Makarim Al-Akhlaq
مكارم الأخلاق
Genres
ويرجو العباد في الصغير فيعطي العبد ما لا يعطي الرب فما بال الله جل ثناؤه يقصر به عما يصنع بعباده أتخاف أن تكون في رجائك له كاذبا أو تكون لا تراه للرجاء موضعا وكذلك إن هو خاف عبدا من عبيده أعطاه من خوفه ما لا يعطي ربه فجعل خوفه من العباد نقدا وخوفه من خالقه ضمارا (1) ووعدا وكذلك من عظمت الدنيا في عينه وكبر موقعها في قلبه آثرها على الله فانقطع إليها وصار عبدا لها ولقد كان في رسول الله (ص) كاف لك في الأسوة ودليل على ذم الدنيا وعيبها وكثرة مخازيها ومساويها إذ قبضت عنه أطرافها ووطئت لغيره أكنافها وفطم عن رضاعها وزوي عن زخارفها- وإن شئت ثنيت بموسى كليم الله إذ يقول رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير @HAD@ والله ما سأله إلا خبزا يأكله لأنه كان يأكل بقلة الأرض ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله وتشذب
كان يعمل من سفائف الخوص بيده ويقول لجلسائه أيكم يكفيني بيعها ويأكل قرص الشعير من ثمنها وإن شئت قلت في عيسى ابن مريم فلقد كان يتوسد الحجر ويلبس الخشن وكان إدامه الجوع وسراجه بالليل القمر وظلاله في الشتاء مشارق الأرض ومغاربها وفاكهته وريحانه ما تنبت الأرض للبهائم ولم تكن له زوجة تفتنه ولا ولد يحزنه ولا مال يلفته ولا طمع يذله دابته رجلاه وخادمه يداه فتأس بنبيك الأطيب الأطهر (ص) فإن فيه أسوة لمن تأسى وعزاء لمن تعزى وأحب العباد إلى الله المتأسي بنبيه والمقتص لأثره قضم الدنيا قضما ولم يعرها طرفا أهضم أهل الدنيا كشحا (3) وأخمصهم من الدنيا بطنا عرضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها وعلم أن الله أبغض شيئا فأبغضه وحقر شيئا فحقره وصغر شيئا فصغره ولو لم يكن فينا إلا حبنا ما أبغض الله وتعظيمنا ما صغر الله لكفى به شقاقا لله ومحادة عن أمر الله
Page 9