وحينئذ صعد الخادم إلى أعلى الجبل بقصد أن يجد لها محلا يأويها إليه عن عيون المارة، مثل كهف أو غيره، ولما صار على سطح الجبل وجد على بعد خصا لأحد الرعيان فقصدة، ولما دنى منه وجد امرأة جالسة على الأديم فحياها، وسألها عن أمرها، فقالت: أنا «سباكو» زوجة «ميترادات»، رئيس رعيان الملك، وقد ذهب زوجي لدفن غلام لي مولود منذ ثلاثة أيام، فانتظره على الرحب والسعة.
فقال: لا بقصد الضيافة أتيت، ولكن معي جارية حبشية، وهي زوجتي، وقد خرجنا من المدينة بقصد زيارة المعبد، وحيث أنها حامل، ولم تقدر على قطع الطريق، وقد وافاها المخاض، فأرجوك قبولها عندك حتى تضع حملها.
فقالت: أين هي الآن؟
قال: إنها في سفح الجبل.
قالت: انزل وآتني بها، فأنا أدبر أمرها بنفسي.
ففرح الخادم وأسرع إلى مولاه، وقال: أبشر يا سيدي! فإنني وجدت من يدبر شأن مولاتي الأميرة.
وأخبره بما تم مع زوجة الراعي، ثم قال: يلزم رجوع سيدي إلى المدينة، ودعني أنا معها إلى أن يفعل الله ما يشاء.
فاستصوب رأيه، وأصعد «مندان» إلى أعلى الجبل، وقد استقبلتها زوجة الراعي بكل حنان، وكان قد اشتد عليها المخاض، وأوهى جلدها، فأسرعت بها إلى داخل الخص، وجهزت لها ما يلزم، وبعد برهة قليلة، وضعت غلاما ذكرا كأنه الهلال، فتلقته «سباكو» بقلب شفوق، وأحنت عليه ضلوع الرأفة، ووضعته على ثديها الممتلئ لبنا - وقد كنا أسلفنا أنها وضعت منذ ثلاثة أيام، وحين حضور الخادم إلى عندها كان زوجها توجه ليدفن ولدها المائت - ولما رأت «مندان» ولدها ابتهجت، وانشرح صدرها لما نظرت إلى محياه، ومدت يدها إليه وتناولته وقبلته، ورفعت طرفها إلى السماء، وقالت: اللهم إني أتوسل إليك بعظمتك الإلهية، وعزتك الجبروتية أن تحفظ ولدي من كل سوء، ومن كل عدو، إنك قادر على كل شيء! ثم قبلته قبلات عديدة، وسلمته إلى «سباكو».
وقالت لها: إني سميته «كورش» (ومعناه الشمس)، فاحفظيه عندك إلى حين رجوعي، وإن لم أرجع فهو ولدك، فإني سأتوجه إلى المعبد من وقتي هذا. وكان قصد «مندان» بترك ولدها خوفا من أن يدركها أحد من جيوش الملك فيظهر أمرها بوجود الطفل معها.
وبعد أن أخذت لنفسها قليلا من الراحة، توجهت هي والخادم قاصدة بلاد فارس.
Page inconnue