Collection de Correspondances, Questions et Fatwas
مجموعة الرسائل والمسائل والفتاوى
Maison d'édition
دار ثقيف للنشر والتأليف
Numéro d'édition
الطبعة الأولى
Année de publication
١٣٩٨هـ
Lieu d'édition
الطائف
Genres
Fatwas
الخيرات، فاذا علق الزائر روحه به وأدناها منه فاض من روح المزور على روح الزائر من تلك الالطاف بواسطتها كما ينعكس الشعاع من المرآة الصافية، والماء على الجسم المقابل له، قالوا: فتمام الزيارة أن يتوجه الزائر بروحه وقلبه إلى الميت، ويعكف بهمته عليه، ويوجه قصده كله واقباله عليه، بحيث لا يبقى فيه الالتفات إلى غيره وكلما كان جمع القلب والهمة عليه أعظم كان أقرب إلى الانتفاع به.
وقد ذكر هذه الزيارة ابن سيناء والفارابي وغيرهما، وصرح بها عباد الكواكب في عبادتها، وهذا بعينه هو الذي أوجب لعباد القبور اتخاذها أعيادًا، وتعليق الستور عليها وايقاد السرج، وبناء المساجد عليها، وهو الذي قصد رسول الله ﷺ أبطاله ومحوه بالكلية، وسد الذرائع المفضية إليه، فوقف المشركون في طريقه، وناقضوه في قصده، وكان رسول الله ﷺ في شق وهؤلاء في شق وهذا الذي ذكره هؤلاء في زيارة القبور والشفاعة التي ظنوا أن آلهتهم تنفعهم بها، وتشفع لهم عند الله قالوا: فان العبد اذا تعلق روحه بروح الوجيه المقرب عند الله وتوجه بهمته إليه، وعكف بقلبه عليه صار بينه وبينه اتصال يفيض عليه نصيب مما يحصل له من الله، وشبهوا ذلك بمن يخدم ذا جاه وحضرة وقرب من السلطان وهو شديد التعلق به فما يحصل لذلك من الأنعام والأفضال ينال ذلك المتعلق به بحسب تعلقه به فهذا سر عبادة الأصنام، وهو الذي بعث الله رسله وأنزل كتبه بابطاله، وتكفير أصحابه ولعنهم، وأباح دماءهم وأموالهم وسبى ذراريهم وأوجب لهم النار.
والقرآن من أوله إلى آخره مملوء من الرد على أهله، وأبطاله مذهبهم قال الله تعالى: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ فأخبر أن الشفاعة لمن له ملك السموات والأرض، وهو الله وحده، وهو الذي يشفع بنفسه إلى نفسه ليرحم عبده فيأذن هو ملك السموات والأرض، وهو الله وحده، وهو الذي يشفع بنفسه إلى نفسه ليرحم عبده فيأذن هو لمن يشاء أن يشفع فيه، فصارت الشفاعة في الحقيقة انما هي له، والذي يشفع عنده انما يشفع باذنه وأمره بعد شفاعته سبحانه إلى نفسه، وهي ارادته من نفسه أن يرحم عبده وهذا ضد الشفاعة الشركية التي أثبتها هؤلاء المشركون، ومن وافقهم، وهي التي أبطلها الله ﷾ بقوله: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ﴾ وقوله: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ﴾ وقال: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ﴾ .
وأخبر سبحانه أنه ليس للعباد من دونه، بل أراد سبحانه رحمة بعبده اذن هو لمن يشفع فيه كما قال تعالى: ﴿مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ﴾ وقال: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾ فالشفاعة باذنه ليست شفاعة من دونه، ولا الشافع شفيع من دونه، بل يشفع باذنه، والفرق بين الشفيعين كالفرق بين الشريك، والعبد المأمور فالشفاعة التي أبطلها شفاعة الشريك، فانه لا شريك له، والتي أثبتها
1 / 219