فإذا كان الكلام على هذه الصفة، وألف على هذه الشريطة، لم يكن اللفظ أسرع إلى السمع من المعنى إلى القلب، وصار السامع كالقائل، والمتعلم كالمعلم، وخفت المؤنة واستغنى عن الفكرة، وماتت الشبهة وظهرت الحجة، واستبدلوا بالخلاف وفاقا، وبالمجاذبة موادعة، وتهنئوا بالعلم، وتقنعوا ببرد اليقين، واطمأنوا بثلج الصدور، وبان المنصف من المعاند، وتميز الناقص من الوافر وذل الخطل وعز المحصل، وبدت عورة المبطل، وظهرت براءة المحق.
وقلت: والناس وإن قالوا في الحسن: كأنه طاقة ريحان، أو خوط آس، وكأنه قضيب خيزران، وكأنه غصن بان، وكأنه رمح رديني، وكأنه صفيحة يمان، وكأنه سيف هندواني، وكأنه جان، وكأنه جدل عنان؛ فقد قالوا: كأنه المشتري، وكأن وجهه دينار هرقلي. وما هو إلا البحر، وما هو إلا الغيث. وكأنه الشمس، وكأنها دارة القمر، وكأنها الزهرة، وكأنها درة، وكأنها غمامة، وكأنها مهاة.
Page 64