Les Intrigues de l'Amour dans les Palais des Rois
مكايد الحب في قصور الملوك
Genres
وفي ذلك اليوم جاء المارشال دوروك وكبار رجال الحكومة وعظماء الأمة طالبين أن يروها، فأبت أن تقابل أحدا منهم معتذرة بكونها مريضة . ولكن زوجها لج في حملها على الخروج من مخدعها إليهم، وحضور وليمة العشاء التي دعاها نبوليون إليها.
فلم يسعها أن تصر على الإباء والامتناع، بل لم تر بدا من الإذعان لمشيئة زوجها وإلحاح رجال أمتها الذين لم يكتفوا في محاولة إقناعها بالتوسلات والبينات، بل شفعوا ذلك كله بالإنذار قائلين لها أن إصرارها على الرفض يضر بمصلحة الوطن، وينافي ما هو معهود بها من التفاني في خدمته والذود عن استقلاله. فأجابتهم إلى ما طلبوا، وعقدت عزمها على التعرض للمحنة الثانية التي كانت شرا من الأولى وأسوأ مغبة. وصدر الأمر إلى عقيلة فوبان وصيفة الأمير بونياتوسكي أن تعنى بتدريبها وتخريجها في آداب البلاط وأساليب التبرج والتزين، والجلوس حول مائدة الكبراء والعظماء. ولزيادة إقناعها وتذليل كل عقبة في سبيل انقيادها جاءها كتاب بتوقيع أعيان بلادها يذكون فيه نار حميتها ومحبتها لوطنها.
ومما جاء في هذا الكتاب قولهم لها: «اذكري إستير الإسرائيلية المذكورة في العهد القديم من الكتاب المقدس، وقولي لنا: هل تظنين أنها بذلت نفسها إلى أحشويرش الملك حبا له وهياما به؟ فقد بلغ من شدة خوفها منه أنه أغمي عليها عندما نظرته. إذن لم يكن حبها له الباعث على العمل بموجب إرادة عمها مردخاي، بل ضحت بأغلى شيء عندها في سبيل إنقاذ وطنها. وبهذا الإنقاذ تعظمت وتمجدت. ونحن نرجو أن تحذي حذوها وتتمجدي بإنقاذ وطنك!»
قال المستر ماسون: «استعانوا على إغرائها واستمالتها بكل وسيلة: بوطنها وأصدقائها ودينها وعهدي الكتاب المقدس القديم والجديد (التوراة والإنجيل)، بهذه كلها توسلوا لإغواء فتاة ساذجة غرة، بلا تجربة ولا اختبار وهي ابنة ثماني عشرة سنة، وليس لها مرشد صالح ولا مشير أمين حكيم.» وهذه المساعي كلها كانت ملحقة برسائل الشوق والغرام من قبل نبوليون. ومن ذلك قوله لها في إحدى رسائله: «هل ساءك مني شيء؟ أراك في غفلة عني غير مكترثة لي. ونار شغفي بك تكاد تحرقني. لقد كدرتي صفاء راحتي وسلامي! فارثي لفؤادي المسكين المعذب بهواك، وامنحيه قليلا من الغبطة التي يصبو إلى نيلها بقربك.»
وفي الوقت المعين لتناول العشاء ذهبت ماري، فاستقبلها المدعوون مبالغين في الاحتفاء بها، مستبشرين بنيل ما تصبو إليه نفوسهم على يدها. ولم تخرج تحية نبوليون لها عن حد المجاملة البسيطة، فاقتصر على قوله لها: «بلغني أن عقيلة والسكا متوعكة المزاج، فأرجو أن تكون الآن قد نالت الشفاء التام.» ولكن عينيه كانتا في أول تناول الطعام موجهتين إليها كأنهما مجذوبتان بقوة المغنطيس، وكانت أفكاره كلها مشغولة بها عن غيرها. وبعد الفراغ من تناول الطعام دنا منها وتناول يدها وضغطها بعامل الوجد، وقال لها وعيناه شاخصتان في عينيها: «لا. لا! إن ربة هاتين المقلتين الجميلتين، وهذه السيماء الرقيقة الأنيقة، لا يسعها الإصرار على القطيعة والصد. لا يمكنك أن تسري بتعذيبي إلا إذا كنت أقسى النساء قلبا وأخلاهن من عاطفة الشفقة والحنان.»
ولما انصرف المدعوون خرجت بها عقيلة فوبان، وأقبلت السيدات المدعوات عليها يتملقنها قائلات لها: «لم يرمق واحدة منا بنظرة، بل كانت عيناه شاخصتان إليك. فقد سحرت لبه واستوليت على مجامع قلبه، فلك أن تفعلي به ما تشائين، وخلاص بولونيا في يدك.»
وبعد وصولها إلى منزلها غائصة في لجج التأمل والافتكار جاءها المارشال دوروك يحمل إليها رسالة من سيده، فسلمها إياها وطفق يحاول إقناعها بما عرف به من فصاحة اللسان وقوة البرهان قائلا لها: «أفي استطاعتك أن ترفضي طلب رجل لم يجرؤ أحد قط أن يعصي له أمرا؟ إن ضياء مجده الساطع يغشاه الآن سحاب غم. ولك أن تبدديه إن شئت بزيارة قصيرة يسعد فيها بمشاهدتك.»
وبعد انطلاقه فتحت الرسالة وقرأت فيها ما يأتي:
إن قلبي ذاب أو كاد يذوب شوقا إليك، وإذا شئت ففي استطاعتك أن تتغلبي على جميع الموانع التي تحول بيني وبينك. وصديقي دوروك يمهد السبيل. فتعالي تعالي! جميع طلباتك تجاب! وسألحظ وطنك بعين الرعاية والاهتمام متى رأيتك ترثين للقلب المعذب الذي بين جنبي «ن».
فقد صرح لها نبوليون بأن استقلال بولونيا متوقف عليها. وبعين التصور رأت وطنها العزيز مطلقا من قيود الاستعباد ومستردا حريته واستقلاله. وهذا كله متوقف على عملها، على تضحيتها بشرفها. فهل في إمكانها أن تدفع هذا الثمن؛ الثمن الغالي المخيف، وتبذله في سبيل وطنها؟ فساورها القلق والاضطراب، وحمي وطيس النزاع في أفكارها بين عوامل الرفض والمقاومة، وبواعث الإذعان والتسليم. ولكن قوة المقاومة فيها كانت قد خارت وكلت من جراء توالي الهجمات العنيفة التي انصبت عليها مرة بعد مرة كما رأينا. وفي هذه الحملة الأخيرة وهنت وكفت عن المقاومة، وعزمت ماري والسكا أن تلقى نبوليون على انفراد وتقول له صريحا إنها لم تستطع أن تشاطره الحب، وتتوسل إليه بشرفه أن يخلي قلبها من حبها وينقذ وطنها.
Page inconnue