وكيف يعرف السبب من يجهل المسبب، وكيف يعرف الوصل من يجهل الفصل، وكيف يعرف الحدود من لم يسمع الفصول. بل يعرف كيف الحجة من الشبهة، والغدر من الحيلة، والواجب من الممكن، والغفل من الموسوم، والمحال من الصحيح، والأسرار من المجهول ومن كبار الدلائل الخفية وما يعلم مما لا يعلم، وما يعلم باللفظ دون الإشارة مما لا يعلم إلا بالإشارة دون اللفظ، وما يعلم معتمدا ولا يعلم مكيفا ولا يعلم معتقدا. وما المستغلق الذي يجوز أن يفارقه استغلاقه، والمستبهم الذي لا يفارقه استبهامه، ومن هو طائر مع العوام حيث طارت، وساقط معها حيث سقطت، مع الزراية والرغبة عنها. قد طلبها بفضل طلبه لنفسه، وجرى معها بقدر مناسبتها لقدره.
فاعرف الجنس من الصنف، والقسم من النصنف، وفرق ما بين الذم واللوم، وفصل ما بين الحمد والشكر، وحد الاختيار من الإمكان، والاضطرار من الإيجاب. وسنعرفك من جملة ما ذكرنا بابا بابا أنت إليه أحوج، وهو علينا أرد.
فصل
وما في الأرض إقرار أثبت، ودليل أوضح، وشاهد أصدق، من شاهدي عليك على ما ادعيت لنفسك من الرفعة مع ما ظهر من حسدك لأهل الصنعة. وهل يكون كذلك إلا فاسد الحس ظاهر العنود، أو جاهل بالمحال.
Page 56