فضحك الغلام وقال: إن الربان يشنقني في صاري السفينة. بالسلام عليك أيتها اللادي.
ثم وضع صينية الطعام أمامها وخرج فأقفل الباب، فلم تجزع ولم تقنط، وكان مثلها مثل المريض لا يزال يرجو الشفاء ويعد معدات المستقبل ولو رأى الموت ماثلا لدى عينيه، ولذلك فإنها أكلت بملء الشهية، ثم وجدت كتابا في تلك الغرفة، فجعلت تتلهى بالقراءة فيه كأنها آمنة مطمئنة في منزلها.
ولبثت على ذلك إلى أن حان وقت العشاء، فجاءها البحار بالطعام ولكنه لم يكن وحده هذه المرة، فارتعشت ألن حين رأته وقالت له: لا شك أنك قادم إلي بنبأ جديد، فأجابها بلهجة الحزين قائلا: إني قادم لأرى رأيك الأخير، فقد كنت عازما على الرحيل صباح غد، ولكني وجدت الرياح موافقة للسفر، وستقلع السفينة بعد نصف ساعة.
فاصفر وجهها وقالت: إنك ستنزلني إلى البر فيما أظن؟
قال: ذلك منوط بك؛ فقد تركوا لك الخيار.
قالت: وأنا اخترت البقاء في لندرا. - إنك مخطئة؛ فإني نوري مثل شمشون وجان دي فرانس الذي قتلته ومثلك . أريد أني عارف بتاريخك؛ فإنك عدوتنا اللدودة، ولكن مجلس طائفتنا أشفق على شبابك، فإذا شئت ذهبت بك إلى الأنتيل أو إلى لويزيانا. - كلا كلا. لا أريد الذهاب. - يظهر أنك لا تعلمين ما ستلاقينه من العقاب إذا بقيت. - بل إني عالمة؛ فإن النور يريدون حبسي في أحد السجون المظلمة. - ربما. - ولكن يوجد رجلان يحبانني، وكلاهما غني باسل، وسيعرفان كيف يخرجانني من سجني.
فهز الربان رأسه وقال: إذن لا تريدين السفر؟ - كلا. - لم يبق لك غير ربع ساعة للتمعن؛ فإن رجالنا قادمون إلى السفينة. - ليعودوا بي إلى لندرا. أليس كذلك؟ - أظن. - إذن سأستفيد من هذه المهلة لأتعشى.
فخرج الربان، وهو يقول في نفسه: إني لم أجد أجرأ من هذه الفتاة. وجلست وهي تأكل وتقول: إن روجر وليونيل يبحثان عني، وجان دي فرانس قد مات، فلا أقنط ولو أجلسوني على النطع.
وبعد أن فرغت من طعامها عاد إليها الربان فقال لها: ماذا ارتأيت، فقد دنا وقت السفر؟
قالت: لم أرجع عن عزمي، وإني أدعو لك بالسفر السعيد.
Page inconnue