Manuscrits de théâtre de Mustapha Momtaz
مخطوطات مسرحيات مصطفى ممتاز
Genres
مقدمة
مصطفى ممتاز يبعث من جديد
مخطوطة مسرحية «أنجومار»
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
مخطوطة مسرحية «عبد الرحمن وعمر»
الفصل الأول
الفصل الثاني
Page inconnue
الفصل الثالث
مخطوطة مسرحية المنافقين
رواية المنافقين
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
مخطوطة مسرحية «المرحوم»
الفصل الأول
الفصل الثاني
Page inconnue
الفصل الثالث
مخطوطة مسرحية «جلنار بين ثلاثة رجال»
رواية «جلنار بين ثلاثة رجال»
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
مقدمة
مصطفى ممتاز يبعث من جديد
مخطوطة مسرحية «أنجومار»
Page inconnue
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
مخطوطة مسرحية «عبد الرحمن وعمر»
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
مخطوطة مسرحية المنافقين
رواية المنافقين
Page inconnue
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
مخطوطة مسرحية «المرحوم»
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
مخطوطة مسرحية «جلنار بين ثلاثة رجال»
رواية «جلنار بين ثلاثة رجال»
Page inconnue
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
مخطوطات مسرحيات مصطفى ممتاز
مخطوطات مسرحيات مصطفى ممتاز
دراسة
سيد علي إسماعيل
مقدمة
في الربع الأول من القرن العشرين؛ ظهرت في مصر كوكبة من أعلام الكتابة المسرحية في مجال: التأليف، والترجمة، والاقتباس، والتعريب، والتمصير ... أمثال: بديع خيري، ونجيب الريحاني، وإبراهيم رمزي، وإسماعيل عاصم، وعباس علام، وخليل مطران، وأمين صدقي، ومحمد تيمور، ويوسف وهبي، ومحمد لطفي جمعة، وعباس حافظ، وعزيز عيد وغيرهم. ويشاء القدر أن يهتم بعض الكتاب والنقاد بكتابات هؤلاء الأعلام المسرحية؛ فنشروا عنها الكتب والمقالات والدراسات التي وثقت هذه الأعمال، وسجلت الأقوال النقدية التي دارت حولها؛ فأصبحت هذه الدراسات مراجع ومصادر تخدم الباحثين. وفي المقابل هناك أعلام آخرون من كتاب المسرح - على قدر المساواة مع الأعلام السابقين، ومعاصرين لهم - لم يهتم بهم الكتاب أو النقاد حتى الآن، أمثال: عبد الحليم المصري، ومحمود مراد، ونقولا رزق الله، وحسين شفيق المصري، وفرح أنطون، ومصطفى ممتاز ... وغيرهم.
Page inconnue
وعدم اهتمام الكتاب والنقاد بهؤلاء الأعلام مرجعه الأساسي عدم وجود معلومات عنهم وعن حياتهم، أو فقدان كتاباتهم وإبداعاتهم المسرحية. فمثلا عبد الحليم المصري معروف أنه شاعر ومؤرخ ، والجديد في الأمر أنه كان ممثلا مسرحيا عام 1910م، وألف مسرحية «فيروزشاه» 1918م، وعرب مسرحيات كثيرة، منها: «مارك أنطوان وكليوباترا»، و«الشيخ العاشق»، و«الممثل كين». ومع شديد الأسف فإن هذه المسرحيات ظلت مطوية غير منشورة، ولم نعثر على مخطوطاتها حتى الآن! كذلك محمود مراد المتوفى سنة 1925م؛ فإنا لا نعرف عنه شيئا، رغم أنه من رواد المسرح المدرسي في مصر، وله مؤلفات وترجمات مسرحية كثيرة، منها: «زهراب ورستم»، و«الأساس فالبناء»، و«الجزاء الحق»، و«الابن الضال»، و«ما وراء الستار»، و«الابن المتبنى»، و«الوحي»، و«في سبيل المبدأ»، و«مجد رمسيس»، و«توت عنخ آمون»، و«بيت العروس»، و«العبرة»، و«ثريا»، و«عضو البرلمان»، و«سعاد»، و«البروكة»، و«شرف الأسرة»، و«كليوباترا»، و«الدخيل» ... ورغم هذا الكم الهائل من الإبداعات المسرحية إلا أنه لم تنشر له مسرحية واحدة، ولم نستطع - حتى الآن - الحصول على مخطوطة واحدة من هذه المسرحيات!
أما فرح أنطون، فعلى الرغم من شهرته الذائعة الصيت، والمؤلفات التي دبجت حول كتاباته وحياته، إلا أنها لم تتطرق إلى أعماله المسرحية إلا في نطاق محدود من خلال مسرحياته المطبوعة، مثل: «البرج الهائل» 1898م، و«ابن الشعب» 1905م، و«مصر الجديدة» 1913م، و«صلاح الدين ومملكة أورشليم» 1914م. رغم كتابته مسرحيات أخرى غير منشورة، لم نستطع الحصول على مخطوطاتها - حتى الآن - مثل: «أوديب الملك» 1911م، و«الساحرة» 1912م، و«أولندا»، و«تاييس»، و«كارمن» 1915م، و«أدنا»، و«الإمام في الشام»، و«بين الدكاترة»، و«روزينا» 1918، و«الشيخ وبنات الكهربا» 1921، و«أديني جيت» 1922م، و«أبو الهول المتحدث» ... وغيرها.
هؤلاء الأعلام من المسرحيين ممن كتب عليهم النسيان، وفرض القدر عليهم العيش على هامش التاريخ، وبنى الزمان جدارا سميكا بينهم وبين من أراد الكتابة عنهم ... هؤلاء كانوا شغلي الشاغل منذ زمن طويل ... أحاول الوصول إليهم في ثنايا سطور الكتابات القديمة، وأنبش عنهم في الوثائق المجهولة، وأنقب عن أخبارهم بين الأوراق البالية، وأبحث عن كتاباتهم وسط ركام المخطوطات ، وأتقصى ما كتب عنهم في الصحف المتهالكة التي عاصرت وجودهم ... فأخرجت بذلك أعلاما مسرحية كانت مجهولة؛ رغم ما لها من مكانة أدبية مسرحية مرموقة لم تكن معروفة من قبل.
فعلى سبيل المثال: أعدت إلى ساحة الأدب والمسرح المكانة اللائقة للأديب إسماعيل عاصم؛ عندما نشرت تفاصيل حياته، وبعض أشعاره، وجميع مسرحياته المخطوطة، والمطبوعة في القرن التاسع عشر، في كتاب متواضع حمل اسم «إسماعيل عاصم في موكب الحياة والأدب» عام 1996م. كذلك نشرت جميع مسرحيات محمد لطفي جمعة المخطوطة في كتاب «مخطوطات مسرحيات محمد لطفي جمعة: الأعمال الكاملة» عام 2001م. وبالأسلوب نفسه نشرت بعض مسرحيات حافظ نجيب المخطوطة في كتاب «حافظ نجيب الأديب المحتال» عام 2004م. وبمناسبة مرور خمسين سنة على وفاة الفنان الكوميدي علي الكسار؛ نشرت ثماني عشرة مسرحية مخطوطة في كتاب من جزأين بعنوان «مسرح علي الكسار» عام 2006م. وأخيرا نشرت مجموعة كبيرة من مسرحيات عباس حافظ المخطوطة مع بعض تفاصيل حياته في كتاب «مخطوطات مسرحيات عباس حافظ» عام 2007م.
والتزاما بهذا النهج؛ وقع اختياري على شخصية مصطفى ممتاز؛ لتكون موضوع هذا الكتاب. والسبب في هذا الاختيار أن مصطفى ممتاز شخصية مجهولة في كتاباتنا المعاصرة التي تشير إلى أنه شارك توفيق الحكيم في اقتباس مسرحية «خاتم سليمان»؛ التي مثلتها فرقة أولاد عكاشة سنة 1924م. وبخلاف هذه المعلومة - التي سجلها الحكيم في مذكراته - لا يستطيع أي باحث أن يعرف شيئا آخر عنه! وهذه المعلومة تشير إلى أن مصطفى ممتاز شارك الحكيم في اقتباس المسرحية ... أي إن الحكيم هو الأصل، ومصطفى ممتاز هو الفرع!
فيا ترى ما هو شعور القارئ عندما يكتشف أن العكس هو الصحيح؟! فمصطفى ممتاز كان الأصل والحكيم هو الفرع! مصطفى ممتاز كان المؤثر، وتوفيق الحكيم كان المتأثر! مصطفى ممتاز كتب ثماني مسرحيات - مثلتها الفرق المسرحية الكبرى بين عامي 1917 و1924م - قبل أن يخط الحكيم سطرا واحدا في كتاباته المسرحية المعروفة! مصطفى ممتاز هو الشاعر القدير صاحب الديوان المنشور بالإسكندرية عام 1918م، وهو مؤلف ومعرب ومترجم لعشرات المسرحيات، استطعنا إحصاء إحدى عشرة مسرحية منها، ونشرنا في هذا الكتاب خمسة نصوص مسرحية مخطوطة مجهولة ... ففي هذا الكتاب يخرج مصطفى ممتاز من قبره التاريخي، لتعاد إليه حياته الأدبية المسرحية، وليسترد مكانته المسرحية التي سلبت منه نسيانا وتجاهلا من قبل الكتاب والنقاد.
والله ولي التوفيق.
دكتور سيد علي إسماعيل
الدوحة 14 / 5 / 2008م
مصطفى ممتاز يبعث من جديد
Page inconnue
تمهيد
من المعروف أن الأديب الكبير توفيق الحكيم بدأ اهتمامه بالأدب المسرحي في نهاية الربع الأول من القرن العشرين (1923-1926م). ففي هذه الفترة كتب الحكيم عدة مسرحيات، منها: «العريس»، و«خاتم سليمان»، و«علي بابا»، و«المرأة الجديدة»، و«أمينوسا»، و«الثائرة».
1
وهذه الفترة على وجه الخصوص، حاول الحكيم تعتيمها، وعدم الخوض في تفاصيلها، قائلا: «في حياتي الفنية جانب مجهول أردت ألا أعترف به ورأيت أن أقصيه وأن أسدل عليه الستار؛ لأنه في نظري اليوم لا يتصل بأدبي، ولا يجوز أن يدخل في عداد عملي ... ذلك هو عهد اشتغالي بكتابة القصص التمثيلي لفرقة عكاشة حوالي عام 1923م.»
2
وهذا التعتيم من قبل الحكيم جعل معظم الكتاب والنقاد يبتعدون عن هذه الفترة، أو جعلهم على أقل تقدير يمرون عليها في كتاباتهم مرور الكرام! وشذ عن هذا الناقد فؤاد دوارة
3
الذي درس مسرحيات الحكيم في هذه الفترة، من غير أن يتطرق إلى باقي الجوانب الأخرى، التي تعتبر من الجوانب المجهولة في حياة توفيق الحكيم وأدبه.
4
ومن هذه الجوانب أن الحكيم بدأ كتابة المقالات الصحفية المسرحية منذ منتصف عام 1924م. أي إن الكتابات النقدية المسرحية بدأت عند الحكيم بعد بداية كتاباته المسرحية مباشرة. وكان يوقع على هذه المقالات باسم «حسين توفيق الحكيم».
Page inconnue
5
ومن الوثائق المهمة وجود قصاصة ورقية، في شكل خطاب قصير موجه من الحكيم إلى زكي طليمات أثناء وجودهما في باريس عام 1925م. ونص الخطاب يقول:
6
حضرة الأستاذ زكي أفندي طليمات
سررت جدا عندما علمت من البعثة بحضوركم، وقد علمت عنوان الفندق وللأسف لم أجدكم. وحبذا لو تفضلتم بالمقابلة غدا صباحا الساعة 11 تقريبا بدار البعثة بشارع المدارس نمرة 24 لأتحدث إليكم عن المسرح هنا.
وتفضلوا بقبول التحية والشكر.
المخلص
حسين توفيق الحكيم
كاتب رواية «العريس» و«خاتم سليمان»
باريس 8 ديسمبر 1925
Page inconnue
صورة خطاب توفيق الحكيم إلى زكي طليمات عام 1925م.
وهذا الخطاب يكشف لنا حقيقة مهمة، تتمثل في أمرين؛ أولهما: أن الحكيم لم تتفتح موهبته المسرحية في باريس، بل تفتحت في مصر، وقبيل سفره إلى فرنسا. والدليل على ذلك قوله لطليمات: «لأتحدث إليكم عن المسرح هنا.» وهذا يعني أن الحكيم منذ وصوله إلى باريس، وهو يتابع الحركة المسرحية الفرنسية بكل اهتمام بصفته محترفا، لا هاو كما يعتقد الجميع.
7
والدليل على ذلك أيضا أنه يطلب مقابلة زكي طليمات - طالب البعثة الحكومية المصرية لفن المسرح - ليحدثه عن المسرح في فرنسا! ذلك الطالب الذي له باع طويل معروف في مجال المسرح، قبل سفره إلى باريس. فإذا كان الحكيم مارس الفن المسرحي قبل سفره من خلال مسرحيتين فقط - هما: «العريس»، و«خاتم سليمان» في عامي 1923، و1924م - فطليمات أسبق منه بعشر سنوات في هذه الممارسة، منذ كان ممثلا بجوق أبيض وحجازي عام 1914م، وبفرقة عبد الرحمن رشدي، وفرقة عزيز عيد عام 1918م. بل إن طليمات فاز بالجائزة الأولى في التمثيل الدرامي عام 1925م، مما أهله للسفر طالبا في بعثة مسرحية إلى فرنسا.
8
أما الأمر الآخر، فيتمثل في توقيع الحكيم - أسفل الخطاب السابق - بعبارة: «كاتب رواية «العريس» و«خاتم سليمان».» أي إن الحكيم نسب مسرحية «خاتم سليمان» إليه وحده، على الرغم من أنها اقتباس مشترك بينه وبين مصطفى ممتاز! وربما لم يتعمد الحكيم ذلك؛ فكتب عبارته غفلا من ذكر مصطفى ممتاز؛ على اعتبار أن القصاصة كتبت في عجالة.
ومما سبق يتضح لنا أن بداية توفيق الحكيم المسرحية كان وراءها عاملان؛ الأول: الموهبة، والآخر: مصطفى ممتاز مكتشف هذه الموهبة ومحركها الأول. وكفى بنا أن نعلم أن في عام 1927م كتبت مجلة «المسرح» عدة مقالات عن أسلوب وطريقة كتاب المسرح في هذه الفترة، ومن هؤلاء الكتاب كان الحكيم ومصطفى ممتاز. ومن الملاحظ أن ما كتب عن أسلوب مصطفى ممتاز يتشابه إلى حد كبير مع ما كتب عن أسلوب الحكيم.
9
وهذا الأمر يشير إلى أن الحكيم تأثر بأسلوب ممتاز في الكتابة المسرحية - في تلك الفترة - أو أن مصطفى ممتاز كان موجها مسرحيا للحكيم.
ورغم ذلك، لم يعترف الحكيم في مذكراته بتأثير ممتاز على موهبته المسرحية؛ إلا أنه في الوقت نفسه لم يتجاهله؛ فذكره بشيء من الاقتضاب قائلا عنه في كتابه «سجن العمر»:
Page inconnue
في ذات ليلة ذهبت إلى دار الأوبرا أشاهد رواية لفرقة عكاشة، فوجدت هناك زميلا لي بمدرسة الحقوق ... سألته عما جاء به إلى ذلك المكان، لعلمي أنه ليس من المهتمين بمسرح ولا بروايات، فأجابني أن شقيقه هو مؤلف الرواية التي نشاهدها ... فعجبت لذلك وسررت به وقلت له: عرفني بأخيك هذا! وعرفت من صار بعد ذلك صديقي وشريكي في مسرحية غنائية هي «خاتم سليمان» مصطفى أفندي ممتاز الموظف بقسم الشياخات والعمد بوزارة الداخلية ... كان مصطفى ممتاز قد توظف بالبكالوريا ولم يستمر في الدراسة العليا مثل أخيه زميلي بالحقوق ... لكنه كان فيما رأيت منه أرسخ قدما في اللغتين العربية والإنجليزية وأوسع اطلاعا وأمتع حديثا ... وعلى جانب كبير من الموهبة والإحساس بالفن والحب الصادق للمسرح ... فكنت أجد فيه الصديق الذي ترتاح إليه نفسي، ولم أحفل كثيرا بأخيه زميل الدراسة ... كنت أزور مصطفى هذا في بيته من حين إلى حين ... كان متزوجا وله أولاد ... فكنا نقضي وقتا طويلا في حجرة الجلوس نتحدث في الفن والمسرحيات ... كان يصغى إلى اطلاعي في المسرحيات الفرنسية، وأصغى إلى اطلاعه في المسرحيات الإنجليزية التي كان يطلبها بالبريد من لندن في سلسلة مسرحية زهيدة الثمن، فنحاول أن نستعرض ما نجد هنا أو هناك مما يصلح في نظرنا للترجمة أو ما يغرينا بالتمصير ... وقع اختيارنا أنا ومصطفى ممتاز على موضوع شيق كنت قد طالعته في إحدى الروايات الفرنسية، ربما كان اسمها «غادة ناربون» استطعنا أن نخرج منه مسرحية غنائية لفرقة عكاشة ... جعلنا هذا الموضوع يحدث في مدينة شرقية في عصر قديم ... وأسمينا المسرحية «خاتم سليمان».
10
هذه القصة التي رواها الحكيم عن بداية معرفته بمصطفى ممتاز؛ تمثل أهم المعلومات التي يمكن لأي باحث الحصول عليها في الكتابات الحديثة والمعاصرة عن الكاتب المسرحي مصطفى ممتاز! وبسبب شهرة الحكيم ومكانته يعتقد القارئ أن مصطفى هذا ما هو إلا شريك ثانوي في بداية نشاط الحكيم المسرحي. وبمعنى آخر أن الحكيم هو الأساس وممتاز هو الفرع؛ خصوصا في اقتباس مسرحية «خاتم سليمان»، رغم أن العكس هو الصحيح! فالحكيم في حديثه السابق يؤكد أن بداية لقائه بممتاز كانت أثناء مشاهدته لإحدى مسرحيات فرقة عكاشة المكتوبة من قبل ممتاز. ورغم أن الحكيم لم يذكر تاريخ هذا اللقاء، إلا أن المنطق التاريخي يقول إن هذا اللقاء كان في أكتوبر عام 1922م، عندما مثلت فرقة عكاشة مسرحية «الخطيئة» لمصطفى ممتاز، لأن بعدها مباشرة بدأ ممتاز مع الحكيم اقتباس مسرحية «خاتم سليمان» - كما سيتضح لنا لاحقا - وهذا يؤكد أن معرفة الحكيم بممتاز بدأت قبل أن يخط الحكيم سطرا واحدا في كتاباته المسرحية، سواء النقدية أو الإبداعية.
وهذه المعرفة تمت في هذا التاريخ بين المؤثر مصطفى ممتاز - الأستاذ الكبير في الكتابة المسرحية - والحكيم المتأثر بأسلوب هذا الأستاذ وتعاليمه؛ الذي ذكره الحكيم في مذكراته بصورة هامشية؛ لا تليق بنشاط ممتاز المسرحي، ولا بتاريخه. وهذا الموقف كرره الحكيم مرة أخرى؛ عندما تحدث عن لقاء آخر جمعه بمصطفى ممتاز؛ فسجله الحكيم في كتاباته من غير أن يذكر اسم ممتاز!
يقول الحكيم: «في حياتي الفنية جانب مجهول أردت ألا أعترف به ورأيت أن أقصيه، وأن أسدل عليه الستار؛ لأنه في نظري اليوم لا يتصل بأدبي ولا يجوز أن يدخل في عداد عملي ... ذلك هو عهد اشتغالي بكتابة القصص التمثيلي لفرقة عكاشة حوالي عام 1923 ... غير أن المصادفة شاءت أخيرا أن ألتقي بمن يذكرني بهذا العهد، ويعرض علي طرفا مما كنا نعمل في ذلك الحين ... ذلك روائي اشترك معي في قطعة موسيقية قام بتلحينها المرحوم كامل الخلعي ... ثم انقطع عن الفن منذ ذلك الوقت وشغلته شئون الحياة ... ثم اختلينا فجعل ينشد لي بعض أغاني رواياتنا القديمة وأنا في ذهول! شد ما تغيرت أنا، وتغيرت نظرتي للفن مرات ومرات خلال تلك السنوات! ولكنه هو باق كما كان على احترام تلك القواعد والمثل التي كانت هدفنا ومرمى أبصارنا في الكتابة المسرحية .»
11
وإذا كان من حق توفيق الحكيم - في هذا القول - أن يقصي من حياته جانبا حقيقيا؛ لا يريد تذكره؛ متنكرا لجانب من إبداعه المسرحي ... فليس من حقه نكران من أخذ بيده في بداياته المسرحية، جاحدا فضله متنكرا لاسمه، الذي لم يذكره مشيرا إليه بعبارة «روائي اشترك معي»، والحق أن الحكيم هو المشارك له! والغريب أن الحكيم تنكر حتى لاسم المسرحية فلم يذكرها، واكتفى بوصفها «قطعة موسيقية»؛ رغم أنها مسرحية كاملة عرضت على مسرح حديقة الأزبكية فترة طويلة تحت اسم «خاتم سليمان»!
وربما يشعر القارئ بأنني أحاول جاهدا أن أثبت أن توفيق الحكيم تأثر في كتاباته المسرحية بأسلوب مصطفى ممتاز وتوجيهاته الفنية؛ رغم ما يعترض هذا الطرح من حقيقة شائعة - قال بها كل من كتب عن مسرح الحكيم، وقال بها الحكيم نفسه - هذه الحقيقة تقول: إن أول مسرحية كتبها الحكيم كانت مسرحيته المقتبسة «العريس».
12
قبل أن يشارك ممتاز في اقتباس مسرحية «خاتم سليمان»! وهذا يعني أن الحكيم مارس الكتابة المسرحية قبل أن يتعرف إلى مصطفى ممتاز! ومن الأدلة على ذلك خطاب الحكيم لطليمات - السابق - الذي وقع عليه الحكيم بقوله: «حسين توفيق الحكيم كاتب رواية «العريس» و«خاتم سليمان».» أي إن الحكيم يقر بأن مسرحية «العريس» كانت قبل مسرحية «خاتم سليمان»! حتى التاريخ يؤيد هذا؛ فقد عرضت فرقة عكاشة مسرحية «العريس» أولا، ثم عرضت مسرحية «خاتم سليمان» بعد ذلك! فهل يمكن - بعد كل هذه الأدلة - الزعم بأن الحكيم تأثر بمصطفى ممتاز في كتاباته المسرحية؟
Page inconnue
الإجابة على هذا السؤال تقول: من الممكن أن يكون الحكيم تأثر بمصطفى ممتاز، إذا أثبتنا أن مسرحية «خاتم سليمان» هي أول مسرحية يشارك في كتابتها توفيق الحكيم قبل أن يقتبس مسرحيته «العريس». فإن صدق هذا الإثبات، فيكون الحكيم تأثر بمصطفى ممتاز بكل معنى الكلمة. وإليك أيها القارئ الإثبات :
من المعروف - في الربع الأول من القرن العشرين - أن الفرق المسرحية المصرية تنهي موسمها التمثيلي في أبريل أو مايو من كل عام؛ لتبدأ موسمها الصيفي بإعادة بعض عروضها في الأقاليم والمدن الساحلية، ثم تأخذ فترة استعداد للموسم التالي؛ الذي يبدأ في أكتوبر أو نوفمبر، وغالبا ما تبدأ الفرق موسمها الجديد بمسرحيات جديدة؛ بواقع مسرحية جديدة كل يوم، ومن ثم تعيد عرضها على فترات متفاوتة طوال الموسم. ووفق هذا الأسلوب أعلنت فرقة عكاشة بداية موسمها الجديد لعام 1924 / 1925 في أكتوبر 1924م؛ بالإعلان عن أربع مسرحيات جديدة، هي: «الدنيا وما فيها» تأليف محمد يونس القاضي، وعرضتها يوم 13 / 11 / 1924. ومسرحية «العريس» اقتباس حسين توفيق الحكيم، وعرضتها يوم 14 / 11 / 1924. ومسرحية «المشكلة الكبرى» اقتباس سليمان نجيب، وعرضتها يوم 15 / 11 / 1924. وأخيرا مسرحية «خاتم سليمان» اقتباس مصطفى ممتاز وحسين توفيق الحكيم، وعرضتها يوم 16 / 11 / 1924.
13
وربما سيندهش القارئ - من توثيقنا السابق لهذه العروض - لأننا أضفنا دليلا جديدا يؤكد أن فرقة عكاشة عرضت مسرحية «العريس» للحكيم قبل عرضها لمسرحية «خاتم سليمان» بيومين فقط! وهذا يعني أن الحكيم اقتبس «العريس» قبل اقتباسه - بالاشتراك مع ممتاز - لمسرحية «خاتم سليمان»؛ أو على أقل تقدير كان الاقتباس لكلتيهما في وقت متقارب في الفترة ما بين نهاية الموسم السابق في مايو، وبداية الإعداد للموسم التالي الذي بدأ في نوفمبر. أي إن اقتباس مسرحيتي «العريس» و«خاتم سليمان» كان في الفترة ما بين شهري مايو ونوفمبر 1924م. وهنا يأتي دور الوثائق حسما للأمر!
فقد حصلنا على وثيقتين بتوقيع كامل الخلعي،
14
تتعلقان بتلحين مسرحية «خاتم سليمان»: الأولى مؤرخة في 1 / 3 / 1923 ويقول فيها: «رددت هذه الرواية ثانية إلى جوق إدارة شركة ترقية التمثيل العربي، بعد أن ألفت موسيقى نصف فصل منها؛ لأننا لم نتحدث على ثمنها من جهة، ولأن أرباب الأدوار فيها لا يأخذون غناء أدوارهم إلا بعد أن يذهب أغلبه ضياعا لطول الوقت.» والأخرى مؤرخة في 11 / 11 / 1924، وفيها يقول: «استلمت من حضرتي ممتاز وتوفيق مؤلفي رواية «خاتم سليمان» مبلغ 100 مائة غرش صاغا - كمكافأة على حسن الألحان التي وضعتها في روايتهما، وهذا وصل بالاستلام .»
صورة من وثيقتي كامل الخلعي بخصوص تلحين مسرحية «خاتم سليمان».
والملاحظ أن كامل الخلعي - ملحن مسرحية «خاتم سليمان» - يعترف في الوثيقة الأولى - المؤرخة في أول مارس 1923م - أنه لحن جزءا من مسرحية «خاتم سليمان »، وبسبب الاختلافات المالية، أعاد نص المسرحية مرة أخرى إلى الفرقة! وهذا يعني أن نص المسرحية كان لديه بصورة كاملة قبل مارس 1923م؛ بينما اقتبس الحكيم مسرحيته «العريس» عام 1924م! أي إن مسرحية «خاتم سليمان» هي أول مسرحية شارك الحكيم في كتابتها مع ممتاز. وبناء على ذلك، نستطيع القول بكل اطمئنان إن الكاتب المسرحي مصطفى ممتاز كان الموجه الأول لتوفيق الحكيم في كتاباته المسرحية الأولى، قبل سفر الحكيم إلى فرنسا. وبمعنى آخر: إن توفيق الحكيم تأثر بأسلوب مصطفى ممتاز وتوجيهاته المسرحية، قبل أن يخط الحكيم سطرا واحدا في إبداعه المسرحي.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا أخذ الحكيم هذا الموقف من موجهه الأول في الكتابة المسرحية؟ خصوصا أن الحكيم كان في أوج شهرته بوصفه كاتبا مسرحيا مرموقا عندما كتب ما كتبه عن مصطفى ممتاز؟! الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة؛ ولكن من وجهة نظري إن الحكيم أراد أن ينسب علمه وإبداعه المسرحي إلى الفترة الفرنسية التي قضاها في باريس، ولم يرد فضلا عليه سوى تجربته الفرنسية ليس إلا! ومن ناحية أخرى ربما أراد إقصاء فترة عمله الأولى المتعلقة بمصطفى ممتاز؛ حتى لا يضطر إلى الإشادة به باعتباره مؤثرا فيه، أو الحديث عنه بوصفه موجها له!
Page inconnue
وعن هذا الأمر تحدثت مع السيدة ابتسام - ابنة مصطفى ممتاز - حول علاقة الحكيم بوالدها؛ فقالت: «إن والدي كان خجولا جدا لا يرفض طلبا لأحد، وكان الحكيم صديقا لعمي صابر ممتاز، ثم أصبح صديقا لوالدي. وكان والدي يكبر الحكيم بثلاث عشرة سنة، وكان ينظر إليه نظرة الشقيق الأصغر. وفي يوم ما روى لي والدي أن توفيق الحكيم طلب منه مشاركته في كتابة إحدى المسرحيات؛ ليضع اسمه بجوار اسم والدي ... فوافق والدي خجلا؛ فخرجت إلى النور مسرحية «خاتم سليمان» تحمل اسمي مقتبسيها: مصطفى ممتاز وحسين توفيق. وفي عام 1942م التقيت بتوفيق الحكيم في إحدى المناسبات، فقال لي: «أنا لحم كتافي من خير أبوك»!»
15
وربما شعر الحكيم بتأنيب الضمير تجاه موقفه من مصطفى ممتاز في حياته؛ فأراد إصلاح الأمر بعد وفاة ممتاز بثلاث عشرة سنة؛ عندما نشر عام 1977م خطابا - يتعلق بمسرحية «خاتم سليمان» - جاءه من مصطفى ممتاز أثناء وجود الحكيم في الإسكندرية بتاريخ 2 / 7 / 1924م. ولأهمية الخطاب - فيما نحن بصدده - نجتزئ منه هذه العبارات:
عزيزي توفيق، تحية وسلاما، وبعد؛ فقد وصلني بالأمس كتابك بعد أن انتظرت وروده وقتا طويلا، ولا أدري لماذا تأخرت عن الكتابة، مع أن الحياة عندكم منعشة جميلة، تغري بالكتابة ... أما أخبارنا فعلى ما يرام، وقد اتفقت نهائيا مع الأستاذ زكي عكاشة في أواخر يونيو الماضي، وأمضيت عقد الاتفاق ... وقد حصل الاتفاق على ثلاثين جنيها ... هذه هي أهم الحوادث عندي قد أبلغتها إليك. أما عن تقاعدك عن المطالعة أو عمل أي شيء، فهو ما لا أراه لك رأيا، وحبذا لو أنك انتهزت فرصة صفاء الذهن وجمال ما حولك من المناظر، لتعمل عملا جديدا ممتعا، وعسى أن يصلني منك قريبا ما تبشرني به من شروعك في عمل جديد.
16
والملاحظ من عبارات مصطفى ممتاز إلى الحكيم؛ أنها عبارات موجهة من شقيق أكبر إلى شقيقه الأصغر؛ يدفعه إلى العمل والإبداع، ويشد من أزره. وهو ما يؤكد وجهة نظرنا السابقة؛ بأن مصطفى ممتاز كان الموجه الأول للحكيم في كتاباته المسرحية. وبسبب هذا الخطاب المنشور - في كتاب الحكيم «وثائق من كواليس الأدباء» - كتب أحمد رشدي صالح مقدمة؛ قال فيها: «... وموقف الحكيم من هؤلاء الأدباء، هو موقف الرجل الكبير الذي يعرف معنى العرفان. يبدأ رسائله المنشورة هنا، برسالة موجهة من مصطفى ممتاز وهو أحد الأدباء الذين بذلوا جهدا مقدرا، في ارتياد طرق المسرح المصري. والقارئ لا يعرف مصطفى ممتاز، ولكني عرفته عن قرب، وشدني إليه أنه في شيخوخته، لم يفقد إيمانه بعظمة الأدب المسرحي، بل كان دائم الحديث عنه. وكان دائم التقدير لتوفيق الحكيم.»
17
وهكذا حاول الحكيم إنصاف الرجل بعد وفاته بسنوات كثيرة؛ لنلتمس له بعض العذر أمام موقفه السابق تجاه مصطفى ممتاز. ورغم ذلك نعتب - عتابا رقيقا - على أحمد رشدي صالح بسبب كلامه المقتضب - اقتضابا شديدا - عن مصطفى ممتاز؛ الذي قال عنه إنه يعرفه عن قرب ، ورغم ذلك لم يرو حديثه ظمأ القارئ؛ ليعرف من هو مصطفى ممتاز! علما بأن أحمد رشدي صالح كاتب كبير، وله كتابات كثيرة منشورة،
18
وكنا نأمل أن يسهب في التعريف بمصطفى ممتاز؛ لا سيما أن أحمد رشدي صالح هو زوج ابنة الكاتب المسرحي مصطفى ممتاز؛ السيدة الفاضلة اعتدال ممتاز صاحبة كتاب «مذكرات رقيبة سينما».
Page inconnue
19
رحم الله الجميع: مصطفى ممتاز، وتوفيق الحكيم، ورشدي صالح، واعتدال ممتاز.
هذا هو موقف جميع الكتابات الحديثة من مصطفى ممتاز، ولن يجد القارئ معلومات عنه أكثر مما ذكر! وهذه الضبابية حول حياة مصطفى ممتاز وأدبه المسرحي؛ لفتت نظر الكاتب والروائي المعروف محمد جبريل؛ فكتب عنه كلمة عام 1995م، قال فيها: «نحن لا نعرف شيئا عن المسرحيات التي كتبها مصطفى ممتاز، قبل أن يقتبس توفيق الحكيم مسرحية «غادة نازبو» عن الفرنسية، ويترجمها مع ممتاز في صورة أوبريت غنائية باسم «خاتم سليمان» ... كانت النسخة الخطية للنص المسرحي مودعة في المركز القومي للمسرح. أتاح لي الصديق سمير عوض - سكرتير المركز آنذاك - قراءتها.
20
أتذكر الاسم بخط الرقعة على الغلاف، وأنها من تأليف مصطفى ممتاز وحسين توفيق الحكيم. كان الحكيم أيامها (أواسط الستينات) في رحلة إلى باريس. واتصلت بأستاذنا يحيى حقي، أسأله عن الرجل. قال إنه كان موظفا بإدارة الشياخات والعمد بوزارة الداخلية، وإن المسرح كان شاغله الأهم، لولا توقفه المفاجئ ... وفيما عدا كلمات رشدي صالح في مقدمة كتاب الحكيم «وثائق من كواليس الأدباء»، والرسالة التي نشرها الحكيم في بداية الكتاب، فإن اسم الرجل يغيب في الكتب النقدية، والمؤلفات التي تعنى بتناول إبداعاتنا وحياتنا الأدبية عموما، منذ بدايات القرن.»
21
وفي ختام كلمته طرح محمد جبريل عدة أسئلة حول سبب توقف مصطفى ممتاز عن الكتابة المسرحية، وهل له مسرحيات أخرى غير «خاتم سليمان»؟ ويختتم هذه الأسئلة بقوله: «الأسئلة كثيرة، والأجوبة ربما تتيح لنا التعرف إلى جوانب مجهولة من بدايات المسرح المصري المعاصر، بالتعرف إلى الجوانب المجهولة في سيرة أحد رواده ... ولعل ذلك ما يقدمه لنا - يوما - أحد طلاب الدراسات العليا في جامعاتنا العربية.»
22
وبعد مرور أربع سنوات على هذه الدعوة، تصدى شخصي الضعيف لها، فكتبت مقالة صغيرة، عرفت فيها الرجل، وأهم سنوات حياته، وأشرت إلى بعض أعماله المسرحية، ونشرتها في الكويت عام 1999م.
23
Page inconnue
ومنذ ذلك التاريخ؛ وأنا في بحث دائم عن الرجل وأعماله المسرحية المجهولة. وكم كانت سعادتي عندما علمت أن المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، يحتفظ بثلاث مسرحيات مخطوطة لمصطفى ممتاز - المنشورة في هذا الكتاب، وهي: «عبد الرحمن وعمر»، و«المنافقون»، و«المرحوم» - فتقدمت باقتراح إلى الدكتور سامح مهران - رئيس المركز - من أجل نشرها في كتاب؛ يضم تاريخ حياته، وتفاصيل نشاطه المسرحي. وبالفعل وافق الدكتور سامح مهران على الاقتراح، وبدأت العمل فيه. وأثناء العمل خطرت لي فكرة مفادها: البحث عن أسرة مصطفى ممتاز! وبعد عناء شديد - ومواقف حرجة وأخرى سارة - استطعت الوصول إلى ابنته ابتسام؛ التي سعدت كل السعادة بأن أحدا سيهتم بوالدها ويكتب عنه! ومساهمة منها في هذا المشروع أعطتني ثلاثة نصوص مسرحية مخطوطة أخرى، هي: «أنجومار»، و«جلنار بين ثلاثة رجال»، و«أصدقاء أم أعداء» - إضافة إلى صورة والدها.
لم يبق لإتمام المشروع إلا المعلومات المتعلقة بحياة مصطفى ممتاز، وعمله في الوظائف الحكومية، وكذلك المعلومات المتعلقة بنشاطه المسرحي، وتواريخ عروض مسرحياته، وما كتب عنها وقت تمثيلها. وكنت أتمنى أن تقوم ابنته بسد الثغرة الأولى المتعلقة بحياة والدها وعمله الحكومي؛ ولكن مرور أكثر من ثمانية عقود وقف حائلا أمام هذا التمني! وقبل الوصول إلى مرحلة اليأس؛ ظهرت بارقة أمل جديد من خلال البحث عن الملف الوظيفي لمصطفى ممتاز ضمن مقتنيات دار المحفوظات العمومية بالقلعة. وبالفعل نجحت في الوصول إلى هذا الملف، الذي يحمل رقم 11336. أما الخطوة الأخيرة في سبيل إتمام المشروع فكانت صعبة للغاية؛ لأنها تتعلق بالمعلومات الخاصة بنشاط مصطفى ممتاز المسرحي، وما صاحب هذا النشاط من إعلانات ومقالات نقدية. ولا سبيل إلى ذلك إلا بالبحث الميداني في الصحف المصرية القديمة المصاحبة لنشاط ممتاز المسرحي. وبالصبر والتروي استطعت الحصول على ضالتي من هذه المقالات؛ لتكتمل المادة العلمية لمشروع الكتاب، ويخرج مصطفى ممتاز الرجل المجهول إلى الوجود المعلوم، ويتبوأ مكانته الطبيعية وسط كتاب المسرح في فترة من الفترات المجهولة في تاريخ المسرح المصري.
مصطفى ممتاز موظفا حكوميا
ولد مصطفى محمود فهمي محمود فهمي - المشهور باسم مصطفى ممتاز - يوم 14 / 9 / 1892م،
24
بحي السيدة زينب بالقاهرة.
25
ومنذ طفولته نبغ في تلقي العلوم؛ فاستطاع أن يحصل على شهادة الابتدائية عام 1907م.
شهادة الابتدائية الخاصة بمصطفى ممتاز عام 1907م.
وفي هذه الفترة ترقى والده في وظائف الحكومة؛ حتى تقلد وظيفة رئيس قلم اللوائح؛ فترتب على ذلك نقله من القاهرة إلى الإسكندرية؛ فانتقلت الأسرة للعيش والعمل في هذا الثغر الجديد. والتحق الابن مصطفى بالمدرسة العباسية الثانوية، وظهرت ميوله في إتقان اللغات الأجنبية. وقبل عام واحد من حصوله على شهادة الثانوية، تعرض إلى مشكلة تأدية الخدمة العسكرية. وبعد معاناة كبيرة استطاع الأب أن يدفع البدل النقدي للخدمة العسكرية؛ حتى يحافظ على تفوق ابنه في الدراسة.
Page inconnue
شهادة المعافاة بالبدل النقدي عام 1911م.
وأخيرا حصل مصطفى على شهادة البكالوريا (الثانوية) في عام 1912م، وأراد - كما أراد والده - أن يستكمل دراسته العليا بمدرسة المعلمين الخديوية. وعندما بدأ في إجراءات الالتحاق رفض طلبه؛ لأنه غير لائق طبيا؛ حيث كان يعاني من ضعف في بصره بسبب كثرة القراءة ونهمه الشديد للعلم. وتحطمت آمال الطالب المجتهد، وآمال والده في استكمال دراسته العليا؛ فرضى مصطفى بقدره، وارتضى أن يبدأ حياته العملية بوظيفة صغيرة بشهادة الثانوية.
شهادة الثانوية الخاصة بمصطفى ممتاز عام 1912م.
انتظر مصطفى ممتاز عاما كاملا حتى ظهرت إحدى الوظائف الشاغرة بمصلحة خفر السواحل بالإسكندرية؛ فتقدم إليها بطلب هذا نصه:
طلب استخدام
الوظيفة المراد الالتحاق بها: كاتب بمصلحة خفر السواحل
سعادتلو أفندم ... جناب مدير مصلحة خفر السواحل
يتشرف مصطفى محمود فهمي بأن يعرض لسعادتكم بأنه مصري الجنسية، وقد حصل أخيرا على شهادة الدراسة الثانوية من الحكومة المصرية. وله إلمام باللغتين العربية والإنجليزية باعتبارهما لغتين أصليتين ويعرف اللغة الفرنسية بصفتها لغة أجنبية إضافية. وحيث إنه يوجد بمصلحة جنابكم وظائف خالية فإنه يلتمس تعيينه تحت التجربة بعد تأدية الامتحان الذي سيعقد في 1 / 2 / 1913م، ويتشرف بتقديم الاحترام أفندم.
خادمكم المطيع: مصطفى ممتاز
وكما عصف ضعف النظر بأحلام مصطفى في استكمال دراسته العليا؛ كاد أن يعصف أيضا بما تبقى من أحلامه في الحصول على هذه الوظيفة. فبعد نجاحه في اختبار القبول رسب في الاختبار الطبي بسبب ضعف النظر. ولكن الطبيب - وليام هستنج رئيس القومسيون الطبي - نصحه بإعادة الكشف مرة أخرى بواسطة نظارة طبية. وبسبب هذه النصيحة استطاع مصطفى أن يحصل على الوظيفة في مارس 1913م. وبعد مرور أشهر قليلة - وفي أكتوبر 1913م - ظهرت مشكلة تتعلق باسم مصطفى؛ مفادها أن اسمه المتداول بين الناس يختلف عن اسمه في الأوراق الرسمية؛ لذلك تقدم إلى وزارة الداخلية بطلب قال فيه:
Page inconnue
سعادتلو أفندم مدير قسم الإدارة بنظارة الداخلية
حيث إن اسمي الرسمي هو مصطفى محمود فهمي، ولست به معروفا خارج دائرة الرسميات، كالتعيين والنقل والشهادات الدراسية، واسمي المنادى به هو مصطفى ممتاز،
26
وهو المستعمل في جميع المعاملات والأخذ والعطاء. لذلك ألتمس تحريف اسمي الرسمي وجعله مصطفى ممتاز، ونشر ذلك في الأوامر العمومية حتى أجتنب بذلك جميع الارتباكات الناشئة عن ضرورة استعمال الاسمين ولسعادتكم الشكر، أفندم.
مصطفى محمود فهمي
كاتب بقلم الترجمة بقسم الإدارة بالداخلية
صورة مصطفى ممتاز عام 1923م، مع إهداء مكتوب خلفها إلى والده.
وبالفعل صدر الأمر العمومي من وزارة الداخلية بتغيير الاسم. وظل مصطفى ممتاز موظفا قديرا لسنوات عديدة، وارتضى بقدره حتى عام 1921م؛ عندما راوده الحلم القديم باستكمال الدراسة العليا؛ فتقدم للالتحاق بمدرسة الحقوق السلطانية. ولكن أعباء الوظيفة والأسرة منعته من تحقيق ذلك الحلم؛ الذي حققه بعد ذلك في ابنه أحمد ممتاز،
27
عندما ألحقه بكلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول عام 1945م.
Page inconnue
وينغمس أخيرا مصطفى ممتاز في مهامه الوظيفية فنجده يعين رئيسا للإدارة بمحافظة السويس في عام 1925م، ثم ينقل منها إلى مثل وظيفته بمديرية الفيوم في العام التالي،
28
وينقل مرة أخرى إلى مديرية القليوبية في عام 1928م. وأخيرا يستقر - بعد عدة تنقلات - في القاهرة كرئيس لقلم الجنايات الإفرنجي بحكمدارية بوليس مدينة مصر اعتبارا من سبتمبر 1929م. ويظل لمدة ست سنوات في عطاء وظيفي مميز حتى يقرر وزير الداخلية «محمد توفيق نسيم» إعطاءه رئاسة قلم تعيين العمد والمشايخ عام 1935م.
29
وظل مصطفى ممتاز - كعادته - يخلص في أداء مهامه الوظيفية؛ بدليل الخطاب التالي المرسل من وزير الزراعة إلى وزير الداخلية عام 1938م، وهذا نصه:
وزارة الزراعة
مكتب الوزير
حضرة صاحب المعالي وزير الداخلية
لمناسبة انتهاء اللجنة المشكلة بقرار من وزير الداخلية في 16 / 5 / 1938 لإصلاح القرية ووضع مشروع قانون للعمد، من عملها يسرني بصفتي رئيسا لهذه اللجنة أن أبلغ معاليكم ثنائي على حضرة سكرتيرها مصطفى ممتاز أفندي رئيس قلم شياخات الوجه البحري، لما بذله حضرته من الجهود المشكورة في القيام بواجبه على أحسن وجه. كما أرجو معه أن تتفضلوا معاليكم بالنظر في مكافأته على ذلك تقديرا للجهد والنشاط وحسن أداء الواجب، لا سيما وقد قام حضرته بهذا العمل علاوة على أعماله العادية.
وتفضلوا معاليكم بقبول فائق الاحترام.
Page inconnue
توقيع: وزير الزراعة
وفي الملف الوظيفي لمصطفى ممتاز وثيقة مهمة؛ تؤكد أنه رغم إخلاصه في العمل إلا أنه لم يحصل على حقوقه الطبيعية من درجات وترقيات وظيفية يستحقها بحكم أعماله ونشاطه. ولعل ما نلاحظه في هذه الوثيقة من التعسف السافر كان بسبب الظروف السياسية، وصراع الأحزاب في مصر. وهذه الوثيقة المؤرخة في 23 / 4 / 1942، عبارة عن مذكرة موجهة إلى وزير الداخلية تلخص الظروف التعسفية التي مرت على مصطفى ممتاز، وتطالب بإنصافه، وهذا نصها:
مذكرة عن حالة مصطفى ممتاز أفندي وكيل إدارة الشياخات بالداخلية
في سنة 1922م كان مصطفى ممتاز رئيسا لقلم مجالس المديريات بالداخلية. وكان حضرة الأستاذ عباس علام
30
مدير إدارة مجالس المديريات الآن، كاتبا بقلم السكرتارية. في سنة 1925م عين مصطفى ممتاز رئيسا للإدارة في الدرجة السادسة وحل محله في رياسة قلم مجالس المديريات الأستاذ عباس علام في الدرجة السابعة. اشتغل مصطفى ممتاز رئيسا للإدارة بمحافظة السويس ثم بمديريتي الفيوم والقليوبية. في سنة 1929م نقل مصطفى ممتاز إلى وظيفة رئيس قلم الجنايات الإفرنجي بحكمدارية بوليس مصر وهي وظيفة من الدرجة الخامسة. ولكن نظرا لأن وزارة الداخلية في ذلك العهد (عهد رفعة المرحوم محمد باشا محمود) لم تستأذن سعادة حكمدار بوليس مصر في أمر نقله إلى الحكمدارية، فقد رفض سعادته قبوله وأرسل إلى الوزارة يطلب إليها ندبه بها (عهد المرحوم عدلي باشا).
وقد تم هذا الندب أوائل سنة 1930م جاءت وزارة الوفد ونظرت في المظالم وكان حضرة أحمد فهمي إبراهيم بك ينظر في شكايات الموظفين، فشكا مصطفى ممتاز لحضرته وطالب بترقيته إلى الخامسة التي يشغلها فعلا، ولكن لسوء الحظ ظن حضرته خطأ أو وشاية أن الشاكي ينتمي إلى الفريق الآخر فترك أمره معلقا. سنة 1930، 1931م ولي الحكم دولة صدقي باشا وأجرى الانتخابات وكان في وكالة الداخلية سعادة القيسي باشا، وفي قسم الإدارة حجازي باشا. وقد اختار الاثنان بعض موظفي الوزارة للإشراف على عملية الانتخابات في القاهرة، وكان مصطفى ممتاز أحد هؤلاء، ولكنه أخبر سعادة القيسي باشا بحقيقة ما يجهله في اللجان؛ فكان جزاؤه أن انتزعت منه الدرجة الخامسة التي كان يشغلها ومنحت إلى حضرة الأستاذ محمود جودت مع أن الشاكي أقدم منه بسنين. وفضلا عن ذلك فقد رقي جميع الذين أشرفوا على عملية الانتخابات المذكورة ما عدا الشاكي وحده. سنة 1936م تخطاه في الترقية حضرة الأستاذ عباس علام. سنة 1938م رقي الشاكي إلى الدرجة الخامسة في شهر سبتمبر بعد أن مضى عليه في الدرجة السادسة ثلاثة عشر عاما، ولو كان قد رقي في سنة 1930م أو سنة 1931م كما كان يجب عدلا لجاز أن يكون الآن في الدرجة الثالثة سنة 1942م. خلت الآن وظيفة مدير إدارة من الشياخات وهي من الدرجة الثالثة ونظرا لما يتمتع به الشاكي من فضل الله من الرضا العام والتقدير فإنه لا يرجو أكثر من ترقيته إلى الدرجة الرابعة وإعفائه من الشهور الأربعة الباقية على جواز الترقية وتعيينه مديرا للإدارة المذكورة، ويكون في هذا تعويض له عما فاته بدون ذنب جناه.
والله ولي التوفيق.
ورغم ما تحمله هذه الوثيقة من حقائق وبيانات رسمية؛ إلا أن الأمر العمومي صدر سنة 1942م بتعيين مصطفى ممتاز وكيلا لإدارة الشياخات على الدرجة الرابعة؛ لا مديرا على الدرجة الثالثة كما طالبت المذكرة. ورغم ذلك استمر ممتاز سنوات عديدة يخلص في عمله
31
Page inconnue
رغم ظروفه الأسرية الصعبة،
32
حتى حصل أخيرا على الدرجة الثالثة عام 1946م؛ عندما تم تعيينه مديرا لإدارة المحفوظات والتوريدات والطباعة. وفي عام 1948م تقدم مصطفى ممتاز بالتماس إلى وكيل الداخلية؛ يطالب فيه بالترقية إلى الدرجة الثانية أسوة بمن هم أقل منه؛ وحصلوا على هذه الدرجة دون أن يحصل عليها هو؛ رغم أنه الأحق بها. وأرفق بهذا الالتماس كافة المستندات التي تؤيد رأيه. ورغم ذلك لم يلتفت إليه أحد، ومرت أربع سنوات، وهو يجاهد في سبيل الحصول على حقه المسلوب حتى جاء عام 1952م فرفع رئيسه المباشر مذكرة من أجل الحصول على هذا الحق، أو تحديدا من أجل الحصول على الدرجة الثانية جاء فيها:
مذكرة عن حالة الأستاذ مصطفى ممتاز
مدير إدارة المحفوظات في 14 / 4 / 1952
قضى في خدمة الحكومة نيفا وتسعة وثلاثين سنة. مضى عليه في الدرجة الثالثة ما يقرب من الست سنوات. رقي قبله من هم أقل منه خدمة وأقل منه مدة في الدرجة. لم يبق على إحالته إلى المعاش غير خمسة أشهر. والمرجو التفضل بالنظر في ترقيته إلى الدرجة الثانية، تحسينا لمعاشه وتقديرا لخدمته الطويلة. وملف خدمته يحوي الثناء ولا يشمل أي جزاء.
وأخيرا جاء التقدير، ومكافأة مصطفى ممتاز بمكافأة نهائية بعد خمسة أشهر من خلال أمر عمومي من قبل وكيل إدارة المستخدمين، والذي نص على: «يرفع اسم حضرة الأستاذ مصطفى ممتاز من إدارة المحفوظات والتوريدات والطباعة من عداد موظفي الوزارة بالإحالة إلى المعاش، اعتبارا من 14 / 9 / 1952 لبلوغه السن القانونية.»
وهكذا جاء التقدير لتاريخ مصطفى ممتاز في مجال الوظيفة الحكومية تقديرا متعسفا لواحد من أخلص رجال الوظيفة الحكومية في مصر؛ فقد أحيل إلى المعاش دون أن ترد إليه حقوقه الوظيفية؛ تلك الحقوق التي سلبت منه ولم ترد إليه حتى وفاته يوم 8 / 8 / 1964.
33
مصطفى ممتاز كاتبا مسرحيا
Page inconnue