Les Intrigues de l'Amour dans les Palais des Rois
مكايد الحب في قصور الملوك
Genres
وهذا التصريح يدل على شجاعتها الأدبية وما عندها من إنكار النفس. وليس من ريب في أنها عنت كل كلمة منه، وكانت فيما عزمت عليه صادقة غير كاذبة. ولكن عندما ينشب الكفاح بين الحب والواجب، فالنصر يكون في الغالب حليف الأول، وهذا ما حصل الآن. ويقال إن دراغا ظلت ثلاث سنوات متوالية ترفض رفضا باتا أن تجيب طلب إسكندر وتكون زوجة له وتصبح في عداد ربات التيجان في العالم.
وكانت الملكة ناتالي غافلة عن هيام ابنها بوصيفتها، وعدت كثرة تردده إليها من قبيل اللهو والتسلية، ولكنها لما اطلعت ذات يوم على كتاب من ابنها إلى دراغا ورأت ما فيه من بينات تصبيها له وتسلطها عليه، استشاطت غيظا وسخطا عليها. واتفق أنها كانت قبيل ذلك في باريس، فقال لها أحد العرافين المدعين معرفة الغيب: «إنك تحفظين في صدرك حية سامة سوف تلدغك يوما ما لدغة مميتة.» وبعد اطلاعها على الكتاب تحققت صدق النبوءة، وعلى الفور طردت دراغا، فخرجت تجر ذيل الخزي والعار.
ولو أن ناتالي تعمدت إلقاء دراغا في حضن ابنها لم يكن في استطاعتها أن تجد وسيلة أشد وأفعل من طردها لها من قصرها. فإن الملك عندما بلغه ما أصاب حبيبته خف إليها على جناح السرعة ليؤاسيها ويعزيها ويستعطفها متوسلا إليها أن تجيب طلبه وترضى أن تكون شريكة حياته قائلا لها: «عندما تصبحين زوجتي - زوجتي الوحيدة - تبيتين في أمن ولا يبقى لأحد أقل سلطان عليك. فامنحيني هذا الحق؛ حق حمايتك والدفاع عنك.» وحينئذ لم يبق في وسع دراغا إلا الرضا والإذعان. ومن تلك الدقيقة صدر حكم القضاء والقدر على هذين العاشقين المنكودي الحظ.
ولما بلغ وزراءه خبر عزمه على الاقتران بها أسرعوا إليه وشددوا في نصحه وإنذاره بالعدول عن هذا الخرق والطيش، وأروه سوء المغبة ووخامة المصير. ولكنه أعار كلامهم أذنا صماء، وقال لهم بحدة وهياج: «ليس في العالم كله سوى امرأة واحدة أحبها وأفضلها على كل شيء حتى على تاج الملك. وهي وحدها قادرة على تسليتي وتعزيتي، وبقربها فقط أستطيع أن أنسى مرارة حياتي الماضية، وأنال ما تشتهيه نفسي من المسرة والهناء. ومهما يكن من نتيجة اقتراني بها فإياها وحدها أروم أن تكون زوجة لي.» وهكذا صارت دراغا الفقيرة البائسة أرملة المهندس الوضيع الحقير ملكة سربيا.
ولما بلغ أباه هذا الخبر، وكان إذ ذاك في باريس، غلت مراجل غضبه وصاح: «يا له من أمر هائل مخيف! حقا إنه يفوق الإدراك ويتعدى حد التصديق. وإن رضي السربيون بهذه المرأة ملكة لهم كانوا أجدر أهل الأرض بتقمص الخزي والعار. أفهكذا يفعل ابني! ابني الوحيد إسكندر؟! إنها لمعرة تصمه بوصمة الاحتقار إلى الأبد. وكنت دائما أخاف عليه من الوقوع في شرك إحدى النساء الشريرات، وها قد وقع الآن وقضي على أسرتي؛ على أسرة أوبرنوفي!»
وكأني به نطق بهذه الكلمات بروح الوحي والإلهام؛ لأن ما أنذر به ثم بعد وقت غير طويل، وارتقاء دراغا عرش السرب مهد سبيل السعاية بها والكيد لها والائتمار عليها. لم تستطع أن تحسن التصرف في شيء، وكان إسراف زوجها في تدليلها وترفيهها عبارة عن أمضى سلاح شهره أعداؤها عليها، ولم يبق للسربيين حديث في ليلهم ونهارهم سوى تنقصها وتعييرها واتهامها بكل ما يلبسها ثوب العار والشنار ويوغر الصدور بنار كرهها، والسعي في تطهير العرش من رجاساتها. ومما نقموه عليها شدة تعجرفها وكبريائها وإفراطها في التبذير والإسراف، وعجزها عن ولادة وارث للعرش، وسعيها في ترشيح أخيها له. وهذه التهمة الأخيرة جلت على غيرها من التهم، وكانت أكبر سبب مباشر لوقوع الكارثة العظيمة التي هز العالم قاطبة هول اقترافها. •••
والمشهد الأخير من هذه الفاجعة الملكية كان بعد منتصف الليل في يوم من شهر يونيو سنة 1902، وكان إسكندر ودراغا قد دخلا مخدعهما ليناما حسب عادتهما كل ليلة، وعلى رغم الخوف الذي كان يساورهما (لأنهما كانا قد أنذرا غير مرة بالمخاطر التي تتهددهما) رقدا ولم يعرهما شيء من الأرق والقلق. وخيم السكوت على القصر الذي كان ملاك الموت باسطا عليه جناحيه؛ لأن المتآمرين كانوا قد طوقوه بالجنود ليتمكنوا من إجراء ما أرادوا بلا أقل مقاومة.
وانسل بعض الضباط النشاوى بحميا الخمر وشهوة سفك الدم إلى القصر متذرعين إلى دخوله من منفذ في مؤخره، وكانوا قد رشوا حراس بابه ففتحوه لهم، واندفعوا إلى داخله وهم يطلقون الرصاص بلا شفقة ولا هوادة على الخفراء الذين ظلوا إلى تلك الساعة موالين لملكهم، وخفوا صاعدين إلى الطبقة العليا، ووقفوا أمام باب الغرفة حيث يرقد الملك والملكة، وكانا قد استيقظا على أصوات إطلاق الرصاص وجلبة الثائرين، ووقفا متلاصقين والاضطراب يحفهما من كل جانب، وبذل قائد الحرس جهده في صد الثائرين فلم يستطع، وكانوا قد جاءوا بفأس فأخذوا يعالجون فتح الباب بضربات شديدة منها، ولما تحقق قائد الحرس أنه لا فائدة من المقاومة، قال لهم: «احلفوا لي أنكم تبقون على الملك لكي أطلب إليه أن يفتح لكم.» فحلف له بعضهم، وحينئذ صاح صوته بأعلى: «افتح يا مولاي، افتح، إن ضباط جيشك الواقفين هنا لا يريدون بك شرا.» وعلى الفور انفتح الباب ووقف القتلة السفاحون وجها لوجه أمام مليكهم ومليكتهم، وكلاهما في ثياب النوم، ولكنهما كانا ثابتي الجأش لا يبديان شيئا من الخوف والجزع.
ثم انفصل الملك عن الملكة وتقدم إلى أعدائه، وقال لهم بلهجة الحزم والرزانة: «ماذا تريدون مني في ساعة كهذه؟ أهذه علامة إخلاصكم لمليككم؟» فلبث الضباط هنيهة صامتين وقد استولى عليهم الذعر في حضرة ملكهم وفريستهم، وكان بينهم ضابط يمتاز بجسارته وإقدامه، فصاح بهم: «ويلكم أيها الجبناء الرعاديد! ما بالكم واقفين وقد غل الرعب أيديكم، وشل الخوف قلوبكم! انظروا ها أنا ذا أري الملك ولائي وإخلاصي.» قال هذا وصوب مسدسه نحو الملك وأطلقه عليه، فخر جريحا بين ذراعي دراغا.
وإذ ذاك هب الضباط الباقون بأسرع من لمح البصر مقتدين به في إطلاق الرصاص على فريستهم حتى مزقوا جلديهما وجسديهما، ثم استلوا سيوفهم وأعملوها فيهما ثأيا وتمثيلا تقشعر لهما الأبدان. وصرخ قائدهم الكولونيل ماستشين: «اقذفوا بهما من النافذة! اطرحوا جثتيهما إلى الكلاب.» وكانت دراغا قد فارقت الحياة، فجروا جسدها المغشى بالجراح وفيه ما فيه من آثار التمثيل والتفظيع وألقوه من النافذة إلى حديقة القصر، ثم ألقوا بعدها جثة الملك إسكندر، وكان فيه بقية من الرمق، فأجهزوا عليه وقذفوا به إلى الحديقة وهم يصيحون: «ليحي الملك بطرس! ليحي الملك بطرس (وهو الملك بطرس قرجيورجيفتش الذي ملك بعد إسكندر.)» ثم تصاعدت أصواتهم تشق عنان الهواء فرحا وابتهاجا باقتراف جريمة ترتعد لشدة هولها وفظاعتها فرائص الإنس والجن.
Page inconnue