Les Intrigues de l'Amour dans les Palais des Rois
مكايد الحب في قصور الملوك
Genres
وقد أسرفت في تبذير ما عندها من المال وإنفاقه على مسراتها وشهواتها حتى باتت صفر الكف، فاستعانت بالبابا طالبة أن يقرضها مبلغا. ولما عرض عليها قداسته راتبا شهريا قدره أربعمائة ريال بشرط أن تصلح سيرتها وتعتدل في نفقاتها، استشاطت غيظا وحنقا ورهنت جواهرها وبرحت رومية نافضة غبارها عن قدميها.
وانطلقت إلى فرنسا حيث تعيد تمثيل مجالي الأبهة والعظمة ومظاهر الطيش والحماقة. وفي كل مدينة عرجت عليها في رحلتها الملكية كانت تستقبل بالخطب السمجة المملة والحفاوات السنية. وكان الملك قد أوفد الدوق دي غيز لاستقبالها ومرافقتها، فوصفها بقوله: «طويلة القامة بدينة الجسم جميلة اليدين والذارعين غير مستوية الكتفين عريضة الوركين، تفرط في استعمال الغمنة (البودرة) لوجهها والدهون لشعرها. ولها أحذية الرجال وصوتهم وطرقهم. ومع شدة عجبها وكبريائها تراها بعض الأحيان دمثة الخلق لينة العريكة. تتكلم بثماني لغات، وهي في العلم والأدب كأبرع خريجي المدارس العليا. وحقا إنها شخص عجيب غريب.»
وكان الاحتفال باستقبالها في باريس لا يقل في رونقه وعظمته عن استقبالها في رومية، فدخلتها على جوادها الأبيض وجماهير المستقبلين لها يعدون بعشرات الألوف، وهي لابسة صدرة قرمزية اللون وعلى رأسها قبعة مزدانة بالريش الطويل، وقدامها على جانبي السرج طبنجتان وفي يدها خيزرانة. وبعدما نالت مشتهاها من دخول باريس في موكب كبار الملوك والقياصرة ذهبت لزيارة الملك والملكة في كمبيان. وقد وصفها بعض الذين شاهدوها في حضرة الملك فقال: «كان شعرها مشعثا ونقبتها (تنورتها) القصيرة منحسرة عن حذاء ضخم طويل كأحذية الرجال، وعليها سمات الجلافة والخشونة فهي بنورية (غجرية) أشبه منها بنروجية. ويداها قذرتان وسختان لقلة تعمدهما بالغسل والتنظيف.» وعلى رغم هذه المظاهر المستقبحة وقعت في نفس الملك وقعا حسنا جدا، وقال عنها: «إنها جميلة وإن لم تكن حسنة التناول.»
وكان ما ينقص خرستينا من سلامة الذوق وحسن التناول ظاهرا في جميع تصرفاتها. وقد اشمأز الملك لويس إذ رآها جالسة أمام أهل بلاطه على كرسي عال ورافعة رجليها على كرسي آخر مثله في العلو. وازداد تكرها واشمئزازا لما استعارته بعض خدمه المخصوصين لقضاء حاجات هي من شأن الإماء والجواري. وعلى رغم هذه المعايب وما أشبهها كشدة النزق وسرعة الغضب والانبعاث في الشتائم والأقسام، وعدم مراعاة آداب المائدة في أثناء تناول الطعام، على رغم هذه النقائض كلها كان في استطاعة خرستينا أن تظل مدة طويلة ناعمة بضيافة الملك لويس لو لم تتعرض لشئونه الخاصة وتقدم على المداخلة في شئون عشقه وغرامه. فقد ألحت عليه أن يتزوج ماري مانشيني ابنة أخت الكردينال مازارين ضد إرادة والدته التي أوعزت إليها بلطف أن تغادر فرنسا.
فاستأنفت أسفارها عودا على بدء. وفي طريقها إلى إيطاليا باتت ليلة في مونتارج حيث زارها ابن الملك ووصفها بما خلاصته: «دعيت للصعود وحدي إلى عليتها، فوجدتها في سريرها وعلى المنضدة شمعة بيضاء تستمد منها الغرفة نورا ضئيلا. وعلى رأس الملكة الحليق منشفة مكورة كالعمامة. ولم يكن للنظافة ولا للأناقة أثر على فضلها (ثوب النوم) ولا على شيء آخر حولها. فلم تكن جميلة ولا نظيفة.»
ولما وصلت إلى رومية كان استقبالها جافا فاترا، فقفلت راجعة إلى فونتنبلو. فلقيت فيها ما لقيته في رومية من التجهم والتقطيب وعدم الاحتفاء والترحيب. وإذ لم يكن الملك وحاشيته هناك أذنوا لها أن تقيم فيها وقتا قصيرا. وفي أثناء إقامتها وقع ذلك الحادث الفاجع الذي سود صحيفة خرستينا وقرن ذكراها بالعار والشنار إلى الأبد.
وخلاصة ذلك أنه كان بين أتباعها شابان من نبلاء إيطاليا وشرفائها؛ أحدهما المركيز سونالدتشي والآخر الكونت سنتينلي. وكانا كلاهما يتنازعان حبها والتقرب إليها، وكانت كفة سنتينلي الراجحة، فدبت عقارب الغيرة والحسد في قلب خصمه المركيز، وزور رسائل بتوقيع الكونت تتضمن طعنا جارحا في جلالتها. فلما بلغها ذلك وتحققت صحة التزوير الذي أقدم المركيز عليه، حمي وطيس سخطها وحنقها ودعتهما كليهما إليها. فحضر سنتينلي ومعه جنديان إيطاليان، وعرض رسائل القذف والطعن، وسأل مونالدتشي هل هو كاتب هذه الرسالة، فأنكر بادئ ذي بدء ثم اعترف، وجثا على ركبتيه عند قدمي الملكة طالبا صفحها وغفرانها، فأعارته أذنا صماء والتفتت إلى راهب كانت قد دعته إلى الاجتماع وقالت له: «خذ يا أبي هذا الرجل وأعده للموت وافعل ما يجب نحو نفسه.» ثم أشاحت عن المركيز المنكود الحظ الجاثي على ركبتيه قدامها ودخلت إلى غرفتها تلهو بمجاذبة وصيفاتها أطراف الدعابة والمجون.
ثم تلا ذلك وقوع كارثة هي من أفظع الفواجع في تاريخ البشر. فإن الراهب هاله الحكم بالموت على المركيز كما لو كان عليه هو. وذهب إلى خرستينا ليشفع فيه، فأعرضت عنه واستتلت هذرها وهذيانها. وجاءها المركيز نفسه ووقع عند قدميها وصاح: «رحماك! اصفحي عني إكراما لجراح المخلص.» فأجابته: «لا يمكنني ذلك.» ثم أصدرت أمرها إلى سنتينلي تقول له: «أكرهه على الاعتراف ثم اقتله.»
وما كاد المركيز يفرغ من لفظ آخر اعتراف على الأرض بما لا مزيد عليه من اللجلجة والغمغمة، حتى رفعه الكونت إلى جدار الرواق وفاجأه بأول ضربة من سيفه. وإذ كان المركيز أعزل تلقى السيف بيده فبرى ثلاث أصابع منها بري القلم ونثرها على الأرض. واشترك الجنديان في الحمل عليه حتى جندلوه والدم يتدفق من عدة جراح بالغة في رأسه وسائر أعضاء جسده، ثم عاجله الكونت بضربة من حسامه اخترقت حشاه، وختمت أفظع جريمة في تاريخ الإنسانية. وبينما كان محبها السابق ملقى مدرجا بدمائه يصرخ صرخات الموت، كانت هي جالسة في غرفة مجاورة وقهقهة فرحها تمتزج بأصوات نزعه ولفظه النفس الأخير.
ولما ذاعت أنباء هذه الجناية الوحشية أجفلت أوروبا بأسرها من شدة هولها وفظاعتها، وعدها الناس قاطبة أشنع ما اقترفته يد هذه الشيطانة الرجيم من الجرائم والموبقات. وحينما بعث إليها مازارين رسولا ينذرها بما يتهددها من الخطر في فرنسا أن حدثتها نفسها بالمجيء إليها، أجابته بكل سلاطة ووقاحة قائلة: «لو كان مونالدتشي باقيا حيا لما أحجمت دقيقة عن فعل ما فعلته به. إذن لا أرى أقل سبب يحملني على الندامة.» وبعد خمس وعشرين سنة ظلت على ما عهدها به الناس من الصلابة والوقاحة. ومما كتبته عن هذه الجريمة قولها: «لست أرى موجبا لتنصلي من تبعة مقتل مونالدتشي. فما أسخف هذه الضجة التي يثيرها الناس على حادث تافه كهذا! فإن أصروا على عد القتيل بريئا لم يهمني ذلك قيد شعرة ولا مثقال ذرة!»
Page inconnue