Un roi en exil de longue durée

Salah Hilal d. 1450 AH
49

Un roi en exil de longue durée

ملك في منفى العمر

Genres

من وقت لآخر كانت بوارق ما يشبه الأمل تلوح في الأفق، إلا أن الفترات بين كل موقف محتدم وآخر كانت تتقارب، ولم تنفع أي محاولات لتوجيه الدفة إلى غير وجهة التصادم. وفي مثل هذه الأجواء المبهمة كان التوتر يبلغ حدا غير محتمل؛ كان فظيعا أن نرى هذه المعاناة التي ألمت بالجميع. وكلما كانت علاقته بإحدى المشرفات تسوء، كانت حالته تزداد سوءا. فقد كن يصلن إلى أقصى حدود قدرتهن على التحمل؛ مما كان يعود بالسلب على والدي، وبدأت دوامة الانهيار.

كانت الأزمة تبدأ مع الصباح، عندما يعجز الجميع عن إرضائه، وفي تلك الأوقات كان أول ما يقوله أبي: «لو تعرف كم تساء معاملتي هنا!»

ولم تكن هذه اللهجة تتغير بقية اليوم، وكان مثلا يتحمل صوت الموسيقى بالكاد، ولا يعجبه مذاق طعام الغداء: «لا أظن أن بإمكاني تناول هذا الطعام.»

خرج مرة بعد الغداء إلى الحديقة متذمرا وبال في إناء به أكبر نبتة صبار زرعها فيرنر. سمعت صوت البول فهرعت إليه وأخبرته أنه غير مسموح له بفعل ذلك، لكنه قال: «بالطبع يمكنني ذلك، هذا عقاب على ما تفعلونه بي. حضراتكم تستحقون عقابا أكبر كثيرا من هذا.»

والأسوأ كانت الليالي التي يستيقظ فيها ويبدأ في البحث عن أولاده. كان هذا الموقف يتكرر بصورة مفاجئة وبوتيرة غير مفهومة. وفي مثل تلك الحالات كان من المستحيل مواساته؛ لأنه يصبح بائسا جدا وفي قمة الحيرة، وكأنه يبحث في الحرب بين أطلال البيوت المدمرة عن أحياء. أحيانا كنا نفلح في طمأنته عندما ندعي أن أولاده سيحضرون في الصباح، ولكنه في أحيان أخرى كان يقضي نصف الليل في البحث حتى يسلمه التعب إلى النوم. وفي الصباح كان يستأنف البحث عن أربعة أطفال صغار لم يناموا في أسرتهم ولم يختبئوا تحتها، ولم يجدهم في حوض الاستحمام ولا في الخزانات خلف القمصان، ويبقى حزينا لأنه لم يجد أيا منهم.

وكان يقول: «لقد تم ترحيلهم ولم يرهم أحد منذ ذلك الوقت. لقد بحثت عنهم كثيرا واتصلت بجميع الجهات المسئولة ليساعدوني، والآن لم يعد لدي أمل في أن أراهم مجددا.»

وعندما كنت أخبره أني أعتقد أنهم بخير وأنهم سيتزوجون وينجبون أطفالا، كان يقول: «كل ما تقوله ممكن، لكني لا أظن أنه سيحدث.»

وكان يعقد ما بين حاجبيه وكأنه يريد تذكر شيء، ويشير بيده إلى خزانة الحجرة ويقول إن هذا هو الاتجاه الذي أخذوا الأطفال فيه. «أين يمكن أن يكونوا؟ لقد رحلوا، لقد أخذوهم، لقد رحلوا، لقد أخذوهم.»

كاد الأمر أن ينجح أيضا مع المشرفة فلاستا، ولكن أمها مرضت واتصلت بنا وقالت كيف يعقل أن تبقى فلاستا في النمسا لرعاية الغرباء بينما أمها في الفراش تحتاج لمن يعتني بها؟

أما المشرفة آنا، فلم تستطع أن تتواصل مع أبي رغم شدة ذكائها وبذلها كل ما في استطاعتها. فقد كان الأمر في غاية السوء؛ فعندما كانت تخرج معه للتنزه ويقابله المارة ويسألونه عنها كان يقول: «إن هذه البقرة الغبية تضايقه طوال الوقت.»

Page inconnue