليا (للملكة) :
أنا لا أرجع عما أنا فيه من الغرام، ومحبة حبيبي مائس القوام.
بختيار (للملكة) :
وأنا والله كذلك ولو ذقت المهالك.
ملكة (للاثنين) :
إذن استعدا للقتل، وتجرعا غصة الذل، ولكل أجل كتاب، فلا بد من قتلكما بلا ارتياب:
سأقتل في ذا اليوم ابنتي
وأقتل حبي ولو بليت بحسرتي
لأن حياتي دون قتلهما غدت
بدون وصال أصل دائي وحرقتي
هما صارا عذالي وصرت عذولة
إلى البنت والمحبوب في كل لحظتي
هما صارا عذالي وقتل عذالي
قبل مماتي يشفي همي ووحشتي
فلا تعجبوا إن الغرام أضلني
وخيب آمالي وأعمى بصيرتي
فصيرا إلى النيران من حد ضربة
تذيقكما الأعدام يا شر حيرتي (هنا يدخل ناظر الحرب ويأخذهم، فيقع السيف على فوديم، فتقتل.)
ملكة (للجند) :
إلى أين ذهب بختيار، من أعدمني الصبر والقرار؟ من هذا ... هذه بنيتي فوديم، صاحبة القوام القويم؟! لا حول ولا قوة إلا بالله، قد بلغ الكرب منتهاه، وأخذت البرية بالمجرمة، وارتكبت هذه المأثمة ... ويلاه، وا أسفاه، ألا قاتل الله الهوى، فإنه يهد القوى، ويذيق المنون، فهو لعمري داء عاقبته الجنون، فصبرا أيتها الابنة المحبوبة، وخذ أمك المكلوبة، فبعد عدلي دعيت بظالمة، وبعد صلاحي بآثمة:
من كان يدنو من عدو وحاسد
فبالعدل من نفسي أتيت ومن قلبي
فطوبى لمن انتصح بي وارتدع، وتاب عن العشق ورجع، وقطع أسباب المطامع، واشتغل عن المصنوع بالصانع؛ لأن الدهر ذو اغتيال، يقلب حالا بعد حال، فقد ارتكبت عارا لا تمحى آثاره، ولا ينهدم مناره، فقد طاب لي الحمام، وعلى الدنيا ألف سلام (تضرب نفسها بالخنجر) .
إذا غدا ملكا باللهو مشتغلا
فاحكم على ملكه بالويل والحرب
أما ترى الشمس بالميزان هابطة
لما غدا وهو برج اللهو والطرب؟!
الجزء الرابع (عسكر - سجانين - نصوح)
نصوح (للخادم) :
لا حول ولا قوة إلا بالله، هذه الملكة بلقيس صاحبة الجاه العالي والقدر النفيس، مالي أراها ملقاة على التراب، غائبة عن الرشد فاقدة الصواب؟! هل هي على قيد الحياة باقية؟ أم قضت نحبها وفارقت الدنيا الفانية؟ قد قضى عليها بما حكم الإله، فلا حول ولا قوة إلا بالله، علي بجوليا وبختيار.
خادم (لنصوح) :
أمرك يا صاحب الافتخار.
أيها الدهر ما كفاك عنادا
جرت ظلما وكم أذبت فؤادا!
لو تعادي فما أراك تعادى
إن لله في العباد مرادا
وسوى ما أراده مستحيل
الجزء الخامس (جوليا - بختيار - نصوح)
نصوح (لبختيار وجوليا) :
انظرا يا ولدي حالة الملكة، وكيف وقعت في بحار التهلكة؛ لأني لما أتيت إلى هذا المكان لأشفع فيكما، وأطلب منها الأمان، وجدتها توسدت تراب رمسها، وأسكنها دهرها مضيق رمسها، وأظنها ضربت نفسها بهذا الخنجر الذي أراه بيدها، فاعتبر يا ولدي وتبصر، وانظر كيف غير الله الأحوال وأنقذك أنت وجوليا من الوبال.
جوليا (لبختيار) :
وا أسفاه، وا حزناه! توفيت أختي ووالدتي، وبقيت وحدي بحسرتي.
بختيار (لجوليا) :
الظلم كمين في النفس، أنسيت ما فعلت والدتك بالأمس، فأطاعت هواها ولم تنل مناها، فدعي عنك الأتراح، وهيا بنا نقيم الأفراح، ونحظى بالملك والسعادة ونفوز بالعز والسيادة.
نصوح (لهما) :
هذا من تمام سعدكما، وكمال مجدكما، وحيث قد تم الأمر على هذا المنوال، وبزغت شموس المسرة والإقبال، فهيا يا ولدي نزف جوليا عليك، ونقدم واجبات التهاني إليك، ونتمم بتتويجكما الفرح، بعد أن ترتقي سدة الملك ويزول عنك الترح.
الجمع :
كل من بغى واستعلى
ليس للمعالي أهلا
لو درى بما قد حلا
ما بغى وقاسى الذلا
هذا جزاها فقد رماها فيه نهاها
وما نهاها عما أتاها إلى هداها
من قابل الإحسان
بالجحد والكفران
غادر لئيم (تمت الرواية بحمد الله تعالى.)
فصل مضحك
(ترفع الستارة عن أودة وبها ترابيزة وكرسيان، والخواجة وبنته، وشمعتان، ودفتر ودواية وقلم.) (يدخل صميدي وبيده مكنسة وهو يهرش، ويعثر في الترابيزة وهو ماشي.)
الخواجة (لصميدي) :
إيه دي يا خمار ينعل وشك.
صميدي (للخواجة) :
مالك جاعد في الطريج ليه؟
الخواجة (لصميدي) :
سكة واسع يا كنزير أنت، مش شفتو؟
صميدي (للخواجة) :
لا، ومفتش إلا من جدامك طور من الشارع.
الخواجة (لصميدي) :
امشي برا.
صميدي (للخواجة) :
اوعى تضرب.
الخواجة (لصميدي) :
إنت رايح على فين؟
صميدي (للخواجة) :
مروح.
الخواجة (لصميدي) :
إنت يشتغل إيه؟
صميدي (للخواجة) :
ونتمالك؟ إنت شريكي؟
الخواجة (لصميدي) :
علشان يستنى عندي خدام.
صميدي (للخواجة) :
عندك إنت، وي!
الخواجة (لصميدي) :
شوف إنت يشتغل هنا، كمان امسك كل شهر ستة ريال، كمان كل اشرب انكسي.
صميدي :
عما تجول إيه؟ ستة ريال؟ يغفلج عليك وعلى اللي خلفك.
خواجة :
ستة ريال يا خمار.
صميدي :
أيوه عارف، إياك تجول دا عبيط أضحك عليه بستة ريال وبس.
خواجة :
أمال كم يمسك.
صميدي :
زي ما كنت بخدم برا أخدم عندك.
خواجة :
إنت كان يمسك كام برا.
صميدي :
عاوز الحج، أنا كان يمسك واحد بجرشين صاحي، خلصك!
خواجة :
أيوه أيوه، أنا يديلك كل تلاتين يوم واخد إرشين، يلا.
صميدي :
وي، أنت رايح تجل دينك تاني، إنت بتجول كل شهر، حاتجول تلاتين يوم ليه؟
خواجة :
أيوه، واخد شهر تلاتين يوم، زي بعضه.
صميدي :
لا، ويخوي أنا معرفش إلا الشهر شملنا.
خواجة :
كام يوم شهر بتاعك؟
صميدي :
شوف، عندنا من شم النسيم لشم النسيم شهر ده.
خواجة :
كويس كتير، كل واخد سنة اثنين إرش، شوف، أنا بوصفلك البيت بتاعي.
صميدي :
أنت لك بيت يا مسخمط؟!
خواجة :
أيوه، شوف أنت يمشي من هنا دغري، بعدين خود كدا، كمان خود تاني كدا، بعدين يشوف واخد بيت في الوش بتاعك، بعدين أنت خبط، الست كلم: مين؟ أنت كلمو: خواجة كلم جيبو واخد بلطو، فهمتو.
صميدي :
فهمان يا ولدي، أجلهم الخواجة بيجكلم هاتوا البلطة.
خواجة :
مش بلطة يا خمار، بلطو بلطو، يعني جكتة.
صميدي :
أيوه، فاهم، أنت تجول بالرتان جكتة، أما إحنا نجول بلطة، يعني طوريا.
خواجة :
هو هو ، عأل بتاعك مفيش، زي دي، عرفتوا (ويوريله الجكتة ) .
صميدي :
هي ديه، طيب مش تجولي (ويخرج) .
خواجة :
ولد دي مخ بتاعه زي الزفت، مش يفهم أبدا. (يدخل صميدي)
صميدي :
خد يا مسيو (ويرميه في وشه) .
خواجة :
امسك، لبس أنا (يخدها يلبسها صميدي) .
صميدي :
طيب.
خواجة :
مش أنت يلبس، أنا يلبس.
صميدي :
أنا بحسبها علشانك، طيب البس (يلبس كما ويترك كما للخواجة).
خواجة :
خواجة هو هو مسخرة دي، امسك زي الناس ... اسمع، أنا رايح البنك إذا كان واخد يجيبو فلوس أنت يعرف يكتبو؟
صميدي :
أمال، زي الجرد.
خواجة :
أنت رخت واخد كتاب.
صميدي :
لا ويا ولدي كنت في لسكوله.
خواجة :
خفضتو لحد فين.
صميدي :
لحد ضظغن.
خواجة :
برافو، استنى جنب الست، وإذا كان يجي فلوس أنت يكتب.
صميدي :
نهارك سعيد.
الست :
نهارك سعيد.
صميدي :
أبوك صح ده؟
الست :
أبويا.
صميدي :
أمال عبيط ليه؟
الست :
اختشي!
صميدي :
وي، إنت تعرفي الجراية والكتابة؟
الست :
معرفشي، تعلمني؟
صميدي :
أعلمك، عاوزة عربي ولا فرنساوي؟
الست :
عربي.
صميدي :
طيب إيه أول العربي؟
الست :
أنا عارفة!
صميدي :
أمال راح تتعلمي كيف ... شوف إذا كان يجولك أول إيه جوليلو ألف.
الست :
ألف! وتكتبه إزاي؟
صميدي :
كده، أ ... عرفتي؟
الست :
أيوه.
صميدي :
طيب زي إيه تعرفي؟
الست :
لا.
صميدي :
إذا كان حد يجولك زي إيه تجولي: زي المارينا ... مليح؟
الست :
وبعدين؟
صميدي :
بعد ب، واللي يجولك زي إيه تجولي: زي المركب.
الست :
طيب وإيه اللي تحتها الصغير دي؟ (وتشير له على النقطة) .
صميدي :
اكسنثجي، وكان بعد البه ته وثه لجيتهم زيها اختصرتهم.
الست :
كويس. (هنا يدخل العفريت، فتهرب الست.) (العفريت يضرب صميدي على رأسه صميدي يلتفت.)
صميدي :
إيه ده يخوي فين الست؟ (العفريت يضربه مرة ثانية.)
صميدي :
عجايب. (يقوم يدور بالشمعة، ويجلس العفريت مطرح الكرسي، ويقعد صميدي عليه بدل الكرسي، فيقوم ويقعد به، فيخاف.)
صميدي :
أخ يا بوي! يا خواجة، يا خواجة!
العفريت :
ارررر. (ويخرج)
خواجة :
كبر إيه مخمد؟ (صميدي يضربه بالكفوف.)
صميدي :
يحرج أبوك وأبو اللي خلفك وأبو اللي يشتغل عندك كمان، أنا مروح.
خواجة :
مالك مخمد ؟ كبر إيه؟
صميدي :
مش عاوز أشتغل، إنت جيبني في بيت معفرت.
خواجة :
علشان إيه أنت شوفتوا حاجة.
صميدي :
إنت مشيت، وأنا باعلم الست بعد لجيت الست فطة من جاري، وبعدين شي لذني في دماغي، طورة أدور في البيت كلو ملجتش شي، وبعدين جعدت على الكرسي بجا يفط لفوج وينزل لتحت، بعدين طلع يجري وعملي: ارررر.
خواجة :
هو هو كنزير، إنت كنت نايم، بعدين شفتوا واحد عفريت في الحلم، إنت خرج يا بنت؟
صميدي :
أيوه خرجت بجولك.
الست :
كداب، إنت كنت نايم.
خواجة :
تاني مرة مش ينام، يلا أعد (ويخرج) .
صميدي :
أنا كنت نايم صح؟
الست :
أيوه.
صميدي :
يمكن نمت ولا نيش عارف، طيب مش تلذيني وأنا بزعج وخايف.
الست :
معلشي، يلا علمني يخويا.
صميدي :
لا، ومش راح أعلمك أحسن بنعس، أجلك، تعرفي تلعبي الشوكشينة؟
الست :
أعرف، روح هات الكوتشينة.
صميدي :
طيب (ويخرج ويأتي بها) .
الست :
اقعد.
صميدي :
أفجط أنا ولا أنت؟
الست :
فنط إنت.
صميدي :
أجطع، تخدي كام ورجة إنت، وأنا أخد كام ورجة؟
الست :
إنت أربعة وأنا أربعة والأرض أربعة.
صميدي :
لا، أنا آخد خمسة، أنا اللي بفرج (ويفرق) .
الست :
هه العب. (وكل ما يلعب تضحك عليه.)
صميدي :
خدي راجل. (يدخل العفريت.)
الست :
خد أربعة. (الست تشوف العفريت تهرب، ويجلس العفريت.)
صميدي :
خدي سبعة إثباتي (كل ما يرمي ورقة العفريت يأخدها) .
خلاص امشي خمسة.
العفريت :
ارررر. (صميدي يشوف العفريت يصرخ، يدخل الخواجة.)
صميدي :
أخ يا ابوي، يا خواجة!
خواجة :
مالك مخمد مالك؟
صميدي :
وحيات ديني ماني شغال.
خواجة :
علشان إيه مخمد؟
صميدي :
أجلك البيت معفرت تجلي له، شوفلي حسابي، محشتغلشي.
خواجة :
أنا كلمتو أنت ينام كتير، بعدين يشوف واخد عفريت، معلش استنى النوبة دي بس.
صميدي :
وعزته وجلاله وارتفاعه في مكانه، إن شفتو النوبة لازم أروح على طول.
خواجة :
طيب استنى واخد نوبة دي.
صميدي :
أما جلك، خد الست معاك.
خواجة :
علشان إيه.
صميدي :
هي معرفتة كل ساعة بتجالون، وخد الدفتر والدواية والكرسي بتاعها.
خواجة :
طيب، يلا يا ست (ويخرج) .
صميدي :
هي الست اللي معرفتة، أمال ليه ما جاش العفريت دلوكت. (العفريت يدخل وفمه مليان جاز، وينفخ في الشمعة فتهب النار فيخاف الصعيدي.)
صميدي :
جاي، يا خلج ربنا الحجوني يا ناس (ويجي خارج، يخش الخواجة) .
خواجة :
مالك مالك، خبر إيه يا خمار؟
صميدي :
خلاص، نهارك سعيد.
خواجة :
كمان واحد نوبة.
صميدي :
إن كنت عاوز أجعد عندك، أجعد النوبة، إن شفت العفريت اعذرني، وإن كنت عما أضحك عليك شبعني جثل أما أموت.
خواجة :
طيب اخرج أنت، أنا يستنى هنا. (يخرج صميدي.) (العفريت يدخل بالجاز مثل الأول، وينفخ في الشمعة.)
خواجة :
مخمد، مخمد، هو يا ناس يا مسلمين! (يدخل صميدي يضحك عليه.)
صميدي :
مالك خايف ليه؟
خواجة :
واخد عفريت مخمد عمل واخد حريجة في البيت.
صميدي :
لا يا شيخ، أنت كنت نايم بعدين حلمت بالعفريت.
خواجة :
لا لا واحد عفريت شفتوا امسكوا.
صميدي :
وبعدين، رأيك إيه؟
خواجة :
استنى، أنا يجيب واحد لوفرفر إنت شفتوا العفريت موتوا.
صميدي :
أيوه روح هات الورور (يخرج) .
خواجة :
استنى أماجي معاك (ويخرج) . (صميدي يدخل ويجلس على الكرسي يدخل الخواجة والصعيدي.)
صميدي :
يا أبوي (ويجري) .
خواجة :
شفتو إيه مخمد، ادخل اديله في الوش بتاعه. (صميدي يدخل وفي يده اللوفرفر. العفريت يشوفه يقوم ويركب عليه.)
صميدي :
جاي جاي يا خواجة، الحجوني يا ناس! (تنزل الستار وينتهي الفصل.)
Page inconnue