Un roi en exil de longue durée

Salah Hilal d. 1450 AH
47

Un roi en exil de longue durée

ملك في منفى العمر

Genres

ومن وراء حيرته بدت ابتسامة خفية، ثم غمز لي بعينه وقال: «أنت أعز أصدقائي.» •••

أصبح التعامل اليومي معه عادة يشبه الحياة في الخيال؛ إذ كنا نملأ فجوات الذاكرة بتصورات خيالية، ونبني جسورا لتساعده على فهم ما يستعصي عليه فهمه، وتعينه على مقاومة الهلاوس. المكان الوحيد الذي تبقى للتعايش بيننا كان العالم الذي يدركه والدي، وكثيرا كنا نكرر قول الأشياء التي تدعم وجهة نظره وتسعده قدر استطاعتنا. وتعلمنا أن القداسة المصطنعة التي نضفيها على الحقيقة هي أسوأ الأشياء؛ فهي لم تساعدنا على إحراز أي تقدم، بل أضرت بالجميع. إن محاولة إعطاء مريض ألزهايمر إجابات سليمة تبعا للأعراف المعهودة دون مراعاة حالته يعتبر بمثابة محاولة إجباره على فهم عالم ليس بعالمه.

وهكذا سرنا في طريق يحيد عن الواقع الملموس ثم يعود إليه عبر تعرجات كثيرة. فعندما كان أبي يطلب العودة إلى البيت كنت أقول له: سأرى ما يمكنني فعله، أظن أن باستطاعتي مساعدتك. وعندما كان يستعلم عن أمه، كنت أوحي إليه بأني أعتقد أيضا أنها لا تزال حية، وكنت أؤكد له أنها على علم بكل شيء وتعتني به. كان يسعده سماع ذلك؛ فيشرق وجهه ويهز رأسه راضيا. وإشراق وجهه وهز رأسه كانا دليلين على إحساسه بالرجوع إلى الواقع في تلك اللحظة.

عادة ما كانت الحقيقة الموضوعية لا تأخذ حظها، ولم أكن آبه لذلك؛ فقد كانت عديمة الجدوى، وفي نفس الوقت كانت سعادتي تزداد كلما أوغلت تفسيراتي في بحر الخيال أكثر؛ فقد كان لدي معيار واحد لها: كلما كان تأثيرها مهدئا لأبي كانت أفضل.

كثير من أمور الحياة اليومية يتوقف على آلية التعامل معها، والمطلوب منا كان شديد التعقيد، وبقدر ما كان أبي حزينا لفقدان قدراته العقلية، بقدر ما كانت الأمور الغريبة تشحذ فكر ذويه. كما كان الحديث معه تدريبا جيدا لمقاومة صدأ عقولنا؛ إذ كان يتطلب درجة عالية من الحساسية والخيال، وكان بإمكان كلمة واحدة مناسبة وحركة واحدة سليمة في أفضل الأحوال أن تهدئ من روعه لفترة. كتب فيليكس هارتلاوب في هذا السياق ما مفاده: «أن المرء يمكن أن ينجح في هذه الحالة فقط إذا كان راقصا ماهرا على الحبال.»

قالت دانيلا عن خبراتها مع أبي إن إقناعه بالذهاب إلى النوم والاستيقاظ لا يكون مهمة صعبة إذا سألت «هل أنت متعب؟» «نعم.» «أتريد أن تخلد إلى النوم؟» «نعم.»

يجب جعله عن طريق تلك الأسئلة يطلب ما نريده نحن أن يفعله، بهذه الطريقة أمكن تحقيق بعض النظام في عالمه غير المنتظم، أما إعطاء الأوامر فيفشل دائما؛ فعندما كانت تقول: «أوجوست، عليك الخلود إلى النوم الآن.»

فكان يسأل: «لماذا؟»

وفي مرة كانت دانيلا تكوي الملابس، فشعر أبي بالملل وقال إنه سيذهب إلى البيت، وأن هذا قرار نهائي، وإنه لن يرضى بغير ذلك، فنظرت إليه مصدومة وقالت: «أوجوست، لن أبقى هنا وحدي. إذا ذهبت فسأذهب أنا أيضا، ولكن يجب أن أنتهي من الكي أولا.»

فتفهم الموقف وشكرته على ذلك.

Page inconnue